حول الكتاب
لماذا مسألة الرجولة، أو بالأحرى لماذا مسألة الرجولية؟ هل هي إشكالية "مستوردة" لم تطرح حتى الآن في مجتمعاتنا، بينما نساء مجتمعات "العالم الثالث" لم ينلن المساواة بعد، ولا يزال موقفهن مشوشاً وعرفته للانتكاس. يبدو وللإجابة عن هذه التساؤلات ولعدد من الأسباب، ثمة حاجة إلى فتح النقاش حول الذكورية وتقديم أبحاث وتعليقات كتّاب ركزوا على منطقة ما زالت تُعَدّ، بقدْرٍ من الحقيقة، إحدى بؤر البطريركية. قد تثار بشيء من العدل النقطة المتمثلة في أن دراسة الرجال كانت في الحقيقة المحور التقليدي للقسم الأعظم من الأبحاث التي تتناول الشرق الأوسط: فدراسة البنى الاجتماعية والمؤسسات والحركات السياسية والشبكات والممارسات الدينية وعلاقات العمل والصلة التاريخية بالمصالح التجارية الأوروبية، كانت تمثيل حتى الآونة الأخيرة إلى أن تجرى دونما اعتبار يذكر أو دونما أي اعتبار لتواريخ النساء.
وإذا كان يفترض في كثير من الأحيان أن المرأة تقطن مجالاً خاصاً سكونياً غير دينامي اجتماعياً وحتى غير متمايز، فإن النساء والمجال الخاص كانوا بكل بساطة غائبين أو، عند دراستهم، تمّ اعتبارهن جزءاً لا ينفصل من بنى اجتماعية دينامية واقتصاد سياسي. وهكذا ركزت الكتابات عن الجنسين في الشرق الأوسط، على النساء أساساً، كما حققت المعالجات التي تتناولهما في السنوات الأخيرة اختراقات كبيرة في الأبحاث الأنثروبولوجية والسوسيولوجية والتاريخية.
وبهذا المعنى يجب أن يعتبر، من الإنجازات الحقيقية، أن الدراسات التي تتمحور حول الجندر لم تعد تنسب إلى مضمار منفصل يمكن عزله عن الفروع التي تنتمي إلى الاتجاه العام. كما أن العمل على المرأة في المجتمعات الشرق أوسطية يعني، العمل على الرجل.
وبالعودة إلى الكتاب، يجد القارئ بأن ما جمع بين طياته من نصوص يحمل سمة الهوية الذكورية، مع ملاحظة بأن في جميع أبحاثه تقريباً، تشديد ينصب على تقديم قراءات غرضها الاطلاع، فضلاً عن تحليل الأبعاد المجنسنة للمؤسسات والممارسات الاجتماعية والنتاجات الثقافية، ومركزياً، ما تنطوي عليه من علاقات قوة. ويتمثل أحد المشاغل بالنظر إلى المواضع التي يحدث فيها التخالط الاجتماعي متمخضاً عن الذكورية والعمليات الدينامية التي تجري من خلالها. وفي حين أن ما يربو على نصف المساهمات أصحابها أكاديميون يعملون في الأنثروبولوجيا السوسيولوجيا السياسية والبسيكولوجيا والدراسات الجندرية.
والكتاب يضمّ أيضاً مساهمات صحافيين وكتّاب (ثلاثة منهم روائيون) وتقول المؤلفة بأن من أحد الدوافع من وراء إعداد هذه الدراسات التي يضمّها الكتاب؛ النظر إلى مجالات تبنى فيها الذكورية بناء في منتهى الصراحة، وعادةً ما يكون بناءً علنياً. ولعل الختان وبارميتزفا والزواج توفر المواقع النظامية الكلاسيكية لهذا البناء، وهي مواقع شغلت الأنثروبولوجيين الغربيين منذ القرن التاسع عشر.
وبرغم أن الكتاب يتناول بعض المواقع التي تبنى الذكورية فيه بأسطع الأشكال وأكثرها طقوسية، إلا أنه، أيضاً، تم اختيار مواقع أقل وضوحاً: دراسات تتناول قطاعات مختلفة من سوق العمل والمؤسسات التعليمية، على سبيل المثال. وهذه تعطي بدورها نتائج مثيرة وتساعد في تحطيم الرأي القائل بأن المجتمعات الشرق أوسطية عمليات تخالط اجتماعي بين الجنسين متميزة وليس لها نظائر يمكن مقارنتها بها في أماكن أخرى.
رابط التحميل