الاثنين، 25 يونيو 2012

يزداد العامل فقرا كلما زادت الثروة التي ينتجها، وكلما زاد إنتاجه قوة ودرجة، والعامل يصبح سلعة أكثر رخصا كلما زاد عدد السلع التي يخلقها، فمع القيمة المتزايدة لعالم الأشياء ينطلق في تناسب عكسي انخفاض قيمة عالم البشر. والعمل لا ينتج سلعا فحسب، وإنما هو ينتج ذاته وينتج العامل كسلعة - وهو يفعل ذلك بنفس النسبة التي ينتج بها السلع عموما.
ولا تعبر هذه الحقيقة إلا عن ان الشىء الذي ينتجه العمل - ناتج العمل - يواجهه كشىء غريب، كقوة مستقلة عن المنتج. فناتج العمل هو عمل تجمد في موضوع، أصبح ماديا، إنه تموضع العمل، فتحقق العمل هو تموضعه، وفي الظروف التي يعالجها الاقتصاد السياسي يبدو هذا التحقق للعمل فقدانا للواقع بالنسبة للعمال، ويبدو التموضع فقدانا للموضوع، وعبودية للموضوع، والتملك تغربا، وانسلابا.
ويبدو تحقق العمل فقدانا للواقع حتى أن العامل ليفقد الواقع إلى حد الموت جوعا، ويبدو التموضع فقدانا للموضوع حتى ان العامل ليسلب الموضوعات الأشد ضرورة لا لحياته فحسب، بل لعمله كذلك. والحق أن العمل ذاته يصبح شيئا لا يمكن أن يحصل عليه إلا بأكبر جهد وأشد الانقطاعات بعدا عن الانتظام. ويبدو تملك الموضوع اغترابا إلى حد أنه كلما زاد عدد الموضوعات التي ينتجها العامل قل ما يستطيع أن يتملكه، وزاد وقوعه تحت سيطرة ناتجه ... رأس المال.
وكل هذه النتائج يحويها التعريف القائل أن العامل يرتبط بناتج عمله كما يرتبط بموضوع غريب، لأنه من الواضح بحكم هذه المقدمة أنه كلما أنفق العامل نفسه زادت قوة العالم الموضوعي الغريب الذي يخلقه أمام نفسه وأصبح هو - عالمه الداخلي - أكثر فقرا، وقل ما ينتمي إليه كشىء مملوك له. ونفس الشىء في الدين .. فكلما زاد ما يضعه الإنسان في الله قل ما يحتفظ به في نفسه. إن العامل يضع حياته في الموضوع، لكن حياته الآن لم تعد تنتمي له وإنما للموضوع. ومن هنا فكلما زاد نشاط العامل، زاد افتقاره إلى الموضوعات. وأيا كان ناتج عمله، فإنه هو لا يوجد. ومن هنا فكلما زاد هذا الإنتاج أصبح هو ذاته أقل. ولا يعني اغتراب العامل في ناتجه أن عمله قد أصبح موضوعا - وجودا خارجيا - فحسب، وإنما يعني أنه يوجد خارجه، مستقلا عنه، كشىء غريب عنه، وأنه يصبح قوة في ذاته تواجهه، إنه يعني أن الحياة التي منحها للموضوع تواجهه كأمر معاد غريب
.

من سنين بعيدة، عندما قرأت العبارات السابقة، لأول مرة، شعرت كأنني أتلقى نوعا عاليا من المعرفة، معرفة كأنها "وحي إلهي". وإذا بـ"جوهر" الدين يبرز فجأة أمامي، وأنا أقرأ وأعيد القراءة. يبرز من وسط ركام "الورق الأصفر" الميت والمركون على "الرف". فالدين الذي تلقيته وتربيت عليه لم يكن سوى نوع من الإنشاء الأدبي. دين منفصل عن الممارسة ولا علاقة له بالواقع والعمل. لكن كيف يمكن لـ: ماركس الملحد أن يكتب نصا دينيا عالي المستوى وأن يجعل من يتلقى هذا النص يشعر كأنه يتلقى وحيا إلهيا ؟ وكيف يعجز رجال الدين أنفسهم عن كتابة نص مماثل ؟ تلك هي المعضلة الحقيقية التي يواجهها الدين في العصر الحديث. حيث لا نلتقي بـ" جوهر" الدين، لا نلتقي بالحريات، وحقوق الإنسان، والعدالة، والكرامة البشرية، إلا خارج الدين وخارج مؤسسته السائدة. أما داخل المؤسسة الدينية نفسها، وداخل الممارسات الدينية السائدة، فلا نجد شيئا. فالدين لم يعد إلا "لفظة" بالنسبة إلى "مضمونه" أو إلى ما كانت هذه "التسمية"، تتضمنه من معان ودلالات. لم يعد، بالأحرى، إلا دلالة لفظية. هكذا يزداد يقيني يوما بعد يوم، أن الحقيقة الدينية أو جوهر الدين لم تعد تلتمس، ويا لها من مفارقة، إلا في الكتابات غير الدينية. أما داخل الثقافة الدينية السائدة، فسيظل الوعي العربي مغتربا عن جوهره الروحي والإنساني، وسيظل الإنسان المتدين، مجرد آلة عمياء، بلا روح.

مع كتاب "مخطوطات كارل ماركس لعام 1844"
ترجمة محمد مستجير مصطفى
دار الثقافة الجديدة
القاهرة 1974
كتاب من القطع الكبير في 190 ص (حوالي 5 ميجا بايت)



http://www.mediafire.com/?mz86r4rc63zq3bv

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق