الخميس، 2 أغسطس 2012

عملية الزراعة في الأندلس:

  بعد الانتهاء من عملية حرث الارض وتعديلها وتسويتها تكون الارض مهيأة للزراعة ، والزراعة تعني طرح البذور في الارض([1]) . ويقوم الفلاح بهذه العملية بصورة منظمة ومتساوية([2]) . ويجعل بين كل ثمرة واخرى اثنا عشر ذراعاً ([3])ولقد عرف زراع الاندلس طرقاً عديدة للزراعة منها ما يزرع بالنوى ، او النوامي (القضبان ) وهي الفروع الصغيرة او الزراريع ( وهي البذور ) ([4]) ، او من الملوخ ( وهي ان تملخ الاغصان من الشجرة باليد ملخا بلحاها ، ولا تقطع بحديدة حادة قاطعة) ([5]). وهناك طرق اخرى للزراعة مثل الزرع بواسطة الاقلام ، وتؤخذ الاقلام من الشجرة ذات صفات جيدة ([6]).  والزرع على شكل فسيلة مثل النخيل([7]).

4_ التركيـب :
يعد التركيب احد الاساليب الزراعية التي برع بها اهل الاندلس وهو عملية اضافة الاشجار بعضها الى بعض فتكون ثمارا مختلفة من اصل شجرة واحدة وفوائد التركيب تكمن في ان هذه الاضافة تزيد بعض الثمار طيباً وحسناً وتجعل الثمار تنضج في غير اوانها ، وتحدث في بعض الثمار منافع لم تكن موجودة فيها قبل الاضافة ، وتعطيها الواناً غير الوانها وتجعل بعض الثمار تثمر في السنة مرتين ([8]).
وقبل البدء بعملية التركيب يجب اختيار الغصن المناسب من الشجرة التي يراد الاضافة منها حيث يجب ان يكون اجود واحسن غصن فيها وان يكون غليظاً كغلظ السبابة من الاصابع([9]) وان يكون كثير الماء ([10])، ويفضل ان يكون ابن عامين([11]) ، وبعد اختيار الغصن تبدأ عملية التركيب بأن يقطع الغصن المختار من الشجرة بمنجل حاد([12]) او بالسكين لشق الشجرة المراد التطعيم بها([13]) ويدفن بأكمله في  طين او تراب ندي طيب([14]) قد اعد لذلك في اناء ويترك فيه لمدة عشرة ايام ثم يخرج منه ([15]).
5- السقـي :   
  بعد الانتهاء من الزراعة لابد من سقي النبات والسقي هو تعهد النبات بما يحتاج اليه من الماء ([16]). ويكون السقي بما ينزله الله من الغيم او ما يسقى بالسيح([17]) ، والسيح هنا السقي بغير آلة من الات الري التي ستذكر لاحقاً ، والاندلس اعتمدت في زراعتهـا على الامطار بصورة كبيرة وكون الامطار تشح او تقل في سنوات او مواسم معينة عمل الاندلسيون على ايجاد مصادر جديدة لري مزروعاتهم وهذا ما ساتحدث عنه في المبحث الثاني اضافة الى استخدام مياه الانهار والعيون والابار في السقاية([18])  .
اما عن الوقت المناسب للسقي فأنه يفضل سقي الاشجار في شهر آب حيث شدة الحر وكذا في تشرين الاول في شدة البرد حيث يعمل السقي في البرد على قتل الدود المتولد في اصول الشجر ويفضل سقي الاشجار ايضاً في وقت تفتح الزهور واوراق الشجر ويفضل عدم السقي بالنهار عند اشتداد الحر ، كما ان الارض البعل لا تسقى لان سقي الماء يضرها ويكفيها ماء المطر ، والاشجار الجبلية لا تتحمل كثرة السقي كالفستق والبندق والاس والكمثرى والقراصيا ([19]).ويراعى في السقي طبيعة التربة فأذا كانت التربة رملية فيفضل ان لا تسقى كثيراً لان الماء يغور في داخلها ([20]) ، والتربة السوداء تحتاج الى ماء كثير ، كما يراعى في السقي طبيعة النباتات فهناك نباتات تحتاج الى ماء كثير واخرى تحتاج الى ماء قليل واخرى الى سقي معتدل فمثلاً التي تحتاج الى ماء قليل شجرة الجوز فقد تسقى اربع او خمس مرات في العام([21]) . والثوم كذلك لايحب الماء الكثير([22])  ، اما التي تحتاج الى سقي كثير مثل الموز والتفاح والسفرجل والاترج والنارنج والخوخ والآجاص والرمان ، والذي يحتاج الى سقي معتدل الياسمين ([23]).
6 - الحصـــــاد :
بعد نضج المحاصيل الزراعية تبدأ مرحلة اخرى وهي مرحلة حصدها وحصد الزرع اي قطعه واستحصد الزرع أي حان له ان يحصد ([24]).
وتختلف عملية الحصاد حسب نوع المحاصيل فقسم من المحاصيل الزراعية لاتحتاج الى ادوات لحصادها بل يجب قطفها ، والقطف هو كل شيء تقطعه عن شيء فقد قطفته ([25])، وقسم منها لابد من استخدام اداة لحصاده مثل المحصد أي المنجل([26]) الذي يستخدم لحصاد الحبوب بشكل خاص كما ذكرنا في الادوات([27])  .
وبعد الانتهاء من عملية الحصاد يتم تنقية الحبوب من الشوائب بواسطة الغربال كما ذكرنا وبعدها اما يباع المحصول في الاسواق او ينقل الى المخازن ليتم تخزينها فيها ويتم نقلها بمساعدة العمال المزارعين او بمساعدة الابقار .
7 - تخزين المحاصيل الزراعية :
لقد عرف الاندلسيون كيفية خزن الحبوب وحمايتها من التسوس والتلف
حيث يتم تخزينها في مخازن خاصة تسمى البيادر ([28]) ،
او بيوت الاهراء ([29]) ، وهي عبارة عن مخازن يتم بناؤها بالحفر في الحجر في محاذاة اقدام الجبال او في اوان فخارية كبيرة توضع تحت سطح الارض([30])، ويفضل ان يكون مكان البيدر بعيداً عن البساتين لان التبن الدقيق الذي يفرش في ارض الحفرة او في اواني الفخار يضر بالشجر المثمر اذا وقع على الثمر والورق ويجففها وخاصة البقول فأنه بمثابة السم القاتل ويفضل ان يكون موقعه الى جانب هبوب رياح الشمال والجنوب وان يكون بعيداً عن البيوت وعن اصطبلات البقر والخيل([31]) والذي شجع الاندلسيون على تخزين المحاصيل هو طبيعة تربتهم وطبيعة مناخهم وخبرتهم التي يمتلكوها في هذا المجال فمثلاً تميزت سرقسطة بأنها لا يتسوس ولا يتعفن فيها شيء من جميع الفواكه والطعام والحبوب ويبقى القمح بها مئة سنة لايتسوس والعنب المعلق من ستة اعوام وكذلك التين والاجاص والخوخ والتفاح ويخزن بها الفول والحمص مدة عشرين سنة([32]) .
وطليطلة التي تميزت بطعامها الذي لا يتغير مع الايام والزمان فيوضع قمحها في بطون الاهراء فيلبث غاية الاعمار سبعين عاماً ثم نجده كما هو صحيحاً ليس به تلف ولم يتسوس([33])، وفي اشبيلية بها زيتون اخضر يبقى مدة لايتغير طعمه ولا شكله([34]) ، والمرية يخزن بها الشعير ستين وسبعين سنة ولايتسوس([35]).
وبالنسبة للرمان يجمع السالم منه والذي لم يتشقق ولم يصبه أي تلف ونحفر له في حفرة مثل القبر ويفرش اسفلها بالرمل ثم يوضع فوقها طبقة من الرمان ثم طبقة من الرمل وهكذا الى ان تمتلئ الحفرة ثم تغطى بغطاء معدلها ويوضع التراب فوق الغطاء وتكون طريقة الخزن هذه في البساتين وهكذا يبقى الرمان طرياً العام كله كأنه قطف للتو([36]) .
اما طريقة حفظ التين فتتم بواسطة طلائه بالعسل حين يجمع من الشجرة ويوضع في اناء من زجاج بشكل متباعد لا تلتصق الواحدة بالاخرى ويغلق الاناء بالشمع فيبقى التين رطباً على حاله حتى يفتح عنه ([37]) او يعلق التين ويعرض للهواء الى ان ييبس بشكل تام فيبقى مدة طويلة ولايتلف([38]) .
اما طريقة حفظ الحنطة من الفساد ان يعد تراب ابيض يابس وورق رمان         يابس مدقوق وينشر فوق الحنطة فأنه يحفظها من التسوس وهكذا بالنسبة للشعير او  تدفن جرار مملؤة بالخل في وسط الشعير يسلم من الآفة ، وقد يخزن القمح والشعير      في حفاير من الارض البيضاء الجافة الباردة فيبقى فيها دهراً دون ان يتلف او       يتسوس ([39]).
وفي خزن القسطل والبلوط ان يوضعا في حفرة على نحو ما ذكرته ويكون عمقها ثلاثة اشبار وتكون الحفرة في موقع لا يصل اليها المطر ثم تفرش الحفر بالرمل ثم توضع فوقها طبقة من القسطل والبلوط وهكذا الى ان تمتلئ الحفرة ونضع في فمها رمل ثم تعدل الحفرة وتسوى بالارض وتنقى مرة واحدة بعد تغطيتها وهكذا يبقى اخضر لمدة ستة اشهر واكثر من ذلك([40]) .
اما طريقة حفظ العنب فيتم باختيار العناقيد الجيدة من العنب بعد نضوجه تماماً وقطعه عن الشجرة وتعلق هذه العناقيد برمتها دون ان تفرط في ظل الشجرة وبعد ان تيبس تماماً تؤخذ كهيأتها وتوضع في اوعية في بيوت الخزن على ان لا يصل اليها دخان ولا ماء ولا نداوة فأن الزبيب يطيب ويطول بقاؤه([41]) .


([1]) الاسكندراني ، الالمام ، ج3 ، ص182  .
([2]) علي ، المفصل ، ج7 ، ص48 ؛ كحالة ، العلوم العلمية ، ص171  .
([3]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص55 .
([4]) م ، ن ، ص59 .
([5]) النابلسي ، علم الملاحة ، ص27.
([6]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص65-66 .
([7]) ابن وحشية ، ابو بكر احمد بن علي بن قيس الكسدائي ، كتاب النخيل ، مخطوطة محفوظة في دار المخطوطات العراقية ، بغداد، تحت رقم 39903 ، ورقة رقم (1-3) .
([8]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص73  .
([9]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص73  .
([10]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص96  .
 ([11]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص75 .
([12]) م ، ن ، ص73 ؛ ابن بصال ، الفلاحة ، ص96 .
([13]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص96  .
([14]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص73 ؛ ابن بصال ، الفلاحة ، ص96 .
([15]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص73 .
([16]) سوسة ،احمد، تاريخ حضارة وادي الرافدين في ضوء مشاريع الري الزراعية والمكتشفات الاثارية والمصادر التارخية ، ج1 ، بغدادـ1986، ص462     
([17]) الرازي ، مختار الصحاح، ص305 .
([18]) ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، ج5 ، ص462 .
([19]) النابلسي ، علم الملاحة ، ص19 .
([20]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص44 .
([21]) م ، ن ، ص72 .
([22]) م ، ن ، ص144 .
([23]) النابلسي ، علم الملاحة ، ص25 -26 .
([24]) الرازي ، مختار الصحاح ، ص139  .
([25]) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة قطف ، مج9 ، ص286 .
([26]) الرازي ، مختار الصحاح ، ص139  .
([27]) علي ، المفصل ، ج7 ، ص50  .
([28]) صالح ، انظمة الري والزراعة ، ص105 .
([29]) ابن غالب ، فرحة الانفس ، ص288 .
([30]) صالح ، انظمة الري والزراعة ، ص105 .
([31]) ابن حجاج الاشبيلي ، المقنع في الفلاحة ، ص16 ؛ النابلسي ، علم الملاحة ، ص139 .
([32]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص82 ؛ المقري ، نفح الطيب ، ج1 ، ص197 ؛ مؤلف مجهول ، ذكر بلاد الاندلس ، ص70 71 .
([33]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص83 ؛ ابن غالب ، فرحة الانفس ، ص288 .
([34]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص89 ؛ القرماني ، اخبار الدول ، ص27 .
([35]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص101 .
([36])ابن بصال ، الفلاحة ، ص180 .
([37]) صالح ، انظمة الري والزراعة ، ص105 .
([38]) الزهري ، كتاب الجغرافية ، ص82 .
([39]) النابلسي ، علم الملاحة ، ص140 .
([40]) ابن بصال ، الفلاحة ، ص180  .
([41]) قسطوس ، الفلاحة اليونانية ، ص70 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق