التفسير الحضاري للتاريخ
بين ابن خلدون وأرنولد توينبي
الدكتور محمد محمود السروجي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإسكندرية
يتناول موضوع البحث مؤرخين كبيرين من فلاسفة التاريخ، لكل منهما ثقافته الخاصة التي تنتمي لعصره ولعقيدته. فابن خلدون يمثل الثقافة والحضارة الإسلامية العربية في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، ويمثل توينبي الثقافة والحضارة الغربية المسيحية في القرن العشرين، وكل منهما يمثل مدرسة تاريخية خاصة به.
ابن خلدون:
احتلت أسرة ابن خلدون مكانة مرموقة في شمال أفريقيا، وقد هاجر أجداده الأول من حضرموت إلى الأندلس، وكانت من أقوى أسر ثلاث في إشبيلية، ثم رحلوا بعد ذلك إلى تونس([1]).
ولد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي في أول رمضان 732 هـ/ 27 مايو 1332 م في تونس، واهتم والده - وهو من العلماء - بتربيته، فحفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه، والحديث، والأدب، وحفظ الكثير من الأشعار. وقد تأثر باثنين من علماء تونس المشهورين وهما: عبد المهيمن إمام المحدثين والنحاة بالمغرب، ومحمد بن إبراهيم الآيلي شيخ العلوم العقلية. قسم ساطع الحصري([2])تاريخ حياة ابن خلدون بعد إتمام تعليمه ودخوله معترك الحياة إلى ثلاثة أدوار:
الدور الأول (1352 - 1374)، حيث اشتغل فيه بالأمور السياسية في بلاد المغرب. فعاش في أجواء الدسائس والمؤامرات، فعمل حيناً لدى حاكم تونس، ثم انتقل إلى المرينيين بفاس، وبعدها إلى بلاط ابن الأحمر بالأندلس. ثم عاد ليتولى منصب الحاجب لدى أمير بجاية. وأخيراً، اعتزل السياسة ليلجأ إلى القبائل العربية، لمساعدة صاحب تلمسان تارة، وصاحب فاس تارة أخرى([3]).
الدور الثاني (1374 - 1378)، وهو دور الانطواء والعزلة، حيث عكف فيه عند أولاد بني عريف، بقلعة ابن سلامة على كتابة "المقدمة". وكانت نقطة تحول فاصلة، ابتعد بعدها عن السياسة، وانصرف إلى التأليف.
وعرفت "المقدمة" في أوربا في القرن الثامن عشر باسم "فلسفة التاريخ"، وفي القرن التاسع عشر باسم "علم التاريخ" أو "المدخل إلى التاريخ"([4]).
ويعلق توينبي على هذه الفترة بقوله: »إن رجل الأعمال الزائل - يقصد ابن خلدون - عاد إلى الظهور من عزلته، وقد تغير شكله نهائياً إلى شكل الفيلسوف الخالد، الذي لا يزال فكره يعيش في عقل كل من يطالع "المقدمة"«.
والدور الثالث (1378 - 1406)، انصرف فيه إلى التدريس وممارسة القضاء. ويميل بعض الباحثين الغربيين إلى تقسيم حياة ابن خلدون الفكرية إلى مرحلتين([5])، هما:
المرحلة الأولى، وهي التي ولع فيها بالعلوم العقلية، وتشمل الفترة منذ أن كان طالباً حتى رحلته إلى القاهرة.
والمرحلة الثانية، وفيها أعرض عن العلوم العقلية الفلسفية بصفة عامة، وانصرف إلى التصوف والعلوم الدينية، تمشياً مع الأجواء السائدة في القاهرة حينذاك، حيث أخذ في إجراء بعض التعديلات والإضافات على "المقدمة". وقد لقب ابنَ خلدون، لقَّبَه معاصروه بألقاب كثيرة حسب المناصب التي تولاها، مثل الوزير، والرئيس الحاجب، والصدر الكبير، والفقيه الجليل، وعلاَّمة الأمة، وإمام الأئمة، وجمال الإسلام والمسلمين([6]).
توينبي:
أما عن تاريخ حياة أرنولد توينبي، فقد ولد في أواخر القرن التاسع عشر في 14 أبريل 1889 بمدينة لندن في أسرة متوسطة. فكان والده يعمل موظفاً بشركة للشاي. أما والدته، فكانت حاصلة على بكالوريوس في التايخ، وهي التي حببته في دراسة التاريخ، وكان لها اهتمام بالشؤون العلمية والاجتماعية. وكان عمه أرنولد من كبار المؤرخين الاقتصاديين.
تلقى توينبي تعليمه بكلية ونشستر لمدة خمس سنوات، ثم أكمل دراسته بجامعة أكسفورد في التاريخ القديم والأدب الكلاسيّ. وبعد تخرجه، عين مدرِّساً بها من 1912 إلى 1915. وقد درس اليونانية القديمة واللاتينية، وبرع فيهما، وتأثر بكتابات المؤلفين القدامى([7])، واهتم بالحضارة اليونانية بصفة خاصة. ومنذ عام 1925، تولى الإشراف على معهد الشؤون الدولية الملكي، وعمل أستاذاً متخصصاً في التاريخ الدولي في جامعة لندن.
كما عمل في المجال السياسي، فكان عضواً بارزاً في مؤتمرات السلام في باريس عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919، وقام بنفس المهمة في مؤتمر الصلح الذي أعقب الحرب العالمية الثانية عام 1945.
عصر ابن خلدون
عاش ابن خلدون في فترة منعطف تاريخي خطير، مرت بالعالم العربي الإسلامي بعامة، وبلاد المغرب العربي بخاصة. فالقرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي قد شاهد الكثير من النكبات([8]) والمحن التي حلت به، فتعرض لهجمات التتار من الشرق، وانكماش الحكم الإسلامي في الأندلس من الغرب، زد على ذلك تناحر الأسر الحاكمة، ومؤامراتها، وحروبها التي لا تنقطع، والطاعون المدمر الذي اجتاح البلاد وخربها.
هذا، إلى جانب الجمود الفكري الذي عبر عنه ابن خلدون بقوله: »كسدت لهذا العهد أسواق العلم لتناقص العمران فيه، وانقطاع سند العلم والتعليم«([9]).
وقد عبر ابن خلدون عن هذه الأوضاع المأساوية بعبارة موجزة بليغة: »كانت دلائله - يقصد العصر - تشير كلها إلى أن شمس الحضارة العربية الإسلامية آخذة في الأفول«([10]).
وقد وصف جاك بيرك (Jacques Berque) هذا العصر »بأنه من أسوإ العصور التي عرفتها حضارات البحر المتوسط«([11]).
كما أن الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته بلاد المغرب بشمال أفريقيا عقب دخولها في الإسلام، ونتيجة ارتباطها بطرق تجارية بالسودان وإسبانيا وصقلية، وبالمشرق الإسلامي قبل عهد ابن خلدون، قد تبدل في أيامه نتيجة تراجع قوة المسلمين البرية بعد أن حلت قوة أوربا البحرية محلها([12]).
في هذه الأجواء المليئة بالنكبات والمؤامرات، عاش ابن خلدون، وتفاعل معها، واكتوى بنارها، وأسهم في بعضها. ومن ثم فآراؤه ونظرياته كانت نتاج تجربته الشخصية في المجالات السياسية والاجتماعية، ومصدر أساسي من مصادر فكره، صقلتها دراساته للكتب التاريخية التي دونها الأقدمون والمعاصرون له، فضلاً عن جولاته في المغرب والمشرق العربي الإسلامي، فهي بلا شك تحمل طابع عصره.
وقد حفز ابن خلدون على كتابة تاريخه "العبر" و"مقدمتـ"ـه حدثان هامان، كان لهما تأثير كبير على بلاد المغرب هما: الطاعون الكاسح، ودخول البدو منذ أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي([13]).
عصر توينبي
لقد عاصر توينبي منذ مطلع القرن العشرين أحداثاً أوربية جساماً. ففي عام 1904 انتهى تقريباً التنافس الإنجليزي الفرنسي بعقد الاتفاق الودي بين الدولتين على حساب مصر ومراكش بصفة خاصة. وبدأ التنافس الإنجليزي الألماني بعد أن برزت أطماع ألمانيا الاستعمارية، وبعد أن أخذت ألمانيا تعزز قواتها البحرية، محاولة بذلك القضاء على السيادة البحرية الإنجليزية.
وبدأت السحب تتراكم في سماء العلاقات الدولية، مما أدى إلى انقسام أوربا إلى معسكرين متحاربين. وانتهت الحرب بانتصار معسكر إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على معسكر دول وسط أوربا ألمانيا والنمسا والمجر والدولة العثمانية، وعقد مؤتمر فرساي لتسوية الأوضاع الأوربية في عام 1919. ومثل توينبي إنجلترا في هذا المؤتمر، وفيه فرضت على ألمانيا بصفة خاصة شروطاً مجحفة.
ثم أنشئت عصبة الأمم لإقرار الأمن والسلم الدوليين.
كذلك عاصر توينبي الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1930 التي عصفت باقتصاديات العديد من دول العالم بما أحدثته من كساد اقتصادي كبير. وأعقب ذلك محاولة ألمانيا التخلص من شروط معاهدة فرساي المجحفة بها، بعد وصول الحزب النازي إلى الحكم في الثلاثينيات من القرن العشرين وإعادة تسليح ألمانيا.
وفي الوقت نفسه، وصل الحزب الفاشي إلى الحكم في إيطاليا. وبدأ يتطلع إلى الاستيلاء على الحبشة عام 1935، وأرسل حملة لهذا الغرض. وعندما عارضته عصبة الأمم، انسحب منها. وكذلك فعلت ألمانيا. وبدأت نذر الحرب العالمية الثانية تظهر في الأفق، وانقسمت أوربا إلى معسكرين متحاربين: معسكر الحلفاء ويضم إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ومعسكر المحور ويضم ألمانيا وإيطاليا واليابان. وقد بلغت خسائرها البشرية حوالي 50 مليون نسمة، غير المدن التي خربت وأبيدت. وخرجت منها إنجلترا منهوكة القوى، وتراجعت إلى دول الصف الثاني. وانقسم العالم إلى معسكرين: الأول المعسكر الرأسمالي والذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشيوعي والذي يتزعمه الاتحاد السوفييتي، وبدأت الحرب الباردة بينهما. ووجدت دول العالم الثالث أن من مصلحتها تكوين جبهة دول عدم الانحياز لتخفيف حدة الصراع الدولي.
وفي وسط هذه الأحداث المتلاحقة والخطيرة، عاش توينبي، وتأثر بها، وشاهد تراجع بلاده (إنجلترا) عن صدارة العالم، وخشى على الحضارة الغربية أن تضمحل وتفنى كما فنيت حضارات كثيرة سبقتها حددها توينبي في إحدى وعشرين حضارة، منها خمس حضارات ما زالت باقية، ومنها الحضارة الغربية.
وقد أكدت نظريته التي استخلصها من دراسته لتلك الحضارات حتمية ولادتها، وازدهارها، ثم موتها. ولذا حاول إيجاد الوسائل والحلول لمنع هذا الانهيار والفناء. وهذا ما دفع الكاتب رونالد مبيرج إلى تأليف كتاب عنوانه "أرنولد توينبي مؤرخ لعصر متأزم"([14]).
مؤلفات ابن خلدون
لابن خلدون الكثير من المؤلفات، ولكن أهمها "المقدمة" التي وردت فيها آراؤه ونظرياته، ومنهجه، وفلسفته التاريخية. وقد اعتمدنا على "المقدمة" التي حققها ونشرها علي عبد الواحد وافي.
وكان علماء الغرب - قبل نشر البارون دوسلان (Baron de Slane) ترجمتها الفرنسية في مجلدين بالجزائر في ما بين سنتي 1847 و1851 (تحت اسم: Kitab al-duwal al-islamiyya bi-l-maghrib (Histoire des Berbères et des dynasties musulmanes de l’Afrique septentrionale), éd. William Mac-Guckin Baron de Slane, 2 vols, Alger, 1847-51.) يظنون أن جيوفاني باتستا فيكو (Giovanni Batista Vico) (1667-1744) هو أول من كتب عن فلسفة التاريخ، غافلين أن ابن خلدون قد سبقه بثلاثة قرون ونصف قرن([15]). وقام بترجمة "المقدمة" إلى اللغة التركية([16]) بيريزاد (Perizade) ونشرت بالقاهرة سنة 1275 هـ.
ومن مؤلفاته أيضاً كتاب "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً"، تحقيق محمد بن تاويت الطنجي، وهو السيرة الذاتية لابن خلدون وفيها دفاع عن نفسه، وقد كتبه أثناء وجوده بالقاهرة، بعد أن أوغر احتفاء السلطان الظاهر برقوق به صدور بعض العلماء([17]).
وهناك أيضاً كتاب "لباب المحصل في أصول الدين"، وكان ضمن مخطوطات مكتبة الإسكوريال([18])، وقام بنشره وتحقيقه المستشرق لوسيانوروبيو في تطوان 1952.
وأضخم مؤلفات ابن خلدون كتاب "العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، وقسمه المؤلف إلى مقدمة وثلاثة كتب:
المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، والإلماع بمغالط المؤرخين.
الكتاب الأول: في العمران، وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان، والكسب، والمعاش، والصنائع، والعلوم، وما إلى ذلك من العلل والأسباب.
الكتاب الثاني: في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ بدء الخليقة إلى هذا العهد، وفيه الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهير ودولهم مثل النبط، والسريانيين، والفرس، وبني إسرائيل، والقبط، واليونان، والروم، والترك، والفرنجة.
الكتاب الثالث: في أخبار البربر، ومن إليهم من زناتة، وذكر أوليتهم وأجيالهم، وما كان لهم بديار المغرب، خاصة من الملك والدول([19]).
والكتاب يشتمل على سبعة مجلدات: أولها المقدمة، ومن المجلد الثاني إلى المجلد الخامس، أطلق عليه المؤلف اسم الكتاب الثاني، ويتضمن تاريخ العرب وتاريخ الإسلام، وتاريخ المشرق، وقد جمعها من مؤلفين سابقين.
وأما المجلدان السادس والسابع، فيطلق عليهما الكتاب الثالث، ويشتمل على أخبار البربر، وتاريخ المغرب. وينتهي المجلد السابع بالتعريف([20]) بابن خلدون.
ولكتاب "العبر" طبعة كاملة واحدة هي طبعة بولاق القديمة([21])، ولكن لـ"المقدمة" طبعات مستقلة، وكذلك "التعريف".
وأهم وأقيم ما ذكر في كتاب "العبر" ما دونه المؤلف عن بلاد المغرب. فهو جد أصيل، لأن ابن خلدون كان شاهد عيان، وتنقل في دول المغرب، وأسهم في أحداثها عن طريق توليه بعض المناصب الهامة والرفيعة. ونظراً لقيمته التاريخية، فقد ترجم هذا الجزء بالذات إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان:
Kitab al-duwal al-islamiyya bi-l-maghrib (Histoire des Berbères et des dynasties musulmanes de l’Afrique septentrionale), éd. William Mac-Guckin Baron de Slane, 2 vols, Alger, 1847-51.
وطبع مرة ثانية في عامي 1925 و1927.
ومما تجدر ملاحظته أن « التعريف بابن خلدون" الذي ألحق بالمجلد السابع وقف عند سنة 797 هـ/ 1395 م، ولكن ابن خلدون واصل بعد ذلك تدوين ترجمته، مع إضافات جديدة، حتى عام 807 هـ/ 1405 م تحت عنوان "التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب ورحلته غرباً وشرقاً". وقد ظل مخطوطاً حتى عام 1951 عندما قامت بنشره لجنة التأليف والترجمة والنشر، محققاً بيد محمد بن تاويت الطنجي.
وقد ذكر لسان الدين بن الخطيب - وكان صديقاً حميماً لابن خلدون - مؤلفات كثيرة لابن خلدون لم يذكرها هو نفسه في كتابه "التعريف". ويبدو أنها كانت »بمثابة كراسات الدرس أو التدريس العارية من الآراء المبتكرة. ولذلك لم يتباهَ بها ابن خلدون، فلم يذكرها في ترجمة حاله«([22]).
مؤلفات توينبي
كتب توينبي الكثير من الكتب والبحوث في الدوريات العلمية المختلفة. وسنكتفي بذكر الكتب التي وصلت إلينا.
- Greek Historical Thought.
وقد ترجم هذا الكتاب إلى العربية لمعي الطيعي تحت عنوان "الفكر التاريخي عند الإغريق" ضمن سلسلة الألف كتاب التي يصدرها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية عام 1966.
- The World After Peace Conference, London, 1925.
وقام بترجمته إلى العربية تحت عنوان "الحضارة في الميزان" أمين محمود الشريف، بتكليف من الإدارة العامة للثقافة بوزارة التربية والتعليم، وطبع بدار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، 1948.
- War and Civilization, London, 1951.
- The World And The West (The Reith lectures), 1952.
- An Historian’s Approach To Religion, Oxford University Press, London, 1956.
- East To West-A Journey Roud The World, London, 1958.
- A Study of History, Oxford University Press, Amen House, Twelve Vols, London, 1956.
- Half The World: The History and Culture of China and Japan, London, 1973.
وأهم تلك الكتب التي نالت شهرة عالمية، والتي جعلت من توينبي أهم المؤرخين الفلاسفة في العصر الحديث كتاب "دراسة التاريخ". لم يصدر هذا الكتاب دفعة واحدة، فنشرت الأجزاء الثلاثة الأولى في عام 1934، وتبعتها الثلاثة الأجزاء التالية في عام 1939، وبعدها بخمسة أعوام، أي في عام 1954، صدرت الأجزاء الأربعة التالية. وقد أحدث صدور العشرة الأجزاء دوياً في الأوساط العلمية، وظهرت الانتقادات والتعليقات على ما ورد بالكتاب من موضوعات.
وتلاها الجزء الحادي عشر متضمناً الخرائط التاريخية. وفي عام 1961 صدر الجزء الثاني عشر، وفيه ردود المؤلف على نقاده، شارحاً لهم ما خفي عليهم فهمه، ومصحِّحاً بعض ما ذكر من وقائع في أجزاء الكتاب.
ونظراً لضخامة حجم الكتاب، وتخفيفاً على القراء، قام سمرفيل (D.C. Somervell) بتلخيصه في مجلدين اثنين. صدر الجزء الأول في عام 1946، متضمناً خلاصة الأجزاء من 1 - 6، وتلاه الجزء الثاني عام 1957، ويشتمل على خلاصة الأجزاء من 7 - 10.
وتعميماً للفائدة على نطاق أوسع، قام الأستاذ سمرفيل بتلخيصه في مجلد واحد، وقام بنشره المعهد الملكي للشؤون الخارجية (Royal Institute of International Affairs) في عام 1960.
وإلى جانب هذا النشاط العلمي في مجال التأليف، قام بالإشراف على تحرير حولية الشؤون الدولية Survey of International Affairs من عام 1920 - 1938. هذا، فضلاً عن مواصلة الكتابة في صحيفة "الأوبزرفر" لمدة عشرين عاماً متصلة؛كما أشرف على المعهد الملكي للشؤون الخارجية من عام 1925 إلى عام 1955. هذا، بالإضافة إلى العديد من الأسفار، تلبية للدعوات التي وجهت إليه من مختلف المؤسسات العلمية، لإلقاء بعض المحاضرات، كما منح عدة درجات فخرية تقديراً لمكانته العلمية.
نظرة ابن خلدون وفهمه للتاريخ
لقد نشأ علم التاريخ في الإسلام ملازماً لعلم الحديث. فعلى سبيل المثال، نجد أن المؤرخ ابن جرير الطبري، وهو من علماء الحديث، ومن المفسرين الذين اهتموا بجمع الحديث وتدوينه، قد اهتم إلى جانب ذلك بكتابة تاريخه الكبير "تاريخ الأمم والملوك". وقد استفاد علم التاريخ من منهج المحدثين في التحري والتدقيق في جمع الصحيح من الأحاديث. وكانت نظرة ابن خلدون إلى علم التاريخ نظرة تبجيل وتقدير. فيقول عنه في "مقدمتـ"ـه: »جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا«([23]). وهو - في رأيه - علم»نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق. فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها خليق«.
ومن ثم فإن دراسته تنعكس على حاضر الإنسان ومستقبله. فإذا حزب الإنسان أمر في حاضره، لجأ إلى ماضيه يستمد منه العون لحل مشكلة الحاضر، كما أن دراسته تنير له طريق المستقبل.
ومما هو جدير بالذكر أن علم التاريخ كان قد بلغ في زمن ابن خلدون من التأخر والانحطاط، مسايراً الانهيار الذي أصاب الحضارة الإسلامية وقتذاك (القرن الرابع عشر). وقد عاب ابن خلدون على مؤرخي المغرب تقصيرهم في تدوين تاريخ بلادهم. وهذا ما دفعه إلى الاعتكاف في قلعة ابن سلامة لتدوين تاريخه عن بلاد المغرب الإسلامي من قبل ظهور الإسلام إلى عصره. وقد ساعده على ذلك دراسته لحضارات عصره، مثل الحضارة الفارسية، والسريانية، والقبطية، والرومية، والإفرنجية، والتركية، والعربية وغيرها([24]). فهو من هذه الناحية يشبه إلى حد ما أرنولد توينبي.
ويمكننا القول إن "المقدمة" وكتاب "العبر" و"التعريف" تمثل منظومة واحدة استطاع ابن خلدون من خلالها أن يمزج تجربته الشخصية بدراسته للحضارة الإسلامية منذ نشأتها حتى عصره، ليخرج بنظرية امتزجت فيها الذاتية والموضوعية والعقلانية وفلسفة التاريخ. ففلسفته التاريخية التي تمثلت في ما أطلق عليه اسم »علم العمران«، والذي توصل إليه من خلال دراسته التاريخية والحضارية، تعني عنده »القضايا الديمغرافية والاقتصادية،كما تعني النشاطات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية. فالأمر إذن يتعلق بمجمل الظاهرات الإنسانية«([25]).
وقد اتخذ ابن خلدون من هذا العلم معياراً لقياس صحة الأخبار. ومن ثم فقد وجه ابن خلدون النقد للمؤرخين الذين سبقوه، والذين لم يعرفوا قوانين »علم العمران« بأنهم حرموا أنفسهم من هذا المعيار([26]).
ولذا فالذين تناولوا الحديث عن ابن خلدون قبل اعتكافه بقلعة ابن سلامة لم يصفوه بصفة المؤرخ، ولكن هذه الصفة لازمته بعد فترة القلعة إلى نهاية عمره.
نظرة توينبي للتاريخ
إن حب توينبي للتاريخ يرجع إلى أيام طفولته المبكرة. فقد أرضعته أمه حبه؛ فيذكر أن أمه كانت حاصلة على درجة البكالوريوس في علم التاريخ، وعودته أن تقص عليه وهو في فراش النوم قصة - كما اعتادت الأمهات على ذلك - ولكنها لم تكن أية قصة. فقد آثرت أن تتناول كل قصة حلقة من حلقات تاريخ إنجلترا منذ القدم حتى ذلك الوقت. فشب الطفل مولعاً بقراءة الكتب التاريخية بعد الفراغ من واجباته المدرسية.
فيقول: »وكانت كتب التاريخ هي أكثر الكتب التي أجد نفسي مشدوداً إليها شدّاً، فكنت أمضي معها كل ساعات النهار، وجانباً طويلاً من الليل«([27]).
ومن ثم فقد انكب على دراسة الحضارات البائدة، وكذلك الحالية، دراسة عميقة، للوقوف على أسباب انهيارها وزوالها، وذلك خشية أن يمتد هذا الفناء المحتوم إلى الحضارة الغربية التي يمثلها، وصولاً إلى إيجاد الحلول الواجب اتخاذها للحيلولة دون ذلك.
ويرى توينبي أن الإنسان لا يصبح مؤرخاً إلا إذا حركه حب الاستطلاع على ذلك، بل إن حب الاستطلاع وحده غير كاف، إذا لم يوجه نحو تحقيق غاية بعينها([28]).
كما كان يؤمن بأن التاريخ إنجاز للخطة الإلهية، وهو إبداع الله في حركته، من الله منبعه وإلى الله غايته. وقد تأثر في هذه النزعة الدينية بالقديس أوغسطين([29]).
منهج ابن خلدون
إن التجربة القاسية التي مر بها ابن خلدون، وما تعرض له من سجن وتشريد، وتنكر من الأصدقاء جعله يعتزل الحياة السياسية، ويتفرغ لكتابة التاريخ. وذكر كثيرون من المؤرخين أن فترة الاعتزال بدأت عندما اعتكف بقلعة ابن سلامة، ولكن الحقيقة أن اعتزاله السياسي وعزوفه عن المناصب السياسية قد سبق هذا بعشر سنين، أي في سنة 767 هـ التي نكب فيها أمير بجاية الذي كان ابن خلدون يتولى لديه منصب الحجابة. ومن ثم فقد غادر البجاية إلى البادية، أي غادر العمران الحضري إلى العمران البدوي، حيث أحس أن الدول المغربية في طور هرمها. ومن المرجح أن تكون نظرياته السياسية والاجتماعية قد بدأت في التكون في هذه الفترة([30])، ولا سيما أنه قد مكث وسط القبائل مدة سبع سنوات. فلابد أن يكون قد لفتت نظره ظاهرة العصبية، وهي من الظواهر الاجتماعية الأساسية في العمران البدوي، أي أنه استطاع أن يجمع بين العمران الحضري خلال إقامته في حواضر المغرب، والعمران البدوي.
ومعنى هذا أن حصيلة ابن خلدون من استيعابه للأوضاع السياسية والاجتماعية في بلاد المغرب، بالإضافة إلى تجاربه الشخصية، كانت ذخيرته عندما لجأ إلى قلعة ابن سلامة لتدوين تاريخه. فما كان منه إلا أن أفرغ ما في عقله في كتابة "المقدمة" - كما ذكر - في خمسة شهور، حيث يقول: »أتممت هذا الجزء الأول بالوضع والتأليف، قبل التنقيح والتهذيب في مدة خمسة أشهر، آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعمئة، ثم نقحته بعد ذلك وهذبته، وألحقت به تواريخ الأمم«([31]).
قسم ابن خلدون "المقدمة" إلى ستة أبواب. يتناول الباب الأول العمران البشري وضروراته. ويتضح منذ البداية أن الدولة أو الملك هو الذي يهدف إليه من هذه الدراسة. فالاجتماع - كما أوضح - ضروري للإنسان، ولكنه لا يتحقق إلا بوجود وازع (حاكم أم ملك) »تكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة، حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان. وهذا هو معنى الملك. وقد تبين لك بهذا أنه خاصة للإنسان طبيعته ولابد لهم منها«([32]).
أما الباب الثاني، فخاص بالعمران البدوي، وسار فيه وفق خطة معينة تهدف في نهايتها إلى كيفية نشوء الدولة. وفي الباب الثالث، يعالج أصل نشوء الدولة ومراحل تطورها، ثم هرمها. وبعد ذلك، يتعرض للوظائف السلطانية ومالية الدولة.
أما الأبواب الثلاثة الأخيرة، فتتناول بالبحث »مختلف الظواهر المرافقة لقيام الدول أو الناتجة عنها، كبناء المدن، وتشييد الآثار، وأنواع الكسب، ثم أنواع النشاط الفكري والثقافي«([33]).
يذكر ابن خلدون أنه كان يريد الاكتفاء بكتابة تاريخ المغرب وحده »دون ما سواه من الأقطار لعدم اطلاعي على أحوال المشرق وأممه، لأن الأخبار المتناقلة لا تفي كنه ما أريد منه«([34]). ولكنه أحس بضرورة كتابة أخبار المشرق. وكان هذا العمل يتطلب السفر إليه، ليقف بنفسه على أحواله، فيقول: »فأفدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار، ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار«([35]).
وقد بدأ ابن خلدون بحوثه في العمران البشري بست مقدمات([36])، تناول في الأولى ضرورة الاجتماع ووجود السلطة، وفي الثانية»قسط العمران في الأرض«، وفي الثالثة »تأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم«، وفي الرابعة »أثر الهواء في أخلاق البشر«، وفي الخامسة »اختلاف أحوال العمران من الخصب والجوع، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم«، وفي السادسة تحدث عن »أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو الرياضة«.
ومن ناحية العمران البشري، قسمه ابن خلدون إلى قسمين: العمران البدوي وهو الأصل([37])، ويضم أولاً البدو الرحل، ثم رعاة الشاة المتنقلين، ثم المقيمين في التلال والسهول المشتغلين بالزراعة. وتجمع هؤلاء رابطة النسب الحقيقي أو الوهمي، والعصبية([38]).
وقد فسر روزنتال([39]) (Rosenthal) العصبية تفسيراً يقرب من الصواب بأنها »القوة المحركة لصيرورة الدولة«. وقد فسرها سلفستر دي ساسي([40]) (Silvestre de Sacy) »الروح العام« وفسرها عيساوي شارل([41]) (Issawi Charl) بـ»التضامن الاجتماعي«. وقد فسرها توينبي بـ»الجبلَّة النفسية التي تبنى عليها كل الأجهزة السياسية وكل الأجهزة الاجتماعية«([42]).
ويذكر لاكوست أن تفسيري دي سلان وروزنتال للعمران البدوي بـ»الحياة البدوية« تفسير قاصر، وذلك لأن تفسير ابن خلدون يتجاوز هذا، فيشمل نشاطات القبائل البدوية في الأرياف والسهول والصحارى، وكل ما هو خارج المدن الكبرى([43]).
فالعمران البشري عند ابن خلدون يتدرج من البسيط، أي العمران البدوي، إلى المعقد أو المركب، وهو العمران الحضري، طبقاً لاختلاف طبيعة الأرض، من حيث الجدب أو الخصب، فينشغل الأفراد في البادية بتحصيل الضروري من العيش، مع تشتتهم، وتبعثر جهودهم، وقلة تعاونهم([44]).
والتطور من العمران البدوي إلى العمران الحضري غايته الدولة أو الملك، فالغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك، ثم الفساد([45]).
فالتطور العمراني عند ابن خلدون تطور دائري([47])، يبدأ من البداوة إلى الحضارة مروراً بمرحلة القوة والشباب ثم الهرم، والفناء لتحل محلها عصبية أخرى، وهكذا. وقد أدرك ابن خلدون أن كل مجتمع بدوي لابد له أن يتطور إلى مجتمع حضري، ولكن تشذُّ عن هذه القاعدة بعض المجتمعات البدوية التي لم توفق إلى إتمام هذا التحول فظلت كما هي([48]). وقسم ابن خلدون الملك إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الملك الطبيعي، وهو »حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة«؛
والثاني: الملك السياسي، وهو »حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار«؛
والثالث: الخلافة، وهي »حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها. فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا«([49]).
وأوضح ابن خلدون أن سيطرة الدولة لا تقوم على القوة وحدها، بل على الأخلاق التي أطلق عليها اسم »الخلال«([50]). فمن الضروري أن يكون للمجتمع مثل عليا دينية تنظم حياته، كما أن الدعوة الدينية تزيد الدولة قوة إلى قوة العصبية([51]). ولذا نجد ابن خلدون يشيد بقدرة الله وبمشيئته في آخر كل فصل من فصول "المقدمة" بعد »إتمام استدلالاته واستقراءاته بالطرق العقلية والمنطقية بوجه عام«([52]).
ويذكر لاكوست »أن ابن خلدون فيما يتعلق بالعالم فوق المحسوس لا يجعل اعتباراً للعقل، ويؤمن إيماناً جازماً بالمشيئة الإلهية. أما فيما يتعلق بالعالم الملموس، فابن خلدون يتصرف تصرف مفكر تجريبـيّ، تجريبية منهج، لا تجريبية مذهب«([53]).
وقد اهتم بالسببية والحتمية، لا الجبرية، فيقول: »إن الحوادث في عالم الكائنات، سواء كانت من الذوات أو الأفعال البشرية أو الحيوانية، فلابد لها من أسباب متقدمة عليها، بها تقع في مستقر العادة ومنها يتم كونها«([54]).
إن الحضارة التي رفضها ابن خلدون، وجعلها المسؤولة عن هدم الدولة واضمحلالها، هي غير الحضارة التي نعنيها نحن في العصر الحاضر، فيعرفها بقوله إنها »التفنن في الترف، واستجادة أحواله، والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه، من الصنائع المهيئة للمطابخ أو الملابس أو الفرش أو الآنية ولسائر أحوال المنزل«([55])، أي أن الحضارة التي يقصدها هي نمط من الحياة المترفة، والمسرفة في الاستهلاك التي تحياها الطبقة الحاكمة ومن يلوذ بها. فهذا الأسلوب في الحياة مفسد للعمران كما يراه ابن خلدون. »فالبدخ والإفراط في الترف تشير إلى أعلى درجات التقدم الممكنة في العمران الحضري، كما تشير إلى نهايته وانحداره«([56]).
ويختلف العمران من إقليم إلى آخر، بل إنه يختلف في الإقليم الواحد؛ كما أن طبيعة الأرض من حيث الجدب والخصب تؤدي إلى اختلاف هيئة العمران وأحواله، إذ تفرض على السكان نمطاً معيناً من الحياة المعيشية والاجتماعية([57]). والعمران لدى ابن خلدون »مادته الاجتماع البشري وصورته الدولة«([58]).
ويذكر الجابري أن منهج ابن خلدون »لا هو بالاستقرائي التجريبي، ولا هو بالاستنباطي المحض، بل هو مزيج منهما معاً«([59]). وقيل أيضاً بأن منهجه استقرائي وصفي. ويذكر عبد الرحمن بدوي أن ابن خلدون كان:
صاحب منهج تطبيقي، وليس صاحب نظريات عامة في الدولة والنظم السياسية والنماذج العامة للمجتمع الإنساني. إن بحثه موضعي طوبولوجي وصفي... فهو لم يهدف إلى وضع فلسفة سياسية ولا حضارية، بل إلى وضع بحث مونوغرافي وصفي تطبيقي للمجتع الإسلامي في تطوره التاريخي حتى عصره([60]).
وقد نعت ابن خلدون العرب في "مقدمتـ"ـه بأوصاف قاسية، فقال: »إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب«([61]). والسبب في ذلك ما ناله على أيدي بني هلال من الطرد والمصادرة والملاحقة. فحكمه هذا حكم ذاتي شخصي، وليس حكماً موضوعياً، على الرغم من محاولته إضفاء الموضوعية عليه.
كما أعلن »إبطال الفلسفة وفساد منتحليها«([62]). فتحريمه ليس تحريماً مطلقاً، ولكن تحف به المحاذير، لأن »البحث في ما وراء الطبيعة لا يوصل إلى يقين«.
ويرى كثيرون من الباحثين أن علم العمران ينطبق على الدراسات الاجتماعية الحديثة، ومن ثم أطلقوا على ابن خلدون المؤسس لعلم الاجتماع، وذلك لاتفاق العلمين في المنهج والغاية. ولكن إذا ما أمعنا الفكر، نجد أن مجال علم العمران أضيق من مجال علم الاجتماع. فعلم العمران يهتم في المقام الأول بأسباب قيام الدول وتطورها ثم سقوطها في نهاية الأمر، بينما نجد أن علم الاجتماع يهتم بالفرد والأسرة والعلاقات الاجتماعية. ومن ثم »يبدو أن علم العمران أقرب إلى التاريخ منه إلى علم الاجتماع«([63])، وبمعنى آخر يقع علم العمران بين علم الاجتماع وفلسفة التاريخ.
كما استدل ابن خلدون من خلال دراسته على أن التاريخ لا يعيد نفسه، لأنه خلق متطور ومتجدد.
وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال؛ وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول ([64]).
منهج توينبي
من المبادئ الهامة في دراسات توينبي أن البحث التاريخي يجب أن يرتكز على المجتمعات وليس على الأمم التي تعتبر جزءاً منها، لأنه يرى من المستحيل دراسة تاريخ أمة من الأمم بمعزل عن الأمم الأخرى؛ فالمجتمعات هي أساس الدراسة التاريخية([65]). وبناء عليه، قسم المجتمعات إلى واحد وعشرين مجتمعاً، بادت معظمها، ولم يبق منها سوى خمسة مجتمعات هي: المسيحية الغربية، والمسيحية الشرقية، والإسلامي، والهندي، والشرق الأقصى. هذا بالإضافة إلى عدد كبير جدّاً من المجتمعات البدائية.
وقد دفع توينبي إلى كتابة موسوعته "دراسة التاريخ" عاملان أساسيان هما: الإلمام بتاريخ عالمه المعاصر، وثقافته الهلينية. ولفت نظره من خلال دراسته لهذا العدد الكبير من الحضارات أن معظمها قد اندرس وباد، وأن الباقي في طريقه إلى هذا المصير المحتوم بما فيه الحضارة الغربية. ألح عليه البحث في معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الفناء أولاً، ثم أكمله بمعرفة أسباب نشوء الحضارات، وازدهارها، وأفولها.
وقد اتخذ توينبي من فكرة التحدي والاستجابة (Challenge and Response) مفسراً لأحداث التاريخ ومصوراً للتطور الحضاري، ومستخلصاً لنتائجه. ولم يكن توينبي هو أول من طبق نظرية التحدي والاستجابة؛ فقد طبقها هيجل (Hegel) قبله في المذهب الماركسي، وكذلك كارل ماركس (Karl Marx)، ومالتس (Malthus)، وداروين (Darwin) ([67]). والحضارة - في نظره - هي محصِّلة التفاعل بين الإنسان والبيئة. ورفض التفسير المادي الذي يعتنقه الماركسيون وحده لتفسير أحداث التاريخ؛ كما رفض أيضاً التفسير الديني وحده، فكل منهما وحده لا يعطينا تفسيراً مقنعاً للتاريخ.
ويقسم توينبي تحديات أو دوافع البيئة للإنسان إلى خمسة هي([68]): دافع الأراضي الصعبة، ودافع الأراضي الجديدة، ودافع الكوارث، ودافع الضغوط الخارجية، ودافع العقوبات، ودافع الهجرة.
وتتعرض المجتمعات البشرية إلى صدمات (تحديات) خارجية، مثل الاحتلال الذي يعتبر تحدياً قاسياً للمجتمع. فإذا ما استجاب له، فجرت طاقاته الإبداعية الكامنة مثل غزو الهكسوس مصر([69]). كما أحدثت هزيمة العثمانيين في موقعة أنقرة أمام تيمورلنك استجابة لديهم، مكنتهم بعد نصف قرن من القضاء على الإمبراطورية البيزنطية([70]). وكذلك أدت هزيمة بروسيا أمام نابليون في موقعة يينا (Jena) 1813 إلى استثارة البروسيين، فجددوا نظمهم وجيشهم وهزموا فرنسا في عام 1870([71]).
كذلك استثار الاندفاع العربي في الأندلس نحو الأراضي الفرنسية المجتمع المسيحي الغربي إلى الوقوف في وجهه وهزيمة العرب في موقعة تور (Tour) عام 732([72]). أما عن الجانب الحضاري، فقد أسهم علماء إسبانيا الإسلامية عن غير قصد كما يذكر توينبي:
في تشييد الصرح الفلسفي الذي أقامه فلاسفة المسيحية الغربية إبان العصور الوسطى. كما وصلت بعض مؤلفات أرسطو للعالم الغربي للمرة الأولى عن طريق التراجم العربية. فعلى أساس الصرح الثقافي الإسلامي، شيد الغربيون نهضتهم الثقافية([73]).
ويعزو توينبي انهيار الحضارات إلى أسباب ثلاثة هي([74]): قصور الطاقة الإبداعية للأقلية الحاكمة، وعزوف الأغلبية المحكومة عن محاكاة الأقلية، وتفكك وحدة المجتمع. ويرى أن العقل والدين ملكة من ملكات الطبيعة البشرية؛ فلا غنى لأحدهما عن الآخر. فالمجتمعات التي انتصر فيها العلم على الدين هي في كارثة، لأن علاقات الإنسان بإخوانه من البشر وصلته بربه أهم من سيطرته على المادة. فأزمة المجتمع الغربي روحية وليست مادية، على الرغم ممّا بلغه المجتمع من ذروة التقدم.
ويرى توينبي أن وحدة البشر المرجوة لا تتحقق إلا بمشيئة الله، وهو بهذا يردد قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ]ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة[([75])، وقوله: ]لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة[([76]). ولذا يعتقد أن إنقاذ المدنية الغربية من التحلل والفناء، والخروج بها من هذا المأزق القيام بنهضة دينية، أو بدين جديد تبشر به شخصية مبدعة، هدفها رفع شأن الروح([77]).
ومن رأيه أن الحضارات القديمة كالحضارة المصرية التي ظهرت في الألف الرابع قبل الميلاد، والحضارة اليونانية الرومانية التي ظهرت في الألف الثاني من القرن الميلادي ، والحضارة الغربية التي ظهرت في القرن الأول الميلادي، »هذه الحضارات يعاصر بعضها بعضاً في حقيقة الأمر«([78]).
وكرر هذا المعنى في كتاب آخر، فقال:
أما في المعنى الفلسفي، فإن الحضارات كانت، وما زالت، وسوف تظل متعاصرة الواحدة مع الأخرى. فهي جميعاً بنت الأسرة ذاتها، وفي الجيل ذاته. والفروق في الأعمار بينها فروق تتناهى في الصغر إذا ما قورنت بالعهد الطويل الذي عاشت خلاله الأسرة الإنسانية التي وجدت قبل مولد أية حضارة([79]).
ويؤكد توينبي أنَّ تميز الحضارات وتنوعها »الذي يبتدئ في الحياة والنظم البشرية هو ظاهرة سطحية تحجب خلفها وحدة كامنة للبشرية لا يضيرها هذا التنوع«([80]).
ويتفق توينبي مع هيجل في دور الأفراد (الصفوة) في صنع التاريخ، كما ينادي بذلك توماس كارليل في العصر الحديث. ولكن ليس معنى هذا أن توينبي يتفق مع دعاة العنصرية الذين يعتبرون الإنسان »النوردي« الأبيض البشرة والشعر الأصفر والعيون الزرقاء والرأس الطويل يمتاز بالعبقرية وتسند إليه كل ما حققته البشرية من تقدم وإنجاز([81]).
ويتفق توينبي مع اشبنجلر في أن المدنيَّة الغربية في طريقها إلى الانحلال، وذلك بسبب الاهتمام الزائد بالمادة والتكنولوجيا لتنمية ثروات المجتمع دون إشباع حاجات البشر من الناحية الروحية([82]). ولكن توينبي يخالفه في حتمية انهيارها، ويرى إمكانية إنقاذها بإقامة دولة عالمية، تضم كل دول العالم([83])، وأن يصاحب هذا نهضة دينية على رأسها الكنيسة.
ويؤمن توينبي بفكرة انتقال الحضارات من مجتمع لآخر. فيذكر بأنه يعزى إلى الإيالات الصليبية في سوريا نقل المؤثرات الشرقية إلى الثقافة الغربية، ولكنه يعتقد أن هذه المؤثرات وفدت إلى الغرب عن طريق إيبيريا الإسلامية([84]). ولكنه لا يؤمن بوحدة الحضارة، والمقصود بها الحضارة الغربية، نظراً لما أحرزته من نجاحات مادية([85]).
ويرى توينبي أن هناك تشابهاً - وليس تطابقاً - بين المجتمع الإسلامي ومثيليه المسيحيين: الشرقيّ والغربيّ. وهذا التشابه ينحصر في ثلاث نقاط([86]) هي:
أولاً: إن الدولة الإسلامية العالمية هي الخلافة العباسية في بغداد؛
ثانياً: النظام الديني العالمي، وهو الإسلام؛
ثالثاً: حدوث هجرات نتيجة هجوم المغول على بغداد، وبربر شمال أفريقية، وبدو شبه الجزيرة العربية.
نقد منهج ابن خلدون
أولاً: على الرغم من ضخامة العمل الذي قام به ابن خلدون، وعلى الرغم من عبقريته، فقد وجه إلى منهجه بعض النقد من دارسيه. فـ»علم العمران« الذي اكتشفه من خلال تعمقه في دراسة الحضارة الإسلامية، والذي جعله مقياساً أو معياراً لصحة الأخبار، لم يطبقه على نفسه وهو يكتب كتاب "العبر"، مع أنه وجه اللوم إلى المؤرخين التقليديين الذين دونوا تاريخهم دون الاستفادة من هذا المعيار([87])؛
ثانياً: وجه المهتمون بالدراسات الخلدونية النقد إلى صاحب "المقدمة" بأنه اعتمد على استقراء محدود وناقص في صياغة نظرياته التي أرادها أن تكون شاملة عامة([88]). فبدلاً من أن يحصر نتائج ملاحظاته على الفترة الزمنية المحددة لتاريخ المغرب العربي الإسلامي على وجه الخصوص، ذهب إلى أبعد من ذلك، فجعلها قانوناً عامّاً، يطبق على مسيرة التاريخ، واعتبروا هذا خطأ منهجياً كبيراً؛
ثالثاً: مع نجاح ابن خلدون في تطبيق قوانينه على الأخبار الخرافية، لم ينجح في تطبيقها على الأخبار الصحيحة التي يخالف مضمونها »طبائع العمران«. فكان عليه إما أن يستثنيها بقانون خاص يلغي علم العمران، »وإما أن يترك "طبائع العمران"، ويكتب التاريخ كما كتبه أسلافه، وهذا ما طبقه على كتابه التاريخي«([89]).
نقد منهج توينبي
وكما وجه نقد إلى منهج ابن خلدون، وجه أيضاً إلى منهج توينبي. ويمكن إجمال ذلك في النقاط التالية:
أولاً: أنكر كوسمنسكي (Kosminsky) على توينبي اعتباره الأفراد العظماء - أو الصفوة، كما يسميهم - المحرك الأساسي لتطور المجتمعات، غافلاً عن دور جمهرة أفراد المجتمع في تطور الحضارة. وهو بهذا يتفق مع آراء هيجل في هذا الموضوع؛
ثانياً: وصفه آخرون بأنه مؤرخ ديني، لأنه يفسر التاريخ على أساس ديني، ولا سيما عندما يقترح أن يكون المجتمع العالمي الجديد مستقبلاً مبنيّاً على أساس ديني([90])؛
ثالثاً: صعوبة قراءة نصوص توينبي، لأنه يفترض في القارئ أن يكون على درجة كبيرة من الإلمام بالثقافة الكلاسيكية من يونانية ورومانية، وباللغة اليونانية القديمة على وجه الخصوص. وتنطبق هذه الصعوبة على فهم عبارات ابن خلدون أيضاً؛
رابعاً: ينكر عليه رجال الفكر تشاؤمه بخصوص مستقبل الحضارة الغربية، بل اتهمه البعض بأنه يتمنى زوال الحضارة الغربية. ورد على هؤلاء قائلاً بأن الغربيين سيطروا على أغلب شعوب الأرض، مما منحهم الشعور بالاستعلاء، وأكسبهم كره هذه الشعوب، وما ترتب عليه من قيام الثورات ضدهم؛
خامساً: اعتماده الكبير على الأساطير في كتابة التاريخ؛
سادساً: عاب عليه السير أرنست باركر (Arnest Parker) تخصيصه لإنجلترا في موسوعته مساحة تعادل سدس ما خصصه لمصر. فرد عليه بأنه لو وضع في اعتباره دور كل من مصر وإنجلترا في الحضارة الإنسانية، لكان نصيب إنجلترا جزءاً واحداً من ستين جزء؛
سابعاً: اتهمه اليهود بمعاداة السامية، لأنه اعتبر اليهود ظاهرة اجتماعية شاذة باعتبارها فضلة متحجرة من حضارة بادت وانتهت([92]).
نقاط التشابه والالتقاء بين ابن خلدون وتوينبي
يلتقي توينبي مع ابن خلدون في كثير من القضايا التاريخية. فدراسة ابن خلدون التاريخية تسهم إلى حد كبير في حل قضايا الساعة، وهي موضع اهتمام توينبي في كتابه "دراسة التاريخ" الذي يمتلئ بصفحات ملؤها الإعجاب بابن خلدون([93]). بل إن توينبي قد تأثر بآراء ابن خلدون وأفكاره:
أولاً: يلتقي الرجلان في أن كليهما نظر إلى الحضارة بأنها وحدة للدراسة التاريخية؛
ثانياً: يتشابه المؤرخان في الكثير من الآراء المتعلقة بمراحل التطور التاريخي وغايته، والدول ومراحل نموها وتطورها وفنائها؛
ثالثاً: يتشابه المؤرخان في تقسيم المجتمع البشري. فابن خلدون يقسمه إلى بدو وحضر، وتوينبي إلى مجتمعات بدائية ومجتمعات حضرية؛
رابعاً: يتفق مخطط توينبي مع مخطط ابن خلدون، فيرتكز الأول على المدنية أو المجتمع في مقابل مفهوم الدولة عند ابن خلدون. وتمر بمراحل متشابهة في تطورها، وعوامل انهيارها، وقيام الواحدة على أنقاض الأخرى؛
خامساً: إن فهم كل من المؤرخين لجدوى دراسة تطور تاريخ البشرية أدى إلى فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل؛
سادساً: إيمان كليهما بقدرة الله ومشيئته، وذلك بعد دراسة مستفيضة لجهود المجتمعات البشرية في السعي لتحقيق مآربها. فالمشيئة الإلهية تأتي لتتويج مسعى البشرية بعد اتخاذ أسبابها.
وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي لم يسلم منها كل صاحب نظرية، فإن المؤرخين نالا إعجاب وتقدير الباحثين لما توصلا إليه من نتائج باهرة، ما زالت إلى الآن موضع تقدير من كل الدارسين. وأن أعظم تقدير لابن خلدون جاء على لسان توينبي، حيث يقول: »إن ابن خلدون في "المقدمة" التي كتبها لتاريخه العام، قد أدرك وتصور وأنشأ فلسفة للتاريخ هي بلا شك أعظم عمل من نوعه خلقه أي عقل في أي زمان ومكان«([94]).
ويذكر لاكوست عن ابن خلدون قوله:
إن ابن خلدون هو في الوقت ذاته مؤمن، تقليديّ المعتقد، صوفي، مفكر عقلاني جدّ عظيم. وهو يبدو كذلك أشبه بأعجوبة... إن ابن خلدون الشخصية الفريدة بالنظر لعصره، هو أيضاً كذلك في نظرنا، لأن مفهومه للتاريخ يبدو لنا وكأنه حديث([95]).
وفي موضع آخر يذكر:
أن ابن خلدون في سيره التاريخي يفكر ويستدل كعالم حديث. فالقضايا التي يطرحها هي، أساساً، تلك التي نكتشفها اليوم. والأسباب التي يستخلصها تشكل قسماً كبيراً مما نلاحظه في وقتنا هذا([96]).
وقال عنه روبرت فلنت (Robert Flint): »كان رجلاً منقطع النظير بين أهل دينه ومعاصريه في موضوع الفلسفة التاريخية«([98]). ويذكر أومليل :
أن ابن خلدون بالنسبة للقراء العرب اليوم هو من يمثل أكثر من غيره العنصر العصري في الثقافة التقليدية. فهو عندهم المبتكر لنظريات اخترقت الزمان، بل ما تزال قابلة للتطبيق على الواقع العربي، أو على الأقل على الواقع الحالي لبلدان المغرب([99]).
أما توينبي، فإنه أكبر مؤرخ فيلسوف في العصر الحديث دون منازع. فإن موسوعته "دراسة التاريخ" تضم فيضاً هائلاً من المعلومات التاريخية، والعلمية، والدراسات الفلسفية، والأدبية، والدينية، تشمل كل حضارات العالم منذ فجر التاريخ حتى وفاته في مطلع الربع الأخير من القرن العشرين. ويذكر رونالد بيرج عن توينبي في كتابه الذي أشرنا إليه من قبل »أن توينبي سيذكره الناس على الدوام، لأنه مؤرخ عظيم لعصر حروب القرن العشرين. وسيمثل بذلك عصرنا للأجيال القادمة«([100]).
من هذا العرض الموجز لما أنجزه كل منهما في مجال فلسفة التاريخ، يتبين لنا أنه على الرغم من الفارق الزمني بينهما والذي يقدر بنحو ستة قرون، وعلى الرغم من اختلاف العصرين والحضارتين، فقد تلاقت أفكارهما في أكثر من موضوع، وأن ما دوَّنه ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي يمكن تطبيقه الآن على المغرب العربي على الأقل.
والله ولي التوفيق.
Muhsin Mahdi, Ibn Khaldun’s Philosophy of History, George Allen and Unwin Ltd, London, 1957, p. 246.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق