التفسير اللاهوتي للتاريخ
خالد غاوش
ارتبط
التفسير اللاهوتي للتاريخ، بالديانات التوحيدية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والاسلام، وازدهر هذا النمط من التفسير
للتاريخ، بازدهار الإمبراطوريات القديمة، اذ اكتسبت فكرة التعاقب الدوري
للحضارات تجسدها الاخير, على نحو اوضح مع انتصار الإمبراطورية الرومانية، حينما أنشد
شاعر روما العظيم فيرجيل 70-19 ق.م
"ان
القيصر اوغسطين..ابن الأله
مقدر له ان يحكم
ولسوف
تتسع إمبراطوريته
الى
ارض وراء البروج
ومدار
الشمس السنوي"
لكن
الإمبراطورية الكونية الرومانية كانت نوعاً من الورطة مع التاريخ فهي تعد بعصر
ذهبي اكتمل مساره, وان المستقبل لن يأتي بشي جديد.
"عصرنا
هو عصر التتويج الذي جاء في النبوءة
من
الزمن ...تولد
وتبدأ دورة جديدة وعظيمة تمتد قروناً
العدل
يعود للأرض, العصر الذهبي يعود.
ومن
السماء يهبط معه اول مواليده
هذا المولود العادل القادم من السماء سيكون
"القيصر اوغسطين"
والعصر
الذهبي المستعاد هو "روما" الإمبراطورية([1])
وهذا معناه ان القوة هي التي تحكم التاريخ وتحدد
مساره ثم تسوغ نفسها, ويفسر ارنولد توينبي هذا النزوع البشري في تأليه القوة
بقوله: "بعد إنجازات المدنية نقل الانسان نقطة تقربه من الحقيقة المطلقة,
فبدلاً من تاليه الطبيعية غير الإنسانية, اخذ الإنسان نفسه بتأليه القوة الجماعية
البشرية وتنظيم القوة البشرية الجماعية على نطاق واسع, أمالت الميزان على نحو واضح
لمصلحة الإنسان في صراعه مع الطبيعة في طريق السيطرة عليها، وهكذا فان الانسان، اذ
غير هدف العبادة كان منسجماً مع نفسه في انه دوما يعبد القوة، في أي من الاشكال
التي كان يجد القوة فيها اشد عنفا"ً([2]).
وعلى
هذا، كان ياهوه
اله الحرب، اليهودي
ألها للجيوش يدعو للفتح والاستعمار ويحارب من اجل شعبه، بالقوة نفسها التي كان
يحارب به ألهه
الإلياذة، وفي ذلك يقول: موسى "الرب رجل الحرب"([3]).
لقد
كانت إمبراطورية روما مبشراً بالكنيسة المسيحية الكاثوليكية
"الكونية"ويرى "بيرى" "ان المسوغات النظرية لفكرة
الإمبراطورية الرومانية هي الامل في تحقيق وحدة العالم المسكون باقامة نظام عالمي
واحد، او توحيد البشرية في كيان سياسي واحد على نطاق العالم.. انها تعبر عن المثل
الأعلى
غير المنجز للإمبراطورية"([4]).
ولقد
ظلت أسطورة
الامبراطورية الكونية تغذى الدعاية الرومانية الامبراطورية الى عهد
"جستنيان" حينما علم الرب الأمم أن تكون مطيعة لنفس القوانين وأن يكون الكل "روما"
اِن
ذلك هو معنى كل الأنتصارات
الإمبراطورية الرومانية.. السلام الروماني قد مهد الطريق لقدوم المسيح([5]).
اما
في العالم الوثني فان افضل ما يمكن الطموح اليه في عالم يحكمه القدر، هو الوصول
الى ثبات معين في
الزمن، اما المسيحية فقد قدمت منظوراً جديداً للتاريخ والزمان ليس محكوماً بالقدر
الاعماء، بل
بإرادة "يهوه رب العبرانيين" ولم تعد حركة التاريخ دائرية بل خطية تمضى من بدأ الخليقة
الى يوم الدينونة طبقاً لمشيئة الرب العظيم الذي يخاطب المؤمنين يقوله: "في
رؤيا القديس يوحنا" وهو النص المركزي بالنسبة للمنظور الالفي للتاريخ،
"يقول الرب انا البداية والنهاية انا الاول والاخر"([6]) هذا التفسير التوراتي للتاريخ, سوف يكتسب صيغة لاهوتية
اخرى مع مقدم المسيح وازدهار المسيحية.
(*) المرحلة
اللاهوتية، عند اوغست كونت هي
المرحلة التي اتجه فيها الفكر البشري الى تعليل الظواهر
الطبيعية باسباب غريبة مفارقة للطبيعة، كان العالم باسره مسرحاً لقوى الاهية
مختلفة تدير الاشياء، بحسب اغراضها، الحيوية المشابهة لاغراض الانسان واهوائه،
ولهذه الحالة اللاهوتية ثلاثة مستويات:
المستوى
الاول:- عبادة الاشياء والظواهر المادية، لذاتها وهي غير عبادة الاصنام, وثانيها:-
عبادة قوة الطبيعة المجردة والقول بتعدد الالهه, وثالثها:- عبادة الله الواحد، وهو
مذهب التوحيد الذي يرى ان الفاعل الحقيقي هو الله ذاته ولا فاعل سواه، د. جميل
صليبا المعجم الفلسفي الجزء الثاني، ص277.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق