يعتبر التصوف اليهودي، قبل أن يكون موقفا فكريا، منتوجا تاريخيا عكَس، إلى هذا الحد أو ذاك، حالة نفسية عامة، استدعاها بالضرورة، خلال القرن الثاني الهجري، ذلك التلاقح الحضاري الذي تنوعت مكوناته الثقافية ومهد له الازدهار المادي في العصر العباسي؛ واستنادا إلى كتابات سَعْدِيا ﮔـاوُون فإن النّزَعات الأولى للتصوف اليهودي ربما واكبت انطلاقة حركة التصوف الإسلامي؛ لأن التصوف عامة، وهو ما يبدو، لم يخرج، في جوانبه التنظيمية، عن الإطار الزمني لهذا القرن.
إن ما يهمنا الآن، ليس التأصيل للتصوف اليهودي المغربي وكيفية بدايته بقدر ما يهمنا طريقة تعبيره عن التطور التاريخي، الذي عرفته الطائفة اليهودية المغربية ضمن مجتمع الغرب الإسلامي، وكذلك مساهمة بعض الأحداث بعينها في إعطاء تأويلات قَبّالية لبعض الممارسات الدينية والثقافية التي ميزت المجتمع اليهودي في المغرب الإسلامي.
ولما كان المتصوفة من اليهود المغاربة، كغيرهم من يهود المشرق الإسلامي، لا يملكون من الأدوات التعبيرية إلا ما أنتجه الأدب الصوفي الإسلامي، وهو بالفعل ما اقتبسوه من إخوانهم المسلمين، فإن الضرورة تدعو، وإن باختصار، إلى الإشارة إلى هذه الأدوات من جهة وتبيان حدود مساهمتهم في هذه الممارسة الروحية، وبعض ما تركوه من كتابات كإرث فكري من جهة أخرى.
اقتضت العوامل الطبيعية والاقتصادية، في الغرب الإسلامي عامة وبلاد المغرب خاصة، وجود بنيات اجتماعية وسياسية وفكرية متطابقة، وهو ما أسميناه في دراسات سابقة([1])، بسبب كل هذه العوامل المتميزة بالقلة وعدم الانتظام، بنمط إنتاج الندرة؛ وقد طبع هذا النمط كل مناحي الحياة في بلاد المغرب بطابعه، وانعكس بشكل واضح في كتابات المتصوفة والقبّالين، وهذا ما سنقف على بعض الجوانب فيها.
يعتقد أحد الدارسين أن "الوعي الصوفي اليهودي والتقليد القبالي يَمْتَحان من مصادر اليهودية الأكثر عمقا، ويتعلق الأمر بالتوراة وما وضع حولها من حواش، والتلمود وتفسيره والهَالاَخا والثيولوجيا والمُوسَار والمِدْراش والهاﮔدا"([2]). إلا أننا نرى أن مساهمة هذه العناصر جميعا لم يكن إلا عاملا واحدا ضمن عوامل ثقافية أخرى([3])، وَجدت، في ترية الإسلام الخصبة والمتميزة، كل الأسباب لإبراز خصوصيتها، لكنها ظلت، كما ظل التصوف اليهودي، رافدا من روافد الثقافة الإسلامية وإحدى صورها، لذلك لم يبتعد تعريف الباحثين اليهود للتصوف اليهودي عن تعريف المسلمين للتصوف الإسلامي. بل إن التصوف اليهودي، كما سنرى الآن، أطر الجهاز المفاهيمي الصوفي الإسلامي داخل مجاله، لأن اليهودية كانت قد تهيأت، بفضل متانة البنية التحتية لمجتمع الندرة الإسلامي، لتستقبل كل المؤثرات القوية من داخل هذا المجتمع، ولاسبما التصوف الذي اعتُبر، من قبل البعض، "أهم مساهمة إسلامية في الثقافة عامة."([4]).
إن التصوف في التعريف اليهودي، كما في التعريف الإسلامي، هو في التحليل الأخير سعي إلى الارتقاء بالنفس والاقتراب بها من ملكوت السماوات، والدخول في رحاب الألوهية، أو ما أطلق عليه في العبرية دِيبِيقُوت، وهو مصطلح "يتماشى وفكرة تجديد الوحدة الإلهية التي تضررت من الخطيئة الأولى وتحقيق التناغم الكوني الذي هو ذاته مرتبط بشفاعة المسيح."([5]) والمتصوف هو من دفعته حاله إلى نوع من الوجد يزهد به في الدنيا وفي النفس، ويجعل وجوده مقتصرا على تطهير روحه بواجب العبادة والتقشف والتعفف والزهد، ومجموع عناصر هذه الحالة هي أولى درجات الارتقاء في سلم التصوف اليهودي، وهو نفسه أول عتبة أمام المتصوف المسلم للدخول إلى عالم الزهد، وتشترط هذه العتبة أمورا ثلاثة يُكرِه الإنسان نفسه عليها، وهي: المعرفة، والمحاسبة، والمحبة؛ لكن عنصر المعرفة الصالحة يتجلى جوهره، حسب المتصوف، في الإكثار من ذكر الله وترديد اسمه([6]).
ولما كانت اليهودية مكونا من مكونات الثقافة الإسلامية، فإن المتصوفة من اليهود اقتبسوا المصطلح الصوفي الإسلامي([7]) واستعملوه بشكل واسع، وإن كنا نعتقد أن العدد سبعة([8])، الوارد ذكره في التوراة والقرآن الكريم، والذي يعني في ما يعنيه دوما الأوج أو النهاية، قد تم وفْقَه ترتيب المستوى الثاني من سلم التصوف، ويتكون هذا المستوى من فروض ومراق تنتهي باليقين، ويمكن تقسيمها صوفيا إلى قسمين، وهما: المقامات والأحوال.
والمقامات، كما بيننا، مراتب سبع، وهي على التوالي: 1- التوبة، 2- الورع، 3- الزهد، 4- الفقر، 5- الصبر، 6- التوكل، 7- الرضى.
أما الأحوال، والتي تقتضي مرور الزاهد إلى مرحلة التصوف، فثمانية([9])، تأتي مباشرة بعد استكمال المقامات بشكل يكون قد طهر النفس، وهي كما يلي تباعا: 1- القرب، 2- المحبة، 3- المخافة، 4- الرجاء، 5- الشوق، 6- الأنس، 7- المشاهدة، 8- اليقين([10]). وعندما تكتمل هذه الأحوال يكون المتصوف، أي الإنسان الكامل، قد بلغ أقصى درجات السمو.
ولما كان التصوف الإسلامي أنموذجا يُحتذى في أوساط القبالين من الطائفة اليهودية فإن نقط التشابه لا تعدم في الأدبين لدى المجموعتين، أو لنقل إن خطوط التبعية في الأدب الصوفي اليهودي للتصوف الإسلامي تبدو واضحة في طقوس العبادة اليومية، إلا أننا سنقتصر، في ضرب المثل لذلك، على قيام الليل عند اليهود واللجوء إلى الخلوة تجنبا للقاء الخلق.
يزخر الزهّار والأدب الرباني للفترة التلمودية وما بعدها بالحديث عن مواكبة الذكر والتفكر والتعبد في الخلوة. وقد ورد في أحد نصوص التلمود أن "أتقياء الأزمنة القديمة للمَشْنا كانت عادتهم انتظار ساعة من الزمن قبل الشروع في الصلاة حتى تنْصبّ أذهانهم على أبيهم الذي في السماوات، وإذا ما انغمسوا في الصلاة وجاء ملِك مُحَيِّيا إياهم ما ردوا تحيّته حتى لا ينقطع حبل صلاتهم أو إذا ما حدث وجاءت أفعى والْتَوت على عرقوبهم ما انتبهوا إليها."([11])
ويبدو أن حالات التصوف، في الوسط اليهودي، غالبا ما ظهرت في أوقات معينة، ربما تميزت بالشدة، أو في أماكن لا تختلف في شدتها عن هذه الأوقات إلا قليلا، وهو ما سنحاول التطرق إليه إجمالا دون تدقيق، ونعتقد، كما أشرنا إلى ذلك، أن التصوف عموما لم يكن ممارسة روحانية فوق التاريخ ولكنها كانت وستظل منتوجا تاريخيا وتعبيرا روحيا عن حاجة اجتماعية أو حتى سياسية، وهو ما جعل التصوف بدوره ينقسم، رغم غموض بعض التعبيرات لدى المتصوفة، إلى روحانية إيجابية وأخرى غير إيجابية، وهو ما سنراه في ما يلي من الفقرات.
لا يجب الاعتقاد بحياد المتصوفة وانصرافهم عن هموم الحياة الدنيا وانقطاعهم إلى العبادة لأن كل هذه الأمور نسبية في حياة الناس وهو ما لم يجعل المتصوفة عموما في مأمن من عنف الحكام، كما لم يجعل الحكام في مأمن من تحريض المتصوفة ضدهم، كما أن المتصوفة من مختلف الملل، بما فيها الإسلام، لم يحطموا بينهم الحواجز الدينية ليكوّنوا طبقة اجتماعية ذات أهداف واحدة، بل اتخذوا، أحيانا، من الآليات الدينية، وسيلة لتمتين التنافر ضمن الحضارة والمجتمع الواحد، ومحاربة كل ما يقرّب لاحقا بين مكوناته الدينية، وإن توسلوا بالسبل وبالإشارات نفسها، لأن تأويلهم للأسس الكبرى لكل ديانة يتم بشكل عقائدي، وقد يبدو الأمر جليا مع هذين المثالين التاليين ويتعلق الأمر بقراءة في الزهّار للعلاقة المتوترة بين المسلمين والمسيحيين، وما يسميه اليهود بالختان غير التام عند المسلمين.
وقد أورد الزعفراني باختصار هذين المثالين كما يلي: قال ابراهيم لربه: "رَبّ ابْقِ لي اسماعيل حيا"، فتنهد ربي حيا وبكى، وقال: "كانت ساراي عاقرا ولم يكن لها ولد". وتحسّر مرتين ونادى بالويل ولعن الساعة التي وضعت فيها هاجر إسماعيل، فسأله ربِّي يُوسِي: "لِمََ كل هذا؟ ألم تحبل ساره بعدها؟ ألم يكن لها ولد مقدَّس ميلاده وجنسه؟" فأجاب ربي حيا: "لك نظرتك ولي أخرى. إن هذا ما سمعته من ربي شمعون، وبسببه أبكي. دعوت بالويل على الساعة تلك، لأنه مر على ساراي حين من الدهر لم يكن لها فيه حمل ولا ولد، فقالت لابراهيم: دونك وخادمتي..." ناسبت تلك الساعة هاجر، وبفضلها ورثت (مزية) سارة، مولاتها.
رُزقت هاجر من إبراهيم طفلا فتوجه إلى ربه متوسلا: "ربّ ابق لي إسماعيل حيا." ورغم تبشيره سبحانه إبراهيم بمولد إسحاق، تعلق إبراهيم بإسماعيل فاستجاب الله لدعائه، وألقى إليه بالكلمات التالية: "أما إسماعيل ففيه أحببتك وباركته … وأنا جاعل منه أمة عظيمة". اخْتُتِن إسماعيل ودخل الميثاق الحرام وقبل أن يولد إسحاق. تعال وانظر! فخلال أربعمائة عام، وقف كبير الملائكة، أميرُ يوم الدين، المكلف بقدَر أبناء إسماعيل، في وجهه سبحانه مرافعا أمامه: "أكلما اختتن أحدهم كان له حق معلوم في اسمك"؟ "نعم." "وهذا إسماعيل قد تم إعذاره فلِم لم يكن له، كما لإسحاق، حق معلوم في اسمك؟" فأجاب سبحانه: "اختتن إسحاق على الطريقة المثلى وذاك [أي إسماعيل] لم يكن ختانه كذلك([12]). إذ يسكن هؤلاء [أبناء إسرائيل] إلي في يومهم الثامن من مولدهم وأولئك [أبناء إسماعيل] يبقون بمنأى عني". فأردف كبير الملائكة: "ولما كان [أي إسماعيل] قد تم ختانه أليس لك أن تثوب عليه. يا ويلتاه! كانت ويلا ولادة إسماعيل وكان ويلا ختانه. وما الله سبحانه بفاعل؟". أُبعد أبناء إسماعيل من الميثاق الحرام، وأعطاهم بدله في الأرض المقدسة مكانا دَنِيا جزاء ما فيهم من علامة ختان، وكان وعده لهم بحكمها مادامت خلاء، كما هو خال ختانهم وغير كامل، يُحادّون بني إسرائيل في العودة إلى أرضهم ويستمر الأمر على ما هو عليه إلى أن ينتهي الوعد. وكُتب على بني إسماعيل من الحروب أكبرها وأشدها، يتحد أبناء إيدوم (من الروم والبيزنطيين وبعدهم المسيحيين) ويتوحدون ضدهم ويُعلنون الحرب عليهم مرات عديدة، إحدى هذه الحروب ستكون في البحر والثانية في البر والثالثة قريبا من أورشليم، ينتصر بعضهم على بعض، ويؤول الأمر من بعضهم لبعض، لكن الأرض المقدسة لن ينالها أبناء إيدوم. وفي هذا الوقت ستنهض أمة وستقوم لقتال روما الكُفر والضلال. ويكون قتالها ثلاثة أشهر. وستتجمع الأمم هناك وستسقط هذه الأمم بين يديها؛ ومن كل أركان الأرض سيكون أبناء إيدوم يدا واحدة عليها، وعندها سيعلنها سبحانه حربا عليهم مصداقا لما ورد في يوشع: "مذبحة دموية تكون قربانا لله في بُصرى وقتل عظيم في أرض إيدوم"، ومصداقا لما ورد في يُوب: "ستسقط أركان الأرض لترتعد فرائص أهل الشر" ويطرد الله أبناء إسماعيل، ويكسر شوكة الأقوياء من السماء، فلا قوة سماوية تبقى وكيلة بمصير الأمم، إلا مَن خول الله لها قدَر إسرائيل … وبصدد هذا الزمن جاء في الكتب: "وعندها سأبدل لغة الأمم بلغة واضحة ليذكروا اسم الله ويجعلوه شِخِيما واحدا وظهْرا واحدا، وكلاّ حركة واحدة"، "وأثناءها يُوحَّد اللهُ ويُوحَّد اسمه".
إن هذا التفسير الصوفي للتوراة، كما يبدو من محتواه، غُنوصي وسياسي بدرجة أولى أكثر مما هو ديني. وعلى هدْيه سارت باقي التفسيرات الصوفية الأخرى للحالات الاجتماعية التي عانت منها الطوائف اليهودية، سواء في الأندلس أو بلاد المغرب. فإذا كان الزهّار "خطابا حيا. فهو من جهة مُوجِّه لإبداع أدبي قبّالي باطني ومتنوع، ومن جهة أخرى تعبير عن الراهنية وديمومة الحياة الصوفية"، وانعكاس ديني لصراع اجتماعي، لذلك عكَست ملحقاته، كما رأينا في المثال الآنف الذكر، ذلك الصراع بين طوائف اليهود في عهدي ألفونس العاشر (1252-1284) وسانشو الرابع (1284-1295) ودور الأغنياء منهم في زيادة مأساة عموم الطائفة بابتعادهم عن تعاليم التوراة. وقد "صُوِّرت الخصومة بين إسرائيل وإيدوم كصراع بين عالم النور ومملكة الشيطان. إن الابتعاد عن الدين وتغييره، والعمل ضد مصلحة الشعب وقبول وعد أو الأخذ بأفكار ومعتقدات العالم غير اليهودي أو بعقلانية الفلسفة والدخول في خدمة الأمراء، والأسوأ أيضا البحث عن مرافقة نساء المشركين وموادتهن كل ذلك استسلام لإغواء الشيطان."
كان للجانب الاجتماعي قوّته في فرض نوعية الكتابة عند موسى دي ليون، فقد كان هذا المتصوف اليهودي منشغلا أشد الانشغال بالأمراض الاجتماعية التي كانت تضرب بقوة الطائفة اليهودية، وكان يحاول معالجتها جاهدا: "طوبى لشعب إسرائيل لأن الله اختاره من بين الشعوب ليخصه بعلامة العهد … وكل أولئك الذين لا يحترمون هذا الميثاق المقدس يتسببون في القطيعة ويحفرون أخدودا عميقا بين إسرائيل وأبيهم الذي في السماء، مصداقا لما جاء في التوراة: "احذروا أن تنغوي قلوبكم، فتعبدوا من دونه آلهة أخرى … فيستعير غضب الله عليكم". وكل من خان هذا العهد المقدس هو قرين من يعبد إلاها غريبا."
وينتقل الزهّار من هذا المستوى الفكري إلى المستوى الاجتماعي ليهاجم الثراء وأهله من اليهود، ويُشِيد بالفقر الذي يُعتبر مدحا لطريق التصوف، فالفقراء إلى الله بهم تزكو الطائفة، وتملأهم حقيقة الألوهية، وهم أقرب للأنبياء، ومنهم يستمدون ما أُوحِي إليهم: "يقوم الناس وينظرون إلى جهة سودوم". وفي الزهّار يقول ربي ألِعَازار: "لقد تعلمنا أن الله إذا ما أحب أحدهم بعث له هدية فما هي هذه الهدية يا ترى؟ هي فقير به ينال مستحقه وإذا ما نيل المستحق فإن الله يسدل عليه قبَسا من عفوه (حسيد) عفوا وطيبوبة تفيض عن يمين العرش؛ فتنتشر على رأسه وتَسِمُه بعلامة ما، فإذا جاء يوم الدين فإن ملَك الموت يكون قد أخذ علْما، فعندما يرفع رأسه ويرى هذه العلامة يبتعد مخافة وبحذر شديد.
وقد كان للفقر، في التصوف اليهودي كما في التصوف الإسلامي، مكانة خاصة، وتُعتبر منطقة درعة، بعد الأندلس، أهم المناطق التي عرفت انتشار تصوف الفقر بشكل كبير، نظرا لتأصل اليهودية بها من جهة، ولطبيعتها الصحراوية التي تتسم بالندرة وما يمكن أن يصاحب الندرة من خوف على الأنفس من جهة أخرى. لذلك اعتُبرت درعة مشتلة متصوفي اليهودية المغربية، وهو ما عجز البعض عن إعطاء تفسير له، وإن كان من الواضح أن كتابات متوصّفة درعة لا تخرج في محتواها عن واقع الفترة التي أنتجت فيها.
وخلاصة القول إن التصوف في يهودية المغرب ظل محكوما بالأسس الفكرية، المكونة للديانة الموسوية، ومطبوعا بتطورات الثقافة المحلية، سواء في بلاد المغرب أم في بلاد الأندلس.
هوامـش:
(* ) - أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة.
[1] - انظر: محمد الغرايب، يهود مجتمع المغرب الأقصى الوسيط، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، 2002، (مرقونة).
[2] -Haim ZAFRANI; Kabbale vie mystique et magie. Maisonneuve et Larose, Paris 1986, p. 14.
[3] - تعود أصول التصوف، عند بعض الدارسين، تارة إلى التأثير المسيحي وتارة إلى الزهد الذي ساد أوساط الهنود والفرس وأخرى حسب بعض المصادر اليهودية إلى الاحتساب والقناعة التي اتسم بها بعض علماء التلمود وإلى أدب الهِيخَالُوت وإلى تصوف المِرْكَابَا التي طبعت جميعا القرون التي سبقت ظهور الإسلام.
[4] - G. SCHOLEM; kabbale. éd. Jérusalem, 1974, p. 35
[5] - H. ZAFRANI; op. ci.t, p. 18.
[6] - G. C. ANAWATI et L. GARDET; Mystique musulmane. Paris 1976, pp. 187-205.
أورد صاحبا كتاب التصوف الإسلامي المذكور أعلاه الميزة التي طبعت روحيا ترديد النّامْبُوتْسو (البوذية اليابانية) وهبوط المركابا والذكر والصلاة على المسيح وأضافا أيضا أن: "التأويلات اليهودية "لهبوط المركابا" التي ازدهرت بعد ذلك بكثير في القبّالة الكلاسيكية غدت بالضرورة في حاجة إلى مقارنة، يأتي هذا التأثير في إبانه ليعطي إطارا جذابا إلى كل ما نعتقد أنه أحد المضاعفات التقنية للذكر (…) وهي تقنية ترتبط بشكل وثيق بترديد اسم الله وتنظيم التنفس في شكل مصاحب لحركة الرأس".
وفي ملحق هذا الكتاب المذكور أعلاه ميز المؤلفان "تجربة موسى" بمكانة خاصة في التحليل، فرغم أن الله سبحانه توجه بالخطاب إلى أنبياء عديدين، إلا أنه جعل من موسى كليمه وخصه بهذا الفضل دون غيره، وقصة موسى كما هي واردة في "قصص الأنبياء" لابن كثير تبدو وكأنها "قصة نورانية" حقيقية حسب تعبير برنار سوهيلر في مقال له بمادة موسى بدائرة المعارف الإسلامية، وهكذا تم إبداع "نوع من القداسة" سيأمل موسى إلى تمثيله أكثر فأكثر في التقاليد الصوفية.
[7] - رغم أن اللغة العبرية تمتلك كثيرا من المصطلحات الصوفية التي تحمل المعنى نفسه في اللغة العربية، إلا أن العلماء من اليهود فضلوا استعمال المصطلح العربي، من ذلك مثلا: مصطلح الظاهر والباطن. فقد استعمل الفلاسفة هذين المصطلحين نفسيهما بدل حيصوني (الخارج) وبينيمي (الداخل) العبريين كما استعملها القباليون بدل: نيــﮕـلا (الظاهر) ونيستار (الباطن)، والتوراة نفسها تقوم على ثنائية متناقضة: ظاهر وباطن، وخفي سري وواضح جلي (عوراينا ستيم وثجاليا).
[8] - يبين القباليون اليهود أن الله عندما خلق الكون، خلقه من سبع سماوات وسبع أراض وسبعة أيام وسبعة أنهار وسبعة أسابيع وسبع سنين وسبع مرات سبعة أعوام وسبعة آلاف سنة كعمر للوجود، واتخذ الله لعرشه السماء السابعة مكانا، وجعل في كل سماء من السماوات العلا نجوما وكواكب وملائكة يأتمرون بأمر الله. وفي هذه السماوات جميعا حَفَظة (ملائكة) تتراكب متحملة نيره تعالى، منهم خداما لا يشبه بعضهم بعضا، فمنهم من خصه بستة أجنحة ومنهم من خصه بأربعة، ومنهم من جعل له أربعة وجوه، ومنهم من وهبه وجهين ومنهم من خصه بوجه واحد. ومنهم المخلوق من نار، ومنهم المخلوق من ماء، ومنهم من هو نفخة من نفس مصداقا لما جاء في التوراة: "يخلق رسله نفسا وخدامه نارا حارقة". تحيط كل هذه السماوات ببعضها وتلتحم كما تلتحم قشور البصل ببعضها، ولا تفتر كل سماء من رعدتها خشية من الله، فبأمره مجراها ومرساها، وبقوّته وحوْله جرى حكمه على العالمين. ويمكن الرجوع إلى "سفر يصيرا" للتوسع أكثر في علاقات الحروف الأبجدية بخلق السماوات وغيرها.
[9] - للرقم ثمانية تأويل صوفي وقبالي في الثقافة اليهودية، في اليوم الثامن يفترض وجوبا ختان كل طفل ذكر ولد قبل أسبوع، وكل طفل تجاوز يومه الثامن بعد الولادة ولم يُختن حُرِم من الوقوف في الحضرة الإلهية. وقد جاء في التكوين: "في اليوم الثامن يختن كل ذكر منكم في كل الأجيال." وفي بيراخوت ذكر الربي شمعون: "إن كل رجل يرزق بذكر، أي بابن، ينضم إلى الشِّخِينة، وهي بداية كل الأبواب العلوية، البوابة المرتبطة بالاسم المقدس. ويبقى الدم الذي يسيل من جرح الطفل المختون حاضرا إلى جواره سبحانه، وعندما يُدعى العالم للحساب والعقاب بنظر الله إلى هذا الدم فيصفح عن العالم. وإذا حدث، لأسباب قاهرة، عدم ختان الطفل في يومه الثامن، فعدة من ثمانين حولا"، فالمختون في ثمانية أيام كالمختون في الثمانين من العمر، فكلاهما سواسية في نظر العادل، ففضل هذا الدم عظيم على الناس فهذا الدم عهد بين الله وخلقه، ومن قدر هذا العهد حق قدره استحق من الله الدنيا والآخرة.
[10] - يحتل اليقين المرتبة الثامنة في سلم التصوف، ورقم ثمانية في الديانة اليهودية يعني عدة أشياء ذات علاقة حميمية في عمق ثقافة اليهود، فالأيام الثمانية مرجع للسِّفِرَاه الثامنة بداية من مِلْخُوت وانتهاء بكِتِر وهي التي يطلق عليها بناه، ويلطف الختان من شدة ووقع المينَاه.
[11] - نجد هذا الأمر بداية عند الغزالي في كتابه ميزان العمل (طبعة القاهرة 1923)، وقد عمد هنري لاووست إلى الإشارة إليها ثانية في تحليله لمذاهب المتصوفة في كتابه:
La Politique d’Al Ghazali. Geuthner, Paris 1970, pp. 72-73.
[12] - يعتقد اليهود أن إسحاق -عليه السلام- تعرض لعملية الختان بشكل متتالي وذلك وفقا للطقس اليهودي: مِيلاَهْ وبِيرِيعَاه
عن موقع
محمد الغرايب(*)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق