الأحد، 3 مارس 2013


الحياة السياسة والاجتماعية والاقتصادية خلال القرن السادس الهجري

من خلال هذا الفصل ستتم الإجابة عن السؤال الأول : ما واقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية خلال القرن السادس الهجري، للوقوف على واقع تلك الفترة والظروف التي أحاطت بعلماء ذلك القرن وأثرها على إنتاجهم .
أولاً: الحياة السياسية :
إن المتأمل لحال الدولة العباسية يجد أنها بدأت بالتجزؤ منذ السنوات الأولى لقيامها. حيث أستقلت الدولة الأموية الثانية بالأندلس في عام 138هـ وقامت دولة الأدارسة في المغرب عام 172هـ، وفي تونس قامت دولة الأغالبة عام 184هـ، والطولونية في مصر عام 254هـ، أعقبتها الدولة الفاطمية عام 297هـ، تلتهما الدولة الأيوبية 567هـ، وفي بلاد فارس قامت الدولة الصفارية عام 261هـ، والدولة السامانية في بلاد ما وراء نهر جيحون وأمتدت حتى شملت معظم البلاد الفارسية والتركستانية عام 204هـ، والدولة الحمدانية في حلب والموصل(1).
من هذا يتضح مدى الانقسام والتجزؤ الذي أصاب الدولة العباسية، والذي لحق بها بعد حوالي ست سنوات من قيامها عام 132هـ . ومنذ بدء النصف الثاني للقرن الخامس الهجري أصبح العالم الإسلامي وكأنه صرح تقوض بناؤه وأصبح آيلاً للسقوط. ففي المشرق الإسلامي يوجد صراع عنيف بين الخلافة العباسية – سنية المذهب – والخلافة الفاطمية – شيعية المذهب- وأصبحت كل خلافة تعاني من الضعف حتى عجزت عن حماية حدودها الخارجية والتي كانت عرضة لغارات الدولة البيزنطية .
ونتيجة لسقوط الخلافة الأموية بالأندلس، وتفكك الأندلس إلى دويلات متنازعة عرفت باسم الطوائف أو الفرق أنتهزت أسبانيا ذلك الحال وقامت بغارات على تلك الدويلات بقصد طردها من الأندلس(2) .
وفي ظل تلك الأوضاع والاضطرابات وخاصة في العراق مقر الخلافة العباسية، إستعان الخليفة العباسي القائم الذي حكم ما بين عام 422هـ- 467هـ بمؤسس دولة السلاجقة طغرلبك – وهو من أصل تركي سني المذهب – لنصرته فدخل بغداد عام 447هـ، وقضى على الدولة البويهية – الشيعية المذهب – والتي حكمت خلال الفترة 334هـ – 447هـ.
وفي خلال عهد سلاطين السلاجقة حاول الفاطميون الإستيلاء على العراق حيث سار البساسيري إلى بغداد، ثم خطب بجامع المنصور للخليفة الفاطمي المستنصر عام 427هـ- 487هـ، مستغلاً انشغال السلاجقة مع بني بوية، إلا أن السلاجقة كانوا له بالمرصاد وأعادوا بغداد إلى ما كانت عليه، وانتزعوا أيضاً بلاد الشام من الفاطميين(3) .
كما تمكنت الدماء الفتية المليئة بفتوة البداوة وعنفوانها من دحر البيزنطيين وإخراجهم من آسيا الصغرى بعد معركة ملاذكرد عام 463هـ .
أما المغرب الإسلامي فقد جاءته من صحراء موريتانيا قبائل من البربر الملثمين المرابطين، الذين وحدوا المغرب وعبروا إلى الأندلس وطردوا الأسبان بعد موقعة الزلاقة عام 479هـ، فأنقذوا دولة الإسلام وأخروا سقوط الأندلس أربعة قرون أخرى بإذن الله تعالى.
ولكي يضمن الخليفة العباسي دوام الصلة مع البيت السلجوقي تزوج القائم العباسي من خديجة أرسلان خاتون بنت أخ السلطان طغرلبك، كما تزوج الخليفة العباسي المستظهر من إبنة السلطان ملكشاه عام 504هـ، وتزوج الخليفة العباسي المقتفي  من فاطمة بنت محمد ملكشاه وأخت السلطان محمود، وذلك لأن المصاهرة من أحكم الروابط الأسرية، إضافة إلى الرباط المذهبي السني للخلافة العباسية والسلجوقية، الأمر الذي جعل السلاجقة يعاملون الخلفاء العباسيين بإجلال وإحترام نابع من عاطفة دينية صادقة، إذ كانوا يدينون بالمذهب السني – مذهب الخلافة العباسية – وهذا ما جعلهم يمدوا نفوذهم الروحي على الأقطار التي فتحوها، ودافعوا عن المذهب السني بحماس شديد، ومن شدة تقديرهم للخلافة العباسية أطلق السلاجقة على أنفسهم في أقدم وثيقة معروفة عنهم أسم مولى أمير المؤمنين (4) .
ومن المفارقات العجيبة فصل السلاجقة الإحترام والتقدير الروحي- الديني – عن التقدير السياسي، فرغم الروابط المذهبية والأسرية إلا أن سلاطين السلاجقة تعدوا على سلطة الخلفاء العباسيين. ومن ذلك حمل السلطان ملكشاه الخليفة المقتدي على الخروج من بغداد إلى البصرة بسبب تدخل الخليفة في شئون الحكم، كما أخذوا من الخليفة المسترشد بردة الرسول  e  والتي كان الخلفاء يلبسونها عند تولي أحدهم الخلافة، أو حضور الحفلات الدينية، وأيضاً أطلق السلطان ملكشاه على نفسه لقب أمير المؤمنين، ذلك اللقب الذي لم يطلق إلا على الخلفاء أنفسهم(5).
ومن هذا يتضح أن السلاجقة لم يسمحوا للخلفاء العباسيين أن يتعدى نفوذهم السيادة الروحية إلى السلطة السياسية. فمنذ دخول طغرليك بغداد فوضت إليه إدارة المدينة وجرد الخليفة القائم من السلطة المدنية، وظل هذا الوضع يضايق الخلفاء العباسيين، لأن لقب خليفة أصبح أسماً لغير مسمى، مع أن أي أمير يصل إلى الحكم كان يطلب من الخليفة العباسي في رسالة يرسلها له أن يعطيه تفويضاً بالحكم على إعتبار أنه خليفة للرسول  e ومصدر قوة المسلمين، وليكتسب حكم الأمير صفة شرعية في نظر شعبه. ومن ذلك إعتراف يوسف بن تاشفين زعيم دولة المرابطين بخلافة المقتفي العباسي، وطلب إليه أن يعطيه تفويضاً شرعياً يثبته في بلاده، فأرسل إليه الخليفة التفويض، وأقر باللقب الذي تلقب به وهو أمير المسلمين (6) .
وظهرت نزعة الخلافة العباسية إلى استعادة السلطة السياسية بوضوح خلال عهد الخليفة المسترشد، الذي استفاد من الخلافات التي وقعت بين سلاجقة العراق بعد وفاة السلطان محمد السلجوقي عام 512هـ، واستطاع أن يرغم السلطان مسعود السلجوقي على أن يتخلى عن بغداد وما جاورها .
وبعد مقتل المسترشد حاول إبنه الراشد عزل السلطان مسعود، الذي دخل بغداد عام 530هـ وخلع الراشد، الذي رحل إلى الموصل، وعندما تولى الخليفة العباسي المقتفي استغل الصراع بين السلاجقة، وتمكن من مد نفوذه على العراق عام 552هـ (7).
وعندما تولى الخليفة العباسي الناصر لدين الله ( 575هـ – 622هـ) أجهز على آخر سلاطين السلاجقة طغرل الثاني عند الري عام 590هـ وأنتهى حكمهم، وأتاح للخلاقة العباسية استعادة شيئاً من عزتها ومكانتها عند الناس، وأصبحوا يلقبون الخليفة بلقب أمير المؤمنين، وأستطاع الخلفاء فرض ضريبة على السلاطين الذين يدينون لهم بالولاء سموها مال المبايعة، وظل الحال كذلك إلى أن سقطت بغداد بيد المغول عام 656هـ (8).
في تلك الفترة – منتصف القرن السادس الهجري – ظهرت دولة الأتابكة والتي حكمت شمال العراق والشام، والتي قاومت الغز الصليبي، وكان لها قادة من بني أيوب استغلوا ضعف الدولة الفاطمية، وتمكن أسد الدين شيركوه الأيوبي أحد قادة نور الدين محمود زنكي (ت569هـ) من التغلب على شاوز وزير العاضد (555هـ – 567هـ) الفاطمي، وتولى الوزارة مكانه، وبعد وفاته بشهرين خلفه أبن أخيه صلاح الدين الأيوبي مؤسسة الدولة الأيوبية (9).
وفي عام 582هـ دخل سيف الإسلام الأيوبي أخو صلاح الدين إلى مكة المكرمة ومنع من الأذان في الحرم المكي الشريف بـ " حي على خير العمل "(10) ، والذي فرضته الدولة الفاطمية – الشيعية المذهب – أثناء حكمها على مكة المكرمة .
وتمكن صلاح الدين من الإنتصار على الصليبيين عام 583هـ في موقعة حطين واستعادة القدس .
وكان خلفاء الدولة العباسية خلال القرن السادس الهجري (11):
1 – المستظهر بالله : أبو العباس أحمد (487هـ – 512هـ ) . في أيامه تفاقم حال الباطنية واستولوا على المعاقل والحصون بخراسان، ولم يكن للوزارة في أيامه كبير أبهة، وهو الخليفة الـ 28 لبني العباس .
2 – المسترشد بالله، أبو منصور الفضل بن المستظهر: (512هـ - 529هـ) جرت بينه وبين السلطان مسعود وحشه، وتفاقم الأمر وأفضى الحال إلى الحرب بينهما، حيث توجه المسترشد بجنده، وقاتل مسعود الذي كانت الغلبة له على المسترشد، إلا أن السلطان سنجر أمر بالإحسان إلى الخليفة وإعادته إلى بغداد مكرماً. فأمتثل مسعود إلا أن جماعة من الباطنية هجموا على المسترشد وقتلوه .
3 – الراشد بالله، أبو جعفر منصور بن المسترشد: (530هـ) وكانت مدة حكمه قصيرة، فقد أراد الإنتقام لوالده فجهز الجيش لمحاربة مسعود، إلا أن مسعود توجه له في خمسة آلاف فارس، فخرج الراشد من بغداد واتجه للموصل، ودخل مسعود بغداد واستبد بتدبير الأمور فيها.
4 – المقتفي لأمر الله ، أبو عبد الله محمد بن المستظهر – عم الراشد   )530هـ -555هـ)، أجلسه مسعود وبايع له، وجرت في أيامه فتن وحروب مع سلاطين العجم. كان النصر فيها حليفه .
5 – المستنجد بالله، أبو المظفر يوسف بن المقتفي: (555هـ - 566هـ) حل المقاطعات وأعادها إلى الخراج. وفي أيامه ابتدأ فتح مصر، وضعفت الدولة الفاطمية، مات مخنوقاً في الحمام بواسطة أكابر دولته .
6 – المستضيء بأمر الله . أبو محمد الحسن بن المستنجد: (566هـ – 575هـ) في أيامه وردت البشائر إلى بغداد بفتح مصر وأنقراض الدولة الفاطمية .
7 – الناصر لدين الله، أبو العباس أحمد بن المستضئ: (575هـ - 622هـ) من أطول الخلفاء بقاءً في الحكم، فقد أمتد حكمه 47 سنة، صفا له الملك وكان يباشر أحوال الرعية بنفسه، وكثر جواسيسه، وعاد النفوذ للدولة أثناء حكمه حيث أنضمت مصر والقدس والشام والحجاز، وأنقرضت دولة السلاجقة بالكلية، والإنتصار على الصليبيين في حطين، بني من دور الضيافة والمساجد والرُبط ما تجاز حد الكثرة.
ويلاحظ أن جميع من سبق ذكرهم من الخلفاء أضاف لقبه إلى لفظ الجلالة الله، وكانت هذه عادة الخلفاء العباسيين منذ ولاية المعتصم حيث أضاف لقبه إلى لفظ الجلالة فأصبح يلقب بـ " المعتصم بالله (218-227هـ) (12).
* تلك هي الحالة السياسية للعالم الإسلامي خلال القرن السادس الهجري. سادها الصراع والنزاع بين الدويلات وبين الخلفاء داخل الدولة الواحدة، إضافة إلى ضعف دولة الخلافة العباسية إلى الربع الثاني من القرن السادس الهجري، ثم شاء الله تعالى لها أن تعود لها قوتها ومكانتها خلال بقية القرن، إلى أن سقطت عاصمتها على يد المغول عام 656هـ، بالإضافة إلى تعرض العالم في ذلك القرن للغزو الصليبي والذي بدأ عام 498هـ واستمر حتى عام 692هـ.


ثانياً: الحياة الإجتماعية :
مالت طبقات المجتمع في مطلع الخلافة العباسية لصالح الفرس – وذلك بسبب اعتماد الخلفاء عليهم في البدء – حيث توازت طبقات العرب والفرس في السلم الإجتماعي، ولا يعني هذا أنه لم توجد أجناس أخرى، فقد وجد الجنس التركي وشكل طبقة ثالثة من طبقات المجتمع، وصلت إلى الحكم بدخول الأتراك السلاجقة إلى بغداد، وكان أول تواجد لهم في الجيش – وهم من الأتراك الذين قدموا من التركستان – ثم إلى بلاط الحكم حتى سيطر الأتراك على مصائر الخلافة، وقد ساعد على صهر الأجناس داخل المجتمع التطور الاقتصادي خاصة في العراق، حيث وجد مجتمعاً مدنياً جديداً يقوم على معيار المال وسلطة الحكم للتميز بين أفراده، وبذلك ظهر في المجتمع الطبقات التالية :   )13)
1 – طبقة الخاصة : تشمل أفراد البيت الحاكم، وكبار القواد، ورجال الدولة، وكبار التجار، والقضاة، والإقطاعيون، والموسرون، وكل من يتبع أفراد هذه الطبقة من جند وخدم وعبيد وخصيان وشعراء .
2 – طبقة العامة : وتشمل بقية أفراد المجتمع وطبقاته من صغار التجار، والصناع، والمزارعون، والباعة، وأصحاب الفن والغناء .
ونتيجة لهذا الفساد الاجتماعي والتمايز الطبقي ظهرت فئة – طبقة – ثالثة ثائرة من الفقراء سمت نفسها بالعيارين أو الشطار. والتي كانت تهدد أمن طبقات المجتمع خاصة الأغنياء، ونجد صدى هذه الفئة في التاريخ العباسي .
- ومن الطبقات الأخرى التي وجدت في المجتمع :
طبقة أهل الذمة – وهم من النصارى واليهود- وقد تمتعت هذه الطبقة بتسامح الدين الإسلامي ويقيمون شعائرهم في أطمئنان، وكان يطلق على رئيس اليهود ببغداد رأس الجالوت .
وقد تمثل في الجند جنس يطلب عليه المغاربة، ويقصد بهم المصريون والأكراد والفراعنة، وترى بين الجند : العربي، والكردي، والخراساني، والتركي أو السلجوقي – وهم أغلبية – والديلمي، والرومي، والأرمني، والعراقي (14).
ومن المظاهر البارزة في العصر العباسي وجود طبقة الرقيق وطبقة الجواري، ولكن بصورة مغايرة، فقد كانوا ينالون قسطاً وافر من التثقيف بالعلوم والفنون ومن الثروة، والجاه والنعيم، ذلك أن أمهات كثير من الخلفاء كن جواري، وكثيراً ما حظيت أم الولد -الجارية التي ولدت لمالكها صبي – بمكانة عند زوجها أكبر من زوجته الحرة. وقد أصبغت هذه الطبقة على البيئة العباسية ألواناً من النشاط الفني كالغناء والموسيقى ولوناً من الترف الاجتماعي (15).
وفي مصر تألف المجتمع خلال عهد الفاطميين من السنيين – وكانوا أغلبية ساحقة من المصريين – ومن الشيعة وخاصة المغاربة، والطبقة الثالثة طبقة أهل الذمة، والطبقة الرابعة من الأتراك، والطبقة الخامسة من السودانيين .
وعندما قامت الدولة الأيوبية كثر المماليك، فقد أثر عن السلطان نجم الدين أيوب أن عدد الرقيق في عهده بلغ أثني عشر ألفاً، كانوا بعد ذلك نواة دولة المماليك البحرية .
وفي المغرب تألف المجتمع من عنصرين أساسيين هما : البربر والعرب، وذلك في عهد المرابطين (448-541هـ)، وفي عهد الموحدين (524-667هـ) كان يتألف من أجناس مختلفة منها القبائل العربية، والبربر، والأكراد الجراكسة، والذين بعث بهم صلاح الدين الأيوبي لقتال يعقوب المنصور الموحدي .
وفي الأندلس تألف المجتمع من عدة طبقات متفاوتة الحقوق والإعتبارات ومن تلك الأجناس : العرب، والبربر، والرقيق، ومجموعات من المسيحيين واليهود(16) ، وقد اتبع تطور المجتمع في الأندلس منهجاً مختلفاً بعض الاختلاف عن المجتمع في المشرق. حيث برزت أول الأمر طبقة الحكام، ثم طبقة المولدين من الأسبان المسلمين، وطبقة المستعربين – وهم من لم يسلموا من الأسبان – وقد كانت لهم حكومتهم وإدارتهم وممثل لدى دار الخلافة (17)
وقد غلب على المجتمع الأندلسي الانهماك في الترف وحياة الدعة والاستهتار، ومن أبرز ظواهر عصر الطوائف بالأندلس أن يكون معظم الملوك والحكام من أكابر الأدباء والشعراء والعلماء وأن تكون قصورهم منتديات زاهرة (18).
ولقد نشطت الحركة الفكرية وأزدهرت الثقافة في المجتمعات المستقلة عن الخلافة العباسية، وذخر بلاط تلك الدول المستقلة بالعلماء والشعراء وغيرهم في كل من البلاط الغزنوي في الشرق، والفاطمي والأيوبي في مصر، والأموي في الأندلس، والمرابطين والموحدين في المغرب. رغم ما انتاب العالم الإسلامي والخلافة العباسية من تفكك وضعف سياسي .
تلك هي الحالة الاجتماعية للعالم الإسلامي خلال القرن السادس الهجري والطبقات التي تألف منها كل مجتمع، والمظاهر التي اتسم بها المجتمع في العالم الإسلامي .

ثالثاً: الحياة الاقتصادية :
لقد ازدهرت الحياة الإقتصادية في العصر العباسي، واتسمت بالتأنق والتفنن في المطعم، والملبس، والمسكن وجادت الصناعات الضرورية والكمالية، وتعاظمت النزوات وانتشر العلم .
وتعددت موارد بيت المال مما كان له كبير الأثر على ازدهار الحياة الإقتصادية ومن الموارد : -
الزكاة، الخراج، الجزية، الفيء، الغنيمة، عشور التجارة ( الجمارك )، الضرائب والأوقاف.
والضرائب أنواع منها :
أ –   المكوس : وهي ضرائب تجبي من البضائع المنقولة من منطقة لأخرى براً أو نهراً في الداخل والخارج، ولم تكن محدودة، وأسقطها الخليفة المقتفي بأمر الله .
ب –  ضرائب على الأسواق والحوانيت : وأسقطها المستنجد بالله .
جـ –  ضرائب على الذهب والأشجار .
د  -   ضرائب على الترقيات ونيل الوظائف الكبير : فقد روى أن أبا السعود بن جعفر بذل مبلغاً مقداره ألف وخمسمائة دينار من أجل أن يكون صاحب الحاجب. فأذن له في ذلك وأصبح صاحب الحاجة .
إضافة لكل تلك الموارد كانت هناك المصادرة للأموال الثابتة والمنقولة في حالات خاصة، وكذلك أملاك الخليفة الخاصة وأملاك زوجته (19).
ولم يكن الحال كذلك في الأندلس حيث كانت الموارد تقتصر على ما يرد من الأوقاف، وعندما استولى المرابطون عليها اتبعوا نظاماً يقوم على قواعد الدين الإسلامي، وأصبحت الموارد تأتي من الزكاة، والجزية، والخراج (20).
     وكانت هناك عدة أنشطة إقتصادية منها التجاري والصناعي والزراعي .

1 – التجارة :
أشتهر العرب منذ القدم بالتجارة، ولقد جاءت الإشارة إلى ذلك في سورة قريش من كتاب الله العزيز قال تعالى } رحلتا الشتاء والصيف { سورة قريش، 3.
ولقد كان لموقع بغداد الجغرافي والسياسي أكبر الأثر في ازدهار التجارة، فهي تقع على ملتقى الطرق البرية والنهرية، ويكفي أن محلة الكرخ فيها كانت محطة مركزية للتجارة، وكانت بغداد تصدر كثيراً من البضائع، ولقد كان تجار العراق وسطاء التجارة بين أطراف العالم المتمدين، فالعراق يقع بين الجزيرة العربية والشام ومصر من جهة، وبين إيران والهند من جهة ثانية وبين الصين وآسيا الوسطى من جهة ثالثة. إضافة إلى سيطرة العراق في تلك الفترة على خليج البصرة الذي كان يصل العالم العربي بالهند والصين(21).
لذا كانت التجارة مزهرة خلال العصر العباسي بأكمله بحكم الموقع الجغرافي، والمكانة السياسية، والخبرة الطويلة المكتسبة واهتمام الخلفاء بتيسير الطرق التجارية البرية والبحرية.
2 – الزراعة :
أهتم العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين وفق أسس علمية نتيجة انتشار المدارس الزراعية، والتوسيع في البحث النظري، وأهتموا كذلك بالثروة الحيوانية، فأهتموا بتربية الحيوانات وخاصة الأبقار وتربية الجاموس وتفريخ الدجاج، وتربية وحفظ الحمام (22).
3 – الصناعة :
حظيت الصناعة في العصر العباسي الثاني بعناية الخلفاء والسلاطين الذين أهتموا باستغلال موارد الثروة المعدنية والحيوانية المتنوعة، ومنها : صناعة الزجاج والخزف، والصابون، وآلات الحرب، وصناعة الجلود ودباغتها، وبناء السفن وصناعة السكر، والزيت، والأقمشة والنسيج والزخرفة، وصناعة الورق، وصناعة الآجر، وصناعة النحاس، والحدادة، والصباغة، والصياغة (23).
تلك هي أهم الأنشطة الاقتصادية التي كانت مزدهرة خلال القرن السادس الهجري. ومما أدى إلى رواج الصناعة أن النظرة الاجتماعية إلى أهل الصنعة كانت محترمة على اعتبار أهمية الصناعة، ولتشجيع الحكام للصناعات، خاصة وهي تحقق الترف الإجتماعي للأفراد، ولقد كان مستوى المعيشة يتبدل بعض الأحيان لارتفاع الأسعار، وندرة بعض السلع لأسباب طارئة ثم لا تلبث أن تتحسن الأوضاع، رغم الازدهار الإقتصادي بشكل عام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق