أن علاقة المقدس بالمجتمع في السياق المغربي تتوسط بالعنف،
التي تشكل التضحية بأسسها الدينية والمتخيلة وتجلياتها السياسية أساسه
الرئيس. وهذا التوسط الأضحوي محكوم بثلاث استراتيجيات، وثلاث مؤسسات، ثم
ثلاث قيم كبرى. وتتمثل هذه الاستراتيجيات في الإسلام النبوي باعتباره إسلام
الدولة الرسمي، ثم استراتيجية إسلام الجماعة الدينية السياسية، وأخيرا
استراتيجية الإسلام الطرقي. وكل منها يشتغل في مؤسسات، هي مؤسسة الإمام
المصلي في الأولى، ومؤسسة الإمام المضحي في الثانية، و مؤسسة الولاية
الصوفية في الثالثة. وهذه الاستراتيجيات والمؤسسات، تتمحور حول ثلاث قيم
كبرى، الشرف كانتماء سلالي “للإمارة” النبوية، والجهاد بما هو أس شرعية
الإمامة الدينية-السياسية، والبركة كقيمة مركبة ومجاوزة للقيم الأخرى، لا
تنفيهما وإنما تخضعها لسلطانها القدسي وقوتها المبهمة والسرية. إن هذه
التركيبة القدسية هي ما جعل التوتر قائما بين كل الأطراف في علاقاتهم فيما
بينهم و بالمجتمع وبالجمهور، ثم في الحقل الديني السياسي ذاته سواء في
امتداداته التاريخية العمودية أو تجلياته المجتمعية الأفقية حسب الزاهي.
من أجل الدفاع عن هذه الأطروحة، يوزع الباحث كتابه على ثلاث
فصول: الفصل الأول تحت عنوان المتخيل والمقدس، والفصل الثاني بعنوان المقدس
والطقوسي، ثم فصلا ثالثا عن الطقوسي والسياسي.
في الفصل الأول يوضح أهمية مفهوم المتخيل في فهم المجتمع من
حيث هو علاقات قوة ومعنى، مشحون حتى العظم بالثقافي، وحاملا البعد
الاجتماعي. ويشكل في نهاية المطاف أنوية الهوية الثقافية والاجتماعية
للمجتمع. لقد كان هذا الفصل بمثابة مدخل مفهومي لمحورية مفهوم المتخيل في
تحليل علاقة المقدس بالمجتمع.
في الفصل الثاني، الذي يعتبر تطبيقيا بامتياز، يرصد من خلال
طقوس عيد المولد النبوي، في المواسم المختلفة أنحاء المغرب، التي فيها يعيد
السلطان من خلال العيد إظهار شرفه وإمارته للمؤمنين. وفيه أيضا تعقد
الزوايا مواسيمها، ومن تم إعلان وإظهار شرف وبركة شيخها. وأثناء هذا العيد
يستعيد الحقل الديني-الطقوسي تاريخ الصراعات الرمزية والمادية بين سلطان
البركة و سلطان السياسة، المشيخة والإمامة، المسجد والضريح، البركة والشرف.
وأضاف الباحث أمثلة أخرى أخرى ترتبط بالأضحية في سياق الطريقة العيساوية
والحمدوشية.
وفي الفصل الثالث، يلج الباحث إلى نموذج معاصر، يمتح من نفس
التراث الثقافي الرمزي، ويعطيه أبعادا جديدة في الحقل الديني-السياسي، وهو
جماعة العدل والإحسان. فهي جماعة المريد-المضحي لأجل جماعته وطوباها
الموعودة، وإذا ما نظرنا إليها من زاوية أميرها، فيمكننا القول بأنها جماعة
المضحي باسم جماعته لترسيخ الوعد القدسي وتجسيده في التاريخ. وإيديولوجيا
فهي جماعة سياسية-دينية قائمة على رفع الحدود والفواصل بين زمن الفتنة
الأول والزمن السياسي الحالي. تحجز قراءة الزاهي لجماعة العدل والإحسان
مكانا متميزا بين مختلف القراءات التي ينتمي أغلبها إلى علم السياسة، فهذه
الدراسة باستنادها إلى المفاهيم الأنثرولوجية،مثل: المتخيل، تمكنت من فهم
الجماعة ورهاناتها السياسية بشكل أكثر ارتباطا بالحقل الثقافي الحاضن.
يخلص الباحث في نهاية الكتاب إلى سؤال جدوائية هذا التحليل في
متابعة وفهم ما يجري الآن، وهل أصبحت السوسيولوجيا بهذا الاعتبار تهتم
بالمستمر الثابث ثقافيا ورمزيا أكثر من اهتمامها بالمتغير؟ هذا السؤال الذي
يطرحه الكاتب يفسر لنا داعي إلحاق الفصل الأخير لمناقشة قضايا الراهن
الديني. يصل الزاهي أن هيمنة الاستمرارية على التغيير، وسيادة قيم النسق
الثقافي العميقة وامتدادات التاريخ في المجال السياسي والديني أفضت إلى
تشبع الحزب السياسي المغربي(وهو الامر الذي خصص له أطروحة الدكتوراه عن
الزاوية والحزب، وكذا الجماعات الدينية السياسية من مثل جماعة العدل
والإحسان، واستدخاله لقيم وعلاقات وآليات اشتغال الزوايا
4shared.com /office/ctLsMHPg/file.html?refurl=d1url
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق