إن الحديث عن العبيد في المغارب خلال القرن 19 هو سفر في
رحاب الزمان والمكان عبر تسليط الضوء على مكون هام من مكونات مجتمع المغارب.
مكون أهملته الدراسات التاريخية الكلاسيكية التي اهتمت
بالحدث السياسي والعسكري وأحوال الملوك و العلماء والأدباء ورجال الدين، وبذلك
أسدل الستار عن فئات عريضة من المجتمع التي أريد لها أن تقبع في زاوية النسيان,
رغم الأدوار الكبيرة التي قامت بها داخل المجتمع، فجاءت المصادر التاريخية التقليدية شحيحة ولم تف بالمطلوب، إذ غابت
الرؤية الواقعية لمسار حركة التاريخ, والعوامل الأساسية التي تحدد صيرورته، وتوجه
اهتمامه نحو ضبط إيقاع السياسة, عبر رعاية الحدث والاقتصار على النخب الصانعة
للقرار دون محاولة الربط الجدلي بين السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لتفسير ظواهر
مختلفة داخل المجتمع.
ويندرج موضوع بحثنا -العبيد في المغارب خلال القرن 19- ضمن
حقل التاريخ الاجتماعي, على أساس انه يدرس فئة اجتماعية في إطار علاقتها بمحيطها
وبمكونات المجتمع، مع استحضار البعد التاريخي الذي يروم دراسة تطور الظاهرة في
الزمان والمكان.
إن العبودية بالمغارب ليست بالأمر الجديد, بل جذورها
ضاربة في عمق التاريخ, قبل الاحتلال الروماني للمنطقة، حيث تحدد الإحصائيات نسبتهم
بأكثر من 20% بالمغرب,
وان غلب على تلك الإحصائيات الافتراض و التخمين فهي تعطي صورة عن حجم العبيد في
تلك الفترة، وقد اشتغل هؤلاء العبيد في مجالات مختلفة من المنجم إلى الفلاحة، ومنهم من اشتغل خادما
داخل البيوت في المدن والإدارات، ومنهم من اختطف أثناء الغزوات التي كانت قائمة بين
القبائل، غير أن لونهم لم يغلب عليه
السواد، إذ شكل السود أقلية, وفي هذا الصدد يمكن أن نطرح السؤال حول وصول هذه
الأقلية من السود إلى بلدان ضفتي حوض المتوسط.
سؤال يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات والقراءات في ظل
غياب من يوضح أن التجارة الصحراوية كانت هي المصدر الوحيد، مع العلم أنها لم تكن
لها أهمية كبرى في تلك المرحلة, ذلك أن الصحراء إلى حدود القرن 4 قبل الميلاد،
كانت تشكل حاجزا يستحيل تجاوزه, وحدا فاصلا بين السود والبيض، واستمر الوضع على ما
هو عليه إلى حدود ظهور الجمل في القرن 2 م، حيث زال ذلك الحصار وتحولت الصحراء إلى فضاء للتجارة و
التبادل.
ومن جهة ثانية تعززت التجارة الصحراوية بعد مجيء العرب،
فأصبحت القوافل تخرج من بلدان المغارب
تطلب الذهب و العبيد من بلاد السودان, فكان المرء كما يقول اليعقوبي "يبلغ بلاد السودان مشيا على الأقدام في خمسين يوما"،
وقال الإدريسي:
"كان التجار المغاربة يحملون إلى بلاد السودان الصوف والنحاس والمصنوعات
الزجاجية، ويأتون بالذهب والعبيد"[1]
كما يشير الإدريسي إلى أن العبيد كانوا يتعرضون لعملية
الخطف، ويباعون في الأسواق, حيث كانت تصل إلى المغرب سنويا بأعداد كبيرة.
من هنا يتضح أن ظهور العبيد بالمغرب يعود لفترات زمنية
سحيقة, سنحاول أن نتناول بالدراسة
والتحليل الفترة المتعلقة بالقرن التاسع عشر, إذ رغم محدوديتها في الزمان، إلا
أنها ستمكننا من رسم صورة عن مؤسسة العبيد التي انتشرت رغم الإدانة الواسعة من طرف
الحكومات الأوربية والجمعيات المناهضة للعبودية، وكذا الضغوطات الدبلوماسية
الخجولة حيث ظلت مؤسسة العبودية راسخة لم تتزعزع , ذلك أن السلوكيات والمواقف
وطرائق التفكير والإحساس، والتي تكرست على مدى قرون ما كانت تختفي بين عشية وضحاها، كما لم يكن يدور في خلد
السادة و العبيد في كل بلاد المغارب أن في الإمكان تغير هذه العلاقة.
وقد احتفظت الذاكرة الشعبية بالعبيد من خلال الأمثال
والحكايات الشعبية وفي أغاني الملحون، ويمكن أن نشير إلى مجموعة من النماذج في هذا
الباب:
"اذا عييت اسالم انقل الحجر "
"الله لا يعطي العيد للعبيد"
"أعطت الدنيا بالكدم حتى رجع الحكم لأولاد الخدم"
"الموت بالردم ولا الذل والخدم"
"من قلت الوالي كنقول للعبيد خالي"
"نقضي حاجتي بيدي ولا نقول للعبيد سيدي"
ويرجع اختيارنا لدراسة هذا الموضوع إلى مجموعة من
الأسباب الذاتية والموضوعية، يمكن تحديدها فيما يلي:
-
غياب الاهتمام ببعض الفئات الاجتماعية، ومنها العبيد، إذ
أضواء البحث التاريخي لم تسلط بشكل كبير على هذا الموضوع.
-
كون الموضوع قيد الدرس
يتعلق بالقضايا التاريخية، وبذلك يتجاوز الحدث، والسرد، نحو محاولة التركيب
والتحليل.
-
الرغبة في إزالة غطاء الضبابية بين مواقف ونظرة المغاربة
لهذا الموضوع، وبين نظرة الآخر الأوربي، وانطباعات لكل منهما حول الظاهرة.
لهذه الأسباب وغيرها، انصب البحث حول هذا الموضوع في
محاولة متواضعة لمقارنة الظاهرة عبر استحضار منهجية المقارنة، بغرض التفسير
والوقوف على نقاط التشابه والتقاطع والاختلاف والتباين في كل من المغرب وتونس خلال
القرن التاسع عشر.
وكما يرى مارك بلوك أن تحقيق هذا المطلب يحتاج إلى قدر
من التجانس والتشابه بين الوقائع والأحداث التي نتجه إلى مقاربتها، وعلى قدر من
الاختلاف بين تلك الأوصاف والأماكن، هذه الشروط يوفرها لنا الفضاء المغاربي بحكم
القرب الجغرافي، والمعاصرة الزمنية.
ولجوءنا إلى استعمال هذا المنهج لدراسة الموضوع نظرا
لمزاياه المنوعة على المستوى الوظيفي والمعرفي، إذ سمح لنا بالكشف عن الظاهرة من
زوايا مختلفة، إضافة إلى وظيفته التفسيرية التي غاصت إلى عمق الظاهرة، ولم تكتف
بالسرد والوصف للوقوف على إشكالات جوهرية، ومحاولة معالجتها، إضافة إلى
الوظيفة التي تقينا الوقوع في تفسيرات
خاطئة.
ويمكن أن نشير إلى مجموعة من الكتابات التي قاربت
الموضوع واهتمت بمعالجة الظاهرة، فهناك كتاب للأستاذ "محمد الناجي"، العبيد
في المغرب خلال القرن 19، الذي يشكل مرجعا لا غنى عنه، فالكتاب زاخر بالمادة
المصدرية من وثائق رسمية، ومراسلا سلطانية، إضافة إلى دور المؤلف في تفسير ظاهرة
العبودية في مغرب القرن 19، وربطها بمجموعة من الجوانب السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، وكذا محيطها المحلي والدولي، وسياقها الزمني، كما أن لنفس المؤلف
كتاب آخر تحت عنوان " العبد
والرعية العبودية والسلطة والدين في العالم العربي"[2]، وقد التقطنا من هذا الكتاب
عدة معطيات حول وضع العبودية بالمغرب، من خلال ثنائية الصعود والهبوط، بمعنى كيف
يمكن للإنسان أن ينتقل من وضع الحر الطليق إلى وضع العبد الذليل؟ في إطار حسابات
سياسية ضيقة، وهاجس المنفعة لدى السلطة، كما يتحدث عن أهم الأدوات والأسلحة التي
تمنح رجال السياسة، الشرعية في تبرير أفعالهم وقراراتهم سواء منها الدينية
والمادية وكذا الرمزية.
كما اعتمدنا على مقال لمحمد الناجي يحمل عنوان " حول الرقيق في مغرب ما قبل الاستعمار"[3]، وحاول المؤلف من خلال هذا
المقال الوقوف على وضع العبيد بالمغرب خلال مرحلة ما قبل الاستعمار، في إطار علاقة
العبيد بالسلطة، نموذج العبيد داخل القبائل، وعلاقتهم بشخصية القائد، كما يورد في
هذا الباب مجموعة من الأمثلة المشيرة إلى طبيعة هذه العلاقة، ويخلص إلى طغيان جانب
سوء المعاملة التي يتعرض لها العبيد، إذ يصف محمد الناجي ألوان التعذيب المستشرية
آنذاك، وردود أفعال العبيد حيالها، خاصة مسألة الهروب أو الإباق، كما تطرق إلى
تجارة الرقيق بمنطقة مراكش خلال القرن 19.
ووقفنا على مقال آخر لنفس المؤلف بعنوان "الجنس واللون في البلاد الإسلامية"[4]، سلط فيه الضوء على تجارة
العبيد بنوعيه الأبيض والأسود مسجلا أهم الاختلافات بينهما، ونظرة المجتمع للعبيد
ليس في المغرب فحسب، وإنما في مجموعة من البلاد الإسلامية، كما تطرق إلى موقف
العلماء من تجارة الرقيق.
وأيضا كتاب "الاسترقاق في الغرب الإسلامي بين التجارة والحرب"[6]، غير أن الإطار الزمني لهذه
الدراسة شمل الفترة الوسيطية، بينما موضوعنا يتناول الحقبة الزمنية المحصورة في
القرن 19، لكن هذا لا يمنع من الاعتماد عليه لفهم سيرورة الظاهرة، خاصة وأن كتابات
الأستاذ عبد الإله بلمليح استندت على مادة مصدرية مهمة، وعلى كتب النوازل الفقهية
والتراجم، مع ملاحظة وهي طغيان الجانب الوصفي، واستعرض معلومات أكثر لمحاولة
التحليل والتفسير، غير أن أهميته لا يمكن غض الطرف عنها.
هذا إضافة إلى
مقال بعنوان "حول
تجارة الرقيق في مغرب القرن 19"[7] لصاحبه الأستاذ عبد العزيز
الخمليشي، استطاع من خلاله أن يقف على أهم مصادر الرق على المستوى الجغرافي، إذ
تطرق إلى بلاد السودان كمورد أساسي زود المغرب بالرقيق، ليس خلال فترة القرن 19،
ولكن قبل هذا التاريخ بكثير، وأشار إلى أساليب المتاجرة في الرقيق، وأهم المسالك
التي تقطعها القافلة قبل الوصول إلى المغرب، إضافة إلى أهم المراكز التجارية
المعروفة بالمغرب، والتي شكلت نقط جذب للتجار، والأكثر رواجا على مستوى تجارة
الرقيق، بعد ذلك عرج بالحديث على المشرق العربي، المجال الذي زود المغرب بالعبيد
الأبيض، معززا دراسته بعدد من الرسائل السلطانية، المدونة في هذا الباب.
كما اعتمدنا على مقال للأستاذ عبد الرزاق الصديقي تحت
عنوان: " آل بن موسى في
سياق التاريخ، من الاسترقاق المنزلي إلى الوصاية على الحكم"[8]
تحدث صاحب المقال على بعض الأدوار التاريخية التي
لاعبتها أسرة آل بن موسى على مسرح الأحداث السياسية في تاريخ المغرب، موضحا أصول
هذه الأسرة، ومشيرا إلى بعض الأسماء التي ظلت الأكثر ذكرا في الكتابات التاريخية
خاصة شخصية أحمد بن موسى، الحاجب السلطاني في عهد المولى عبد العزيز، إذ تحدث عبد
الرزاق الصديقي عن المؤهلات السياسية التي مكنت أحمد بن موسى من تدبير بعض الأزمات
في تاريخ المغرب، خاصة تلك المتعلقة بانتقال العرش، كما ركز على احتكار السلطة من
طرف هذه الأسرة خلال فترة حكم المولى عبد العزيز، وصراعهم الكبير ضد اولاد
الجامعي، وخلص إلى استنتاج مفاده إمكانية الانتقال من وضع يطبعه العبودية
والاسترقاق إلى آخر يسمح بممارسة السلطة وعلى أعلى المستويات.
ومن الكتب التي اعتمدنا عليها في هذا الموضوع كتاب :
"الرق في تاريخ المغرب"[9]، وهو عبارة عن ندوة شملت
مجموعة من المداخلات التي لامست موضوع الرق خلال القرن 19، خاصة المداخلة التي كان
عنوانها " سوق تقليب العبيد
بمراكش مع نهاية القرن 19"[10] ترجمة الأستاذ محمد
الغرايب، إذ أشارت إلى بعض الطرق المعتمدة في تقليب العبيد وفحص أجسادهم قبل
شراءهم، إضافة إلى الحديث عن نموذج من أسواق بيع العبيد، وهو سوق مراكش، مع تقديم
أوصاف لهذا الفضاء، وأسماء لتجار حققوا الغنى من جراء احتكارهم لهذه التجارة،
ومداخلة أخرى عنوانها "العبودية
بين القاعدة والاستثناء"،
الناجم الخصاصي أو "العبد الذي أصبح قائدا[11]، إذ يشير الأستاذ بوبريك
إلى نموذج الناجم الخصاصي وتقلبه من وضع العبودية وقيامه بأعمال السخرة إلى وضع
قائد للجند بعد مسار طويل، ورحلة محفوفة بالأخطار من أجل إثبات الذات، لينتهي به
المطاف إلى أحد رجالات الدولة المعتمد عليهم في بسط نفوذ المخزن.
إذا انتقلنا إلى الدراسات والمصادر التي قاربت الموضوع
في تونس خلال القرن 19، فنجدها قد ركزت بشكل مكثف على عنصر إلغاء وإبقاء العبودية
قبل الاحتلال الفرنسي للمنطقة.
وفي هذا الصدد نشير إلى كتاب "إتحاف أهل الزمان
بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"[12] لصاحبه ابن أبي الضياف، باعتباره معاصرا للأحداث وواحدا
من مرافقي "أحمد باي" في جولاته إلى فرنسا من أجل دراسة سبل القضاء على العبودية في تونس.
كما أشار المؤلف إلى معلومات مهمة حول العبيد بتونس،
وأوضاعهم الاجتماعية وأصولهم العرقية، ومدى اندماجهم داخل خريطة المجتمع التونسي.
ويمكن أن نشير أيضا إلى كتاب "المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي"[13]، حيث وقفنا على مقال
للأستاذ محمد نجيب بوطالب تحت عنوان "الأوضاع الاجتماعية للعبيد السود بالبلاد التونسية في
النصف الثاني من القرن 19"[14] إذ أشار إلى طبيعة المعاملة التي كان يلقاها العبيد،
محاولا الوقوف على ملامح القسوة، وسوء المعاملة، وبعض تجليات حسن المعاملة، وكذا
الإشارة إلى بعض الأدوار الاجتماعية التي لعبها العبيد، من خلال اشتغالهم في
مجموعة من المجالات خاصة الخدمة المنزلية، أو الفلاحة، أو الحرف، كما تطرق إلى
تجارة الرقيق، والطقوس المصاحبة لعملية البيع، إذ وقف على الأسواق، والمسالك
التجارية، وأسعار العبيد، وغيرها من المعطيات التي تهم موضوع العبيد في تونس خلال
القرن 19.
كما اعتمدنا على أعمال الندوة التي نظمت بتونس يومي 21
و22 فبراير 1997 بمناسبة مرور 150 سنة على إلغاء الرق بتونس، وكان عنوان الندوة
" الرق في الحضارة
العربية الإسلامية"[15]، إذ وقفنا على مجموعة من
المقالات، التي لها ارتباط بالموضوع قيد الدرس، مثال "داعي صدور قرار إلغاء الاسترقاق بتونس وموقف النخبة التونسية من ذلك[16]" لصاحبه فتحي القاسمي، ذلك أن صاحب المقال قام
بجرد مجموعة من الأسباب التي كانت وراء صدور قرار إلغاء الرق، وركز بصفة كبيرة على
العوامل السياسية، كما رصد بعض مواقف النخبة التونسية سواء المؤيدة لهذا القرار أو
المتحفظة عنه، وهناك مقال آخر يصب في نفس الاتجاه للأستاذ محمد شقرون، تحت عنوان
"علماء تونس وسياسة
أحمد باي، إلغاء الرق والرحلة إلى فرنسا"[17]، قام صاحب المقال بمحاولة استقراء مواقف علماء تونس من
قرار إلغاء الرق، حيث وقف بدوره على نماذج مؤيدة لهذا القرار، مع إبراز مبررات
اللجوء لهذا القرار، وقد أشار إلى الرحلة التي قام بها أحمد باي إلى فرنسا للوقوف
على الموقف الفرنسي في سياسة إلغاء العبودية في تونس.
وما يمكن ملاحظته حول الدراسات السابقة التي تناولت
الموضوع أن الكتابات التي ركزت على
المغرب، وباستثناء الدراسة التي قام بها محمد الناجي، والتي غابت عنها المقاربة
التاريخية بحكم تكوين الأستاذ محمد الناجي البعيد عن التاريخ، لا نجد مساهمة
لمؤرخين مغاربة في تناول هذا الموضوع، خاصة المرحلة المتعلقة بالقرن التاسع عشر.
وبذلك سلكنا طريق البحث عن مقالات متفرقة في بعض المجلات
علها تمدنا بخيوط معرفية لنسج إشكالية الموضوع، وإضاءة بعض الجوانب المعتمة عن
قضية الرق بالمغرب خلال القرن 19.
نفس الأمر ينطبق على الكتابات التونسية، إذ لم تسلط
أضواء البحث العلمي على ظاهرة الرق خلال القرن 19، واكتفت ببعض التلميحات التي
طبعتها النظرة السطحية للموضوع، وبذلك فإن هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من البحث،
لإزالة حجب الغموض، وطرحه على الساحة العلمية لتعميق البحث والدراسة.
ومهما حاولنا الإطلاع على المادة المصدرية، والبحث عن
الكتابات التي قاربت هذا الموضوع، فإن ذلك يبقى نسبيا مع ما يتطلبه موضوع من هذا
الحجم، وهذا يجرنا بالضرورة للحديث عن الصعوبات التي اعترضت طريقنا والمتمثلة في
صعوبة الوصول إلى المصادر التونسية التي اهتمت بالموضوع، إذ اكتفينا بما توفر لنا
من إسهامات غير كافية، ولا تعالج الموضوع وفق تطبيق منهجية المقارنة، أما بالنسبة
للمغرب فأهم الصعوبات، وهو نذرة الاهتمام بهذا الموضوع، إذ الكتابات التاريخية
المغربية وعلى نطاق واسع لم تتخلص من عقدة الحدث، ولم تنفض غبار السرد، والاهتمام
بالمؤسسات السياسية والعسكرية، وبذلك يحتل موضوع تاريخي اجتماعي مثل العبيد مكانة
هامشية من اهتمام مؤرخينا.
لكن بفضل توجيهات الأستاذ بوجمعة رويان، وإرشاداته
المعرفية والمنهجية استطعنا تجاوز بعض الإكراهات والعقبات التي اعترضت طريق البحث.
ولعل أبرز الإشكالات التي تطرح حول قضية العبودية:
ما هي أبرز المفاهيم الكبرى لمصطلح العبد على المستوى
اللغوي والديني والفلسفي؟.
ما هي أوضاع العبيد خلال القرن 19 في كل من المغرب
وتونس؟ وأين تتجلى ملامح التشابه
والاختلاف؟
وللإجابة عن هذه الإشكالات وغيرها، وبناء على ما وفرته
لنا لائحة المصادر والمراجع تمكنا من وضع هيكلته وصياغة الموضوع، في شكل مقدمة
وفصلين يتضمن كل منهما مجموعة من المباحث وخاتمة.
الفصل الأول، خصصناه للجهاز المفاهيمي الذي أطر الموضوع،
حيث وقف على مفهوم العبد من الناحية اللغوية، إضافة إلى تعاريف دينية وكيفية نظرتها
لموضوع العبيد، ووقف كذلك على مجموعة من المدارس الفلسفية التي تناولت موضوع الرق
والعبودية.
الفصل الثاني، ناقشنا فيه قضية العبيد بالمغارب، حيث
وقفنا في المبحث الأول على العبيد في
المغرب خلال القرن 19، من خلال الوقوف على مصادر الرق والمنابع الأساسية خاصة
السودان والشرق الإسلامي، والحديث عن أهم الأسواق الأكثر رواجا لتجارة الرقيق، مع
التركيز على أهم الوظائف التي تقلدها العبيد، سواء بالقرى أو الحواضر، وطبيعة
السكن والغذاء واللباس، الذي ميز العبيد إضافة إلى المعاملة التي كان يلقاها
العبيد، مع التأكيد على ثنائية حسن المعاملة حينا وسوءها أحيانا أخرى، كما تطرقنا
لنماذج من العبيد الذين وصلوا إلى مراتب مهمة داخل الهرم الاجتماعي، ونماذج أخرى
انتقلت من وضع صناعة الفرار إلى وضع العبودية والاسترقاق.
وتناولنا في المبحث الثاني في تونس خلال القرن 19 من
خلال الوقوف على مجموعة من المحاور التي اهتمت بتجارة العبيد والأسواق، والمسار
الطويل الذي تقطعه القوافل انطلاقا من السودان إلى تونس، والأدوار الاجتماعية التي
لعبها العبيد داخل خريطة المجتمع التونسي، من خلال المهام التي قام بها العبيد في
تونس خلال القرن 19، مع الإشارة إلى قضية جوهرية، ميزت مسار الرق في تونس، وهي
إشكالية إلغاء وإبقاء العبودية، إذ أثارت القضية جدلا واسعا ونقاشا ساخنا بين مؤيد
لقانون إلغاء العبودية وبين معارض لهذا القرار، مع الإشارة إلى المبررات التي
استند عليها كل طرف.
كما تطرقنا إلى عنصر اعتبرناه وعاء لتسجيل أهم
الاستنتاجات في إطار مقارنتنا لظاهرة الرق في المغرب وتونس، إذ تحدثنا على أهم
عناصر التشابه والاختلاف في كل من المغرب وتونس، والخروج باستنتاجات عامة.
أما الخاتمة فكانت خلاصة ما وصلنا إليه من خلال هذه
الدراسة، فقد حاولنا تحري الدقة والموضوعية، ونتمنى أن نكون قد أسهمنا بهذه
الدراسة في إضاءة جوانب لا زالت تثير نقاشا حادا بين مجموعة من الباحثين.
[1]- ابن حوقل (أبو القاسم)، صورة الأرض،
منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1992، ص.73.
[2]- الناجي (محمد)، العبد والرعية العبودية والسلطة والدين في العالم العربي، المكتبة الوطنية للترجمة إلى العربية، المحمدية، 2009.
[6]- بلمليح (عبد الإله)، الاسترقاق في الغرب الإسلامي بين التجارة والحرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وجدة، 2003.
[8]- الصديقي (عبد الرزاق)، آل بن موسى في سياق التاريخ، من الاسترقاق المنزلي إلى الوصاية على الحكم ضمن كتاب "وقفات في تاريخ المغرب"، دراسات مهداة للأستاذ
إبراهيم بوطالب، تنسيق عبد المجيد القدوري، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية
الرباط، مطبعة النجاح، الجديدة.
[9]- عينوز (عبد العزيز) وآخرون، الرق في تاريخ المغرب، ندوة نظمها مختبر
تاريخ التراث بجهة الغرب الشراردة بني حسن 15 دجنبر 2009، منشورات كلية الآداب
والعلوم الإنسانية القنيطرة، 2010.
[10]- مارسي (أ.)، سوق تقليب العبيد بمراكش مع نهاية القرن 19، ترجمة الأستاذ محمد الغرايب ضمن كتاب الندوة السابقة.
[12]- ابن أبي الضياف
(أحمد)، إتحاف أهل الزمان
بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، تحقيق لجنة من وزارة
الشؤون الثقافية، تونس، 1989.
[13]- مجموعة من الباحثين، المغيبون في تاريخ
تونس الاجتماعي، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، وزارة
الثقافة، تونس، 1999.
[14]- بوطالب (محمد نجيب)، الأوضاع الاجتماعية للعبيد السود بالبلاد التونسية في النصف الثاني من
القرن 19، ضمن كتاب المغيبون
في تاريخ تونس الاجتماعي، ص.375.
[15]- الرق في الحضارة العربية الإسلامية، أعمال الندوة 21 – 22 فبراير بمناسبة مرور 150 سنة على إلغاء الرق بالبلاد
التونسية، معهد يورقيبة للغات الحية، مركز النشر الجامعي، 1998.
[16]- القاسمي (فتحي)، داعي صدور قرار إلغاء الاسترقاق بتونس وموقف النخبة التونسية من ذلك، ضمن كتاب الندوة السابقة.
[17]- شقرون (محمد)، علماء تونس وسياسة أحمد باي، إلغاء الرق والرحلة إلى فرنسا، ضمن نفس كتاب الندوة السابقة.
MERCI
ردحذف