الانتــاج
الزراعـي في الأندلس .
خالد غاوش
استندت الزراعة في
الاندلس على اسس عظيمة فلقد ساعدت الطبيعة الجغرافية من موقع وحرارة ورياح اضافة
الى تنوع التضاريس من جبال وسهول ووديان وما ذكرناه من توفر المصادر العديدة
للمياه مثل الامطار والانهار والابار والعيون وسعي العرب الى ادخال افضل الطرق
والوسائل التي زادت من عنايتهم بالزراعة سواء استخدام وسائل الانتاج الزراعي من
ادوات زراعية واساليب متنوعة فضلاً عن استغلال ما كان موجوداً فيها من موارد مائية
واستخدامها بطريقة أمثل وذلك بحفر القنوات والجداول وبناء القناطر والجسور كما
ذكرناه مفصلاً في الفصل الاول والثاني وكان لهذا كله تأثيره على تنوع المحاصيل
واختلافها في معظم مدن الاندلس ولعل اهم وابرز المحاصيل الزراعية فيها :
اولاً - الحبوب :
تعد
الحبوب من العناصر الغذائية المهمة للانسان والتي لا يمكن الاستغناء عنها فضلاً عن
ذلك اهميتها الاقتصادية الكبيرة حيث تعتمد الدولة عليها فيما تجبيه من ضرائب عليها
، إذ كثرت وازدادت قيمة الضرائب التي كانت تجبى من القمح والشعير في عهد الامير
الحكم بن هشام (180 –206هـ/796 –821م) مما ادى الى اهتمام الخلفاء بالاكثار
من زراعتها فقد وصلت ضرائب القمح الى اربعة الاف مدياً ([1])
، وست مئة مدي وسبع واربعين مدياً ومن الشعير سبعة واربعون الف مدي ([2])
، والحبوب على انـواع مختلفة تصنف حسب اهميتها حيث يجب ان نبدأ برأسها وهي
الحنطة ثم نتبعها بالشعير ثم
الارز وغير ذلك من انواع الحبوب ([3])
، ومن اكثر انواع الحبوب زراعة في الاندلس القمح والشعير على اختلاف اصنافها
بحسب لون الحبة وموسم البذار وجودة الخبز المستحصل منها ([4])
.
1.
القمـح :
وهو من
المحاصيل التي نقلها العرب الى اسبانيا وبعدها الى فرنسا الجنوبية ثم الى اوربا([5])
. ويسمى بالحنطة ايضاً ([6])
، ويعد القمح افضل اصناف الحبوب
واقربها الى الاعتدال لانه اميل الى الحرارة المعتدلة والرطوبة المعتدلة ([7])
،ولا بد من زراعته في اطيب ارض ([8])
، وتنجح زراعته ايضا في المناطق الجبلبة التي لارضها وترابها حال بين صلابة الحجر ورخاوة التراب ([9])
، وتصلح الرياح الشرقية لانجاح زراعة القمح لهذا تفضل زراعته في شهر ايار ([10])
، اما وقت زراعته المبكرة فهو في نصف شهر ايلول الى نهاية شهر كانون الثاني
فما زرع للتبكير قبل ذلك لم ينجح وما زرع في شباط ربما سبب في ابادة وحرق سنابله ([11])
، اما وقت حصاده في الاندلس بعد مضي اربعين يوماً من زراعته ([12])
.
والحنطة انواع
متعددة ممكن ان نميزها من الوانها فمنها ما يضرب لونه الى الحمرة ومنها الى السمرة
ونوع اخر الى الصفرة واجود اصناف الحنطة هي التي تجمع بين لون الصفرة والحمرة
وتكون الصفرة بينها ابين فهذا الصنف هو ابلغها عملاً واجودها نوعاً ([13])
، وتستعمل الحنطة عادة بجميع اصنافها غذاء وذلك بعد خلطها في وعاء بالماء
ثم خبزها بالتنور وبهذا تكون
خبزاً جاهزاً للاكل واجود انواع الخبز ما كان من قمح جيد نقي احكم تخميره وملحه
ونضجه بالتنور([14])
، ويستخدم القمح في الاكلات الاندلسية فقد استخدمه الاندلسيون في عمل هريسة
القمح ([15]) وللحنطة فؤائد طبية فاذا مضغت او عجنت
ووضعت على الدماميل انضجتها ([16])،
وكذلك لنخالتها فائدة طبية اخرى وذلك بعد ان تعجن بالخل ويضاف عليها اللبن وتوضع
على مناطق الكلف فانها تعمل على ازالته ، او اذا طبخت بخل وضمد بها
ساخنة قلعت الجرب المتقرح([17])
، وسويق الحنطة مع السكر يلين الصدر ويزيد في جوهر الدماغ ويشد الاعضاء الضعيفة
ودقيقها مع الحلبة يحلل الاورام الصلبة ([18])
.
ويزرع
القمح في مناطق عديدة من الاندلس ولعل اكثر المناطق التي ينتشر بها القمح هي قرطبة
وذلك لما فضل الله عليها من تربة غنية لهذا فان بها ينبت اجود انواع القمح واطيبه ([19])
، حيث يزرع في اقاليم مختلفة منها كأقليم المدور والقصب ولورة وبني مرة
والصدف ومنيانه وكرتش والقتل والهزهاز وابُهْ الملاحة وابُهْ الشعراء واخيراً
اقليم اولية السهلة ([20])،
وتتركز مناطق زراعته ايضا في كورة بلنسية في مدينة شبرب([21])
وبرشلونة ([22])، وهي كثيرة الحنطة والحبوب ([23])، ويزرع في مدينة مرسية في شنقير حيث تنبت الحبة الواحدة من القمح ثمانين ومئة سنبلة وفي السنبلة ثمانون حبة ومئة
وبرشلونة ([22])، وهي كثيرة الحنطة والحبوب ([23])، ويزرع في مدينة مرسية في شنقير حيث تنبت الحبة الواحدة من القمح ثمانين ومئة سنبلة وفي السنبلة ثمانون حبة ومئة
حبة طيبة ([24])
، ويزرع في اوريولة ([25])
ايضا لجودة ارضها وكرم السماء فلهذا لايحتاج الى عناية كبيرة في زراعته حتى ان
المثل الاسباني يقول " القمح في اوريولة امطرت ام لم تمطر" ([26])
، وتجود زراعته في مدينة طليطلة حيث توصف حنطتها بانها " لا تتسوس على مر السنين
يتوارثها الخلف عن السلف" ([27])
فيبقى فيها سبعون وثمانون ومئة سنة واكثر لا يتسوس ([28])،
ويزرع في مدينة ابذة حيث يعتبر القمح
من اهم غلاتها ([29])
، وتنتشر غلات القمح في مدينة جيان ([30])،
ومدينة شريش حيث الحنطة فيها ممكنة([31]).
كما وتوجد الحنطة في غرناطة حيث وصفت بانها " بحر من بحور الحنطة " ([32])،
وبالتحديد في سهل قرطبة المعروف بالكنبانية او القنبانية ([33]).
وبليش
مالقة وقرطمة ([34])، وتنتشر زراعته في مدينة يبورة ( يابورة ) ([35]) وبشكل كبير وهذا يرجع لخصوبة تربتها ([36])، كذلك في فحص بلاطه([37])، وحصن بيانة ([38]) ، ويكثر في قرمونة ([39]) ، وشنترة ([40])، والجزيرة الخضراء ([41])،وشنترين ([42])، وسرقسطة ([43])، وفي لورقة حيث ان الحبة من الحنطة هناك تصيب مئة حبة ([44]).
مالقة وقرطمة ([34])، وتنتشر زراعته في مدينة يبورة ( يابورة ) ([35]) وبشكل كبير وهذا يرجع لخصوبة تربتها ([36])، كذلك في فحص بلاطه([37])، وحصن بيانة ([38]) ، ويكثر في قرمونة ([39]) ، وشنترة ([40])، والجزيرة الخضراء ([41])،وشنترين ([42])، وسرقسطة ([43])، وفي لورقة حيث ان الحبة من الحنطة هناك تصيب مئة حبة ([44]).
2 – الشعيـر :
ينبت
الشعير وينمو في اراضٍ لا توافق الحنطة فالشعير ينبت في الاراضي المالحة والنزة
والعرقة والرقيقة والحامضة والرخوة وفي اكثر من نوع من انواع الاراضي ومن مميزاته
انه يصبر على العطش اكثر من الحنطة وانه اذا زرع في الاراضي المالحة سنة بعد سنة
لقط ملوحتها واخرجها عنها وكذلك يفعل بالارض النزة والعرقة ([45])،
وتنجح زراعته في الاراضي المتوسطة الطيبة ([46])،
ويزرع الشعير في شهر كانون الاول ([47]) ، ولا يذهب بدسم الارض ورطوبتها مثل
القمح بل اقل منه واذا اريد الحفاظ على التربة بعد زراعتها للقمح يزرع الشعير([48])وذلك
لانه ابرد وارطب واقل غذاءً بالمقارنة مع القمح ([49])
، ويفضل ان يحصد الشعير في وقت مبكر حتـى لا تنفض حباته ويصفر ويهزل([50])
ويحصد القمح والشعير بعد مرور اربعين يوماً من زراعته([51])
ومن فؤائد الشعير انه يسكن غليان الدم والتهاب الصفراء والعطش ودقيقه يستخدم
لتحليل الاورام ضماداً او يفجر الدبيلات([52])
، والشعير نافع للسعال وخشونة الحلق ومدرر للبول ([53])
،ويستعمل في علاج الكلف طلاءً ويطبخ بالخل ويضمد به الجرب المتقرح والنقرس([54])،
ويستخدم ايضا لاخراج الدود في البطن ضماداً بأن يطحن الشعير طحناً ناعماً ثم يوضع
على السرة([55])
،فضلاً عن استخدامه كعلف للحيوانات حيث كان المنصور بن ابي عامر يزرع في كل
سنة الف الف مدي من الشعير للدواب الخاصة به([56])
لانه يسمن الخيل ([57])
، كما ويستخدم دقيقه في صناعة الخبز ([58])
، ويستخدمه الاندلسيون في الطبخ حيث يدخل في طبخ جشيش الشعير وهو نوع من
الاكلات الشعبية الاندلسية([59])،وتنتشر
زراعته في مدينة شنترة ([60])
،وأبذة ([61])
، وجيان([62])
، ومنطقة سهيل([63])،
حيث يكون الشعير مـادة قوتـه([64])
، والبيـرة ([65])
، وبليـش([66]) وطبرنش ([67])،
واورية ([68])،
والمرية ، حيث يخزن بها الشعير
ستين وسبعين سنة لا يتسوس ([69])
، واشبونة ([70])
، وحصن بيانة ([71])
، وقرمونة ([72])
.
3
–
الــرز :
نقله العرب الى الاندلس حتى ان كلمة الرز
العربية انتقلت الى اللغة الاسبانية بنفس الشكل والمعنى (Arroz) ([73]) . وهو ضرب من الحنطة شديد البياض ينبت في
الماء ([74])
ويزرع الرز في شهر نيسان واذا زرع بالاعتماد على السقي كان اجود وقد يزرع في
القيعان الرطبة بعد المبالغة في اصلاحها([75])
، وتوافقه الارض الرقيقة التي تكون نزة وليست رقيقة عرقة وهذا يعني انه يحتاج الى
كميات كبيرة من المياه في زراعته اما بالمطر المستمر او بالسقي الدائم([76])،
والرز غذاء جيد ومن فؤائده انه يزيد في نضارة الوجه ويخصب البدن ([77])
، واذا طبخ باللبن الحامض ( الرائب ) قبض البطن([78])
، وتسمى هذه الطبخة ( الرز باللبن ) وكان الاندلسيون يطبخونه بهذا الشكل
فضلاً عن الاكلات الاخرى التي يدخل الرز في مكوناتها باعتباره غذاء رئيسي عندهم([79])،
وتنتشر مناطق زراعته في مدينة بلنسية حيث انه يجود فيها ويحمل الى جميع بلاد الاندلس
([80])،
فضلاً عن زراعته في مدينة دانية ([81])،
ويزرع في القسم الادنى من حوض نهر الوادي الكبير على مقربة من اشبيلية ومالقة ([82])
.
4- الــذرة :
وتسمى
بالجاروس وهي من غلات الصيف وتزرع الذرة سقياً وبعلاً وهي على انواع منها بيضاء
وسوداء فاذا زرعت سقياً فتزرع في شهر أيار ولا تسقى في بداية زراعتها واذا زرعت
بعلاً فيكون في شهر اذار ونيسان وتحتاج الذرة الى ماء كثير ومتتابع في زراعتها([83])
، وقد تنجح زراعتها في جميع الاراضي الا الارض المفرطة الفساد([84])
، ومن فوائدها انها خفيفة على المعدة سريعة الهضم وسويقها مع السكر ينفع من
الاصابة بالامراض ويطفئ الحرارة والوهج الذي في الجوف ، وفطيرها مع لبن البقر
والسكر يقوي الاعضاء ويولد منه غذاءً جيداً([85])
، ومن فوائدها ايضا انها تستعمل كعلف للدجاج حيث يكثر عنهن بيضهن ويسمنهن ([86])
، وتنتشر زراعتها في مدينة غرناطة ([87])
.
5 – الحمـص :
وهو
على ثلاثة انواع منه ابيض واحمر واسود ([88])
، واجوده الكبار الاملس واردأُه
الاحمر الصلب ([89])
، ويفضل ان يزرع الحمص بقشوره حيث يكون اجود واذا اريد ان يكون كبير الحجم
يفضل ان ينقع بالماء الدافئ قبل يوم من زراعته ([90])
، واذا زرع في وقت مبكر فيكون في شهر شباط والمتأخر منه يزرع في شهر
أذار ويحتاج الى ماء كثير لتنجح زراعته
وتلائمه الارض الحرشا ([91])
، ومن فوائده انه يحسن لون البشرة ويزيل النمش ([92])
، وينفع في علاج بحوحة الصوت فهو يصفي الصوت ([93])
، ونقيعه ينفع من وجه الضرس ([94])
، كما انه يستخدم لعلاج انواع من الصداع وخاصة ( الشقيقة ) ويزيل الاورام من الحلق
والصدر والسعال ، واذا نقع في الخل واكل على الجوع ولم يتبع بشئ غيره في ذلك اليوم
قضى على ديدان البطن وهو ينقي البدن من الدم الفاسد ([95])
، ويستخدمه الاندلسيون في اكلاتهم حيث يضاف مائه بعد سلقه الى اللحم ويطبخون
به نوعاً من انواع الثريد ([96])،
فضلاً عن ذلك فقد استخدم الاندلسيون مسحوقه لغسل ايديهم بعد الطعام ([97])
، وتنتشر زراعته في مدينة سرقسطة ويبقى مخزوناً في مطاميرها لمدة عشرين سنة
ولا يتلف ([98])
.
كما عرف الاندلسيون انواعاً اخرى من الحبوب ووجدوا
طرقاً لزراعتها وانباتها في ظروف معينة
كزراعة الفول واللوبيا والعدس والجلبان ([99])
والسمسم ([100])،
وهناك دليل اخر على كثرة انتشار زراعة الحبوب في الاندلس ولعل هذا الدليل يظهر
جليا وواضحاً بكثرة الرحى العديدة والمنتشرة في مناطق مختلفة من الاندلس منها
ما كان موجوداً في مدينة لوشة ([101])
، حيث كانت ذات فائدة باستخداماتها لطحن الحبوب وهكذا افاد الاندلسيون منها
لكثرة المصادر المائية فيها وغالباً ما كانت موجودة في المنازل او عند مداخل
المنازل فضلاً عن تركيبها على ظهر المراكب والانتقال بها ([102])
.
([96])
مؤلف مجهول ، كتاب الطبيخ في المغرب والاندلس في عصر الموحدين ، تحقيق : امبروزيو
اوبشي ميراندا ، صحيفة معهد الدراسات الاسلامية ، المجلد التاسع والعاشر ، مدريد -
1961 – 1962 ، ص81 . وقد كان في ايام الخليفة عبد الرحمن الناصر وابنه
الحكم يطبخ الحمص خارج باب القصر كل يوم خمس اقفزة قد اخذ ماوها وصرف في الطبخ
ورمى بجرمه فكان يأخذه الضعفاء والمساكين . مؤلف مجهول ، كتاب الطبيخ ص81 ؛
العامري ، محمد بشير حسن ، براعة الاندلسيين في فن الطبخ ، مجلة جمعية المؤرخين
والاثاريين، ع9 - 2002 ، ص4 .
([100])ابن
بصال ، الفلاحة ، ص110 –114 ، والسمسم : سمي الجلجلان او الجلجل ، ودهنه الشيرج
، ينفع من السعال وخشونته ويحلل الاورام البلغمية ، وورقه وعصاره يطول الشعر وبذره
يزيل خضرة الضربة . الرازي ، ابو بكر محمد بن زكريا ، كتاب القولنج مع دراسة
مقابلة لرسالة ابن سينا في القولنج ، تحقيق : صبحي محمود حمامي ، ط1 ، معهد التراث
العلمي العربي ، حلب – 1983 ، ص218 ؛ ابن ميمون القرطبي ، شرح
اسماء العقار ، ص29 ؛ القزويني، عجائب المخلوقات ، ص323 ؛ النابلسي ، علم الملاحة
، ص147 ؛ الازرق ، تسهيل المنافع ، ص12 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق