الجمعة، 3 أغسطس 2012

مفهوم الطبقة :

       مفهوم مجرد لانجد تجسده الا عند تفحص البنية الاجتماعية وطبيعة التوزيع السائد فيها للسمات الطبقية المندرجة في قائمة غير متفق على تحديدها واختيار المعيار المعتمد من بينها لحساب الافراد – على حسابه – ضمن هذه الطبقة او تلك . إن ظهور طبقة لايكون فعلياً الا بموازاة طبقة أخرى بما يحقق واقع التراتب الطبقي . فعندما تقاس طبقة بطبقة أخرى سواء اكانت أقل منها شأناً أم أعلاها فلا وجود للطبقة الأولى الا بوجود الطبقة النقيضة لها . وفي صراع هذه الطبقات يتجلى الوجود الأجتماعي عن مرحلة جديدة وطبقة جديدة تُسمِ هذه المرحلة بميسمها وتأخذ عنها ملامحها وطبيعة تكوينها ، فالطبقات لايصبح وجودها محسوساً الا من خلال الصراعات القائمة بينها ([1]) .
       والصراع هذا ليس بالأمر اللازم لوجود الطبقات ونشاطاتها فحسب ، بل انه موجود مادام الأنسان يصارع محيطة الأجتماعي والطبيعي ويصارع نفسه أيضا هادفاً من وراء ذلك الى تكييف ذاته مع محيطه العام والخاص بحيث يكون أقوى على الكسب وأقدر على البقاء.
       والسياق الطبقي للصراع يشير الى انقسام المجتمع الى طبقتين ، أحداهما : طبقة مالكه لوسائل الانتاج والاخرى طبقة العمال الاجراء التي لاتملك سوى الجهد الذي تبيعه لمالكي وسائل الانتاج ([2]) او كما تقدمه الفلسفة المادية التي تفهم


المجتمع وتناقضاته على اساس طبقي، فهي تعبر عن الطبقات المالكة لوسائل الانتاج في المجتمع والطبقات غير المالكة لها ، وكذلك فهي تعد الطبقات الاجتماعية والصراع الطبقي المحور المركزي لحركة المجتمع وتطوره ([3]) .
       فمفهوم الطبقة Class " يوحي بمعنى الدرجات المتفاوته والمتراتبة هرمياً من المافوق الى المادون " وللطبقة في العربية مرادفات أخرى مثل ( الصنف، الضرب، النوع ، الزمرة ، الفئة ، المرتبة، الدرجة) : فضلاً عن المرادفات الشريحة والطائفة. واعتمدت اللغة العربية اصطلاح الطبقة الاجتماعية للدلالة على مفهوم Social Class ، وهي عبارة يتعلق جذرها بفكرة التكديس والشرائح فوق بعضها بعض ، وهي تشير منذ القرون الوسطى الى مئات من الأفراد مع فكرة التعاقب التأريخي او التدرج التراتيبي وكذلك الى أجيال من الناس ذوي مهنة واحدة والى المنضوين في مدرسة واحدة ([4]) ووردت في القرآن الكريم كلمة درجة للدلالة على مفهوم التفاضل والتراتيب هرمياً بين الناس في المجتمع ([5]) .
       وقد عرّف رفعت السعيد الطبقة انها مجموعة كبيرة من الناس تختلف عن بعضها بالمكانة التي تشغلها في نظام محدد تأريخياً للانتاج الاجتماعي وبعلاقاتها
( التي تكون في معظم الحالات محددة ومصاغة في القانون) ([6]) بوسائل الانتاج وبدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل وبالتالي بأسلوب وأبعاد اكتساب جانب الثروة الاجتماعية التي تنتجها ([7]) . فالثروة ولا المهنة تكفي لتحديد الطبقة وذلك لانها تتفاوت في كميتها في دخول أفراد المجتمع في الوقت الذي تضم الطبقة الواحدة في ثناياها فئات متنوعة لكنها لاتحول دون أن تكون الطبقات الاجتماعية حقائق لها كيانها . فمفهوم الطبقة على وفق ذلك (مجموعة من الأفراد يتشابهون فيما بينهم في نواحٍ معينة كنوع الحياة او الحرفه أو الثروة والتعليم والثقافة ، ويختلفون عن غيرهم في هذه النواحي نفسها داخل نطاق المجتمع الواحد ) ، فهي مستوى مادي وثقافي مشترك . ويمكن تحديد الطبقة ايضاً من زاوية وسائل الانتاج والعمل الاجتماعي فتكون الطبقة (مجموعة من الافراد يجمعهم بصفة خاصة مركزهم من ملكية وسائل الانتاج ودورهم في العمل الاجتماعي) (
[8]) .
       فأبرز التقسيمات المعتمدة في وصف وتحليل دراسة البنية الاجتماعية لاتتم الا من خلال اعتماد نسق تقسيم المجتمع الى طبقات تتراتب بعضها فوق بعض تبعاً لشروط الثروة والمكانة الاجتماعية والقوة والجاه والسلطان وذلك للأختلاف بين الطبقات وبين الطوائف والفئات البشرية والذي كان قائماً منذ ازمنة طويلة ([9]).
       وهذا الحال ينطبق على المجتمعات التي تتميز بمظاهر بدائية للتقدم لكونها تتباين في تقسيم الأفراد على المراكز والمراتب التي تعكس ظاهرة التدرج في القيم المتفاوتة ([10]) ،


([1])       بيار لاروك ، الطبقات الأجتماعية، ترجمة جوزيف عبود كبه ، منشورات عويدات ،  بيروت، ط1، 1973م، ص47.
([2])       الفلاحون والثورة في الريف ، السلسلة الحمراء 14 ، دار الطليعة، بيروت ،ط1، 1974م ، ص6.


([3])       افرام داود شبيرا، دور المثقفين في التحولات الاجتماعية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد ، 1979م، ص 36.
([4])       مكسيم رودنسون ، التأريخ الاقتصادي وتأريخ الطبقات الاجتماعية في العالم الاسلامي، تعريب شبيب بيضون، دار الفكر الجديد، بيروت ، 1979م ، ص 8-9 ؛ محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس (قاموس) ، ج26 ، د.م ، د.ت، ص 61 (الطبقة).
([5])      قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ] وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ[ صدق الله العظيم ، سورة الزخرف ، الآية 32.
([6])       رفعت السعيد ، هل يمكننا الآن تدوين تأريخ الطبقة العاملة العربية، مجلة دراسات عربية ، العدد 70 ، السنة الخامسة عشر، آيار ، 1979م ، ص 41-42.
([7])       المصدر نفسه.
([8])       عاصم الدسوقي، كبار ملاك الاراضي الزراعية ودورهم في المجتمع المصري ، 1914-1952م، دار الثقافة الجديدة، القاهرة ، 1975م، ص 318-319.
([9])       ت . ب بوتومور، الطبقات في المجتمع، ترجمة وهيب مسيحه، تقديم عباس محمود العقاد ، مكتبة الانجلو مصرية ، القاهرة ، د.ت ، ص 2.
([10])      اليكس انكلر ، مقدمة في علم الاجتماع، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، دار المعارف، مصر،ط2،  1977م، ص 16.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق