الآلهة التي كانت تعبد في المغرب القديم في العهد الروماني
مقدمة :
عرفت بلاد المغرب القديم التي تتضمن المغرب الأقصى والجزائر وتونس وحدة جغرافية اقتضتها مجموعة جبال الأطلس ووحدة جنسية لكونها عمرها الأهالي، الذين أطلقت عليهم تسميات مختلفة في المصادر التاريخية، التي تتميز بقلتها وندرتها. إلا إذا استثنيا البقايا المادية لتلك الحضارة الغابرة التي عرفها المغرب القديم ، فذكر المصريون أهالي شمال إفريقيا بـ "مشاوس" كما أن هناك تسمية أخرى أطلقها السكان المحليون على أنفسهم، وهي كلمة "أمازيغ" وتعني النبل والشهامة، وساهم الإغريق والرومان "البربر" وهي كلمة يطلقونها على الشعوب الخارجون على محيط الحرارة الإغريقية والرومانية. كما سموا بالليبيين والنوميديين نسبة إلى كلمة نومادوس Nomados الرومانية وتعني الرحال المتنقلون.
فبالإضافة إلى الاختلاف في اسم سكان شمال إفريقيا اختلف المؤرخون كذلك في أصلهم وهناك كتابات كثيرة في هذا الشأن. فالمؤرخون العرب في العصر الوسيط قالوا أن البربر من أصل يمني أي من العرب العاربة. ونفس التأويل سار عليه مؤرخو الاستعمار الفرنسي في القرن الماضي وبداية القرن، فأخذوا يؤكدون على أن الامازيغ أوربيو الأصل. وكان وراء هذا الموقف أهداف سياسية محضة. لكن خلال الأربعين سنة الماضية فقد عمل الباحثون بجد، واستغلوا ما توفرت لهم من الإمكانيات الإركيولوجية. والانتروبولوجية واللسانيات في إيجاد الأصل الحقيقي لسكان المغرب القديم .
ولقد نتج عن هذه الأبحاث القول أن أصل سكان المغرب القديم له صلة وثيقة بالإنسان الذي استقر بهذه المنطقة منذ ما قبل التاريخ. ومن خلال هذه النتيجة نستنتج أن الوطن الأصلي للأمازيغ هو الموطن الذي نبتوا فيه منذ مائة قرون خلت.
ولقد تطرق العديد من الباحثين الأجانب بمختلف تخصصاتهم إلى دراسة كل ما يتعلق بسكان المغرب القديم، محاولة منهم لتحديد حضارة هذا الشعب والتعريف بها. ويأتي اختيارنا لموضوع " الآلهة التي كانت تعبد بالمغرب القديم أثناء الاحتلال الروماني" لكي نساهم ولو بشكل بسيط نتوفر عليه من معرفة متواضعة في إظهار ما يمكن إظهاره من نقاط تساهم بشكل أو بآخر في بعث موضوع أصل سكان المغرب القديم وحضارتهم ودياناتهم.
إن أهمية الموضوع وتباين الرؤى بشأنه، كانت من بين الأسباب التي دعتنا لاختيار البحث فيه، فضلا عن رغبتنا في إثراء معارفنا حول المعتقدات الدينية المحلية لبلاد المغرب القديم أثناء الاحتلال الروماني، كل هذا شجعنا على المضي في اقتحام مجاهيل الموضوع، على الرغم من الصعاب التي اكتنفت طريقه.
ولعل من بين أهم الإشكالات التي طمح البحث لمناقشتها، واقتراح إجابات لها :
ما هي المعتقدات الدينية المحلية لبلاد المغرب القديم والالهة التي كانوا يعبدونها اثناء الاحتلال الروماني ؟
وهل هذه الآلهة تخصهم أم هي مستوردة ؟
ولما كانت طبيعة الموضوع هي من يملي نوع المنهج المعتمد، فقد ارتأينا أن من الأنسب لموضوع بحثنا هذا أن نجمع فيه بين عدد من المناهج المتكاملة، فأعملنا المنهج التاريخي بصدد سرد الأحداث والوقائع، والمنهج التحليلي لما يستدعي الآمر تحليل النصوص والكشف عن مكنوناتها، والمنهج المقارن على اعتبار تعدد الروايات واختلافها حول المسالة الواحدة .
واستنادا لما جاءت به الدراسات التاريخية خاصة التي تناولت تاريخ الشعوب القديمة وحضارتها. حاولنا تقسيم موضوعنا هذا إلى مبحثين :
المبحث الأول: حاولنا فيه التطرق إلى الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والآلهة التي كانت تعبد آن ذاك والاحتلال الروماني .
أما الفصل الثاني: فتمحور حول الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم
وكان من الطبيعي أن نجمل ما توصلنا إليه من نتائج متواضعة في خاتمة هذا البحث، بالإضافة إلى الأفاق التي لا يزال يفتحها البحث في الحياة الفكرية والدينية لسكان بلاد المغرب القديم .
احتاج البحث في استمداد مادته إلى اعتماد عدد من المصادر والمراجع، التي تتفاوت الاستفادة منها تبعا لأهميتها وقيمتها، بالنسبة لموضوع البحث .
وفي الختام لا يسعنا سوى أن نتقدم بالشكر الجزيل لأستاذنا الفضل " سرحان " الذي طالما أمدنا بتوجيهاته وإرشاداته، ولا نستثني من شكرنا الأستاذ " بوكسيبة " كما لم يتأخر في إمدادنا ببعض المصادر والمراجع .
المبحث الأول
الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والاحتلال الروماني
المبحث الأول : الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والاحتلال الروماني :
المطلب الأول : نبذة عن الاحتلال الروماني لبلاد المغرب :
قبل التطرق إلى الاحتلال الروماني نعرج إلى شبه الجزيرة الايطالية[1] التي نشأت بها روما على يد الأخوين رومولوس و يموس حسب الأسطورة ، فقام رومولوي بقتل ريموس وإنشاء قرية باسمه[2]، وأخذت تستقر بها جماعات إغريقية وترسيكية من آسيا الصغرى وتحولت بذلك إلى مدينة فدولة قوية أخذت تتوسع على شبه جزيرة ايطاليا وتوحد قبائلها، ومر نظامها السياسي بثلاث مراحل :
ملكي " 753 – 509 ق م " جمهوري، " 509 – 27 ق م "، إمبراطوري " 27 – 476 م "[3]
وبوصولها إلى شواطئ المتوسط تعرفت على حضارات جديدة كانت تسيطر على المنطقة هما الإغريقية والقرطاجية، وبعد حروب طويلة مع هذه الأخيرة والتي عرفت بالحروب البونية " 264 – 146 ق م "أين تمكنت من الإطاحة بقرطاجة وحلت مكانها وبالسواحل الغربية للمتوسط[4]، ويمكن تقسيم تاريخ المغرب القديم على عهد الاحتلال الروماني إلى ثلاث مراحل أساسية :
العهد الجمهوري " 146 – 29 ق م "، والعهد الإمبراطوري الأول " 29 – 244 ق م "، والعهد الإمبراطوري الثاني " 244 – 429 ق م "[5] .
ففي المرحلة الأولى قامت روما بتدمير قرطاجة نهائيا، إذ قامت بزرع أرضها ملحا وتحويل أهلها عبيدا والاستيلاء على ممتلكاتها أين أصبحت تسمى بالمقاطعة الإفريقية[6] .
وخلال قرن من الزمن " 146 – 46 ق م " استولت روما على اوتيكا ولبدة وجزء من نوميديا بعد حرب يوغرطة بقيادة قيصر، حيث أقام مقاطعة ثانية تسمى إفريقيا الجديدة، وبعد وفاة ملك موريتانيا " بوخوس 33 ق م " ولم يترك وريثا للعرش قامت روما بضمها إليها[7] .
وفي المرحلة الثانية ووصول أغسطس إلى الحكم، عين على موريتانيا احد المغاربة وهو يوبا الثاني " 25 – 23 ق م "[8] وحكم بعده ابنه بطليموس حليف الشعب الروماني ضد بلده تاكفريناس " 17 – 27 م " لكن هذا الولاء لم يشفع له حيث اغتاله كاليكولا " 40 م "[9] وبوفاته تم إلحاق موريتانيا بروما بعد تقسيمها إلى قيصرية " شرشال " و طنجية " طنجة ، و ليلي "[10]. وعملت روما أثناء هذه الفترة على تطبيق سياسة جديدة هي مصادرة الأراضي من المغاربة وتحويلها إلى ملكية عمومية لروما تحت اسم أراضي الأعداء المهزومين[11] ورحلت أصحابها إلى الجبال والصحاري مثل قبائل الموسولامي المستقرة بالشمال القسنطيني وتحولت إلى قبائل بدو رحل بالصحراء[12] . وقامت روما بمسح كل الأراضي وأعادت تقسيمها إلى مربعات يصل الواحد إلى " 50.23 هكتار " وفتحت مزايدة للبيع والإيجار والمصلحة[13] وبذلك يمكن القول أن الأراضي المغاربية أصبحت مقسمت إلى : أراضي ملكية لروما، أراضي خاصة بالأباطرة، أراضي لأعضاء مجلس الشيوخ والكنيسة والفرسان، أراضي للجنود المسرحين، أراضي للمستوطنين[14] .
ولتدعيم وتعزيز هذه السيطرة قامت بإنشاء خطوط عسكرية عرفت بخطوط الليمس[15] والذي أقيم ما بين القرنين الأول والثالث ميلادي، لحماية مصالحها من القبائل الجبلية ( المور )[16] والصحراوية ( الجيتول )[17] .
ومع هذه الخطوط العسكرية والتقسيم الكامل للأراضي أصبحت روما تسيطر على بلاد المغرب بكامله ضمن ما يعرف بسياسة رومنة الأراضي التي تعدته إلى رومنة الحياة الإنسانية من إدخال اللغة اللاتينية وفرض الديانة الرومانية[18] .
المطلب الثاني : الفكر الديني في بلاد المغرب القديم :
من الصعب معرفة تفاصيل تهم المعتقدات الدينية لسكان المغرب القديم بصورة واضحة، وذلك قبل وصول التأثيرات الخارجية حيث لا يوافينا المتخصصون في عصور ما قبل التاريخ بمعلومات تمكننا من معرفة أكثر بتلك الطقوس التي يمارسها سكان المغرب القديم. إذ تقتصر هذه المعطيات على الطقوس الجنائزية. فما نعرفه عن الحياة الدينية لسكان المغرب القديم هو مجرد إشاعات حيث يشير المؤرخون إلى أن البربر كانوا يدينون بالديانة الإحيائية .
لقد واكب المغرب القديم باقي الحضارات، باستبدال الصيد والقطف و الترحال بالإنتاج والاستقرار والزراعة وتدجين الحيوانات، أدى كل هذا إلى اعتقاده بوجود قوى خفية تحيط به[19] وهذا راجع إلى قصر نظره للكون والحياة على مسببات الظواهر الطبيعية[20] والى الفائدة التي تقدمها له[21] فجعل من الشمس والقمر والكهوف والرياح والمياه عبادة له[22] .
عموما عرف سكان المغرب القديم خلال مراحل تطور فكرهم الديني نفس الخطوات التي مر بها الإنسان بصورة عامة. انطلاقا من ظاهرة الاعتقاد في وجود قوى خفية تتحكم في مصيرهم إلى بعض الظواهر الدينية التي يختلط فيها السحر بالدين كالانيمة والقيتشية وصولا إلى اعتقادهم في كون الطبيعة مليئة بالأرواح الخيرة والشريرة والجن، لدرجة أن كل حركة من الحركات من مظاهر الطبيعة وراءها روح من الأرواح، مما جعل المغاربة القدماء يمعنون التأمل في صيرورة كوكب الشمس والقمر والنجوم وفي هذا التحرك شرقا وغربا، ليلا ونهارا[23].
أما أصل هذه العبادة فهو محل اختلاف بين الإغريق المختصين في تقديس الكواكب[24] وبين المصريين والفينيقيين ودليلهم في ذلك وجود أشكال القرص بمصر والساحل الفينيقي لكن عجز الديانات التوحيدية ( اليهودية، المسيحية، الإسلام ) في القضاء على هذا المعتقد دلالة على جذورها المحلية المغاربية .
والجدير بالإشارة هنا التذكير بدور الموت والفنا وطرقه في ظهور عقيدة الإيمان بوجود حياة أخرى وبفكرة الخلود واللحود ومحتوياتها توحي بوجود فكرة الخلود لدى سكان المغرب القديم والتي برزت معها عبادة الموتى والأسلاف، التي ستتحول بالتدريج إلى عبادة الملوك. كما عرف سكان المغرب القديم بدورهم عبادة مظاهر قوى الطبيعة التي اعتبرت مرحلة أساسية مرت منها كل الشعوب. وتتمثل هذه القوى في الجبال والكهوف والأحجار والماء والنجوم والكواكب والأشجار أو في المغارات والأماكن[25] .
غير أن كل المصادر القديمة أجمعت على أن أولى عبادات المغاربة كانت الشمس وهذا ما ذهب إليه هيروديت[26] وهذا لفائدتها – الدفء والإنارة[27] – باستثناء قبائل الاترانتس " الجيتول " بالصحراء الذين كانوا يلعنونها لأشعتها المحرقة[28]، عكس الليبيون في الشمال الذين يقدمون لها الأضاحي – قبائل النسامون المستقرون حول بحيرة تريتون -[29] .
وبهذه المرحلة عرف الفكر الديني لسكان المغرب القديم ، تطورا نوعيا انتقل به إلى مستوى ظهور ما يعرف بالأرباب.
المطلب الثالث : نماذج الأرباب لسكان المغرب القديم الأصلية:
اعتمادا على نصوص هيروديت وديودور الصقلي ورحلة حانون وصاحب رحلة سكيلاكس أصبح من المؤكد أن فكرة وجود أرباب لسكان المغرب القديم أصيلة اقتبسها الإغريق بعد ذلك، بل ويؤكد ديودور الصقلي أن "الأرباب ولدت في بلادهم وهو رأي يتفق عليه الإغريقيون ويؤكده أشهر شعائرهم [هوميروس][30] .
وإذا عدنا إلى التاريخ هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد فنجده يذكر أن سكان المغرب القديم الذين كانوا يعتقدون في الربة اتينا يقول "غير ان القاطنين منهم عند البحيرة الشريتونية يقربنون لاتينا خاصة من بعدها لثريثون و بوزيدون[31]" وهذا ما يؤكد بان هذه الأرباب امازيغية في الأصل، إلا أننا لا تدري هل هذه الأسماء المعروفة بها في بلاد الإغريق هي نفسها التي كانت تعرف بها في بلاد المغرب القديم أم أن هذه الأسماء تخفي أسماءها الأصلية التي لا نعرف عنها أي شيء لحد الآن.
والشيء المؤكد لدينا هو انه في القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل كان سكان المغرب القديم يهجدون أربابا ثلاثة بل ويقيمون حفلا سنويا للربة "أثينا" تنقسم فيه عذاراهم فريقين يحارب احدهما الآخر بالحجارة والهراوات وبهذا على حد قولهم يظهر إجلالهن على نمط الأسلاف نحو تلك الربة الوطنية التي ندعوها نحن أثينا وتعتبر الفتيات اللائي يمتن متأثرات بجراحهن .
ويلاحظ أن هذه الشعيرة عن صراع طقوس ذي طابع ديني مرتبط بمعبود أمازيغي وان الهدف من هذه الصراعات الطقوسية العمل بطريقة عنيفة على طرد الأمراض والشرور والآثام، التي تسكن جسمي المصارعين، هذا فضلا عن تجديد المقدس بتطهير الجسم من الذنوب والأخطاء التي تراكمت طيلة السنة بمعنى آخر طرد الماضي بشره على الخصوص.
ويجب التذكير أن بوزيدون وترثون يمثلان مكانة شرفية إذ يذكران ضمن المجموعة الثالثة من الأرباب الشاهدة على قسم جنيبعل. وبجانب الأرباب الثلاثة التي ذكرها هيرودوت هناك أرباب امازيغية كثيرة أخرى منها الربة "ثانيت" والربة "إفريقيا" والربة "اوليسوا". والأرباب طباكاكس" وكورزيل وأمون وانزار ومجموعة من الأرباب المعروفة بالأرباب المورية كالأرباب المذكورة في لوحة بابا وأرباب مجيفة وغيرها[32].
وهناك أرباب كان تعتقد أنها مكرية كامون وأزيس وتفنوت وسباووخ وأش. يظهر أنها أمازيغية الأصل[33] وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال تعريفنا ببعض هذه الأرباب.
الــرب آمــــــون وتانيت:
إذا انطلقا من حاضرنا، نلاحظ أن الإنسان في العالم القروي خاصة الذي يرى الغنم لا يزال يبجل ويحترم بل ويقدس قرون كبش الأضحية والنذور، ويحتفظ بها في بيته اعتقادا منه أنها تدفع عنه وتقيه شر النظرة والعين. يبدو أن هذا المعتقد من بقايا رواسب العقيدة الأمازيغية العنيفة الخاصة بتقديس وبتبجيل الكبش والتي تعتبر النقوش والرسوم الصخرية من أقدم الوثائق التي تشير إليها. ولكن لماذا الكبش؟
لان الكبش يعتبر من أكثر الحيوانات شبقا وسهوانية، وقد اختير للدلالة على القدرة التناسلية المخصبة مثل الثور. ويتعلق به رمز الخصوبة ويوصف بأنه رمز القمح.
ويبدو أن أمون وهو من اكبر الآلهة عند البربر[34] الذي يرمز له بالكبش كان يعتبر الرب الرئيسي الأمازيغي. وقد أكدت النصوص وجوده منذ القرن السادس قبل الميلاد والى غاية العهد البيزنطي. وهناك من يعتقد بان وجود الشعوب الأخرى، فهو يقابل بعل حمون البوني وزيوس اليوناني. أما أصله فقد تم الاختلاف حوله.
فقد قيل بأنه من أصل مصري وهناك من يقول انه أمازيغي، وسنحاول مناقشة هذين الرأيين لقد كان من المسلمات لغاية بداية هذا القرن. أن مصر هي التي كانت وراء انتشار من عبودتها عبر شمال إفريقيا كما أن الأكباش المتوجة أو المحاطة رؤوسها بهالة، والنحوت على النقوش الصخرية في جبال الأطلس، كانت رغم البعد الجغرافي قد ربطتن بكل بساطة بالإله المصري أمون بطيبة، والذي كان "هنري باص" قد عثر اسمه تحت شكل "امان" الذي تعني السيد. وقد تحول آمون الالاه الكبش الى الاه شمس بعد امتزاجه مع "رع" واخذ يفرض سيطرته من منطقة الى اخرى، منتجها من الشرق تالى الغرب الى ان هيمنت عبادته على كل شمال إفريقيا. هذا الافتراض أصبح مقبولا الى غاية القرن العشرين لأنه اتضح ان الكبش المتوج لا يمكن ان يكون هو كبش آمون – رع، لأنه وبكل بساطة ان الكبش المتوج المنحوت في النقوش الصخرية أقدم بكثير من آمون رع. ويعود الى مرحلة من العصر الحجري الحديث. كما أن الباحث "كسيل Gsell" كان في البداية يدافع عن الفرضية القائلة بالأصل المصري لعبادة الكبش الأمازيغي في الجزء الأول من كتابه "التاريخ القديم لشمال افريقيا" بينما تخلى عنها في الجزء السادس من نفس الكتاب. وهذا يعني أن قيدوم مؤرخي شمال افريقيا الذي يعود الكثير من الباحثين إلى افتراضه وفرضياته قبل لأول مرة بان يعترف بأن عبادة الكبش الأمازيغي لا علاقة له بعبادة أمون المصرية .
إضافة إلى النقوش الصخرية المتعلقة به فقد وجدت في كل من، معبد الحفرة – قسنطينة – وجد به 281 نصب لأمون، ( وهيبون، دلس، شرسال، تيبازة )، كل هذه المناطق تنتمي إلى المملكة النوميدية، وهذا دليل أخر على مغاربيته[35]، وكان الإله أمون عند المغاربة ، يعتبر الها للخير وخلود الروح والشمس[36] .
أما تجسيده فكان على شكل شيخ يجلس على العرش ويمسك بكبش، وصورة أخرى لإنسان على رأسه قرص الشمس بمدخل المعبد وكأنه سيد للمعبد[37] .
وتظهر مكانة أمون عند النوميد من خلال صك عملة بوعد من الرومان " سنة 49 ق م " وشم على الوجه الأول يوبا الأول مكافأة لمساعدته لقوات بومي ضد قيصر والوجه الثاني صورة للإله أمون الكبش وبين قرنيه قرص الشمس[38] .
الالهة تانيت :
كانت الآلهة تانيت تشكل زوج الهي مقدس مع قرينها أمون لدى المغاربة، وكانت رمز للأمومة والخصوبة[39]، ويعود تمسك المغاربة بآلهة أنثى إلى قيمة المرأة في المجتمع القبلي واتخاذها رمزا للخصوبة[40].
أما أصل هذه الآلهة فهي محل اختلاف أيضا بين الأصل القرطاجي أو المغاربي غير ا ناهل الاختصاص يؤكدون على مغاربيتها، ويقال أن بداية انتشارها ببلاد المغرب يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد [41].
وقام الفينيقيون بنشر عبادة تانيت في بداية الأمرين على شكل دمى جميلة تهدى للأطفال المغاربة[42]. إلا أن المؤرخ " خزعل الماجدي " يقر بان أصل هذه الآلهة بربريا فتبناها القرطاجيون[43] وتقابلها عند الفينيقيون الخصوبة عشترت[44] .
ولعل تمسك المغاربة برمزها إلى يومنا هذا من خلال الابريم الفضي الذي تستخدمه المرأة في لباسها والوشم على جبهة المرأة هو خير دليل على جذورها المغاربية[45] .
المبحث الثاني
الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم
المبحث الثاني :
الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم .
المطلب الأول :
المعتقدات الرومانية ببلاد المغرب القديم :
عرف الرومان الديانة الوثنية كغيرهم من الأمم حيث مرت بأربع مراحل رئيسية :
المرحلة البدائية : وتمثل تعدد الآلهة ( الأكل، الشرب، الجبال )، وكانت عبادة عائلية[46] وكان في اعتقادهم أنهم بقدر ما يزداد عدد الآلهة بقدر ما يضمنون لأنفسهم الخير، ويبعدون الشر والأذى[47].
المرحلة الثانية : دخول المعابد والطقوس في حياة الرومان .
المرحلة الثالثة : نتيجة الانتصارات والتوسع الخارجي، تأثرت بالديانات الأخرى على غرار المصرية والإغريقية والقرطاجية .
المرحلة الرابعة : تذمر العامة من تعدد الآلهة وعبادة الإمبراطور وظهور المسيحية[48] .
المطلب الثاني :
الآلهة الرومانية ببلاد المغرب القديم :
كانت أولى الآلهة التي عرفها الرومان منماوالية وهي المعروفة بالآلهة فيستا، ويسهر أفراد العائلة على خدمتها ثم بدأت في الانتشار لتصبح اجتماعية[49] واختلفت الديانة الرومانية وتنوعت بين الآلهة المعنوية أو الروحانية كالخير والشر والسلم والنصر والحرب والآلهة السماوية ابولون، جونون، جوبيتر[50].
لقد تنوعت الآلهة الرومانية بالمغرب القديم بين الأصلية والهة ذات أصول شرقية نسبتها إلى نفسها بعدما شعرت بحاجة إلى قناعة فكرية وجمالية لم توفرها لها الآلهة الأصلية[51] .
إضافة إلى كونها جسر لمحور الآلهة من الشرق إلى الغرب وذلك عن طريق جيشها الذي كان متعدد الأصول وبذلك تبنتها وأعطتها اسم رومانيا [52].
المطلب الثالث :
الآلهة الرومانية الشرقية :
- الإله ساتورن : يعتقد أن أصله إغريقي كرونوس بعدما فر من اليونان، واستقر بروما، وكان مختصا بالزراعة والعواصف والخصوبة[53] واسمه مشتق من كلمة "SATA" وتعني الأرض المزروعة[54] وكانت صورة الإله ساتورن على شكل شيخ ملتحي ذو شعر طويل، ورأسه مغطى بتاج ويمسك بيده اليمنى حربة وأمامه كبش فداء . ولقد وجدت له أثار كثيرة بمعبد الحفرة ( سيرتا ) ويعتقد انه عبد بها من طرف الجالية الايطالية[55] وكذا أثار بمدينة جميلة تعود إلى القرن "3م"[56].
ويمكن القول أن سبب الانتشار الواسع لعبادة الإله ساتورن لدى المغاربة لعدة أسباب :
فرض القوة من طرف السلطات الرومانية .
اعتبره المغاربة خليفة لبعل حمون القرطاجي وأمون المغاربي، باعتباره اله للزراعة التي كان ماسينيسا يحث عليها[57] .
- الآلهة ديانا : هي نفسها الآلهة أرتميس الإغريقية وقامت روما بنقل تماثيلها وتبنتها[58] وتعتبر آلهة للقمر وحامية للنساء وراعية للغابات والصيد وكانت تمثل بامرأة على عربة ترمي بسهم[59] ووصلت الى المغرب مع بداية الاحتلال حيث وجد لها آثار بتبسة وشرشال[60] .
- الإله باكوس : هو في الأصل الإله الإغريقي ديونيسيوس إله الكروم والخمر، ثم حوله الرومان إلى باكوس، وصور على شكل رجل عار يمسك بعنقود عنب ووجدت له تماثيل عديدة بالمغرب سواء على قطع نقدية أو نقوش حجرية في كل من خنشلة وتيمقاد وجميلة[61] .
- الآلهة سيبلي : والمعروفة بالأم الكبرى، جاءت من أسيا الصغرى عام " 204 ق م " وانتشرت بسرعة في روما والمغرب القديم، وكانت عبادتها سرية[62] .
المطلب الرابع :
الآلهة الرومانية الأصلية :
- ثلاثي الكابيتول[63] : كان لكل حضارة ثلاثي مقدس يعتبر حاميا لها، فالمصريون عرفوا بإزيس واوزير وحورس، والإغريق بهيرا، اثينا، زيوس، وعند الرومان نجد جونون، منيرفا، جوبيتر، وانتشرت عبادة الثلاثي بأغلب المدن الرئيسية بروما[64] .
ووصلت عبادة الثلاثي إلى بلاد المغرب القديم مع الاحتلال الروماني، فمدينة تيمقاد بنيت على شرفه[65] وكذلك مدينة صبراتة التي وجد بها معبد عبارة عن ثلاث حجرات، كل حجرة ترمز لإله الذي شيد خلال القرن الأول ( م )[66] .
- الإله جوبيتر : يعتبر سيد الآلهة الرومانية وذلك لتعدد وظائفه، فهو اله البشر والسماء والطقس والزمن والبرق والمطر[67] .
ويعتبر الإله جوبيتر حامي روما والمشرف على حروبها وجالب النصر لها[68] - في معركة قيصر ضد يوبا الأول طلب الجنود مباركة اله النصر جوبيتر -– وكان شعاره اللون الأبيض، لذا وجب على الكهنة ارتداء الأبيض، وكذا القرابين صوفها يكون ابيض، ويغلق المعبد أثناء فترة السلم وفي حالة الحرب يخرج الإله مع الجيش إلى المعارك[69]، واهم مناطق عبادته ببلاد المغرب نذكر : جنوب الأوراس ( معبد القنطرة ) الذي أقامه الإمبراطور كركلا[70]، ومدينة و مدينة سيتيفيس، وكل المدن الرومانية .
- الإله مارس : هو اله مختص بالحرب الى جانب جوبيتر، ويرمز له برمح مقدس[71]، وهو خاص بالمحاربين، ولا يجوز للعامة زيارة معبده إلا في شهر مارس[72]، وجد له آثار بمدينة سيتيفيس التي بنيت على شرفه " 69 – 98 م "، وكذا مدينة لامباسيس .
وورد اسم الإله مارس في المعاهدات الرومانية مع القرطاجيين والإغريق[73]، وتراجعت مكانته بعد انهزام روما أمام حنبعل " 216 ق م "، فامتنعوا عن زيارته وتقديم القرابين له وهذا حسب رواية المؤرخ تيت – ليف[74] .
- الإله نبتون : من الآلهة الرومانية المعروفة، فهو اله المياه والملاحة والبحر، ويقابل عند الإغريق الإله بوزيدون وداجون الفينيقي، ومعابده جلها قرب الينابيع والعيون، تقام له احتفالات بشهر جويلية، وله آثار ببجاية، سيرتا ( الجزائر )، قفصة ( تونس )[75] .
- عبادة الإمبراطور : لقد عرف الرومان عبادة أو تاليه الملك مع رومولوس مؤسس روما، الذي يعتقد بأنه ابن الإله، واله أحفاده من بعده الى غاية " 509 ق م " – قيام الجمهورية الرومانية[76] – وبدأت عبادة الإمبراطور مع أغسطس[77] وذلك لأعماله الجليلة التي قدمها لروما، ممثلة في إعادة العبادة الروحانية لمظاهر الطبيعة، وحارب الآلهة الأجنبية[78] .
وتكون عبادة الإمبراطور بعد مماته، حيث يجتمع مجلس الشيوخ ويقرر رفعه إلى مصاف الآلهة وهذا بعد دراسة انجازاته وأعماله[79] .
أما ببلاد المغرب القديم فكان يقام على شرفه الاحتفالات في الساحات العامة على شكل مآدب للفقراء لدلالة على سماحة الإله ( الإمبراطور )[80] وحضور المغاربة لم يكن عن قناعة وإيمان بهذه العبادة بل لشدة الجوع والحاجة[81]، واهم المناطق التي اله فيها هي :
مملكة شرشال التي كانت بزعامة يوبا الثاني، حيث قام بصنع تمثال لأغسطس من الرخام الأبيض وفرضه على السكان كإله، وهذا اعتراف بالجميل، ومدينة قورينة أين عثر على كلمة أغسطس منقوشة على معبد، ومدينة جيينس ( تونس ) حيث وجد رأس تمثال لأغسطس[82] .
- الأسرة السيفيرية : ألهت هذه الأسرة التي تظم سبتيم سيفار " 193 – 211 م "، وزوجته جوليا ابنة كاهن حمص، وابنه كركلا " 211 – 217 م " لمنجزاتهم في خدمة روما[83]، وباعتبار سبتيم سيفار من أصل مغاربي ( لبدة )[84] اثر على المغاربة لدرجة التقديس، نجده في بناء المعابد والتماثيل بمدينة لبدة وكويكول ( جميلة )[85] وجاء بعده أحفاده كركلا وسيفار الكسندر " 222 – 235 م " اللذان ألها .
وفي الأخير يمكن القول بان عبادة الإمبراطور كانت منحصرة في المدن الرومانية فقط ببلاد المغرب القديم ولم تصل إلى المدن النوميدية، حتى الذين تأثروا بها أما لمصلحة ناو فرضت عليهم بالقوة[86] .
خاتمة :
يمكن لنا من خلال هذه الإطلالة على المعتقدات الوثنية التي مارسها المغاربة أثناء الاحتلال الروماني أن نخلص بان المغرب القديم كان لا يقل شأنا عن بقية مناطق العالم سواء في التفكير الديني أو ممارسة الشعائرية، وليس معناه أن المغاربة – عندما قبلوا الامتزاج بالمعتقدات الوافدة – شعب قابل للاحتلال بقدر ما بعبر عن حارة فسيفسائية باطنها أمازيغي ملونة بمؤثرات مصرية فينيقية إغريقية ورومانية، حيث أكد من خلال حضارة عين الحنش التي تعود إلى مليون وسبعمائة ألف سنة قبل الميلاد أن له مكانة ضمن الحضارات القديمة، وان أضرحة المدغاسن ودوقة وسيقة والضريح الموريتاني وصومعة الخروب تضاهي الأهرامات المصرية والمعابد الإغريقية والزاقورات الأشورية لو تلقى الاهتمام من أصحاب الاختصاص، لكن ما ذنب التاريخ إذا كان الإنسان لا يعيه، فرغم وصول شيشنق وأحفاده إلى عرش الفراعنة، ووصول سبتيم سيفار وأحفاده إلى عرش روما، إلا أن الكثير منا لا يعرف حتى أسمائهم أو هويتهم .
[1] شافية شارن وآخران : الاحتلال الاستيطاني وسياسة الرومنة، منشورات المركز الوطني للدراسات والأبحاث، الجزائر، 2007، ص 36 .
[2] محمد الصغير غانم واخران : المقاومة والتاريخ العسكري، ص 299 .
[3] شافية شارن وآخران : المرجع السابق، ص 36 – 38 .
[4] شافية شارن : " النتائج الاقتصادية للتوسع الروماني وموريتانيا القيصرية " حولية المؤرخ، ع 1، اتحاد المؤرخين الجزائريين، الجزائر، 2002، ص 35 – 36 .
[5] رشيد الناضوري : المغرب الكبير، ج 1، ص 288 .
[6] شارل أندري جوليان : تاريخ إفريقيا الشمالية، ص 146 .
[7] محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 181 – 182 .
[8] محمد الهادي الحارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 182 .
[9] محمد الصغير غانم : " بعض ملامح ثورات التحرير ضد الاستعمار الروماني خلال القرن الاول ميلادي "، حولية المؤرخ، ع 1، اتحاد المؤرخين الجزائريين، الجزائر، 2002، ص 25 – 26 .
[10] محمد الهادي الحارش : المرجع السابق، ص 185 .
[11] شارل اندري جوليان : تاريخ إفريقيا الشمالية، ص 150 .
[12] شافية شارن : " النتائج الاقتصادية للتوسع الروماني "، ص 35 – 37 .
[13] المرجع نفسه : ص 38 .
[14] شارل أندري جوليان : المرجع نفسه، ص 154 .
[15] خطوط الليمس : هي عبارة عن خطين عسكريين، الخط الأول : أقامه الإمبراطور تراجانوس بنهاية القرن الأول ( م ) والثاني أقيم خلال منتصف القرن الثاني إلى غاية القرن الثالث ميلادي ضد قبائل المور والجيتول، ( انظر : محمد البشير شنيتي : الجزائر في ظل الاحتلال الروماني، ص 117 – 119 ).
[16] محمد الهادي الحارش : المرجع السابق، ص 186 – 187 .
[17] الجيتول : هي قبائل تقطن الصحراء وترتحل الى التل من اجل الكلأ للماشية بحكم ممارستهم للرعي، وامتد نفوذهم من المحيط غربا الى خليج سرت شرقا، ( انظر : محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 29 ) .
[18] محمد البشير شنيتي : الاحتلال الروماني لبلاد المغرب القديم – سياسة الرومنة ( 146 ق م – 40 م ) -، ط 2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985، ص 141 – 143 .
[19] محمد إبراهيمي الميلي : الجزائر في ضوء التاريخ، دار البعث، قسنطينة، 1980م، ص 150 .
[20] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب اثناء الاحتلال الروماني، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص 259 .
[21] شافية شارن وآخران : الاحتلال الاستيطاني وسياسة الرومنة، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث، الجزائر، 2007، ص 28 .
[22] محمد خريسات وآخرون : تاريخ الحضارات الإنسانية، ط 1، دار الكندي، الأردن، ص 52 .
[23] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة للفكر الديني الوثني في شمال إفريقيا، دار الهدى، الجزائر 2005، ص 22 .
[24] عثمان الكعاك : موجز التاريخ العام للجزائر – من العصر الحجري الى الاحتلال الفرنسي، ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 2003، ص 32 .
[25] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة للفكر الديني الوثني في شمال إفريقيا، دار الهدى، الجزائر 2005، ص 22 .
[26] عبد اللطيف محمود البرغوثي : التاريخ الليبي القديم من اقدم العصور الى الفتح الاسلامي، ج 1، ص 136،محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم – السياسي والحضاري – منذ فجر التاريخ الى الفتح الاسلامي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1992، ص 145 .
[27] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 22 .
[28] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية بين الانشقاق الديني والتحرر ( 305 – 411 م )، رسالة ماجستير، جامعة منتوري، قسنطينة، 2005، ص 37 .
[29] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 22 .
[30] عبد اللطيف محمدود البرغوثي : التاريخ الليبي القديم، ص 138 .
[31] المرجع نفسه : ص 135 .
[32] عبد العزيز الثعالبي : مقالات في التاريخ القديم – تاريخ شمال افريقيا – ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1986، ص 17 .
[33] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية والحضارة البونية، ط 1، دار الامة، 1998، ص 206 .
[34] احمد بوساحة : أصول أقدم اللغات في أسماء أماكن الجزائر، دار هومة، الجزائر، 2004، ص 56 – 60 .
[35] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 87 – 88 .
[36] محمد العربي عقون : لاقتصاد والمجتمع، ص 212 .
[37] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 87 – 88 .
[38] محمد الصغير غانم : " علاقة نوميديا بالرومان "، مجلة التراث، ع 3، مطبعة الشهاب، الجزائر، 1988، ص 24 .
[39] محمد العربي عقون : المرجع السابق، ص 212 .
[40] رشيد الناضوري : المغرب الكبير، ص 209 .
[41] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية، ص 207 .
[42] عبد العزيز الثعالب : مقالات في التاريخ القديم – تاريخ شمال افريقيا – ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1986، ص 17 .
[43] خزعل الماجدي : المعتقدات الكنعانية، ط 1، دار الشرق، الاردن، ص 155 .
[44] أندري ايمار، جانين ابواييه : تاريخ الحضارات العام – روما وإمبراطوريتها -، تعريب : داغر اسعد و فريد أبو ريحانة، ط 6، منشورات عديدات، بيروت – باريس – 2006، ص 60 – 61 .
[45] محمد العربي عقون : الاقتصاد والمجتمع، ص 215 .
[46] سعدون محمد الساموك : في مقارنة الأديان والمعتقدات، ص 248 .
[47] شافية شارن واخران : الاحتلال الاستيطاني، ص 229 .
[48] سعدون محمد الساموك : المرجع السابق، ص 248 .
[49] ابكار السقاف : الدين عند الإغريق والرومان والمسيحيين، ج 3، ط 1، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2004، ص 264 .
[50] عثمان الكعاك : موجز التاريخ العام، ص 69 .
[51] اندري ايمار : روما وإمبراطوريتها، ص 200 .
[52] المرجع نفسه .
[53] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 110 – 111 .
[54] اندري ايمار : المرجع السابق، ص 203 .
[55] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية، ص 209 .
[56] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 110 – 111 .
[57] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ص 262 .
[58] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 116 – 117 .
[59] تغريد شعبان : " الالهة ديانا "، الموسوعة العربية، ج 9، ط 1، دمشق، 2006، ص 433 .
[60] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 116 – 117 .
[61] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 125 – 128 .
[62] احمد غانم حافظ : الامبراطورية الرومانية، ص 111 .
[63] الكابيتول : هو المعبد الذي أقيم فرق تلة الكابيتولينوس، بمدينة روما، وخصص للالهة المقدسة حامية روما، ( انظر : حسين الشيخ : اليونان، ص 384 . ).
[64] محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 222 .
[65] عبد الرحمان بن مرزوق : " مدينة تيمقاد أو تاموقادي قديما "، مجلة التراث، ع 2، مطبعة الشهاب، الجزائر، 1987، ص 42 .
[66] عزت زكي حامد القادوس : اثار العالم العربي، ص 64 .
[67] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 130 – 131 .
[68] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 115 .
[69] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 115 .
[70] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 42 .
[71] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 119 .
[72] المرجع نفسه، ص 119 .
[73] المرجع نفسه، ص 119 .
[74] اندري ايمار : روما وامبراطوريتها، ص 212 .
[75] أندري ايمار : روما وإمبراطوريتها، ص 126 .
[76] محمد السيد عبد الغاني : التاريخ السياسي، ص 123 .
[77] اغسطس : اسمه الاصلي غايوس او كتافيوس، تبناه يوليوس قيصر بعد اغتيال هذا الاخير اصبح يلقب باسم ابيه وفي ( 27 م ) منحه مجلس الشيوخ الروماني لقب اغسطس حكم ( 30 ق م – 14 م )، ( انظر : عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 12 ) .
[78] مصطفى العبادي : الامبراطورية الرومانية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 2007، ص 102 .
[79] أندري ايمار : المرجع السابق، ص 304 .
[80] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 42، 44 .
[81] محمد البشير شنيتي : المرجع السابق، ص 263، 264 .
[82] عزت زكي حامد القادوس : اثار العالم العربي، ص 171 .
[83] مهما عيساوي : " مدينة تبسة "، ص 36 .
[84] عزت زكي حامد القادوس : المرجع السابق، ص 18، 26 .
[85] المرجع نفسه، ص 301 .
[86] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ص 261، 264 .
عرفت بلاد المغرب القديم التي تتضمن المغرب الأقصى والجزائر وتونس وحدة جغرافية اقتضتها مجموعة جبال الأطلس ووحدة جنسية لكونها عمرها الأهالي، الذين أطلقت عليهم تسميات مختلفة في المصادر التاريخية، التي تتميز بقلتها وندرتها. إلا إذا استثنيا البقايا المادية لتلك الحضارة الغابرة التي عرفها المغرب القديم ، فذكر المصريون أهالي شمال إفريقيا بـ "مشاوس" كما أن هناك تسمية أخرى أطلقها السكان المحليون على أنفسهم، وهي كلمة "أمازيغ" وتعني النبل والشهامة، وساهم الإغريق والرومان "البربر" وهي كلمة يطلقونها على الشعوب الخارجون على محيط الحرارة الإغريقية والرومانية. كما سموا بالليبيين والنوميديين نسبة إلى كلمة نومادوس Nomados الرومانية وتعني الرحال المتنقلون.
فبالإضافة إلى الاختلاف في اسم سكان شمال إفريقيا اختلف المؤرخون كذلك في أصلهم وهناك كتابات كثيرة في هذا الشأن. فالمؤرخون العرب في العصر الوسيط قالوا أن البربر من أصل يمني أي من العرب العاربة. ونفس التأويل سار عليه مؤرخو الاستعمار الفرنسي في القرن الماضي وبداية القرن، فأخذوا يؤكدون على أن الامازيغ أوربيو الأصل. وكان وراء هذا الموقف أهداف سياسية محضة. لكن خلال الأربعين سنة الماضية فقد عمل الباحثون بجد، واستغلوا ما توفرت لهم من الإمكانيات الإركيولوجية. والانتروبولوجية واللسانيات في إيجاد الأصل الحقيقي لسكان المغرب القديم .
ولقد نتج عن هذه الأبحاث القول أن أصل سكان المغرب القديم له صلة وثيقة بالإنسان الذي استقر بهذه المنطقة منذ ما قبل التاريخ. ومن خلال هذه النتيجة نستنتج أن الوطن الأصلي للأمازيغ هو الموطن الذي نبتوا فيه منذ مائة قرون خلت.
ولقد تطرق العديد من الباحثين الأجانب بمختلف تخصصاتهم إلى دراسة كل ما يتعلق بسكان المغرب القديم، محاولة منهم لتحديد حضارة هذا الشعب والتعريف بها. ويأتي اختيارنا لموضوع " الآلهة التي كانت تعبد بالمغرب القديم أثناء الاحتلال الروماني" لكي نساهم ولو بشكل بسيط نتوفر عليه من معرفة متواضعة في إظهار ما يمكن إظهاره من نقاط تساهم بشكل أو بآخر في بعث موضوع أصل سكان المغرب القديم وحضارتهم ودياناتهم.
إن أهمية الموضوع وتباين الرؤى بشأنه، كانت من بين الأسباب التي دعتنا لاختيار البحث فيه، فضلا عن رغبتنا في إثراء معارفنا حول المعتقدات الدينية المحلية لبلاد المغرب القديم أثناء الاحتلال الروماني، كل هذا شجعنا على المضي في اقتحام مجاهيل الموضوع، على الرغم من الصعاب التي اكتنفت طريقه.
ولعل من بين أهم الإشكالات التي طمح البحث لمناقشتها، واقتراح إجابات لها :
ما هي المعتقدات الدينية المحلية لبلاد المغرب القديم والالهة التي كانوا يعبدونها اثناء الاحتلال الروماني ؟
وهل هذه الآلهة تخصهم أم هي مستوردة ؟
ولما كانت طبيعة الموضوع هي من يملي نوع المنهج المعتمد، فقد ارتأينا أن من الأنسب لموضوع بحثنا هذا أن نجمع فيه بين عدد من المناهج المتكاملة، فأعملنا المنهج التاريخي بصدد سرد الأحداث والوقائع، والمنهج التحليلي لما يستدعي الآمر تحليل النصوص والكشف عن مكنوناتها، والمنهج المقارن على اعتبار تعدد الروايات واختلافها حول المسالة الواحدة .
واستنادا لما جاءت به الدراسات التاريخية خاصة التي تناولت تاريخ الشعوب القديمة وحضارتها. حاولنا تقسيم موضوعنا هذا إلى مبحثين :
المبحث الأول: حاولنا فيه التطرق إلى الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والآلهة التي كانت تعبد آن ذاك والاحتلال الروماني .
أما الفصل الثاني: فتمحور حول الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم
وكان من الطبيعي أن نجمل ما توصلنا إليه من نتائج متواضعة في خاتمة هذا البحث، بالإضافة إلى الأفاق التي لا يزال يفتحها البحث في الحياة الفكرية والدينية لسكان بلاد المغرب القديم .
احتاج البحث في استمداد مادته إلى اعتماد عدد من المصادر والمراجع، التي تتفاوت الاستفادة منها تبعا لأهميتها وقيمتها، بالنسبة لموضوع البحث .
وفي الختام لا يسعنا سوى أن نتقدم بالشكر الجزيل لأستاذنا الفضل " سرحان " الذي طالما أمدنا بتوجيهاته وإرشاداته، ولا نستثني من شكرنا الأستاذ " بوكسيبة " كما لم يتأخر في إمدادنا ببعض المصادر والمراجع .
المبحث الأول
الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والاحتلال الروماني
المبحث الأول : الفكر الديني في بلاد المغرب القديم والاحتلال الروماني :
المطلب الأول : نبذة عن الاحتلال الروماني لبلاد المغرب :
قبل التطرق إلى الاحتلال الروماني نعرج إلى شبه الجزيرة الايطالية[1] التي نشأت بها روما على يد الأخوين رومولوس و يموس حسب الأسطورة ، فقام رومولوي بقتل ريموس وإنشاء قرية باسمه[2]، وأخذت تستقر بها جماعات إغريقية وترسيكية من آسيا الصغرى وتحولت بذلك إلى مدينة فدولة قوية أخذت تتوسع على شبه جزيرة ايطاليا وتوحد قبائلها، ومر نظامها السياسي بثلاث مراحل :
ملكي " 753 – 509 ق م " جمهوري، " 509 – 27 ق م "، إمبراطوري " 27 – 476 م "[3]
وبوصولها إلى شواطئ المتوسط تعرفت على حضارات جديدة كانت تسيطر على المنطقة هما الإغريقية والقرطاجية، وبعد حروب طويلة مع هذه الأخيرة والتي عرفت بالحروب البونية " 264 – 146 ق م "أين تمكنت من الإطاحة بقرطاجة وحلت مكانها وبالسواحل الغربية للمتوسط[4]، ويمكن تقسيم تاريخ المغرب القديم على عهد الاحتلال الروماني إلى ثلاث مراحل أساسية :
العهد الجمهوري " 146 – 29 ق م "، والعهد الإمبراطوري الأول " 29 – 244 ق م "، والعهد الإمبراطوري الثاني " 244 – 429 ق م "[5] .
ففي المرحلة الأولى قامت روما بتدمير قرطاجة نهائيا، إذ قامت بزرع أرضها ملحا وتحويل أهلها عبيدا والاستيلاء على ممتلكاتها أين أصبحت تسمى بالمقاطعة الإفريقية[6] .
وخلال قرن من الزمن " 146 – 46 ق م " استولت روما على اوتيكا ولبدة وجزء من نوميديا بعد حرب يوغرطة بقيادة قيصر، حيث أقام مقاطعة ثانية تسمى إفريقيا الجديدة، وبعد وفاة ملك موريتانيا " بوخوس 33 ق م " ولم يترك وريثا للعرش قامت روما بضمها إليها[7] .
وفي المرحلة الثانية ووصول أغسطس إلى الحكم، عين على موريتانيا احد المغاربة وهو يوبا الثاني " 25 – 23 ق م "[8] وحكم بعده ابنه بطليموس حليف الشعب الروماني ضد بلده تاكفريناس " 17 – 27 م " لكن هذا الولاء لم يشفع له حيث اغتاله كاليكولا " 40 م "[9] وبوفاته تم إلحاق موريتانيا بروما بعد تقسيمها إلى قيصرية " شرشال " و طنجية " طنجة ، و ليلي "[10]. وعملت روما أثناء هذه الفترة على تطبيق سياسة جديدة هي مصادرة الأراضي من المغاربة وتحويلها إلى ملكية عمومية لروما تحت اسم أراضي الأعداء المهزومين[11] ورحلت أصحابها إلى الجبال والصحاري مثل قبائل الموسولامي المستقرة بالشمال القسنطيني وتحولت إلى قبائل بدو رحل بالصحراء[12] . وقامت روما بمسح كل الأراضي وأعادت تقسيمها إلى مربعات يصل الواحد إلى " 50.23 هكتار " وفتحت مزايدة للبيع والإيجار والمصلحة[13] وبذلك يمكن القول أن الأراضي المغاربية أصبحت مقسمت إلى : أراضي ملكية لروما، أراضي خاصة بالأباطرة، أراضي لأعضاء مجلس الشيوخ والكنيسة والفرسان، أراضي للجنود المسرحين، أراضي للمستوطنين[14] .
ولتدعيم وتعزيز هذه السيطرة قامت بإنشاء خطوط عسكرية عرفت بخطوط الليمس[15] والذي أقيم ما بين القرنين الأول والثالث ميلادي، لحماية مصالحها من القبائل الجبلية ( المور )[16] والصحراوية ( الجيتول )[17] .
ومع هذه الخطوط العسكرية والتقسيم الكامل للأراضي أصبحت روما تسيطر على بلاد المغرب بكامله ضمن ما يعرف بسياسة رومنة الأراضي التي تعدته إلى رومنة الحياة الإنسانية من إدخال اللغة اللاتينية وفرض الديانة الرومانية[18] .
المطلب الثاني : الفكر الديني في بلاد المغرب القديم :
من الصعب معرفة تفاصيل تهم المعتقدات الدينية لسكان المغرب القديم بصورة واضحة، وذلك قبل وصول التأثيرات الخارجية حيث لا يوافينا المتخصصون في عصور ما قبل التاريخ بمعلومات تمكننا من معرفة أكثر بتلك الطقوس التي يمارسها سكان المغرب القديم. إذ تقتصر هذه المعطيات على الطقوس الجنائزية. فما نعرفه عن الحياة الدينية لسكان المغرب القديم هو مجرد إشاعات حيث يشير المؤرخون إلى أن البربر كانوا يدينون بالديانة الإحيائية .
لقد واكب المغرب القديم باقي الحضارات، باستبدال الصيد والقطف و الترحال بالإنتاج والاستقرار والزراعة وتدجين الحيوانات، أدى كل هذا إلى اعتقاده بوجود قوى خفية تحيط به[19] وهذا راجع إلى قصر نظره للكون والحياة على مسببات الظواهر الطبيعية[20] والى الفائدة التي تقدمها له[21] فجعل من الشمس والقمر والكهوف والرياح والمياه عبادة له[22] .
عموما عرف سكان المغرب القديم خلال مراحل تطور فكرهم الديني نفس الخطوات التي مر بها الإنسان بصورة عامة. انطلاقا من ظاهرة الاعتقاد في وجود قوى خفية تتحكم في مصيرهم إلى بعض الظواهر الدينية التي يختلط فيها السحر بالدين كالانيمة والقيتشية وصولا إلى اعتقادهم في كون الطبيعة مليئة بالأرواح الخيرة والشريرة والجن، لدرجة أن كل حركة من الحركات من مظاهر الطبيعة وراءها روح من الأرواح، مما جعل المغاربة القدماء يمعنون التأمل في صيرورة كوكب الشمس والقمر والنجوم وفي هذا التحرك شرقا وغربا، ليلا ونهارا[23].
أما أصل هذه العبادة فهو محل اختلاف بين الإغريق المختصين في تقديس الكواكب[24] وبين المصريين والفينيقيين ودليلهم في ذلك وجود أشكال القرص بمصر والساحل الفينيقي لكن عجز الديانات التوحيدية ( اليهودية، المسيحية، الإسلام ) في القضاء على هذا المعتقد دلالة على جذورها المحلية المغاربية .
والجدير بالإشارة هنا التذكير بدور الموت والفنا وطرقه في ظهور عقيدة الإيمان بوجود حياة أخرى وبفكرة الخلود واللحود ومحتوياتها توحي بوجود فكرة الخلود لدى سكان المغرب القديم والتي برزت معها عبادة الموتى والأسلاف، التي ستتحول بالتدريج إلى عبادة الملوك. كما عرف سكان المغرب القديم بدورهم عبادة مظاهر قوى الطبيعة التي اعتبرت مرحلة أساسية مرت منها كل الشعوب. وتتمثل هذه القوى في الجبال والكهوف والأحجار والماء والنجوم والكواكب والأشجار أو في المغارات والأماكن[25] .
غير أن كل المصادر القديمة أجمعت على أن أولى عبادات المغاربة كانت الشمس وهذا ما ذهب إليه هيروديت[26] وهذا لفائدتها – الدفء والإنارة[27] – باستثناء قبائل الاترانتس " الجيتول " بالصحراء الذين كانوا يلعنونها لأشعتها المحرقة[28]، عكس الليبيون في الشمال الذين يقدمون لها الأضاحي – قبائل النسامون المستقرون حول بحيرة تريتون -[29] .
وبهذه المرحلة عرف الفكر الديني لسكان المغرب القديم ، تطورا نوعيا انتقل به إلى مستوى ظهور ما يعرف بالأرباب.
المطلب الثالث : نماذج الأرباب لسكان المغرب القديم الأصلية:
اعتمادا على نصوص هيروديت وديودور الصقلي ورحلة حانون وصاحب رحلة سكيلاكس أصبح من المؤكد أن فكرة وجود أرباب لسكان المغرب القديم أصيلة اقتبسها الإغريق بعد ذلك، بل ويؤكد ديودور الصقلي أن "الأرباب ولدت في بلادهم وهو رأي يتفق عليه الإغريقيون ويؤكده أشهر شعائرهم [هوميروس][30] .
وإذا عدنا إلى التاريخ هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد فنجده يذكر أن سكان المغرب القديم الذين كانوا يعتقدون في الربة اتينا يقول "غير ان القاطنين منهم عند البحيرة الشريتونية يقربنون لاتينا خاصة من بعدها لثريثون و بوزيدون[31]" وهذا ما يؤكد بان هذه الأرباب امازيغية في الأصل، إلا أننا لا تدري هل هذه الأسماء المعروفة بها في بلاد الإغريق هي نفسها التي كانت تعرف بها في بلاد المغرب القديم أم أن هذه الأسماء تخفي أسماءها الأصلية التي لا نعرف عنها أي شيء لحد الآن.
والشيء المؤكد لدينا هو انه في القرن الخامس قبل الميلاد على الأقل كان سكان المغرب القديم يهجدون أربابا ثلاثة بل ويقيمون حفلا سنويا للربة "أثينا" تنقسم فيه عذاراهم فريقين يحارب احدهما الآخر بالحجارة والهراوات وبهذا على حد قولهم يظهر إجلالهن على نمط الأسلاف نحو تلك الربة الوطنية التي ندعوها نحن أثينا وتعتبر الفتيات اللائي يمتن متأثرات بجراحهن .
ويلاحظ أن هذه الشعيرة عن صراع طقوس ذي طابع ديني مرتبط بمعبود أمازيغي وان الهدف من هذه الصراعات الطقوسية العمل بطريقة عنيفة على طرد الأمراض والشرور والآثام، التي تسكن جسمي المصارعين، هذا فضلا عن تجديد المقدس بتطهير الجسم من الذنوب والأخطاء التي تراكمت طيلة السنة بمعنى آخر طرد الماضي بشره على الخصوص.
ويجب التذكير أن بوزيدون وترثون يمثلان مكانة شرفية إذ يذكران ضمن المجموعة الثالثة من الأرباب الشاهدة على قسم جنيبعل. وبجانب الأرباب الثلاثة التي ذكرها هيرودوت هناك أرباب امازيغية كثيرة أخرى منها الربة "ثانيت" والربة "إفريقيا" والربة "اوليسوا". والأرباب طباكاكس" وكورزيل وأمون وانزار ومجموعة من الأرباب المعروفة بالأرباب المورية كالأرباب المذكورة في لوحة بابا وأرباب مجيفة وغيرها[32].
وهناك أرباب كان تعتقد أنها مكرية كامون وأزيس وتفنوت وسباووخ وأش. يظهر أنها أمازيغية الأصل[33] وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال تعريفنا ببعض هذه الأرباب.
الــرب آمــــــون وتانيت:
إذا انطلقا من حاضرنا، نلاحظ أن الإنسان في العالم القروي خاصة الذي يرى الغنم لا يزال يبجل ويحترم بل ويقدس قرون كبش الأضحية والنذور، ويحتفظ بها في بيته اعتقادا منه أنها تدفع عنه وتقيه شر النظرة والعين. يبدو أن هذا المعتقد من بقايا رواسب العقيدة الأمازيغية العنيفة الخاصة بتقديس وبتبجيل الكبش والتي تعتبر النقوش والرسوم الصخرية من أقدم الوثائق التي تشير إليها. ولكن لماذا الكبش؟
لان الكبش يعتبر من أكثر الحيوانات شبقا وسهوانية، وقد اختير للدلالة على القدرة التناسلية المخصبة مثل الثور. ويتعلق به رمز الخصوبة ويوصف بأنه رمز القمح.
ويبدو أن أمون وهو من اكبر الآلهة عند البربر[34] الذي يرمز له بالكبش كان يعتبر الرب الرئيسي الأمازيغي. وقد أكدت النصوص وجوده منذ القرن السادس قبل الميلاد والى غاية العهد البيزنطي. وهناك من يعتقد بان وجود الشعوب الأخرى، فهو يقابل بعل حمون البوني وزيوس اليوناني. أما أصله فقد تم الاختلاف حوله.
فقد قيل بأنه من أصل مصري وهناك من يقول انه أمازيغي، وسنحاول مناقشة هذين الرأيين لقد كان من المسلمات لغاية بداية هذا القرن. أن مصر هي التي كانت وراء انتشار من عبودتها عبر شمال إفريقيا كما أن الأكباش المتوجة أو المحاطة رؤوسها بهالة، والنحوت على النقوش الصخرية في جبال الأطلس، كانت رغم البعد الجغرافي قد ربطتن بكل بساطة بالإله المصري أمون بطيبة، والذي كان "هنري باص" قد عثر اسمه تحت شكل "امان" الذي تعني السيد. وقد تحول آمون الالاه الكبش الى الاه شمس بعد امتزاجه مع "رع" واخذ يفرض سيطرته من منطقة الى اخرى، منتجها من الشرق تالى الغرب الى ان هيمنت عبادته على كل شمال إفريقيا. هذا الافتراض أصبح مقبولا الى غاية القرن العشرين لأنه اتضح ان الكبش المتوج لا يمكن ان يكون هو كبش آمون – رع، لأنه وبكل بساطة ان الكبش المتوج المنحوت في النقوش الصخرية أقدم بكثير من آمون رع. ويعود الى مرحلة من العصر الحجري الحديث. كما أن الباحث "كسيل Gsell" كان في البداية يدافع عن الفرضية القائلة بالأصل المصري لعبادة الكبش الأمازيغي في الجزء الأول من كتابه "التاريخ القديم لشمال افريقيا" بينما تخلى عنها في الجزء السادس من نفس الكتاب. وهذا يعني أن قيدوم مؤرخي شمال افريقيا الذي يعود الكثير من الباحثين إلى افتراضه وفرضياته قبل لأول مرة بان يعترف بأن عبادة الكبش الأمازيغي لا علاقة له بعبادة أمون المصرية .
إضافة إلى النقوش الصخرية المتعلقة به فقد وجدت في كل من، معبد الحفرة – قسنطينة – وجد به 281 نصب لأمون، ( وهيبون، دلس، شرسال، تيبازة )، كل هذه المناطق تنتمي إلى المملكة النوميدية، وهذا دليل أخر على مغاربيته[35]، وكان الإله أمون عند المغاربة ، يعتبر الها للخير وخلود الروح والشمس[36] .
أما تجسيده فكان على شكل شيخ يجلس على العرش ويمسك بكبش، وصورة أخرى لإنسان على رأسه قرص الشمس بمدخل المعبد وكأنه سيد للمعبد[37] .
وتظهر مكانة أمون عند النوميد من خلال صك عملة بوعد من الرومان " سنة 49 ق م " وشم على الوجه الأول يوبا الأول مكافأة لمساعدته لقوات بومي ضد قيصر والوجه الثاني صورة للإله أمون الكبش وبين قرنيه قرص الشمس[38] .
الالهة تانيت :
كانت الآلهة تانيت تشكل زوج الهي مقدس مع قرينها أمون لدى المغاربة، وكانت رمز للأمومة والخصوبة[39]، ويعود تمسك المغاربة بآلهة أنثى إلى قيمة المرأة في المجتمع القبلي واتخاذها رمزا للخصوبة[40].
أما أصل هذه الآلهة فهي محل اختلاف أيضا بين الأصل القرطاجي أو المغاربي غير ا ناهل الاختصاص يؤكدون على مغاربيتها، ويقال أن بداية انتشارها ببلاد المغرب يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد [41].
وقام الفينيقيون بنشر عبادة تانيت في بداية الأمرين على شكل دمى جميلة تهدى للأطفال المغاربة[42]. إلا أن المؤرخ " خزعل الماجدي " يقر بان أصل هذه الآلهة بربريا فتبناها القرطاجيون[43] وتقابلها عند الفينيقيون الخصوبة عشترت[44] .
ولعل تمسك المغاربة برمزها إلى يومنا هذا من خلال الابريم الفضي الذي تستخدمه المرأة في لباسها والوشم على جبهة المرأة هو خير دليل على جذورها المغاربية[45] .
المبحث الثاني
الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم
المبحث الثاني :
الآلهة الرومانية التي كانت تعبد ببلاد المغرب القديم .
المطلب الأول :
المعتقدات الرومانية ببلاد المغرب القديم :
عرف الرومان الديانة الوثنية كغيرهم من الأمم حيث مرت بأربع مراحل رئيسية :
المرحلة البدائية : وتمثل تعدد الآلهة ( الأكل، الشرب، الجبال )، وكانت عبادة عائلية[46] وكان في اعتقادهم أنهم بقدر ما يزداد عدد الآلهة بقدر ما يضمنون لأنفسهم الخير، ويبعدون الشر والأذى[47].
المرحلة الثانية : دخول المعابد والطقوس في حياة الرومان .
المرحلة الثالثة : نتيجة الانتصارات والتوسع الخارجي، تأثرت بالديانات الأخرى على غرار المصرية والإغريقية والقرطاجية .
المرحلة الرابعة : تذمر العامة من تعدد الآلهة وعبادة الإمبراطور وظهور المسيحية[48] .
المطلب الثاني :
الآلهة الرومانية ببلاد المغرب القديم :
كانت أولى الآلهة التي عرفها الرومان منماوالية وهي المعروفة بالآلهة فيستا، ويسهر أفراد العائلة على خدمتها ثم بدأت في الانتشار لتصبح اجتماعية[49] واختلفت الديانة الرومانية وتنوعت بين الآلهة المعنوية أو الروحانية كالخير والشر والسلم والنصر والحرب والآلهة السماوية ابولون، جونون، جوبيتر[50].
لقد تنوعت الآلهة الرومانية بالمغرب القديم بين الأصلية والهة ذات أصول شرقية نسبتها إلى نفسها بعدما شعرت بحاجة إلى قناعة فكرية وجمالية لم توفرها لها الآلهة الأصلية[51] .
إضافة إلى كونها جسر لمحور الآلهة من الشرق إلى الغرب وذلك عن طريق جيشها الذي كان متعدد الأصول وبذلك تبنتها وأعطتها اسم رومانيا [52].
المطلب الثالث :
الآلهة الرومانية الشرقية :
- الإله ساتورن : يعتقد أن أصله إغريقي كرونوس بعدما فر من اليونان، واستقر بروما، وكان مختصا بالزراعة والعواصف والخصوبة[53] واسمه مشتق من كلمة "SATA" وتعني الأرض المزروعة[54] وكانت صورة الإله ساتورن على شكل شيخ ملتحي ذو شعر طويل، ورأسه مغطى بتاج ويمسك بيده اليمنى حربة وأمامه كبش فداء . ولقد وجدت له أثار كثيرة بمعبد الحفرة ( سيرتا ) ويعتقد انه عبد بها من طرف الجالية الايطالية[55] وكذا أثار بمدينة جميلة تعود إلى القرن "3م"[56].
ويمكن القول أن سبب الانتشار الواسع لعبادة الإله ساتورن لدى المغاربة لعدة أسباب :
فرض القوة من طرف السلطات الرومانية .
اعتبره المغاربة خليفة لبعل حمون القرطاجي وأمون المغاربي، باعتباره اله للزراعة التي كان ماسينيسا يحث عليها[57] .
- الآلهة ديانا : هي نفسها الآلهة أرتميس الإغريقية وقامت روما بنقل تماثيلها وتبنتها[58] وتعتبر آلهة للقمر وحامية للنساء وراعية للغابات والصيد وكانت تمثل بامرأة على عربة ترمي بسهم[59] ووصلت الى المغرب مع بداية الاحتلال حيث وجد لها آثار بتبسة وشرشال[60] .
- الإله باكوس : هو في الأصل الإله الإغريقي ديونيسيوس إله الكروم والخمر، ثم حوله الرومان إلى باكوس، وصور على شكل رجل عار يمسك بعنقود عنب ووجدت له تماثيل عديدة بالمغرب سواء على قطع نقدية أو نقوش حجرية في كل من خنشلة وتيمقاد وجميلة[61] .
- الآلهة سيبلي : والمعروفة بالأم الكبرى، جاءت من أسيا الصغرى عام " 204 ق م " وانتشرت بسرعة في روما والمغرب القديم، وكانت عبادتها سرية[62] .
المطلب الرابع :
الآلهة الرومانية الأصلية :
- ثلاثي الكابيتول[63] : كان لكل حضارة ثلاثي مقدس يعتبر حاميا لها، فالمصريون عرفوا بإزيس واوزير وحورس، والإغريق بهيرا، اثينا، زيوس، وعند الرومان نجد جونون، منيرفا، جوبيتر، وانتشرت عبادة الثلاثي بأغلب المدن الرئيسية بروما[64] .
ووصلت عبادة الثلاثي إلى بلاد المغرب القديم مع الاحتلال الروماني، فمدينة تيمقاد بنيت على شرفه[65] وكذلك مدينة صبراتة التي وجد بها معبد عبارة عن ثلاث حجرات، كل حجرة ترمز لإله الذي شيد خلال القرن الأول ( م )[66] .
- الإله جوبيتر : يعتبر سيد الآلهة الرومانية وذلك لتعدد وظائفه، فهو اله البشر والسماء والطقس والزمن والبرق والمطر[67] .
ويعتبر الإله جوبيتر حامي روما والمشرف على حروبها وجالب النصر لها[68] - في معركة قيصر ضد يوبا الأول طلب الجنود مباركة اله النصر جوبيتر -– وكان شعاره اللون الأبيض، لذا وجب على الكهنة ارتداء الأبيض، وكذا القرابين صوفها يكون ابيض، ويغلق المعبد أثناء فترة السلم وفي حالة الحرب يخرج الإله مع الجيش إلى المعارك[69]، واهم مناطق عبادته ببلاد المغرب نذكر : جنوب الأوراس ( معبد القنطرة ) الذي أقامه الإمبراطور كركلا[70]، ومدينة و مدينة سيتيفيس، وكل المدن الرومانية .
- الإله مارس : هو اله مختص بالحرب الى جانب جوبيتر، ويرمز له برمح مقدس[71]، وهو خاص بالمحاربين، ولا يجوز للعامة زيارة معبده إلا في شهر مارس[72]، وجد له آثار بمدينة سيتيفيس التي بنيت على شرفه " 69 – 98 م "، وكذا مدينة لامباسيس .
وورد اسم الإله مارس في المعاهدات الرومانية مع القرطاجيين والإغريق[73]، وتراجعت مكانته بعد انهزام روما أمام حنبعل " 216 ق م "، فامتنعوا عن زيارته وتقديم القرابين له وهذا حسب رواية المؤرخ تيت – ليف[74] .
- الإله نبتون : من الآلهة الرومانية المعروفة، فهو اله المياه والملاحة والبحر، ويقابل عند الإغريق الإله بوزيدون وداجون الفينيقي، ومعابده جلها قرب الينابيع والعيون، تقام له احتفالات بشهر جويلية، وله آثار ببجاية، سيرتا ( الجزائر )، قفصة ( تونس )[75] .
- عبادة الإمبراطور : لقد عرف الرومان عبادة أو تاليه الملك مع رومولوس مؤسس روما، الذي يعتقد بأنه ابن الإله، واله أحفاده من بعده الى غاية " 509 ق م " – قيام الجمهورية الرومانية[76] – وبدأت عبادة الإمبراطور مع أغسطس[77] وذلك لأعماله الجليلة التي قدمها لروما، ممثلة في إعادة العبادة الروحانية لمظاهر الطبيعة، وحارب الآلهة الأجنبية[78] .
وتكون عبادة الإمبراطور بعد مماته، حيث يجتمع مجلس الشيوخ ويقرر رفعه إلى مصاف الآلهة وهذا بعد دراسة انجازاته وأعماله[79] .
أما ببلاد المغرب القديم فكان يقام على شرفه الاحتفالات في الساحات العامة على شكل مآدب للفقراء لدلالة على سماحة الإله ( الإمبراطور )[80] وحضور المغاربة لم يكن عن قناعة وإيمان بهذه العبادة بل لشدة الجوع والحاجة[81]، واهم المناطق التي اله فيها هي :
مملكة شرشال التي كانت بزعامة يوبا الثاني، حيث قام بصنع تمثال لأغسطس من الرخام الأبيض وفرضه على السكان كإله، وهذا اعتراف بالجميل، ومدينة قورينة أين عثر على كلمة أغسطس منقوشة على معبد، ومدينة جيينس ( تونس ) حيث وجد رأس تمثال لأغسطس[82] .
- الأسرة السيفيرية : ألهت هذه الأسرة التي تظم سبتيم سيفار " 193 – 211 م "، وزوجته جوليا ابنة كاهن حمص، وابنه كركلا " 211 – 217 م " لمنجزاتهم في خدمة روما[83]، وباعتبار سبتيم سيفار من أصل مغاربي ( لبدة )[84] اثر على المغاربة لدرجة التقديس، نجده في بناء المعابد والتماثيل بمدينة لبدة وكويكول ( جميلة )[85] وجاء بعده أحفاده كركلا وسيفار الكسندر " 222 – 235 م " اللذان ألها .
وفي الأخير يمكن القول بان عبادة الإمبراطور كانت منحصرة في المدن الرومانية فقط ببلاد المغرب القديم ولم تصل إلى المدن النوميدية، حتى الذين تأثروا بها أما لمصلحة ناو فرضت عليهم بالقوة[86] .
خاتمة :
يمكن لنا من خلال هذه الإطلالة على المعتقدات الوثنية التي مارسها المغاربة أثناء الاحتلال الروماني أن نخلص بان المغرب القديم كان لا يقل شأنا عن بقية مناطق العالم سواء في التفكير الديني أو ممارسة الشعائرية، وليس معناه أن المغاربة – عندما قبلوا الامتزاج بالمعتقدات الوافدة – شعب قابل للاحتلال بقدر ما بعبر عن حارة فسيفسائية باطنها أمازيغي ملونة بمؤثرات مصرية فينيقية إغريقية ورومانية، حيث أكد من خلال حضارة عين الحنش التي تعود إلى مليون وسبعمائة ألف سنة قبل الميلاد أن له مكانة ضمن الحضارات القديمة، وان أضرحة المدغاسن ودوقة وسيقة والضريح الموريتاني وصومعة الخروب تضاهي الأهرامات المصرية والمعابد الإغريقية والزاقورات الأشورية لو تلقى الاهتمام من أصحاب الاختصاص، لكن ما ذنب التاريخ إذا كان الإنسان لا يعيه، فرغم وصول شيشنق وأحفاده إلى عرش الفراعنة، ووصول سبتيم سيفار وأحفاده إلى عرش روما، إلا أن الكثير منا لا يعرف حتى أسمائهم أو هويتهم .
[1] شافية شارن وآخران : الاحتلال الاستيطاني وسياسة الرومنة، منشورات المركز الوطني للدراسات والأبحاث، الجزائر، 2007، ص 36 .
[2] محمد الصغير غانم واخران : المقاومة والتاريخ العسكري، ص 299 .
[3] شافية شارن وآخران : المرجع السابق، ص 36 – 38 .
[4] شافية شارن : " النتائج الاقتصادية للتوسع الروماني وموريتانيا القيصرية " حولية المؤرخ، ع 1، اتحاد المؤرخين الجزائريين، الجزائر، 2002، ص 35 – 36 .
[5] رشيد الناضوري : المغرب الكبير، ج 1، ص 288 .
[6] شارل أندري جوليان : تاريخ إفريقيا الشمالية، ص 146 .
[7] محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 181 – 182 .
[8] محمد الهادي الحارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 182 .
[9] محمد الصغير غانم : " بعض ملامح ثورات التحرير ضد الاستعمار الروماني خلال القرن الاول ميلادي "، حولية المؤرخ، ع 1، اتحاد المؤرخين الجزائريين، الجزائر، 2002، ص 25 – 26 .
[10] محمد الهادي الحارش : المرجع السابق، ص 185 .
[11] شارل اندري جوليان : تاريخ إفريقيا الشمالية، ص 150 .
[12] شافية شارن : " النتائج الاقتصادية للتوسع الروماني "، ص 35 – 37 .
[13] المرجع نفسه : ص 38 .
[14] شارل أندري جوليان : المرجع نفسه، ص 154 .
[15] خطوط الليمس : هي عبارة عن خطين عسكريين، الخط الأول : أقامه الإمبراطور تراجانوس بنهاية القرن الأول ( م ) والثاني أقيم خلال منتصف القرن الثاني إلى غاية القرن الثالث ميلادي ضد قبائل المور والجيتول، ( انظر : محمد البشير شنيتي : الجزائر في ظل الاحتلال الروماني، ص 117 – 119 ).
[16] محمد الهادي الحارش : المرجع السابق، ص 186 – 187 .
[17] الجيتول : هي قبائل تقطن الصحراء وترتحل الى التل من اجل الكلأ للماشية بحكم ممارستهم للرعي، وامتد نفوذهم من المحيط غربا الى خليج سرت شرقا، ( انظر : محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 29 ) .
[18] محمد البشير شنيتي : الاحتلال الروماني لبلاد المغرب القديم – سياسة الرومنة ( 146 ق م – 40 م ) -، ط 2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985، ص 141 – 143 .
[19] محمد إبراهيمي الميلي : الجزائر في ضوء التاريخ، دار البعث، قسنطينة، 1980م، ص 150 .
[20] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب اثناء الاحتلال الروماني، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص 259 .
[21] شافية شارن وآخران : الاحتلال الاستيطاني وسياسة الرومنة، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث، الجزائر، 2007، ص 28 .
[22] محمد خريسات وآخرون : تاريخ الحضارات الإنسانية، ط 1، دار الكندي، الأردن، ص 52 .
[23] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة للفكر الديني الوثني في شمال إفريقيا، دار الهدى، الجزائر 2005، ص 22 .
[24] عثمان الكعاك : موجز التاريخ العام للجزائر – من العصر الحجري الى الاحتلال الفرنسي، ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 2003، ص 32 .
[25] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة للفكر الديني الوثني في شمال إفريقيا، دار الهدى، الجزائر 2005، ص 22 .
[26] عبد اللطيف محمود البرغوثي : التاريخ الليبي القديم من اقدم العصور الى الفتح الاسلامي، ج 1، ص 136،محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم – السياسي والحضاري – منذ فجر التاريخ الى الفتح الاسلامي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1992، ص 145 .
[27] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 22 .
[28] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية بين الانشقاق الديني والتحرر ( 305 – 411 م )، رسالة ماجستير، جامعة منتوري، قسنطينة، 2005، ص 37 .
[29] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 22 .
[30] عبد اللطيف محمدود البرغوثي : التاريخ الليبي القديم، ص 138 .
[31] المرجع نفسه : ص 135 .
[32] عبد العزيز الثعالبي : مقالات في التاريخ القديم – تاريخ شمال افريقيا – ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1986، ص 17 .
[33] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية والحضارة البونية، ط 1، دار الامة، 1998، ص 206 .
[34] احمد بوساحة : أصول أقدم اللغات في أسماء أماكن الجزائر، دار هومة، الجزائر، 2004، ص 56 – 60 .
[35] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 87 – 88 .
[36] محمد العربي عقون : لاقتصاد والمجتمع، ص 212 .
[37] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 87 – 88 .
[38] محمد الصغير غانم : " علاقة نوميديا بالرومان "، مجلة التراث، ع 3، مطبعة الشهاب، الجزائر، 1988، ص 24 .
[39] محمد العربي عقون : المرجع السابق، ص 212 .
[40] رشيد الناضوري : المغرب الكبير، ص 209 .
[41] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية، ص 207 .
[42] عبد العزيز الثعالب : مقالات في التاريخ القديم – تاريخ شمال افريقيا – ط 1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1986، ص 17 .
[43] خزعل الماجدي : المعتقدات الكنعانية، ط 1، دار الشرق، الاردن، ص 155 .
[44] أندري ايمار، جانين ابواييه : تاريخ الحضارات العام – روما وإمبراطوريتها -، تعريب : داغر اسعد و فريد أبو ريحانة، ط 6، منشورات عديدات، بيروت – باريس – 2006، ص 60 – 61 .
[45] محمد العربي عقون : الاقتصاد والمجتمع، ص 215 .
[46] سعدون محمد الساموك : في مقارنة الأديان والمعتقدات، ص 248 .
[47] شافية شارن واخران : الاحتلال الاستيطاني، ص 229 .
[48] سعدون محمد الساموك : المرجع السابق، ص 248 .
[49] ابكار السقاف : الدين عند الإغريق والرومان والمسيحيين، ج 3، ط 1، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2004، ص 264 .
[50] عثمان الكعاك : موجز التاريخ العام، ص 69 .
[51] اندري ايمار : روما وإمبراطوريتها، ص 200 .
[52] المرجع نفسه .
[53] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 110 – 111 .
[54] اندري ايمار : المرجع السابق، ص 203 .
[55] محمد الصغير غانم : المملكة النوميدية، ص 209 .
[56] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 110 – 111 .
[57] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ص 262 .
[58] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 116 – 117 .
[59] تغريد شعبان : " الالهة ديانا "، الموسوعة العربية، ج 9، ط 1، دمشق، 2006، ص 433 .
[60] محمد الصغير غانم : المرجع السابق، ص 116 – 117 .
[61] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 125 – 128 .
[62] احمد غانم حافظ : الامبراطورية الرومانية، ص 111 .
[63] الكابيتول : هو المعبد الذي أقيم فرق تلة الكابيتولينوس، بمدينة روما، وخصص للالهة المقدسة حامية روما، ( انظر : حسين الشيخ : اليونان، ص 384 . ).
[64] محمد الهادي حارش : التاريخ المغاربي القديم، ص 222 .
[65] عبد الرحمان بن مرزوق : " مدينة تيمقاد أو تاموقادي قديما "، مجلة التراث، ع 2، مطبعة الشهاب، الجزائر، 1987، ص 42 .
[66] عزت زكي حامد القادوس : اثار العالم العربي، ص 64 .
[67] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 130 – 131 .
[68] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 115 .
[69] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 115 .
[70] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 42 .
[71] محمد الصغير غانم : الملامح الباكرة، ص 119 .
[72] المرجع نفسه، ص 119 .
[73] المرجع نفسه، ص 119 .
[74] اندري ايمار : روما وامبراطوريتها، ص 212 .
[75] أندري ايمار : روما وإمبراطوريتها، ص 126 .
[76] محمد السيد عبد الغاني : التاريخ السياسي، ص 123 .
[77] اغسطس : اسمه الاصلي غايوس او كتافيوس، تبناه يوليوس قيصر بعد اغتيال هذا الاخير اصبح يلقب باسم ابيه وفي ( 27 م ) منحه مجلس الشيوخ الروماني لقب اغسطس حكم ( 30 ق م – 14 م )، ( انظر : عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 12 ) .
[78] مصطفى العبادي : الامبراطورية الرومانية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 2007، ص 102 .
[79] أندري ايمار : المرجع السابق، ص 304 .
[80] عبد الحميد عمران : الحركة الدوناتية، ص 42، 44 .
[81] محمد البشير شنيتي : المرجع السابق، ص 263، 264 .
[82] عزت زكي حامد القادوس : اثار العالم العربي، ص 171 .
[83] مهما عيساوي : " مدينة تبسة "، ص 36 .
[84] عزت زكي حامد القادوس : المرجع السابق، ص 18، 26 .
[85] المرجع نفسه، ص 301 .
[86] محمد البشير شنيتي : التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ص 261، 264 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق