الخميس، 16 أغسطس 2012

حصيلة الاستعمار الفرنسي في المغرب
1_re_de_couv   

1. مرجع عنيد  :                                                                                 
لا شك أن هذه الترجمــة تسد ثغرة كبرى في المكتبة المغربيــة. فقد صدر النص الأصلي منذ ما يناهز الثلاثين سنة، وقوبل بحماس كبير، أهَّله لنيل جائزة وزارة التربية الوطنية المغربية لسنة 1957، ومنذ الحين، ظل مرجعــــا أساسيا يستقطب كافة القراء والباحثين المهتمين بالتحولات التي عرفها المغرب خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي  .
لماذا احتفظ الكتــاب بمثل هذه المكانـــــــــة؟ لهذا الســــؤال ما يبرره، لأن أليبر عياش كان يسعى قبل كل شيء إلى إدانة الاستعمار الفرنسي بالمغــــرب، وإلى تفنيد الأطروحات السائدة في أوساط الرأي العام الفرنسي. نحن إذن أمام ملف سجالي يرتبط بظرفية مؤرّخة، وهي ظرفية المد التحرري الذي واكبته سلسلة من الاستقلالات السياسية  .
في غـــالب الأحيان، تتقادم الكتابات المماثلة بتقادم الظرفية التي أنتجتهــــا، فتلتحق برفوف الوثائق والشهادات التي لا ينفض غبارها سوى المؤرخ المتخصص  .
إلا أن الكتاب الذي نقدم ترجمته العربية شــذ على القاعدة، وذلك لسببيـــــن رئيسيين. فمن جهة نلاحظ ندرة الدراسات المتعلقة بالبنيات الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها السيطرة الفرنسية بالمغرب، وهو الجانب الذي يمثل النواة الصلبة لهذه الدراسة، ومن جهة أخرى، استطاع المؤلف أن يحقق رهانا نادرا ما يتم تحقيقه، حيث انه عرف كيف يوفق بين الموقف السياسي الشجاع والتحليل العلمي الرصين  .
في العنوان الفرعي للكتاب، ترد فكرة "الحصيلة" والقراءة الأولى لمحتواه تبرز نوعية التعامل مع الموضوع من حيث دقة المعلومات، ومتانة الاستشهاد، كما أن رغبة المؤلف في الإحاطة بجوانب "ملفه" وطموحه إلى الكتابة التركيبية يجعلان القارئ يلجــــأ أحيــانا إلى الاستعمـــال المجتزأ للكتاب بحثا عن معطيات منفصلة: التغطية السريعة لتاريخ المغرب إلى حدود معاهدة الحماية، المؤسسات السياسية للسلطة الاستعمارية، أشكال الهيمنة الاقتصادية وعواقبها الاجتماعية، وأخيرا المقاومة والحركة الوطنيــة. لكن ألبير عياش، في الواقع، بنى تركيبه انطلاقا من أرضية نظرية متماسكة، تقف في مواجهة التصور الاستعماري لتاريخ المغرب ولتاريخ المستعمرات عامة
2. التناول الاستعماري لتاريخ المغرب  :
إن قراءة الأدبيات الفرنسية الغزيرة، المتعلقة بتاريخ ومجتمع المغرب والتي تم إنتاج جزء كبير منها من خلال مؤسســات "علمية" كـ"البعثة العلميــة" و"معهد الدراسات العليا المغربية"، تكشف عن الكيفية التي تحولـــــت بها أحكام القيمة والايديولوجيا الاستعمارية إلى مسلمات معرفية، يعاد استخدامها للتهيئ للتدخل الاستعماري ثم لتنفيذ وتبرير سياســـــة الغــــزو(1) وتتلخص الأطروحات الأساسية لهذا التصور في أن المغرب مجتمع يعيش في فوضى شاملة ومستمرة، ولا ترجع هذه "الفوضى المغربية" إلى مجرد ظرفية أزّمت هياكل الدولة والمجتمع، وإنما هي فوضى "تاريخية" تمثل جزءا عضويا من بنية الكيان المغربي نفسه، وقد طبعت تاريخ المغرب في مجمله ومنذ الفتح العربي، أي منذ القضاء النهائي على نتاج استعمار أوربي محضّر، وهو الاستعمار الروماني. وتجد هذه الفوضى مصدرها في التعارض المستمر بين العرب "الغزاة المستبدين" المستقرين بالمــدن والسهول، والسكان الأصليين المناهضين لهؤلاء العرب، سواء كحكم أو تنظيم اجتماعي أو كدين وثقافة. وقد أنتج هذا التمثل مجموعة من الأزواج الشهيرة التي استخدمت (ولا تزال تستخدم) لدراسة تاريخ ومجتمع المغـــرب كالعــرب/البربر، السهل/الجبل، الشرع/العرف، المخزن/السيبة، و"تيوقراطيــة العرب"/"جمهورية البربر"، الخ... وبالتالي يجد الاستعمار مكانه كبديل وحيد وموحّْد، قادر على تجاوز هذه التعارضات المستعصية  .
إن مرافقة التقصي "العلمي" للتدخل الاستعماري ظاهرة عامة تتصل بعلاقة المعرفة بالسلطة، إلا أن المسألة اتخذت في المغرب شكلا متميزا. فإذا كانت ظرفية التنافس الدول طوال الثلثين الأخيرين من القرن التـــاسع عشر قــــد أخرت زمنيا استحواذ فرنسا على مصير المغرب (1912) فإن هذه الملابسات مكنت المتربول من مراكمة قدر كبير من المعرفة الميدانية، في وقت شحذت فيه مهاراتها الاستعمارية ببلدان ومناطق أخرى مثل الجزائر وتونس والهند الصينية ومدغشقر. هكذا استطاعت فرنسا أن تبلور في المغرب سياسة مبنية على توظيف البنيات العتيقة من الاقتصاد في التكاليف، كذلك عملت على المتابعة العلمية المثابرة لمستجدات المجتمع المستعمر  .
في هذا المناخ، برز نموذج الإداري أو الضابط الذي يتولى دراسة وتحليل منطقة نفوذه، حيث كانت المونوغرافيا تتوج أحيانا المرحلة التدريبية لرجال جهاز الحماية. وهذا السياق هو الذي أفرز عبقرية جاك بيرك الباحث قبل أن يتحول هذا الأخير إلى موقف إصلاح الإطار الاستعماري من الداخل، لكن روبير مونطاني يظل أوضح تشخيص لهذه الظاهرة، فقد بنى نظريـــة فــي البنايات الاجتماعية القبلية وأشرف على أول بحث حول "نشأة البروليتاريــــــا المغربية  ".
3- الأطروحات الأساسية لألبير عياش :
تجد هذه الممارسة المعرفية نقيضها في تجربة ألبير عيـــاش. فهــــــو مــن مواليد مدينة تلمسان (1905)، وقد التحق بالمغرب كأستاذ للتاريخ والجغرافيا في وجدة ثم الدار البيضاء، انخرط في نقابة الأساتذة بالمغرب (S.P.E.S.) وأصبح عضوا فعالا في نقابة الكونفدراليـــة العامة للشغل (CGT) كمناضل وكباحث اهتم بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما جعله يتعرض لتعسف السلطات الاستعمارية التي أقدمت على طرده من المغرب سنة 1953. وبعد أن استقر في باريس، عزم على تحضير أطروحة جامعية في موضوع الطبقة العاملة المغربية، لكن رغبته اصطدمت بتحفظ الجهاز الجامعي الفرنسي، فتحول المشروع الأصلي إلى صيغة الكتاب الذي نقدم ترجمته العربية، وكان آنذاك محاولة جريئة لإعادة كتابة تاريخ المغرب (2).
في الفصول التي خصصها ألبير عياش لتاريخ مغرب ما قبل الاستعمار، عمل المؤلف على إعادة الاعتبار للمغرب ككيان تاريخي، فاهتم بتشكل الشعـــب والدولة، وبين كيف أن الشعور الوطني صيرورة شحذتها مقاومة المغاربة للتدخل الأجنبي. وربما كان ألبير عياش من أول المؤرخين الذين وضعوا منعطف القرن الخامس عشر في سياقه الحقيقي. لماذا تراجع الاقتصاد وتفكك البنيات الاجتماعية والسياسية منذ تلك الحقبة؟ عوض التركيز على المقولة الخلدونية حول "الاكتساح الهيــــلالي" ذكّر المؤلف بأهمية العامل الاقتصادي، أي بالظرفية الدولية التي أدت إلى تحويل طرق التجــارة السودانيــــــة.
ورغم هذه الاعتبارات، فإن العطاء الرئيسي للكتاب يتمثل في مقاربته لفترة الحماية، وهنا نلتقي بالأطروحات الأساسية، أن النظام الذي قننته معــاهدة فاس كان مجرد أداة استغلالية، وفرت الهياكل السياسية والمؤسســــاتية للمجموعات المالية الكبرى التي بدأت بالتحكم في مالية المخزن منذ أوائل القرن الحالي عبر مسلسل القروض، ويتعلق الأمر بمجموعات "بنك باريس والبلاد المنخفضة" وشنيدير و"بنك الاتحاد الباريسي".
ويقدم ألبير عياش مادة دسمة في موضوع الاستثمار الاستعماري بالمغرب من حيث مصادر تمويله، وأشكال توظيفه، وأهم مراحله. هذه المادة الغنية بالبيانات الدقيقة، شكلت فيما بعد مرجعا مركزيا اعتمدت عليه الدراسات التي تناولت البنيات الاقتصادية للاستعمــــــار الفرنسي بالمغرب. ومن أهم هذه الدراسات نذكر أطروحة عزيز بلال حول "الاستعمار بالمغرب (1912 – 1964)" (3) هنا تزداد الدقة في التناول النظرية دون أن يتغير المنظور العـــام.
فقد تجاوز عزيز بــلال المجال الزمني للحظة الاستعمارية. لأنه حلل ظاهرة الاستثمار على ضوء إشكالية التخلف، كإشكالية اتضحت معالمها بعد أن حصل المغرب على الاستقلال السياسي. فالاقتصاد الاستعماري احدث بنيات كان من شأنها أن تعوق على المدى البعيد، إمكانيات التراكـــــــم المستقل الممركز حول الذات(4) الأمر الذي يعني أن الاستعمار لم يكن إذن مجرد عملية استغلالية، بل وضع الاقتصاد المغربي في فك الرأسمال الفرنسي والدولي، ويساعد هذا التحليل على تجاوز إشكالية "التحديث" الاستعماري، فعوض وصف الازدواجية (تقليد/عصري)، نتجه إلى تعليل استمرار الاقتصاد "التقليدي".
إن هذا الاستمرار لم يكن نتيجة لقصور الإدارة الفرنسية، بل كان نتيجة لمنطق الاقتصاد الرأسمالي التابع، والذي يحتاج إلى هامش يساعده على التراكم السريع. وفي كتاب ألبير عيــاش، نلمس هذه العلاقات من خلال الفصول التي حررها الجغرافي جان دريش، حيث يجد القارئ وصفا لأشكال تهميش وتفكيك المجال الاقتصادي، سواء في الجانب الفلاحي أم في الجانب الصناعي الحرفي.
فالبداية لم تعان فقط من سطو المعمرين على مساحات شاسعة من الأرض الخصبة، بل إن الفلاحين والرعاة فقدوا التوازنات التي كانت قائمة فيما قبل (بيئة/تقنيات/ديموغرافيا) وظلوا عاجزين عن مواجهة متطلبات الاقتصاد النقدي، مما أدى إلى تفاقم التكديح والهجرة.
تحتل الدراسة الاقتصادية – الاجتماعية لفترة الحماية حوالي ثلثـي كتـــاب ألبير عياش، وقد أكدنا على صمود قيمتها العلمية، لكن الأمر يختلف بالنسبة للقسم الأخير والذي يعالج تاريخ الحركة الوطنية.
ميز المؤلف بين ثلاث مراحل: المقاومة المسلحة، ثم حركة المطالبة بالإصلاحات، فحركة المطالبة بالاستقلال. وخلف هذا التسلسل الزمني، هناك خيط رابط يعتمد على تحليل برهن فيما بعد على تقادمه، لأنه أفرط في التركيز على العامل الاقتصادي واتخذ منحى المركزية الأوروبية.
يمكننا أن نتساءل: ألسنا أمام قراءة تتضمن الإحالة على التجربة التاريخية للمجتمعات الأوروبية، والتي ارتبط فيها نمو فكرة الوطن والقومية، وحركة التوحيد الوطني بصعود البورجوازية، وبسلسلة الحروب التي نشبت على امتداد القرن التاسع عشر. فالقومية حسب هذه التجربة التاريخيـــة وتأويلها الستاليني هي التعبير الأيديولوجي لكل بورجوازية عن رغبتها في توحيد وحماية "سوقها" ضدا على التفتيت الفيودالي، وفي مواجهة البورجوازيات الأخرى. ولذلك يسود في هذه المنظومة الفكرية، الاعتقاد بحتمية العلاقة بين الحركات الوطنية والطموحات البورجوازية في المستعمرات.
وقد كيف هذا التصورُ الموقفَ السياسي للشيوعيين الفرنسيين ثم المغاربة في مرحلة أولى إزاء مطالب الحركة الوطنية، حيث مُنحت الأولوية للنضال الاجتماعي ولوحدة الشعبين الفرنسي والمغربي. كما أن الطبقة العاملـــة (بمعنى البروليتاريا التي تناضل ضد البورجوازية) حُمٌّلت وفق هذا التمثل، دورا يوحي بأن المجتمع المغربي قد تحول منذ بداية الأربعينات، وبفعل المشروع الاستعماري، إلى مجتمع طبقي متمايز، يحتد فيه الصراع حــول قيادة وتوجيه النضال التحرري بين البورجوازية (الحركة الوطنية) والبروليتاريا (طليعتها الحزب الشيوعي المغربي).
لكن، إذا كانت عناصر "بورجوازية" هي التي برزت في قيادة الحركة الوطنية، فهل كانت هذه الحركة بورجوازية فعلا في تركيبها الاجتماعي وبرنامجها السياسي؟ هذا سؤال تطرحه قراءة هذا الكتاب، وتصعب الإجابة عنه في الوقت الراهن. في الواقع، تتعدد الأسئلة المعلَّقة، لأن المسافة التي تفصلنا عن منعطف الاستقلال السياسي لم يرافقها إثراء المعرفة التحليلية للمرحلة الاستعمارية.
4- الاستعمار والكتابة الوطنية: كثافة الاستحضار وضعف التحليل:
إن التصور السائد للعهد الاستعماري يشكل امتدادا لتطور الحركة الوطنية. أين هذا الامتداد؟ وما هو انعكاسه على المستوى المعرفي؟
لقد تمثلت الحركة الوطنية المغربية الاستعمار، وقاومته، لا كاغتصاب سياسي واقتصادي يهدد البنية المغربية، ويسعى إلى تطويرها على شكل مؤسسات وعلاقات كولونيالية، ولكن بالأساس كخطر ثقافي – ديني، يهدد "الهوية" الوطنية ووحدتها، ولذلك، فإن التزامــــن بين الميلاد السياسي للحركة الوطنية مع إعلان الظهير البربري أمر له دلالته السياسية والأيديولوجية البالغة الأهمية، في توضيح طبيعة هذه الحركة، كتصور مضاد للتصور الاستعماري، استطاع أن يحقق نجاحا جماهيريا واسعا، في غياب برنامج سياسي واضح يتجاوز المطالبة بالاستقلال السياسي، وقد تبلور هذا البعد للحركة الوطنية بالتدريج، ابتداء من حركة مناهضة الظهير البربري، فمطالب الشعب المغربي، إلى وثيقة الاستقلال، وإلى التركيز سياسيا على نشــر ثقافة عربية عصرية في مواجهة الثقافة الاستعمارية من خلال المدارس الحرة. وهذا ما يفسر كذلك الاهتمام المحدود والمتأخـــــر للتيار السائد داخـــــل الحركة الوطنية، بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والنقابية.
حددت هذه المواقف فيما بعــــد، أشكال الوعي باللحظة الاستعمارية ضمن صيرورة التاريخ الوطني، فيما ان التحرر يتلخص في استرجاع الهوية تصبح تلك اللحظة مجرد بياض أو انقطاع، فتُبرّا الذات وتُحمى تناقضات الكيان، في حين يُحمّل الآخر كافة مسؤوليات "العطــــب التاريخي". لكن فــــي آن واحد، وعبر الأدبيات والشهادات، يشتد حضور الملحمة، لأنه في هــذا الحضور تزكية لمشروعية قوى راهنة. يقترن إذن بؤس المعرفة بسخونة الرهانات، فيعزف المؤرخ عن مجهود لا يشجعه ولا يسهله أحد(5).
ادريس بنسعيد – عبد الأحد السبتي
قائمة ببعض مؤلفات ألبير عياش
1) الكتب:
جغرافيا المغرب، بالاشتراك مع ف. جولي، ج. فارديل، ل. سوش. منشورات دولاغراف 1949.
المغرب والاستعمار (حصيلة السيطرة الفرنسية). المنشورات الاجتماعية. باريس 1956.
تاريخ إفريقيا الشمالية القديم. المنشورات الاجتماعية. باريس 1964.
الحركة النقابية في المغرب. الجزء الأول (1912-1942) منشورات لارماتان 1982.
2) الدراسات والمساهمات:
أنجز البير عياش العديد من الدراسات والأبحاث نقتصر منها على الآتي:

رؤوس الأموال والاستثمارات 
-  حركة رؤوس الأموال بالمغرب من 1940 إلى 1951. الدفاتر الدولية عدد 50 سنة 1953 ص 75 – 85
-  مونوغرافية مقاولة استعمارية: شركة السكر المغربية (كوزمار) ضمن كتاب: المقاولات والمقاولون بإفريقيا في القرنين 19-20 منشورات لارماتان 1983 ص 463 – 475.



التاريخ
-  اليمين واليسار في الحماية الفرنسية بالمغرب (1934 – 1936) مجلة الفكر la Pensée ع 188، غشت 1976، ص 86 – 99
-  شيوعيو المغرب والمغاربة (1936-1939). ضمن دفاتر الحركة الاجتماعية. ع 3. سنة 1978. المنشورات العمالية ص 159-139).


التاريخ العمالي:

-  إضرابات يونيو 1936 بالمغرب. ضمن حوليات الاقتصاد والمجتمعات والحضارات. يوليوز – شتنبر 1957 ص 418 – 429

-  دراسة حول الحياة النقابية بالجزائر. مجلة الحركة الاجتماعية ع 79، يناير – مارس 1972 ص 95.


بالإضافة إلى مقالات موقعة أو صادرة ضمن القسم الاقتصادي الصادر بجريدة النشاط النقابي، التي كان يصدرها الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغربU.G.S.C.M. ، من 1945 إلى 1950. وبالإضافة كذلك إلى تقارير مقدمة لمؤتمرات U.G.S.C.M. ، خلال سنوات 46-1948-1950 حول القوانين الاقتصادية والأسعار والأجور.
جان دريــــــش
استعــــاد المغرب استقلاله سنة 1956، بعد 44 سنة من الحماية، وبالتالي لم يفقد استقلاله إلاّ خلال مرحلة قصيرة من تاريخه الطويـــــل، بيد أنه تعرض خلال أربعة وأربعين سنة لتحولات عميقة وبسرعة خارقة، وقد راق لعديد من الكتاب، أن يصفوا على التوالي، تأخر بلد نائم كـ"الأميرة الحسناء"، والتحديث الديناميكي الذي أحدثه الفارس الذي جاء ليوقـــــظ الحسناء بلباقة: إنها حكاية مثيرة وشيقــــة، سواء بالنسبة للسيــــاح الذين يبحثون عن كل ما هو غريب، أم بالنسبة لرجال الأعمال الباحثين عن توظيفات مضاربة، أو عن تقاعد مريح.
غير أن الواقع أقل رومانسية من ذلك، فإذا كان المغرب متأخرا حقا، بل وأكثر تأخرا من بلدي شمال إفريقيا الآخرين، فقد تم الحفاظ على ذلك التأخـــــر بعناية. بالرغم من الهزة التي أصابته. وهو مجتمع دينامي أيضا، ويتفوق على جيرانه نسبيـــــا في ذلك. ولكـــــن، لا هذا التأخر، ولا تلك الديناميـة التي أحدثها الاستعمار، كانا موضع دراسات وتوضيحات مرضية.
ومع ذلك، فكثيرة هي المؤلفات المخصصة لدراسة المغرب. وإذا كان جزء كبير منها، لا يعدو أن يكون مجرد ثرثرة مشوهّْة في غالب الأحيان، فهناك أيضا العديد من الأبحاث الجادة. فالمعرفة العلمية بالمغرب قد حققت خلال الأربع والأربعين سنة للحماية تقدما لا جدال فيه. فالبلاد التي لم تكن معروفة في السابق إلاّ عبر استكشافات جديرة بالاعتبار ولكنها جد متباعدة، أصبحت موضوع معرفة ممنهجة، فقد تطور رسم خرائطها، وتم جرد خيراتها النباتية والمائية، الموجود منها في باطن الأرض أو على السطح، غير أنه يتعذر القول بتقدم مماثل للأبحاث المتعلقة بالشعب المغربي وبحياته الاجتماعية والاقتصادية. كما أن لغة وحياة هؤلاء البربر المشهورين، الذين وُضعوا بنوع من التعسف في تعارض مع السكان المعرَّبين، ظلت غير مدروسة بما فيه الكفاية، أمّا تاريخ الدولة والشعب المغربييــــن، فهما ما زالا بعيدين عـــــن أي معرفة بهما، وليس بإمكان كتاب وجيز وحديث أن بملأ هذه الثغرة وإذا كانت المؤلفات والمقالات حول "منجزات" الحماية والتحولات الظاهرة في الاقتصاد وتحسين شروط العيش، كلها تعكس، بنوع من المحاباة، الرأي الرسمي، فإنه من غير الممكن التأكيد على أن شروط الاستعمار ونتائجه، كانت موضوع دراسات علمية كثيرة وذات قيمة، وما زالت الوثائق نفسها مشتتة وغير كافية وقابلة للجدل، وليس من السهل فضلا عن ذلك الحصول عليهــــا، وهي أحاديــة الجانب، إذ لم يتح للمغاربة أن يدلوا بمساهمتهم، وهي أساسيـــة لمعرفة بلدهم. إن معرفة المغرب تعكس الاستبداد الإداري، الذي ألغى كل حرية تعبير ونقاش، الأمر الذي كان سيوضح حقيقة النظرية الرسمية، فالواقع الموضوعي قلما يطابق تلك النظرية، وهو أمر خطر.
وفي ظل شروط كهذه، فإن محاولة إنجاز تقييم للقرون الطويلة من التاريخ، ولنصف قرن من التغلغل الاستعماري، مهمة صعبة، غلا أنها تبقى ضرورية، خاصة في وقت أصبح فيه الشعب المغربي متحكما في مصيره أكثر، بحيث لا يمكن إعادة البناء فوق الرمل.
إن ألبير عياش لم يتخوف من انجاز هذه المهمة، فهو بصفته أستاذا للتاريخ والجغرافية، وبصفته مناضلا نقابيا مكث بالمغرب عدة سنوات مهيّأ أكثر من غيره لهذه المهمة، ولم يدخر جهدا في جمع وثائق كثيرة، وفي التنقيــب في الكتب والمجلات والوثائق. وقد جمع حوله مستشارين ونقادا. ولكن هل يمكن اعتبار هذا العمل نهائيا؟ لا أحد يمكنه أن يدعي ذلـــــك، ولكـــن لا يسعنا إلاّ أن نؤكد بأنه أنجز مؤلفا موضوعيا ومفيدا، إن إحدى المظاهر الأكثر خطورة في المأساة الشمال-أفريقية، هي الجهل الذي عانى منــه الفرنسيون وسكان الجزائر وتونس والمغرب. ولا يمكن اتهام هذا الطرف أو ذاك جملة، بصدد هذا الجهل بوقائع شمال أفريقيا. فقد تم تكريسه بعناية إذ ان المعلومات الدقيقة التي تم جمعها، احتفظ بها لعدد ضئيل من الاختصاصيين، ونتمنى أن يساهم كتاب ألبير عياش الفرنسيين على فهم أفضل وحب أعمق للمغرب والمغاربة، بل ونجرؤ على الأمل بأن لا يخلو هذا الكتـــاب من فائدة بالنسبة للمغاربة أنفسهم، في وقت يتحملون فيه من جديد مسؤولياتهم الجسيمة لتسيير شؤونهم الخاصة والسير ببلادهم نحو مستقبل أفضل.
جان دريش
يتناول هذا الكتاب بصفة خاصة، المنطقة المغربية التي كانت قديما تحت النفوذ الفرنسي. وباستثناء المعلومات الجغرافية والتاريخية، ليس هناك أي شيء، عن الشمال المغربي، المنطقة الاسبانية سابقا، والذي لا يمثل سوى جزء صغير من المملكة الشريفة، ويرجع ذلك إلى انعدام وثائق في المتناول. وستسمح التحولات السياسية الراهنة بسد هذه الثغرة في يوم ما. وعلينا هنا أن نشكر جميع أولائك الذين سهلوا إعداد هذا الكتاب، بملاحظاتهم واقتراحاتهم التي ساهموا بها في الوقت الذي كان فيه هذا العمـــــل قيد الانجاز، وخاصة جان دريش الذي استفدنا من معرفته بالمغرب وبمنطقة البحر الأبيض المتوسط. وقد تفضل كذلك بتقديم هذه الدراسة، وبتحرير الفصول المتعلقة بالإنتاج المغربي.
ألبير عياش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق