الخميس، 2 أغسطس 2012

تاريخ الوقف في المغرب 

 تاريخ الوقف بالمغرب
* الوقف في عهد المرابطين والموحدين:
  أجمع المؤرخون على أن المرابطون أو الملثمين من قبيلة لمثونة البربرية الصنهاجية، وأنهم ساروا من اليمن إلى الشام ومنها إلى الساحل الإفريقي حيث اتجهوا نحو المحيط الأطلسي واستوطنوا صحراء المغرب لمشابهتها بصحراء العرب، وكثر عددهم في عهد موسى بن نصير[6].
أما الموحدين، فقد اختاروا لزعامتهم عبد المومن لما عرفوه من اختصاص المهدي له وتقريبه إليه وتقديمه إياه في الصلاة، وقد أخضع عبد المومن جميع قبائل المغرب وفكر في فتح الأندلس وإعادة مجد المسلمين إلى ما كان عليه[7].
واحتلت الأوقاف في المغرب في عهد المرابطين والموحدين مكانة عظيمة، وشغلت حيزا لا يستهان به في حياة المجتمع، ويدلنا على ذلك ما نجده في المدن العتيقة من المساجد والمعاهد والمدارس العلمية و المارستانات.
والذي يلقي نظرة على هذه المؤسسات يجد أن الذين قاموا بإنشائها استعملوا في تصميم بنائها وتنميته كل ما يملكون من رغبة في الإتقان و حاسة فنية، وهذا هو السر في بقاء هذه الدور الفنية الرائعة إلى هذا العصر[8].
* الوقف في عهد المرينيين و الوطاسيين:
1- في عهد المرينيين:
جرت أوقاف لافتكاك الأسرى بالمغرب منذ عهد المرينيين لما اشتد الهجوم الصليبي على شواطئ المغرب، فهذا السلطان أبو فارس عبد العزيز بن العباس المريني(حكم بين سنة 796-799هـ) يوصي عند وفاته بمال ثابت يفتك به من يقعون في الأسر، وهذا أيضا آخر سلاطين المرينيين عبد الحق بن أبي سعيد(حكم بين 823-869 هـ) يوصي لنفس الهدف.
واستمر هذا النوع على عهد الوطاسيين، فقد وجدت حوالة حبسية تحمل رقم(921      بخزانة القرويين يوصي فيها السلطان أبو عبد الله محمد البرتغالي بأموال عقارية لافتكاك الأسرى.[9]
2- في عهد الوطاسيين:
وجد بفاس على عهد الوطاسيين ربض خاص بالمجذومين يحتوي على مائة منزل تحت إشراف رئيس الربض المكلف بجمع مداخيل الأوقاف الخاصة بهؤلاء و بإنفاقها على توفير حاجاتهم المختلفة. ووجد بتطوان مأوى خاص بالمرضى و المنقطعين يقدم لهم كل ما يحتاجون من مداخيل الأحباس الكثيرة التي رصدت لصالحهم من طرف المحسنين مثل:
*الحاج علي الريدوني الذي حبس سنة 1219هـ 220 حبسا معقبا ينتهي إلى مأوى المنقطعين عند نهاية العقب.
*الحاج عمر بن علي الدسولي الذي جبس سنة 1214هـ، ثلث متخلفه على فاقدي العقل من نزلاء المأوى (المارستان).
*السيدة يتمكو معتقة الحاج الهاشمي بن عبود التي حبست سنة 1297هـ ثلث متخلفها على الضعفاء ومرضى المارستان.[10]
*  الوقف في عهد السعديين:
من الثابت تاريخيا، أنه في عهد السعديين ازدهرت الحياة الثقافية أيما ازدهار، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الأوقاف المخصصة لذلك، وانقسمت تلك الأوقاف إلى أوقاف على الكراسي العلمية وأوقاف المكتبات الدينية.[11]
1- أوقاف الكراسي العلمية:
لقد وجدت في العهد السعدي شخصيات مرموقة في علمي المعقول والمنقول، استطاعت أن تؤدي رسالتها العلمية للخاص والعام بين الناس، بفضل ما خصص لها من مستفاد الأوقاف ومن بين هذه الشخصيات:
*أبو العباس أحمد بن علي المنجور(ت 995هـ)، وكان يشغل كرسي التفسير، ويقرأ أيضا صبيحة يوم الخميس ويوم الجمعة"قصيد ابن زكري" في التوحيد، على الكرسي الكائن عن يمين الطالع المستودع الكائن عن يمين الداخل من باب الحفا بجامع القرويين، وكان له أيضا كرسي في الحديث و الفقه.
*أبو العباس أحمد بن علي الزموري (ت 1001هـ)، وكانت له عدة كراسي من بينها: كرسي التفسير بجامع الأندلس وكان يقرؤه في غدوة الصباح ويقع عن يسار الداخل من الباب المقابلة للمدرسة، وكان يقرأ تفسير الإمام (الفخر) لكون الحبس عليه، كما كان له كرسي في السيرة بجامع القرويين.
*أبو القاسم بن سودة المري(ت 1004هـ) وكان من بين العلماء الذين توزعوا الكراسي التي كانت للفقيه أحمد المنجور بعد وفاته، ووزعها المنصور السعدي.
*أبو زكريا يحيى بن محمد السراج (ت1007هـ) وكان يقرأ التفسير، ولما مات(المنجور) انتقل لكرسيه، وكان يقرأ مختصر الشيخ خليل مسندا ظهره إلى حائط القبلة من ناحية الخزانة، وكان إذا فرغ من ذلك، يسير إلى مدرسة الحلفاويين يقرأ هناك مدونة أخرى له عليها حبس.
*أبو عبد الله محمد القصار (ت 1012هـ) وقد عينه المنصور السعدي مكان(السراج) بعد وفاته، وكتب له المنصور الفتوى وجميع أحباسه. كما أنه تولى كرسي التفسير الذي كان للزموري بجامع الأندلس.
*محمد الشريف المريني التلمساني(ت 1018هـ) كان يقرأ رسالة الشيخ أبي زيد القيرواني فوق الكرسي الكائن بظهر الخصّة من جامع القرويين بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان إذا فرغ من الرسالة ينزل للأرض يقرأ صغرى الشيخ السنوسي، وفي بعض الوقت يقرأ ألفية ابن مالك.
ولازالت لائحة العلماء الذين استفادوا من الوقف قي عهد السعديين طويلة، نذكر منهم على سبيل المثال بعض علماء سوس منهم: منصور بن محمد المومني(ت1000هـ/1591م)- سعيد بن علي الهوزالي(ت 1001هـ/1592)- محمد بن أحمد الوقاد(ت1001هـ/1592م)- عبد الرحمان بن الوقاد(ت1057هـ/1647م)- عبد الرحمان بن محمد التامنارتي (ت1060هـ/1650م).[12]
2-  أوقاف المكتبات الدينية:
كان الوقف يساعد على تنمية الثقافة، ويشجعها عن طريق الكتب التي توقف من المحسنين، ونتيجة لذلك وجدت مكتبات عامة شحنت بآلاف المخطوطات بغية مساعدة طالب العلم وتيسير وسائل المعرفة حتى يتمكن من دراسة العلوم، ومن بين هذه الأوقاف، الوقف الذي ابتنته أم المنصور السعدي(مسعودة الوزكيتية) التي حبست حوالي سبعين حانوتا غير نصف حانوت الواجبة لها في نصفها من القيسارية المشتركة بينها وبين مساكين المارستان المخترعة لها وسط سوق الخضر المراكشية دون البقعة المتصلة بقلعتها، وجميع بيت الأرجاء الجديدة المخترعة لها على وادي تسلطانت القريب من أرجاء أولاد الأمين مجمد بن القاسم القسطالي، وهذا الوقف كان يجري على الجامع العظيم بباب دكالة بمراكش وعلى خزائن كتبه وكراسي علمه.
ومن بين المكتبات التي شحنت بالمخطوطات الموقوفة عليها، ما أورده الدكتور محمد حجي في كتابه الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين.[13]
*مكتبة ابن يوسف بمراكش: وأسسها السلطان عبد الله الغالب السعدي حوالي(965ه/1558م) عندما جدد المدرسة الكبرى المتصلة بجامع علي بن يوسف المرابطي، ولا زالت المكتبة العامة تحتفظ ببعض الكتب الموقوفة على مكتبة بن يوسف مثل المخطوطات رقم(26،139).
*مكتبة المسجد الأعظم بمكناس: أحيا السعديون هذه المكتبة وأوقفوا عليها العديد من الكتب، ومن مخطوطاتها الباقية، المخطوط رقم(395) وهو من تحبيس الأمير زيدان.
*مكتبة الجامع الأعظم بآسفي: جدد السعديون في آسفي جامعها العظيم ومدرستها ومكتبتها القديمة، ولازال جزء من مخطوط(مشارق الأنوار للقاضي عياض) باقيا، وهو تحبيس القائد عبد الله عام(1003هـ/1594م)
*المكتبة الملكية بمراكش: وهي مكتبة خاصة بالمنصور السعدي، وتعد أم المكتبات وأهدي إليها مئات المؤلفين كتبهم من المغرب والمشرق.
تلكم كانت أهم المكتبات العامة الوقفية، بغض النظر عن المكتبة الخاصة للمنصور، إضافة إلى مكتبات خاصة تزيد على مائة مكتبة قي العصر السعدي.[14]
وذلك ما جعل المغرب قبلة مشرقة مقصودة للنهل من مناهل العلوم والمعرفة.
*  اهتمام الملوك العلويين بالوقف:
إن الأوقاف الإسلامية في المملكة المغربية هي تراث خالص للمسلمين المغاربة، تركه السلف ضمانة مادية لاستقرار الإسلام واستمرار تعاليمه بين المغاربة، ولما عرف ملوك الدولة العلوية قدسية الأوقاف، جعلوا أنفسهم حراسا لها. وقد أثبت التاريخ حرصهم في الدود عنها،والعمل على تحقيق الهدف منها.
1- موقف المولى إسماعيل وابنه عبد الله من الأحباس:
تولى المولى إسماعيل حكم المغرب (سنة 1083هـ، إلى 1139هـ)، وعرف المغرب في عهده استقرارا أمنيا وازدهارا عمرانيا، فكان من بين القضايا التي استرعت اهتمامه، قضية الأحباس بالمملكة، و لاشك أن نفسه الكبيرة انطوت على عوامل قوية تدفعه لرعاية أملاك الحبسية منها:
تدينه: فقد كان يحامي عن الإسلام و أرضه بسيفه و قلمه فكان يدعو الرهبان بإيالة المغرب للمناظرة بحظرته عسى أن يقتنعوا بدين الإسلام المبني على المنطق و الحجة، و لم يكتف بهذا بل كاتب رؤساء دول من أوربا يحاجهم في أحقية دين الإسلام و يدعوهم إليه.[15]
ومن المواقف التي سجلها التاريخ المولى إسماعيل في قضية الأحباس، الأمر الملكي الذي أصدره، إلى نظار المملكة، لإحصاء الأوقاف و تسجيلها في دفاتر رسمية خصوصية تكون وثيقة قانونية وتاريخية بين الأجيال القادمة وكان من ذلك ما يسمى " بالحوالات الإسماعيلية، وكل ذلك مخافة الضياع والنسيان نتيجة كثرة الأوقاف بالمملكة.[16]
وبعدما توفي المولى إسماعيل سنة 1139هـ وتوفي ابنه أحمد الذهبي 1140هـ، وأعلنت بيعة أخيه السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل، كانت النظارة العامة للأحباس "الوزارة الحبسية" من بين الوظائف العليا الموجودة في الحكومة.[17]   وقد  عثرنا على ظهير أصدره السلطان مولاي عبد الله، وأسند به هذه الولاية إلى أحد الأفراد الموثق بهم سنة 1143هـ، وهذا مقتطف من هذا الظهير بعد الحمدلة و التصلية والطابع الشريف:
"كتابنا هذا أسماه الله وأعز نصره، بيد خديمنا وحبيب أبوابنا، الأرضي لأخير الأقرب، السيد بلقاسم المسطاطي، ويتعرف منه بحول الله وقوته وشامل يمنه العميم ونصرته أننا جددنا له به ما كان عليه من النظارة في أمور الأحباس في جميع الأقطار والمدن والبلدان والقرى والمداشر وبسطنا له اليد الطولى على جميعهم..."[18]
2- موقف باقي الملوك العلويين من الوقف إلى عهد الملك محمد الخامس
لما صعد عرش المغرب السلطان محمد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن المولى إسماعيل، جرى على سنة أبيه في العناية بالأوقاف، وجدد أوامره إلى العمال والقضاة والنظار بمنع المعاوضة الحبسية طبقا لظهير شريف مؤرخ بتاريخ 4 صفر عام 1279هـ، كما أصدر أمره بإحياء جامع أهل فاس برباط الفتح وبناء المسجد الجامع بالسوق في الدار البيضاء، وكان الصائر على هذا المسجد أحباس المسجد القديم.
وفي عهد ابنه السلطان مولاي الحسن بعث مندوب الخارجية المغربية بطنجة السيد محمد الطريس يخبره بحالة المارستان الطنجي الذي تداعى للسقوط، فأصدر أمره ببناء المارستان والزيادة فيه.كما أصدر أمره إلى ناظر الأحباس الطنجية أن يقوم على ساق الجد في بناء المقبرة الإسلامية بطنجة من الأحباس. كما أن السلطان مولاي الحسن كان ينفذ من مداخيل الأحباس رواتب العلماء.[19]
وفي عهد السلطان مولاي يوسف ابن الحسن الأول تأسست بالمغرب "وزارة الأوقاف" وأسندها جلالته إلى المرحوم السيد أحمد الجاي، وكان ذلك بمقتضى ظهير 23 رمضان 1333هـ.[20]كما أصدر ظهيرا بتاريخ 21 يونيو 1913 ينص فيه على أن أملاك الأحباس لا تستقر بها أية إدارة عمومية من الإدارات، إلا إذا أدت كراءها الحقيقي وصدر لها إذن من "بنيقة الأحباس" وسعى بعد ذلك لإقناع المقيم الفرنسي بذلك.[21]وفي 7 دجنبر 1955 تأسست أول حكومة مغربية بعد رجوع جلالة الملك محمد الخامس من منفاه وتبشيره بانتهاء عهد الحجر والحماية. وتحملت وزارة عموم الأوقاف المهام الكبيرة، وهذا ما خاطب به الملك محمد الخامس في عيد العرش 1959 شعبه فقال :"...وواظبت وزارة الأحباس على أداء مهمتها الدينية ببناء المساجد وتجديدها وتنظيم دروس الوعظ والإرشاد بها والقيام بخدمات في الميدان الاجتماعي بتحسين حالة الموظفين الدينيين وفتح أوراش التشغيل لمحاربة البطالة."[22]وهذا ما جعل الشاعر محمد بن محمد العلمي ينظم قصيدة في مدح وزارة الأوقاف في عهد محمد الخامس، هذا مقتطف منها:
انظر بكل المدن و الأريـــاف             ما حققته وزارة الأوقـــاف
قد خففت من هجرة وبطالــة             وكفاحها في الحق ليس بخـاف
وتعلم الفلاح من  خدمتهـــا             بالجد درس سعادة وكفــاف
فانظر مساعيها الحميدة قد زهت              في أجمع الأصقاع والأطـراف
وبساحة العمران طاب غراسهـا             فأتى بخيـر نتيجـة وقطـاف
في كل ربع  من ربوع بلادنــا             عدت لها  الحسنـات بالآلاف.[23] 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
دور الوقف في العصر الحديث (دراسة مستقلة قيد الانجاز) .
[6] السياسة والمجتمع في العصر الأموي-إبراهيم حركات-ط1/ج4/ص116-منشورات دار الآفاق الجديدة 1990.
[7] نفس المرجع.
[8] مجلة دعوة الحق-العدد 3 يناير 1966.مطبعة فضالة المحمدية.
[9] الإحسان الإلزامي في الإسلام وتطبيقاته في المغرب- محمد الحبيب التجكاني-ص556-مطبعة فضالة المحمدية 1990.
[10] نفس المرجع ص 558.
[11] الأستاذ السعيد بوركبة . مجلة دعوة الحق. العدد 300. شتنبر أكتوبر 1993.
[12] الأستاذ سعيد بوركبة-. دعوة الحق العدد 300، شتنبر/أكتوبر 1993.
[13] الدكتور محمد حجي، . مجلة دعوة الحق العدد300. ص54 بتصرف.
[14] الأستاذ السعيد بوركبة-نفس المصدر-ص40-43 بتصرف.
[15] الأستاذ محمد الطنجي- . مجلة دعوة الحق- العدد الثالث-يناير 1966.ص 89.
[16] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية للشيخ مجمد المكي الناصري-ص 17 وما بعدها-بتصرف وزارة الأوقاف 1992.
[17] الأستاذ مجمد الطنجي-. مجلة دعوة الحق العدد الثالث يناير 1966 ص90.
[18] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية ص 20-21-بتصرف.
[19] الأحباس المغربية في المملكة المغربية-ص23-24-بتصرف.
[20] الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله . دعوة الحق العدد الثالث يناير 1966 ص 9.
[21] الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية ص 28.
[22] مجلة دعوة الحق-العدد السابق ص 92.
[23] نفس المرجع السابق ص 91.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق