الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

المنهج المقارن

 المنهج المقارن: 

غاوش نوفل
المقدمــــــة المقصود من المنهج الطريفة التي يتبعها العقل في دراسة موضوع ما للوصول إلى قانون عام أو مذهب جامع أو هو فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا بحيث يؤدي إلى كشف حقيقة وقد تعددت منها مناهج البحث العلمي تبعا لتعدد جوانب الدراسة فمنها التاريخي الذي يفسر الوقائع التاريخية وتحدد أسبابها الحقيقية ومنها الوصفي الذي يدرس الظاهرة بجميع خصائصها وأبعادها ومنها المقارن الذي هو موضوع بحثنا فما مفهوم المقارن ؟ ما هي مراحله ؟ وما هي علاقته بالعلوم الأخرى؟
المبحث الأول
المطلب الأول: تعريف المنهج المقارن

أ/لغــــة: هي المقايسة بين ظاهرتين أو أكثر ويتم ذلك بمعرفة أوجه الشبه وأوجه الاختلاف
ب/اصطلاحا:هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تستطيع من خلالها الحصول على معارف أدق وأوقت نميز بها موضوع الدراسة أو الحادثة في مجال المقارنة والتصنيف يقول دور كايم:« هي الأداة المثلى للطريقة الاجتماعية» وهذه الحادثة محددة بزمانها ومكانها وتريخها يمكن أن تكون كيفية قابلة للتحليل أو كمية لتحويلها إلى كم قابل للحساب وتكمن أهميتها في تمييز موضوع البحث عن الموضوعات الأخرى وهنا تبدأ معرفتنا له
المطلب الثاني: شروط المقارنة

كما يمكننا بواسطة المقارنة الوصول إلى تحقيق دراسة أو في وأدق في ميدان المقارنة والتطبيقية لتحقيق مقارنة سليمة يجب توافر شروط الحكم هذه العملية الذهنية
- يجب أن لا ترتكز المقارنة على دراسة حادثة واحدة وإنما تستند المقارنة إلى دراسة مختلف أوجه الشبه والاختلاف بين حادثتين أو أكثر .
- أن يسلط الباحث على الحادثة موضوع الدراسة ضوءا أدق وأوفى يجمع معلومات كافية وعميقة حول الموضوع.
- أن تكون هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف فلا يجوز مقارنة ما لا يقارن.
- تجنب المقارنات السطحية والتعرض من الجوانب أكثر عمقا لفحص وكشف طبيعة الواقع المدروس وعقد المقارنات الجادة والعميقة.
- أن تكون مقيدة بعاملي الزمان والمكان فلا بد أن تقع الحادثة الاجتماعية في زمان ومكان نستطيع مقارنتها بحادثة مشابهة وقعت في زمان ومكان آخرين .
المطلب الثالث: مراحل أنواع المقارنة

للمقارنة 4 أنواع هي:
1/ المقارنة المغايرة: وهي المقارنة بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تكون أوجه الاختلاف فيها أكثر من أوجه الشبه.
2/ المقارنة الخارجية: وهي مقارنة حوادث اجتماعية مختلفة عن بعضها.
3/ المقارنة الداخلية: تدرس حادثة واحدة مثال البطالة أثناء الثورة قد يكون راجع إلى ضعف النشاط الحربي أو الهجرة السكان أو تجمعهم في السجون والمحتشدات.
4/ المقارنة الاعتيادية: وهي مقارنة بين حادثتين أو أكثر من جنس واحد تكون أوجه التشابه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف.



مراحل المنهج المقارن
لا يختلف اثنان في كون المنهج المقارن كغيره من المناهج يمر في دراسته بمراحل تذكرها:
1/ وإثبات وجود الحادثة الاجتماعية وعلى الباحث أن يتحلى بروح العالم الفيزيائي والكيميائي بمعنى أنه يجب عليه أن يعتبر تعينا خلال البحث الحوادث الاجتماعية أشياء فيتناولها من الخارج.
2/ تصنيف مختلف السمات والخصائص و العناصر كل في إطارها لتحديد جملة من المفاهيم.
3/ ثم عليه بعد ذلك أن يكشف العلاقات الثابتة أي القوانين بين الحوادث الاجتماعية التي أقامها فيتحاشى التفسير بالعلل الغائبة ولا يعتمد ألا التفسير بالعلل الفعالة ويجب أن يبحث عن علة الحادثة الاجتماعية في الحوادث الاجتماعية السابقة فيفسر الحادثة محادثة أخرى.
4/ ولكي يتحقق من الغرض الذي يقدمه لتفسير الحادثة الاجتماعية يجب عليه أن يعمد إلى تحليل الشرح المعلومات ومعرفة أسباب الاختلاف والمادة التي يجمعها قصد للحصول إلى قانون سليم.
المبحث الثاني
المطلب الأول: المنهج المقارن وعلم الاجتماع

لقد رأينا أن التاريخ يهتم بالحوادث الماضية من حيث هي حوادث خاصة ويبحث عن أسبابها في حدود معينة من الزمان والمكان أما علم الاجتماع فإنه يتجاوز الحدود المكانية والزمانية، ويطلب العلاقات العامة الثابتة بين الحوادث التي تقع في المجتمعات عبر الزمان والمكان وتتمثل هذه العلاقات العامة الثابتة (أي القوانين) في وحدة العادات والمعتقدات لدى مختلف الأمم المتباعدة في الزمان والمكان عند وحدة الشروط الاجتماعية بحيث يمكننا أن تقول أن الشروط الاجتماعية المتماثلة تحدث ظواهر اجتماعية متماثلة (أي المؤسسات والأخلاق والمعتقدات التي تظهر في فئة بشرية) يستعين العالم الاجتماعي في تحقيق الفروض بالتاريخ المقارن فيتناول المجتمعات في أمكنة وأزمنة مختلفة فيلاحظ كيف أن الظاهرة المعينة تتغير تبعا لتغير ظاهرة أخرى معينة ومن هنا فمنهج علم الاجتماع هو منهج مقارنة بالدرجة الأولى يعتمد على الإحصاء والخطوط البيانية لتأخذ شكلا رياضيا وتأخذ مثال ذلك ظاهرة الانتحار الذي درسه دور كايم للكشف عن العلاقة الثابتة بين النسبة للمنتحرين والحالة المدنية والذين ونمط العيش فتبين له أن الانتحار بين المتزوجين وهو عند المتزوجين الذين لا أولاد لهم أرفع منه عند المتزوجين وأن البروتستانين ينتحرون أكثر من الكاثوليكيين....الخ فاستخلص من هذه المعطيات الإحصائية قانونا اجتماعيا مؤداه « أن الانتحار يتناسب عكسا مع درجة الاندماج في المجتمع الديني والمجتمع العائلي والمجتمع السياسي »
المطلب الثاني: المنهج المقارن وعلم السياسة

لقد ساعد المنهج المقارن بشكل كبير في تطور علم السياسة فقد استخدمه العديد من الدول ومن أهمها اليونان من أجل المقارنة بين الأنظمة السياسية لمدنها وذلك لتبني الأنظمة المثلي فقد قام أرسطو بمقارنة 158 دستور من دساتير هذه المدن واعتمد في ذلك على مبدأ الضرورة القائم على أساس أن لكل دولة خصوصياتها.
كما نجد مونتسكيو الذي صنف الأنظمة إلى جمهورية ملكية، دستورية وإستبداية وأكد في مقارنته أن تصنيفه يقوم على أساس الممارسة الفعلية التي تتم داخل النظام فالجمهورية في نظره هي التي تسود فيها العدالة والقانون وتصان فيها الحريات الخاصة والعامة، أما ميكا فيلي ميز في مقارنته بين 3 أصناف من الدول – الدولة التي يحكمها ملك واحد
- الدولة الأرستقراطية وتحكمها أقلية النبلاء 3 الدولة الديمقراطية وهي التي ترجع فيها السيادة للشعب.
المطلب الثالث: منهج المقارن وعلم القانون

لقد عرف القانون المقارن تطورا معتبرا خلال القرن 19 بتأسيس جمعية التشريع المقارن بباريس سنة 1869 حيث تهتم دراسة القانون المقارن بمقارنة قوانين بلدان مختلفة لأجل لمعرفة أوجه الشبه و أوجه الاختلاف بين هاته القوانين كما يعمل على تفسير مختلف فروع القانون.
فقد استعمل ماكس فيبر المنهج المقارن لدراسة المبدأ الذي تقوم عملية ممارسة السلطة في المجتمع وقد قارن وميز بين 3 أنواع من السلطات.
وهي السلطة الكاريزماتية والتي يمارسها أشخاص تكون لهم قدرات ذهنية وشخصية كبيرة وخارقة يخضع لها المحكومين.
السلطة التنفيذية: وهي السلطة التي تستند في أحكامها على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في بلد معين.
السلطة القانونية: وهي السلطة التي يستمد فيها الحاكم شرعيته من القانون وهي السلطة التي تعمل بها المجتمعات المتقدمة.
الخاتمــــــة

رغم أن المقارنة كمنهج قائم بذاته حديث النشأة ولكنها قديمة قدم الفكر الإنساني فقد استخدمها أرسطو وأفلاطون كوسيلة للحوار في المناقشة قصد قبول أو رفض القضايا والأفكار المطروحة للنقاش كما تم استخدامها في الدراسات المتعلقة بالمواضيع العامة كمقارنة بلد ببلد آخر إضافة إلى استعماله في المواضيع والقضايا الجزئية التي تحتاج إلى الدراسة والدقة.
كما أسهمت الدراسات المقارنة بالكشف على أنماط التطور واتجاهاته في العظم الاجتماعية.



قائمــة المراجـــع
* د/ قباري محمد: إسماعيل / مناهج البحث في علم الاجتماع منشأة المعارف بالإسكندرية
* د/ محمود يعقوبي: الوجيز في الفلسفة. طبعة 1973.

هناك تعليقان (2):

  1. تحية طيبة أستاذي الفاضل
    نشكرك على هذه المبادرة النادرة المتمثلة في إنشاء هذه المدونة لتقريب الطلاب من الماستر الذي تشرفون على إدارته وإنني لممتن لكم بماجاء في هذا العرض. صحيح أن دراستي الجامعية همت المجال الفلسفي إلا أن الموضوع الذي تناولتموه بالبحث والتحليل لذو نفحة فلسفسة واضحة تسمح للقارئ بدعوة رصيده الفلسفي للتفاعل مع ما أقبلته على نشره.شكرا مرة أخرى
    رد من خاليد الخطاط إجازة في الفلسفة- مفتش تربوي

    ردحذف
  2. مرحبا أستاذي خالد نحن في خدمة العلم و المعرفة

    ردحذف