الاثنين، 4 مارس 2013


كيف واجهت الحضارة الإسلامية مشكلة المياه؟:المنشآت المائية


تتعدد المنشآت المائية في الحضارة الإسلامية، فأنواعها عديدة، وكل منها يؤدي وظيفة محددة، لذا نرى تطويع المعماري لكل منشأة، طبقاً للدور الذي تؤديه. وفي هذا السياق، سيتم تخصيص هذا الفصل للمنشآت المائية في الحضارة الإسلامية لإلقاء الضوء عليها.

السدود
السد في اللغة (إغلاق الخلل، ورد الثلم).. وحكى الزجاج : >ما كان مسدوداً خلفه، فهو سد<...، وما كان من عمل الناس، فهو سد...، والسد المجبل والحاجز<(1).
ويعرف السد بأنه : >عائق يبنى في مجرى النهر عمودياً على مجراه في الموقع الذي تسمح الطبيعة الطبوغرافية فيه بتخزين المياه فيه، وتحدد الاعتبارات الطبيعية ونوع التربة، المواد وطريقة إنشاء السد<(2). وخلافاً للسدين اللذين بلغهما ذو القرنين بمنقطع بلاد الترك، وهما جبلان...، والسد الذي أقامه دون قوم يأجوج ومأجوج(3)، فإن سد مأرب الشهير، يعد من أشهر سدود العالم القديم، وقد شيد قبل الإسلام، وانكسر مع سيل العرم، الذي تفرقت على إثره القبائل العربية من جنوب البلاد إلى شمالها وشرقها، وهو من السدود الصماء. كان عبارة عن حائط ضخم طوله من الشرق إلى الغرب حوالي 800 ذراع، وارتفاعه عشرة أذرع(4)، بناه أحد مكربي سبأ وهو سمهو علي ينوف(5) في القرن السابع قبل الميلاد، وظل هذا السد قائماً حتى قبيل الإسلام، وعُدَّ سقوطه نكبة كبرى، حتى ضرب بسقوطه المثل، فقيل : >تفرقوا أيدي سبأ<(6).
تنقسم السدود إلى نوعين رئيسين ؛ الأول يبنى في المناطق الجافة لحجز مياه السيول، وفي المناطق ذات الكثافة المطرية لحجز مياه الأمطار لاستخدامها بعد انتهاء موسم الأمطار، كسد مأرب. والنوع الثاني يبنى على مجاري الأنهار لحجز مياه الأنهار لاستخدامها في أوقات محددة. وتحجز السدود أو الجسور كما تعرف في مصر، المياه المتفرعة من نهر النيل لري أراضي محددة في زمن محدد، ثم تكسر لتروي الأرض التي تليها، وهكذا.
وتكمن أهمية السدود بالدرجة الأولى في المناطق الجافة، خاصة في شبه الجزيرة العربية، حيث لجأ إليها العرب للتغلب على ظاهرة التصحر وظاهرة الجفاف، التي عرفت بها بلادهم، وهي البلاد التي لم تعرف الأنهار، ولا هي من البلدان الاستوائية غزيرة الأمطار.
  تعدُّ عمارة السدود والاستفادة منها في قطاع الزراعة من الفنون العمرانية والزراعية التي ازدهرت في الجزيرة العربية، حيث توافر للقبائل العربية عنصر الاستقرار في العصور الإسلامية. ومن أبرز سدود الجزيرة العربية، سدود الطائف التي تعود للعصر الأموي، التي كان يوجد بها إلى وقت قريب سبعون سداً أثرياً، من أشهرها سد سيسد الذي بني عام 57هـ وسد اللصب وسد العقرب وسد ثلبه وسد صعب وسد السلامة وسد القصيبة وسد أم البقرة وسد داما(7).
أما السدود التي تحجز مجاري المياه كالأنهار، فقد عرفت في مصر بوجه خاص، وكان بناؤها يمر بثلاث مراحل هي :
 المرحلة التحضيرية، وتضم العمليات التالية :
ــ بناء الحاجز.
ــ تجفيف أرض الموقع.
ــ إغلاق المكان من المواد المتراكمة.
 مرحلة التشييد، وهي التي يتم فيها العمل بأكمله.
 المرحلة النهائية، ويتم فيها رفع الحاجز وإعادة الماء.
عرفت السدود في مصر باسم الجسور، وهذه التسمية آتية من استخدامها في الحركة بين الضفتين اللتين أقيم بينهما السد. ومعظم الجسور التي تقام في مصر مؤقتة ترتبط بموسم الفيضان والري، وهي تنشأ في مناطق معينة تضم مساحة خاصة من الأرض حتى لا يركبها نهر النيل إلا في موعد محدد تفتح فيه السدود فيروي هذا الجزء، حتى إذا استكمل ريه، قطعت الجسور في مناطق معينة معلومة، وفي أوقات محددة، حتى ينصرف الماء إلى ما يليها من جهات، علاوة على ما يأتيها من ماء آخر، وهكذا يتناوب فتح الجسور حتى يستكمل ري أرض كل البلاد.
يقول المقريزي : >وأراضي مصر أقسام كثيرة، منها عال لا يصل إليه الماء إلا من زيادة كبيرة، ومنها منخفض يروى من يسير الزيادة، والأراضي متفاوتة في الارتفاع والانخفاض تفاوتاً كثيراً. ولذلك احتيج في بلاد الصعيد إلى حفر الترع وفي أسفل الأرض إلى عمل الجسور حتى يحتبس الماء ليروي أهل النواحي على قدر حاجتهم إليه عند الاحتياج<(8). ويذكر المقريزي ما للجسور من فوائد قائلاً : >لولا إتقان ما هنالك من الجسور وحفر الترع والخلجان لقلَّ الانتفاع بماء النيل كما جرى في زماننا هذا. وقد حكي أنه كان يرصد لعمارة جسور أراضي مصر في كل سنة ثلث الخراج لعنايتهم في القديم بها من أجل أن  يترتب على عملها ري البلاد الذي به مصالح العباد<.
والجسور نوعان :
1. جسور عامة : وتسمى هذه الجسور بالسلطانية، وتضم بلاداً كثيرة، وتكون صيانتها والاهتمام بأمرها على نفقة ولي الأمر، أي الديوان السلطاني. وكانت الدولة تعين من يهتم بعمارة الجسور، ويسمى "كاشف الجسور"، وقد تضاف هذه الوظيفة إلى والي المنطقة، وتحت إمرة كاشف الجسور، المهندسون والعمال الذين يقومون بعمارتها(9).
2. الجسور البلدية : وهي جسور خاصة لا تدخل في المنافع العامة، ويتولى أمر العناية بها المنتفعون بالأراضي الزراعية التي تستفيد من مياه الجسر، ويشبهها ابن مماتي بالدور والمساكن داخل سور المدينة، كل صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها(10).
ولم تكن الجسور تقام فقط لأجل حجز المياه، بل لحماية مناطق معينة، سواء من جرف الفيضان لضفافها أو الخوف من غمرها. ومن أمثلة هذه الجسور، جسر أقامه الناصر محمد بن قلاوون بين بولاق ومنية الشيرج، وذلك سنة 723هـ، والجسر الذي شيده الناصر محمد بن قلاوون سنة 738هـ، بين بولاق و إمبابة شمال القاهرة، ويرجع سبب إنشائه إلى أن تيار نهر النيل كان شديداً على ساحل بولاق حتى هدم أجزاء منه، فرأوا عمل هذا الجسر ليرد قوة التيار عن البر الشرقي إلى البر الغربي(11).

المقاييس
تعد المقاييس المقامة على الأنهار أداة لرصد حركة فيضانها، حيث كان فيضان النهر عند حد معين يعكس بشرى موسم زراعي جيد، كما كان يخلف مشكلة عند عدم وفائه بتوفير المياه، سواء لحاجة الاستخدام في المدن والقرى أو للزراعة. ومن ثَمَّ، فإن المقاييس اعتبرت من المنشآت المائية الهامة التي اعتني بها من قبل حكام المسلمين. فلولا فيضان نهر النيل على سبيل المثال، لكانت مصر مجرد بلد به نهر فصلي هزيل، يولد ويموت كل سنة دون أن يضمن حتى الوصول إلى البحر دائماً إلى حد يعني أن النيل هبة الفيضان(12)، لأن التغيير في مستوى الفيضان بالنقص أو الزيادة، كان يلعب دوراً هاماً في حياة المصريين الاقتصادية والاجتماعية وأحياناً السياسية، كما كان يعيد إلى أذهانهم في كثير من الأحيان، قصة السنوات العجاف السبع التي وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف(13)، لاسيما وقد شهدت البلاد طوال عصورها التاريخية قبل الإسلام وبعده، العديد من حالات القحط والجفاف، بسبب قصور مياه الفيضان، مما أدى بحكامها إلى الاهتمام بإنشاء مقاييس النيل التي يهمنا منها ما تم تشييده تحت ظلال الإسلام. وقد شيد عمرو بن العاص غداة فتحه لمصر مقياساً بأسوان وآخر بدندرة(14). كما أنشأ الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان مقياساً ثالثاً في أنصنا على الضفة الشرقية لنهر للنيل تجاه أشمون التي عرفت أيضاً باسم الأشمونيين(15)، وبقي مستخدماً حتى شيد والي مصر عبد العزيز بن مروان مقياساً غيره بحلوان في سنة 80هـ/699م(16). كما بنى أسامة بن زيد التنوخي عامل خراج مصر مقياساً كبيراً في جزيرة الروضة في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك عام 92هـ/711م، ثم أبطل الخليفة سليمان بن عبد الملك العمل به، فأقام أسامة بن زيد مقياساً آخر في سنة 97هـ/715م(17) واندثر بدوره، ولم يبق إلا المقياس الحالي الذي شيد سنة 247هـ/861م(18) في جزيرة الروضة بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله(19) كما يفهم من المؤرخ ابن خلكان الذي ذكر أن اسم الخليفة المتوكل على الله كان منقوشاً في شريط من الحجر يحيط بأعلى فوهة البئر(20). وهناك شبه اتفاق بين أغلب المؤرخين العرب على أن بلوغ الفيضان ستة عشر ذراعاً يعد بشيراً بوفاء النيل وكافياً لزراعة أرض مصر، كما يعد إيذاناً ببدء الاحتفالات بوفاء النيل.
مقياس النيل بالروضة (247هـ/861م) :
بني هذا المقياس في ولاية يزيد بن عبد الله على مصر على عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد الذي ولد سنة (205هـ/820م)، وقيل سنة (207هـ/822م)، وبويع بالخلافة سنة (232هـ/846م) بعد الواثق بالله. كان المشرف على عمارة هذا المقياس في أرجح الآراء هو المهندس أحمد بن محمد الحاسب(21). وقد أطلقت على هذا المقياس بعد إتمام عمارته عدة أسماء، منها المقياس الهاشمي، والمقياس الجديد، والمقياس الكبير(22).
ولم تمض على بناء هذا المقياس ثلاث عشرة سنة حتى احتاج إلى الترميم والإصلاح، فقام أحمد بن طولون بإصلاحه سنة (259هـ/872م)، حيث أنفق على هذه العمارة الترميمية ألف دينار، وظل المقياس على هذه العمارة حتى عَمَّرَه للمرة الثانية الوزير الفاطمي بدر الدين الجمالي سنة (485هـ/1092م) على عهد المستنصر بالله الفاطمي، وبنى بالقرب منه جامعاً سماه جامع المقياس(23).
وفي عصر السلطان الظاهر بيبرس البندقداري أقيمت قبة لهذا المقياس فوق البئر، وفي عصر السلطان الأشرف قايتباي، رممت أساسات المقياس وأصلحت بعض عماراته، فلما كان العصر العثماني نسب إلى السلاطين الثلاثة سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني إجراء عمارات في المقياس. وفي سنة (1023هـ/1721م) قام علي بك الكبير من الولاة المماليك بإصلاحات كثيرة فيه. وفي سنة (1170هـ/1756م) أمر حمزة باشا الوالي بتجديد العتب الخشبي الأفقي الموضوع على رأس عمود المقياس لتثبيته في موضعه وضمان عدم اهتزازه. وفي سنة (1214هـ/1799 م) قام الفرنسيون بالكشف عن عمود المقياس ورفع ما تراكم بقاعه من الطمي حتى تم الكشف عن معظم العمود، وصنعوا له تاجاً تعلوه قطعة رخامية ارتفاعها ذراع واحد كتب على وجهها الشرقي سنة 1215هـ/1800م.
وفى سنة 1305هـ/1887م طهرت نظارة الأشغال المصرية بئر المقياس حتى بلغت الذراع الثالث، فوجدت بين الأنقاض المستخرجة بقايا الأعمدة التي عملها الفرنسيون منقوشاً عليها الذراع الثامنة عشرة والبالغ ارتفاعها (0.58 متر)، كما أنشأت النظارة مقياساً مترياً جديداً في الضلع البحري لزاوية سلم المرسى البحري للمقياس القديم(24).

 الموقع
يقع المقياس في الطرف الجنوبي الشرقي من جزيرة الروضة التي حددها الإصطخري في القرن (4هـ/10م) بكونها جزيرة يعبر من الفسطاط إليها على جسر في سفن، ويعبر من هذه الجزيرة على جسر آخر إلى أبنية و مساكن على الشط الآخر، يقال لها الجيزة(25). وقال الإدريسي في القرن (6هـ/12م) أن بالروضة مباني ومتنزهات ودار المقياس، و سميت بالجزيرة لأن النيل إذا زاد أحاط بها من كل ناحية(26)، ولذلك كانت هذه الجزيرة  تعدُّ منذ بداية العصر الإسلامي أهم مركز لصناعة السفن، وفيها تأسست أول قوة بحرية للمسلمين. فلما جاء عصر الأيوبيين، اتخذ الصالح نجم الدين من جزيرة الروضة مقراً لحكمه، وبنى فيها قلعته وثكنات مماليكه وزادت بذلك أهمية الجزيرة، و لم تزل على أهميتها حتى تخربت بعد سقوط الدولة الأيوبية إلى أن عمرها الظاهر بيبرس، وأعاد الحياة إلى دار الصناعة، فاستمرت فيها الحياة حتى نهاية عصر المماليك(27). 

عمارة المقياس
تتكون عمارة هذا المقياس من بئر مربعة التخطيط، عرض فوهتها ستة أمتار وعمقها اثنا عشر متراً، ذات جدران حجرية منحوتة أغلبها من النوع المبوص، وقد غطيت في السنوات الأخيرة من الخارج بقبة ذات قمة مخروطية مرصصة، وفي أسفل طاقيتها يوجد شريط كتابي نسخي داخل بحور باللون الذهبي على أرضية زرقاء نصها بعد البسملة قوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض و إنا على ذهاب به لقادرون، فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون } (سورة المؤمنون، الآية 18)، صدق الله العظيم.
وكان الفراغ من نقش هذه القبة و تذهيبها في شهر ذي القعدة من سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، حيث غشيت جدرانها من الداخل بطبقة ملاطية من مونة الخافقي (القصروميل) التي لا تسمح بتسريب الماء إلى الجدران، وقد راعى مهندسه أحمد بن محمد الحاسب زيادة سمك هذه الجدران كلما زاد العمق حتى تتحمل الضغط الأفقي للأرض الذي يزيد بازدياد عمق النزول فيها(28).
وتضم هذه البئر ثلاث طبقات : العليا والوسطى مربعتان، أما السفلى فدائرية، بينما فتح المعماري في الجانب الشرقي، منها ثلاث فتحات على هيئة أنفاق ذات عقود مدببة ترتكز على أعمدة رخامية مثمنة، لها تيجان وقواعد مقلوبة، كان الغرض منها أن ينساب ماء نهر النيل من خلالها إلى داخل البئر.
وحتى يمكن قياس زيادة مياه نهر النيل أو نقصانها، قام المعماري بوضع عمود رخامي مثمن ذي تاج روماني مركب في وسط البئر، يرتكز على أرضية خشبية، ثبته أعلى بواسطة كمرة أفقية نقشت عليها كتابات كوفية قرآنية باللونين الأزرق والذهبي، ثم استبدل بهذه الكمرة في عصر لاحق، عقدان مدببان يرتكزان على الجدران. وقد حفرت علامات القياس على هذا العمود بوحدات الذراع والقيراط، كما نقشت عليه آية الكرسي من قوله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم... } إلى قوله تعالى : { ... وهو العلي العظيم }.
وقد جعل يزيد بن عبد الله والي مصر على هذا المقياس أبا الرداد المعلم البصري الذي قدم إلى مصر وعين مشرفاً عليه، وأحدث عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر حينذاك سبعة دنانير في كل شهر، وتوفي أبو الرداد سنة (266هـ/879م) وظل المقياس في يد أولاده وحفدته إلى عهد المقريزي في القرن (9هـ/16م)(29).
وقسم عمود المقياس إلى اثنين وعشرين ذراعاً، وفصل هذا الأخير إلى أربعة وعشرين قسماً، تعرف بالأصابع، فإذا انتهى الفيضان عندهم إلى أن يستوفي الماء تسعة عشرة ذراعاً منغمرة فيه، فهي الغاية عندهم في طيب العام، وربما كان الغامر منه أكثر بعموم الفيض، والمتوسط عندهم ما استوفى سبعة عشر ذراعاً، وهو الأحسن لديهم من الزيادة المذكورة، والذي يستحق به السلطان خراجه على بلاد مصر هو ستة عشر ذراعاً فصاعداً، و إن قصر عن ذلك فلا مجيء للسلطان في هذا العام ولا خراج له(30).
والجدير بالذكر، أن صغر هذا المقياس الذي يعلو عن سطح البحر المتوسط بمقدار (12,50 متراً) يطابق الذراع الثامن والقيراط الخامس عشر ونصف، وتنتهي آخر تقسيماته عند المستوى الذي يعلو سطح البحر بمقدار (21 متراً)(31).
وكان ينزل إلى قاع هذا المقياس عند انحسار ماء النيل بواسطة سلم في جانبه الشرقي، ويهبط النازل منه أربعاً وعشرين درجة يصل بعدها إلى بسطة في الزاوية الجنوبية الغربية، ثم يستدير إلى اليمين ليصل بعد أربع درجات إلى ضفة تشغل بقية الجانب الغربي. وبعد قلبتين من ثلاث عشرة درجة يصل النازل إلى بسطة في الزاوية الشمالية الشرقية منها، وبعد درجتين أخريين إلى نهاية المربع وبداية الجزء الدائري الذي يبلغ قطره (4,35 أمتار) وعمقه (2,9 متر)، ثم ينتهي النازل بعد ثماني درجات إلى القاع(32) (الشكل 10).
كان الغرض من بناء هذا المقياس والعمل بالتقسيمات المشار إليها، هو التعرف على زيادة ماء نهر النيل وقت الفيضان، لأن جباية الخراج كانت رهينة بهذه الزيادة التي تبين رخاء البلاد أو قحطها.
ونقشت قبة المقياس من الداخل بعناصر زخرفية نباتية عثمانية الطراز، كما نقشت جدرانه وعقوده بكتابات كوفية عبارة عن آيات قرآنية تتعلق بالماء والزرع. وتعد هذه الكتابة أقدم مثل للكتابة الكوفية المؤرخة في عمارة مصر الإسلامية ونصها بعد البسملة قوله تعالى : { الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم... } وتنتهي بقوله عز من قائل : { ... ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً }، وصلى الله على محمد النبي وآله و سلم تسليماً  كما تعد عقوده المدببة من أقدم العقود المدببة في العمارة بمصر(33).
 ولقد كان من الطبيعي أن يؤدي انخفاض مياه النيل إلى نوع من القلق لدى الحكام وأهل البلاد، لما كان يترتب على ذلك من قحط ومجاعات وأوبئة. ومن هنا تأتى أهمية مقياس النيل كمنشأة مائية.

مقياس نهر دجلة
يحدثنا التاريخ، أن جملة فيضانات داهمت العراق في العصور السالفة، وكان دجلة بين زمن وزمن، يغمر بعنف مدينة بغداد. وأول ذكر لفيضان نهر دجلة بعد بناء بغداد، وتدفق مياهه إلى ما يجاورها، وتعديها إلى كثير من المحال والدور، كان في سنة 220هـ، ثم توالت أحداث الفيضانات وكوارث الغرق من بعد ذلك التاريخ.
ولتفادي هذه المخاطر، شيد مقياس لأول مرة على نهر دجلة في سنة (293هـ/905م)، وكان طوله خمساً وعشرين ذراعاً، على كل ذراع علامة مدورة، وعلى كل خمس أذرع علامة مربعة كتب عليها بحديدة علامة الأذرع، تعرف بها مقادير الزيادات.
 كان أشد فيضانات بغداد وطأة عندما وصل الماء إلى حدود اثنتين وعشرين ذراعاً في يوم الأحد عاشر شهر رمضان في سنة (596هـ/1174م)، حيث فاض نهر دجلة، فزاد الماء على كل زيادة متقدمة منذ أن بنيت بغداد بذراع وكسر، وتفاقم الأمر، وخرج الناس و ضربوا الخيام على تلال الصحراء، ونقلوا رحالهم إلى دار الخليفة، فغرقت بغداد غرقها العظيم المشهور في التاريخ(34).

قناطر المياه
 والرومان هم أول من ابتكر قناطر المياه، وهي منشآت مائية تهدف إلى جلب كميات كبيرة من المياه من مكان بعيد إلى المدن أو الأراضي الزراعية، و ما زال إلى حد اليوم في روما بقايا لقناطر مياه تعد من أروع ما شيد في العالم(35).
 وتتكون قناطر المياه عادة من برج المأخذ، وهو برج به سواقي لرفع المياه من مكان منخفض إلى أعلى، ثم يُصب هذا الماء في سطح البرج، حيث تنحدر المياه إلى مجرى محمول على سلسلة من العقود أو القناطر التي تنحدر بنسبة معلومة لتجري المياه إلى الجهة المراد وصولها إليها.

قناطر ابن طولون
 ويعد إمداد المدن الجديدة التي يشيدها حكام المسلمين بالمياه أمراً حيوياً، حرص على تأكيده علماء السياسة الشرعية عند حديثهم عن شروط إنشاء المدن، لذا حين شيد الأمير أحمد بن طولون(36) ضاحية القطائع لتكون مقراً لحكمه في مصر، حرص على تزويدها بمصدر ينقل لها مياه النيل.
 وقد تبقى من هذه القناطر اليوم برج المأخذ، وهو أكثر الأجزاء الباقية تماسكاً، حيث شيد عند حافة صخرة بارزة من الأرض عند نقطة يخرج منها واد صغير اقتطع من الصخر. والبرج عبارة عن كتلة مشيدة بالآجر بداخلها بئر مفرغة مفتوحة إلى السماء، وعلى جانبيها غرفتان يغطيهما قبوان. وتنقسم البئر إلى قسمين، ويسحب الماء منهما بواسطة ساقيتين ترفعانه إلى المجرى فوق ظهر البرج، ثم يسير منه في مجرى وضع فوق القناطر التي تخرج من البرج في انحراف يبلغ 140 درجة على جانب البرج الشمالي، وبعد نحو 17 متراً ينحرف في اتجاه القناطر من الشمال الغربي إلى الشمال قليلاً نحو الغرب، ثم ينحرف مرة أخرى بعد 122 متراً نحو الشمال بميل إلى الشرق، و يمتد بعد ذلك في خط مستقيم إلى أن تتوقف بقايا القناطر. وتوجد هذه القناطر الآن في حالة يرثى لها، وهي معرضة للاندثار(37).

قناطر مجرى العيون
 تعد قناطر مجرى العيون في القاهرة منشأة مائية، وكان الهدف منها هو تزويد قلعة صلاح الدين الأيوبي بالماء، وقد شيدت لتتزود منها القاهرة بالمياه، ومن هنا تأتي أهميتها. والواقع أن المنشئ الأصلي لقناطر مياه القلعة هو السلطان العادل أبو بكر بن أيوب الذي تولى الحكم من سنة 596هـ/1200م إلى سنة 615هـ/1218م. وكانت القناطر حينذاك عبارة عن مجرى ماء فوق السور الشرقي للعاصمة، وكان طرفه الجنوبي يبدأ من ضفة النيل عند الموضع المعروف الآن بدار السلام، و يمتد حتى يتصل بأسوار القلعة. وقد جعل العادل فوق الجدار قناة يرفع الماء إليها بالسواقي من النيل ويسيل فيها حتى يصل إلى القلعة، وكان ذلك عندما استقر رأيه على الإقامة الدائمة في القلعة بدلاً من حصن القاهرة التي اضطر إلى الإقامة فيها كل من سبقه من سلاطين الأيوبيين(38)، ثم جددها السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 712هـ/1312م، حيث عمل لها أربع سواقي على النيل لنقل الماء في مجراه فوق قناطر إلى القلعة(39)، ثم شيد سنة 741هـ/1343م سواقي أخرى عند ساحل النيل، بعدما حفر بئراً ثانية ركب عليها هذه السواقي حتى اتصلت مياهها عبر القناطر المملوكية بالقناطر الأيوبية في بئرين، ويصير ماؤها واحداً يجري إلى القلعة(40). وظل الحال على ذلك حتى أمر السلطان الغوري سنة (912هـ/1506م) بإبطال مجرى المياه القديم، وشرع في بناء مأخذ ذي ست سواقي على النيل عند فم الخليج تسير مياهها في مجراه فـوق قـناطر لتـلتقي مـع بـقايا قـناطر الناصر محمد بالقرب من مشهد السيدة نفيسة، ثـم بسـور صــلاح الـديـن الـقديـم حتـى القــلعة. وفــي عــصــر الســلـطــان الغـوري 920-905هـ/1512-1501م(41)، امتدت يد التخريب لهذا السور العظيم، ولا سيما عندما اتخذت الحملة الفرنسية على مصر بعض أجزائه للمراقبة، وجعلت فيها فتحات كبيرة لمدافعها، وعملت بعد ذلك على ترميم هذه القناطر وإعادتها إلى ما كانت عليه، لتظل شاهدة على عظمة العمارة الإسلامية في مصر(42) (الشكل 11).

قناطر تونس
 توسعت مدينة قرطاج عمرانياً خلال العصر الروماني بصورة أدت بالإمبراطور هادريان بين سنتي 120 و130م، إلى تشييد قناطر تجلب لها المياه من جبل زغوان، وأصبح هذا المشروع المائي جاهزاً ما بين سنتي 193 و211م، فأمدت المدينة بالمياه. وعندما فتح العرب المسلمون قرطاج، قطعوا هذه القناطر، فبقيت معطلة إلى أن خصها الفاطميون ببعض الإصلاحات، وأعيدت الحياة لهذه القناطر على يد الخليفة أبي عبد الله المستنصر سنة (666هـ/1267م)، وكان الهدف من إعادة الحياة إليها إمداد تونس المدينة عاصمة الحفصيين بالمياه، ولهذا السبب، أنشأ الحفصيون فرعين جديدين لجلب الماء، يتجه الأول نحو المدينة، و الثاني نحو جنان أبي فهر قرب ضاحية أريانة.
 وينطلق الفرع الأول من حنايا زغوان على بعد أربعة كيلومترات شمال غربي تونس، ثم يتجه نحو المدينة، مرفوعاً على قناطر تجتاز مسافة طويلة نسبياً قبل الوصول إلى هضبة رأس الطابية، حيث جنان السلطان، ومنها إلى هضبة الرابطة. وكانت هذه القناطر تستمر حتى تنتهي شرقي جامع الزيتونة، حيث أعد المستنصر سقاية للناس والحيوان (شكل 12). وتفيد الدراسات أن كميات الماء المجلوبة يومياً من فوق هذه القناطر، بما فيها فرعا تونس و أبي فهر، كانت تبلغ في الفترات الممطرة 14.000 متر مكعب، أما في فصل الصيف، فإن تلك الكميات تنـخفض كثـيراً إلـى أن تـصل إلـى 2290 مـتراً مكـعباً، يسـتأثر منـها جنـان أبي فهر بـ 2082 متراً مكعباً ولا يبقى للمدينة سوى208 أمتار مكعبة، وهي كمية ضئيلة جداً، بالنسبة لعدد السكان المرتفع، خاصة أن ذلك الماء يمر بالقصبة قبل وصوله إلى جامع الزيتونة، فيأخذ منه سكان القلعة كفايتهم، ويذهب ما تبقى، وهو شيء قليل للمدينة(43). لذلك نرى العبدري بعد عشرين سنة فقط على مشروع المستنصر يقول : >... أما الساقية المجلوبة من ناحية زغوان، فقد استأثر بها قصر السلطان وجنانه إلا شيئاً يسيراً سرب إلى ساقية جامع الزيتونة يرتشف منها في أنابيب من رصاص ويستقي منها الغرباء ومن ليس في داره ماء ويكثر عليها الازدحام ...<(44).
 ونشير هنا كذلك إلى ما أنجزته سيدة بنت أحمد في اليمن سنة (478هـ/532م) من العمل الكبير، وهي القناطر المتواصلة عقداً في أثر عقد من جبل المشنة إلى مدينة جبلة للشرب و للجامع، وكان ذلك العمل آية في القدرة على الأعمال الجبارة(45).

بئر يوسف
تقع هذه البئر التي تعد من أروع المنشآت المائية في العمارة الإسلامية بمصر في النطاق السلطاني بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، ويعود حفرها في صخر المقطم إلى عهد تأسيس القلعة على يد صلاح الدين الذي تولى حكم مصر في الفترة من 505 إلى 529هـ/1193-1169م، والذي قام على حفرها وعمارتها هو ووزيره المشهور بهاء قراقوش.
 وقد أشار المقريزي ــ نقلاً عن ابن عبد الظاهر ــ إلى أن بئر القلعة هي واحدة من عجائب الأبنية، تدور البقر من أعلاها، فتنقل الماء من نقالة في وسطها، وتدور أبقار في وسطها، فتنقل الماء من أسفلها، ولها طريق إلى الماء ينزل البقر منها إلى معينها في مجاز منه في الصخر. وكان ماؤها عذباً، ولما أراد قراقوش زيادة نقر في الحجر ليوسع الفوهة، خرجت منه عين مالحة غيرت حلاوتها، وينزل إليها بدرج فيه نحو ثلاثمائة درجة(46).
والبئر حالياً عبارة عن ثلاثة طبقات يلتف حولها ــ كما أوضحنا ــ سلم حلزوني يضيق في الطبقة السفلى عنه في الطبقة الوسطى التي أقيمت فيها سلالم خشبية كانت تستخدم لرفع الماء إليها من قاع البئر بواسطة قواديس تديرها الدواب التي خصص لها منحدر بغير درج لتسهيل نزولها إلى هذه الطبقة وصعودها منها. وقد فتح المعماري في الجوانب الأربعة لهذه الطبقة، أربع فتحات للتهوية والإنارة، كما جعل الوصول إلى الطبقة العلوية عن طريق فتحة باب في ناحيتها الجنوبية الشرقية تفضي إلى حجرة مربعة ذات سقف خشبي معرق وأرضية مفروشة ببلاطات من الحجر، في أسفلها قبو آجري للسلم الحلزوني، وبها ساقية خشبية ثانية كانت تستخدم لرفع الماء من الطبقة الثانية إليها بواسطة قواديس تديرها الدواب أيضاً.
وقد استخدم من مواد البناء في هذه البئر الحجر للأرضيات والجدران ودرجات السلم، والآجر لقبوات هذا السلم، والخشب للساقيتين والأبواب وسقف حجرة الطبقة العلوية.
ويبلغ عمق هذه البئر ابتداء من أرضية القلعة الحالية إلى أرضية الطبقة الثانية، خمسين متراً و ثلاثة أعشار المتر، وعمقها من أرضية الطبقة الثانية إلى قاعها في الطبقة السفلية، أربعين متراً و ثلاثة أعشار المتر، وبذلك يكون مجموع عمقها في طبقاتها تسعين متراً وستة أعشار المتر.
أما المنحدر الذي ينزل الإنسان عليه إلى الحوض الأول من البئر، فقد نحت في الصخر على هيئة مدار حلزوني، ذي خطوط مستقيمة تنحدر انحداراً هرمياً، ويبلغ عرضه مترين، وارتفاعه (2) متران وعشرون سنتيمتراً. وقد نحت هذا المنحدر ببراعة ومهارة فائقتين، حيث يبلغ سمك الحاجز الذي يدور حوله 16سم فقط(47).

الصهاريج
تعدّ أماكن خزن المياه أهم المرافق العامة للتجمعات السكانية البعيدة عن الماء، وذلك لضرورتها في تأمين احتياجاتها من هذه المادة، سواء للشرب أو لري المزروعات. ومن هنا اهتدى الإنسان إلى طريقة يضمن بها وجود الماء، حيث ابتكر الصهاريج، وهي عبارة عن خزان صناعي لتخزين المياه واستخدامها في وقت الحاجة إليها.
والصهاريج نوعان : العام والخاص، حيث تخصص الصهاريج العامة لتخزين الماء وتوزيعه بالمدينة، فهي بهذا تشبه محطات المياه بالمدن في وقتنا الحاضر، أما الصهاريج الخاصة، فهي ما كانت مخصصة لخدمة منشأة بعينها، وهي عادة أصغر حجماً.
ويؤخذ الماء من الصهاريج الخاصة بواسطة فتحة في سقف الصهريج تسد وتفتح بواسطة خرزة، أما الصهاريج العامة فهي موجودة عادة في المدن البعيدة عن مصدر الماء، وتكون ضخمة الحجم أفقياً ورأسياً في باطن الأرض، وتملأ عن طريق فتحات في البدن الخارجي لها. والصهاريج العامة لا يبنى فوقها لصعوبة إقامة الأساسات التي ستتحمل أي بناء يعلوها، على عكس الصهاريج الخاصة التي شيدت فوقها منشآت مائية نتجت عن تطور العمارة في الحضارة الإسلامية، كالأسيلة و أحواض سقي الدواب.
ولعل أكبر مشروع حضاري شهد بناء العديد من الصهاريج عرفته الحضارة الإسلامية هو مشروع درب زبيدة، الذي يَسَّرَ طريق الحج بين العراق ومكة المكرمة. وفي هذا الصدد يقول نظام الملك حسين الطوسي عن السيدة زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور زوج الخليفة هارون الرشيد (193-170هـ/808-786م) ومشروعها الحضاري : >وأمرت زبيدة بحفر الآبار الكبيرة الواسعة وإقامة الأحواض وصهاريج الماء في كل مرحلة من المراحل الممتدة على طريق الحج من الكوفة إلى مكة والمدينة، على أن تبنى جميعها من قمتها إلى قاعها بالحجر والآجر المشوي والجبص والملاط لتوفير المياه للحجيج في الصحراء التي كان يموت فيها عطشاً آلاف الحجاج سنوياً ، فحفرت الآبار وأقيمت الصهاريج<(48). وقد بين ابن جبير، وهو يصف رحلته من مكة المكرمة إلى العراق، بناء زبيدة لهذه المرافق الحيوية الخيرية، واستمرار هذه المآثر في تقديم خدماتها إلى غاية أواخر القرن السادس الهجري، حيث قال : >وهذه ابنة جعفر بن أبي جعفر المنصور زوج هارون الرشيد و ابنة عمه، أبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم... من لدن وفاتها إلى الآن(49). كما أشار إليها أيضاً ابن بطوطة، وهو يصف رحلته من مكة المكرمة إلى العراق، فقال : >وكل مصنع ــ صهريج ــ أو بركة أو بئر بهذه الطريق التي تربط بين مكة وبغداد فهي من كريم آثارها، جزاها الله خيراً ووفى لها أجرها، ولولا عنايتها بهذا الطريق ما سلكها أحد<(50). وكانت زبيدة قد أمرت ببناء هذه المصانع والبرك وغيرها عندما حجت سنة (176هـ/792م).

صهريج الرملة
وأقدم الصهاريج الأثرية الباقية في العالم الإسلامي ومن أكبرها، صهريج الرملة بفلسطين. ويعرف هذا الصهريج محلياً باسم بئر العنيزية. 
يقع هذا الصهريج على بعد نحو نصف ميل جنوب غربي مدينة الرملة بفلسطين على الطريق الموصل بين يافا وبيت المقدس، ويتكون من بئر محفورة تحت الأرض، وبه حوائط ساندة قوية، وهو مقسم داخلياً إلى ست بلاطات بواسطة خمس بائكات، كل منها مكونة من أربعة عقود تجري من الشرق إلى الغرب، وترتكز على دعائم مصلبة القطاع، وبهذا يصبح تخطيط المسقط الأفقي على شكل لوحة الشطرنج والتخطيط العام على شكل رباعي غير منتظم. وفيه يلاحظ أن الجانبين الشمالي والجنوبي غير متوازيين، والدعائم متوجة بحلية بسيطة.
أما العقود التي تحمل البائكات، فكلها مدببة الشكل، والبعد بين مركزي العقد (من  1  إلى  1  البحر). وتحمل البائكات أقبية نصف أسطوانية تجرى من الشرق إلى الغرب، وتدعمها ثلاث بائكات تتجه من الشمال إلى الجنوب. ويوجد درج في الركن الشمالي الشرقي للبئر، ويلاصق الجدار الشمالي، ويؤدي من الخارج إلى داخل البئر. ويرتكز هذا الدرج على عقدين مقوسين اقتصاداً في المباني، ويظهر أحدهما على شكل دعامة طائرة.
كان سحب الماء يتم عن طريق هذا الدرج، وأربع وعشرين فتحة علوية مثقوبة في الأقبية، أبعاد كل منها(55 سم 55 سم) يمكن لعدد مماثل من العمال أن يسحبوا الماء في الوقت نفسه من الداخل إلى أعلى بواسطة دلاء مربوطة بالحبال.
وشيد الصهريج من الحجارة المنتظمة المداميك واللحامات، وتغشيها من الداخل طبقة سميكة من المونة، حيث سجل تاريخ تشييد الصهريج في مقابل الدرج، وهي كتابة تؤرخه بعام 172هـ/789م، وتحمل اسم أمير المؤمنين، ويعود هذا التاريخ إلى حكم هارون الرشيد. ويعدّ هذا الصهريج الأثر العباسي الوحيد في فلسطين، كما يعدّ أقدم مثال استعمل فيه العقد المدبب في مشروع لتخزين المياه(51) (شكل 13).

صهريج تنيس
تقع مدينة تنيس في شمال دلتا النيل بمصر داخل بحيرة المنزلة، وهي عبارة عن جزيرة، لذا سعى ولاة مصر في العصور الإسلامية المختلفة، إلى توفير المياه لها، خاصة أنها كانت أحد المراكز الصناعية، حيث اشتهرت بصناعة المنسوجات، ولوقوعها بالقرب من البحر فقد عدت من الثغور.
هجرت تنيس في فترة تاريخية غير محددة، غير أن أهميتها بدأت تقل بصورة واضحة في العصر العثماني، وقد ذكر العديد من المؤرخين أن بتنيس صهاريج ضخمة لتخزين المياه، كشف عن أحدها أثناء إجراء حفائر في تل تنيس الأثري سنة 1979م، وهو صهريج كبير مكون من جزءين متلاصقين متشابهين مستطيلان يكونان معاً شكلاً مربعاً، وكأنهما صهريج واحد يفصل بين جزءيه حائط به دعامات ساندة لزيادة متانة البناء. ويحمل سقفي أحدهما دعامات من صفين، ويبلغ عددها في كل صف خمسة من الشمال إلى الجنوب، وهذه الدعامات تحمل السقف المكون من عقود متقاطعة. ويصل عمق هذا الصهريج 15 متر تقريباً. وقد بطنت جوانب الصهريج ودعاماته بطبقة من الملاط الأملس الشديد الصلابة وغير المسامي، وتتكون مونته من الجير والحمرة (شكل 14).

صهاريج الإسكندرية
انتشرت الصهاريج العامة والخاصة في مدينة الإسكندرية بصورة لفتت انتـباه المـؤرخين والجغرافيين، ويقول عنها ابن فضل الله العمري على سبيل المثال : >والإسكندرية لها بحر خليج من النيل تصل فيه المراكب من مصر (القاهرة) وإليها، ومنها إلى مصر. وفي أوان زيادة النيل يمتلئ هذا الخليج، ويمتد إلى صهاريج داخل المدينة معدة لاختزان الماء بها لشرب أهلها نافذة من بعض الدور إلى بعض. ويمكن النازل إلى الصهريج منها الصعود من أي دار اختار، وتحت تلك الصهاريج توجد آبار النبع بالماء المالح، فهي طبقات الآبار عليها طبقة الصهاريج عليها طبقة البناء<(52).
وكان أهل الإسكندرية يعتمدون على الماء العذب الذي يصل إلى المدينة عبر خليج تم حفره من نهر النيل إليها. ومن هذا الخليج تتفرع قنوات صناعية كانت تبطن بالحمرة ومونة الجير والقصرميل، لتصب المياه في صهاريج المدينة، وذلك حتى القرن التاسع عشر. وقد كشف محمود باشا الفلكي خمسة مجاري مائية، كما قدم لنا حصراً لـ 700 صهريج بالإسكندرية(53)، يتكون معظمها من مستويين أو ثلاثة أو أربعة بالأجزاء العالية من المدينة، وهي إما منحوتة في الصخر أو مبنية بأشكال متعددة، وإما غير منتظمة أو مربعة أو مستديرة أو قائمة الزوايا. هذه الأشكال العديدة تجعل الإنسان يتصور وجودها، إذ منها الصغير الحجم جداً والضخم جداً مما يرجح أنها خزانات عامة(54).
أما أبرز الصهاريج الأثرية الباقية بالإسكندرية فهما صهريجان ؛ صهريج ابن بطوطة و صهريج ابن النبيه، وهذا الأخير شبه مربع، وهو يتكون من ثلاثة طوابق من الأعمدة، كل طابق به 16 عاموداً، كل أربعة منها تكون صفاً واحداً، وتستند إلى هذه الأعمدة عقود تعلو تيجان الأعمدة الجيرانتية.
وتستند العقود إلى جدران الصهريج بواسطة دعامات تحمل العقود، ويقع في الجدار الشمالي بركنه الشرقي مسرب للماء، والمستوى الثاني بالصهريج يشبه الأول. أما المستوى الثالث من الصهريج، وهو الحامل للسقف، فهو يحتوي على عقود من النوع المدبب المنفوخ، وبين هذه العقود أقبية متقاطعة هي المكونة للسقف. وكان يوجد بالصهريج ثلاثة مآخذ للمياه، ويعد هذا الصهريج من روائع المنشآت المائية في العمارة الإسلامية لضخامته ولدقة بنائه.
وكانت الصهاريج تنتشر في كل المنشآت المعمارية خاصة الحربية منها، كصهاريج قلعة قايتباي في بلدة رشيد. وبعض هذه الصهاريج أقيمت فوقها منشآت، بهدف تزويد المارة بالمياه، كالأسبلة وأحواض سقي الدواب التي تحولت إلى منشآت قائمة بذاتها، بغية اكتساب الثواب من الله عز وجل على توفير الماء للناس.

الأسبلة
السبيل مكان لاستقاء الماء. وفي اللغة أسبل المطر، بمعنى هطل. وقد يذَّكر الاسم ويؤنث. قال ابن السكيت يجمع على التأنيث سبول وأسبلة، وعلى التذكير سبل(55).
والمراد بالسبيل المواضع المعدة والمجهزة لسقي المارة في سبيل الله. ويعدّ بناء الأسبلة من الأعمال الخيرية الجاري ثوابها على أربابها بعد الموت ما دامت منفعتها باقية. والحق أن شرف سقاية الناس وتسهيل حصولهم على مياه الشرب في المنطقة العربية عامة، قديم جداً ومعروف، لاسيما وأن البيئة بجوها الحار وبيئتها المتربة قد دفعت المحسنين إلى التباري في إنشاء هذه الأسبلة من أجل خدمة الناس. ويذكر ابن هشام أن أشراف قريش قبل الإسلام تباروا على الفوز بالسقاية بجوار الكعبة لأن فيها رفعة لهم بين قومهم وإعلاء لشأنهم.
وفـي مـصر نـجد أن الـروح الطـيبة الخـيرة قـد سعـت إلـى إيـجاد مصـدر مسـتمر للمـاء وتسهـيله للنـاس فـي أوقـات الحـر والظـمأ، حيـث ظلـت هـذه الـروح قائمة حتى الآن. ولذا، بنيت الأسبلة كمنشآت لتخزين الماء لتقديمه بعد ذلك للمارة لإرواء عطشهم. وأقدم ذكر للسبيل في الكتابات الأثرية التأسيسية كان سنة (470هـ/1078-1077م) في مدينة دمشق، حيث يوجد نص على سبيل بحي عمرا مكتوب عليه : >أنشأ هذا السبيل المبارك السعيد العبد الفقير إلى الله تعالى الحاج محمد الجبوري، عفى الله عنه، سنة سبعين وأربعمائة<.
كما يوجد أيضاً بمدينة دمشق نص تجديد سبيل : >بسم الله الرحمن الرحيم، جدَّد هذا السبيل المبارك الحاج خيرو ابن عبد الله، والله يرحم من كان السبب في الماء ومن أعان على مصالحه ولجميع المسلمين، سنة خمسمائة<.
ويرجع أقدم ذكر للأسبلة في القاهرة إلى عصر الظاهر بيبرس، حيث كان ملحقاً بمدرسته سبيل، وأنشأ السلطان المنصور قلاوون سبيلاً ذا كتاب، جدد سنة (1171هـ/1757م) إلا انه اندثر الآن(56). غير أن أقدم الأسبلة الموجودة بالفعل والتي ما زالت إلى اليوم، هو سبيل الناصر محمد بن قلاوون، حيث بني على واجهة مدرسة السلطان المنصور، ويرجعه كروزويل إلى سنة (726هـ/1326م)(57).
 تنقسم الأسبلة إلى الأنواع الآتية :
أولاً : السبيل المستقل :
هو سبيل قائم بذاته كوحدة معمارية. ومن أقدم هذا النوع من الأسبلة القائمة في القاهرة سبيل الشيخ الملكي الناصري (755هـ/1354م). وهذا السبيل بدوره غريب عن أسبلة عصره، بل ومعظم الأبنية الإسلامية، إذ أنه محفور في الصخر وليس مبنياً، وله واجهة فقط مبنية بالحجر على هيئة دخلة نصف دائرية. والمسقط الأفقي لهذا السبيل عبارة عن قاعتين مستطيلتين منحوتتين في الصخر، ويوجد بكل قاعة من القاعتين صهريج للماء محفور أيضاً في أرض الصخر.
ثانياً : السبيل ذو الكُتَّاب :
يكون غالباً في الطابق الثاني منه على سطح الأرض أو فوقه بقليل حجرة السبيل(58). أما الطابق الثالث، فهو الكتاب الملحق. وأقدم هذا النوع من الأسبلة ذات الكتاتيب في مصر هو سبيل المنصور قلاوون وسبيل وكتاب الوفائية. ويعد أحسن مثل للسبيل ذي الكتاب المتأثر بالعمارة المملوكية الذي بني في القاهرة سنة 924هـ/1535م، وهو من أسبلة العصر العثماني.
ثالثاً : الأسبلة والكتاتيب الملحقة :
 هذا النوع من الأسبلة يكون ملحقاً بكثير من المنشآت المعمارية، مثل المساجد والمدارس والوكالات والخانقاوات والمنازل. ففي زيادة أحمد بن طولون الجنوبية الغربية ألحق السلطان لاجين سنة 656هـ/1296م سبيلاً وكتاباً جدده فيما بعد السلطان قايتباي، وسبيل وكتاب قايتباي بالصحراء بالقاهرة وهو ملحق بمدرسة قايتباي 879هـ/1474م و سبيل وكتاب ملحق بوكالة السلطان قايتباي بالأزهر 881هـ/1477م وسبيل ملحق بقبة الغوري 909هـ/1503م. ومن البيوت التي لا يزال بها سبيل إلى حد الآن بيت الكريدلية، والذي يرجع بناؤه إلى القرنين 16 و17م. كما ألحق عدد من منازل مدينة رشيد بالأسبلة، كمنزل البقراولي ومنزل عصفور ومنزل محارم.

طرز السبيل
لعمارة السبيل طرز خاصة تفنن فيها المهندس المسلم (شكل 15). وتذكر المصادر التاريخية والفنية أنه جرت العادة أن يلحق السبيل بواجهات المنشآت الدينية، لاسيما في زاوية البناء على الطريق(59). وتعد الأسبلة من المرافق التي ألحقت بالمنشآت الدينية مع المحافظة على خط تنظيم الشوارع التي كانت أخذت في الاتساع. وقد استطاع المهندسون أن يلائموا بين البناء المضاف والأصلي بطرق عديدة ابتدعوها، حيث ظهرت بشكل واضح في عصر المماليك الجراكسة، وذلك بإقامتها في نواصي منشآتهم(60).
ويمكن تقسيم طرز الأسبلة إلى أربعة أنواع :
أولاً : طرز السبيل ذي الحجاب :
هذا الطراز من الأسبلة يكون دائماً في زاوية المبنى الملحق به، ويتكون من مساحة مربعة أو مستطيلة، ويرتكز سقفها على عامود أو أكثر، ويغطي واجهة السبيل حجاب من الخشب الخرط، وبه فتحات يسيل منها الماء في أحواض. وأقدم مثل لهذا النوع من الأسبلة يوجد بالقاهرة، وهو سبيل الناصر محمد بن قلاوون (726هـ/1326م)، وسبيل ملحق بمدرسة جقمق (855هـ/1455م). هذا النوع من الأسبلة لا يوجد به سلسبيل لتبريد الماء، وإنما كان التسبيل يتم عن طريق الأحواض مباشرة، ويعلو بعض هذه الأسبلة كُتَّاب لتعليم أيتام المسلمين القراءة والخط والقرآن الكريم.
ثانياً : طراز السبيل ذي الشباك الواحد :
هذا النوع من الأسبلة يكون غالباً ملحقاً بأحد المساجد أو المدارس أو الخانقاوات أو المنازل. و يكون عادة على الطريق العام على يمين المدخل أو يساره، ويتوفر على شباك واحد لكون المساحة التي شيد فيها المسجد أو المدرسة لا تسمح بأكثر من ذلك، حيث تكون ملاصقة لبعض المباني، مما يجعل المهندس يقتصر على جعل السبيل بشباك واحد. ومن أمثلة هذا النوع من الأسبلة، سبيل ملحق بمدرسة جمال الدين الإستادار بالقاهرة (سنة 811هـ/1408م)، وسبيل ملحق بمدرسة تغري بردي (سنة 844هـ/1445م)، وسبيل الوفائية بالقاهرة (سنة 846هـ/1442م)، وسبيل منزل الميزوني، وسبيل منزل حسيبة غزال برشيد.
وهذا النوع من الأسبلة من الداخل هو عبارة عن حجرة مربعة أو مستطيلة حسب المساحة المتبقية من الواجهة، ويوجد في هذا الطراز من الأسبلة في بعض الأحيان دخلة للشاذروان(61)، وفي كثير من الأحيان لا توجد هذه الدخلة. وتشترك أسبلة هذا الطراز وغيره في وجود صهريج للماء عليه خرزة من الرخام. كما تشترك هذه الأسبلة السابقة في كونها ذات شباك واحد عليه مصبعات من النحاس أو الحديد على الطريق العام. ويوجد بأرضيتها من الداخل حوض من الرخام يسيل منه الماء. ومعظم هذه الأسبلة لها كُتَّاب فوقها، يستثنى من ذلك الأسبلة الملحقة بالمنازل.
طراز السبيل ذي الشباكين :
يكون هذا النوع من الأسبلة في أركان المساجد والمدارس والمنازل، بل حتى في بعض الأسبلة المستقلة بذاتها. ومن أمثلة هذا النوع من الأسبلة، سبيل خانقاه الناصر فرج بن برقوق (سنة 803هـ/1400م) وسبيل فرج بن برقوق الملحق بزاويته، وسبـيل ملـحق بالمدرسة الأشرفية، وسبيل ملحق بمدرسة قجماس الإسحاقي (سنة 885-586هـ/1481-1480م) بالقاهرة، وسبيل منزل عصفور، ومنزل البقراولي برشيد.
ويكون تخطيط حجرة السبيل في معظم هذه الأسبلة مربعاً أو مستطيلاً، ويوجد أسفل هذه الأسبلة صهريج لحفظ المياه للمارة مجاور لكل شباك. ويعلو بعض هذه الأسبلة مبنى للكتاب، فيما يعلو بعضها سكن "للمزملاتي" السبيل أو صاحب المبنى.
طراز السبيل ذي الثلاثة شبابيك :
هذه الأسبلة ذات الثلاثة شبابيك تشيد مفردة بذاتها، كوحدة سبيل وكتاب قائمة بذاتها. ومن أمثلة هذا النوع من الأسبلة، سبيل السلطان قايتباي بمنطقة تحت الربع (مندثر)، وقد يكون هذا النوع من الأسبلة ملحقاً بمدرسة، مثل سبيل خاير بك (سنة 908هـ/1503م). وتكون واجهات تلك الأسبلة بارزة عن مستوى واجهة البناء الأصلي. وهذا يبين الأهمية التي بلغتها هذه الأسبلة في أواخر عصر المماليك. وتكون حجرة السبيل، إما مربعة أو مستطيلة صدرها بداخله شاذروان وملحق بها صهريج للماء، وفي أسفل كل شباك من الشبابيك الثلاثة من الداخل حوض يسيل منه الماء، وتصل إليه المياه عن طريق أقصاب مغيبة في باطن الأرض. وكما هو واضح من بروز هذه الأسبلة الأخيرة عن واجهات المباني الملحقة بها، فإنها تنبئ فيما بعد باستقلال وحدة السبيل والكتاب كلية، لتصبح قائمة بذاتها في الغالب الأعم عن عمارة السبيل في العصر العثماني.

طراز الأسبلة العثمانية :
بدأت الأسبلة العثمانية تتبلور منذ عصر السلاجقة في منطقة الأناضول، و ما زال العديد منها باقياً إلى يومنا هذا، ومنها على سبيل المثال، سبيل كوك مدرسة في سيواس الذي شيد عام 1272م(62). وقد تبلورت عمارة هذه الأسبلة أكثر فأكثر في مدينة إستنبول، حيث نجد حجرة السبيل مستطيلة أومربعة تختلف في مساحتها حسب المساحة المخصصة للبناء، وتطل على الشارع بواجهة مقوسة، كما يوجد بهذه الواجهة ثلاثة شبابيك للتسبيل في دخلات ذات عقود قوسية، تتوجها دخلات أكبر وبنفس الهيئة ترتكز على أعمدة رخامية. و قد يزيد عدد شبابيك هذه الواجهة فنراها في سبيل المعماري سنان الذي يعود إلى القرن 16م خمسة شبابيك. وقد وصلت في سبيل السلطان أحمد الثالث الذي شيد عام 1728م(63)، إلى اثني عشر شباكاً.

عمارة السبيل :
اختلفت طرز الأسبلة وتنوعت، إلا أن عمارتها تقوم في الغالب على أسس نظرية واحدة، إذ تتكون عادة من ثلاث طبقات(64).
ــ الطبقة الأولى : وهي عبارة عن صهريج تحت الأرض، وكانت الصهاريج تبنى عادة بالآجر والخافقي في تخوم الأرض لحفظ المياه، وكانت لها قباب غير عميقة(65)، أي ضحلة مقامة على دعامات وقناطر من الحجر المنحوت، وقد غطيت فوهة الصهريج بخرزة من الرخام الصلد ويكون شكلها في الغالب مستديراً. و لم تقتصر بعض الأسبلة على بناء صهريج واحد ودائم. وكانت هناك أنواع من الأسبلة بني بها أكثر من صهريج، ونذكر مثالاً على ذلك، سبيل السلطان قايتباي الملحق بوكالته بالأزهر، حيث يوجد به صهريجان لحفظ المياه. وكانت لهذه الصهاريج منازل عبارة عن سلالم ضيقة، يطلق عليها سلم طرابلسي(66). وكانت هذه الصهاريج تملأ سنوياً في وقت يحدده الواقف عليها، ويتم تنظيفها ومسح ما علق بها من الفطريات، ثم تملأ بالروايا. وتشترك كل الأسبلة في أشكالها على صهريج الماء، وهو المصنع(67) المبني تحت الأرض لخزن مياه السبيل يملأ منه حتى ينفد ماؤه على ميعاد ملئه من السنة التالية.
ــ الطبقة الثانية : تكون في مستوى الأرض أو فوقها بقليل، حيث حجرة السبيل. وهذه الحجرة تكون مربعة أو مستطيلة حسب مساحة البناء. وأرضية هذا الطابق هي سقف الصهريج الذي أسفلها(68)، وتوجد بهذه الحجرة الشبابيك التي عليها مصبعات البرونز أو الحديد أو النحاس. وفي أرضيتها توجد أحواض الشرب، وتكون ملاصقة للشبابيك من الداخل. هذه الأحواض تكون عادة بعدد شبابيك حجرة السبيل، وهي موصلة بأقصاب من الرصاص، حيث الحوض الذي يوجد بأسفل السلسبيل الذي تجمع فيه المياه المسبلة.
وإذا كان الصهريج يعدّ أساساً في بناء السبيل، فإننا نجد أن السلسبيل ليس له الأهمية نفسها التي حظيت بها الصهاريج، إذ وجد كثير من الأسبلة بدون سلسبيلات، ويتم التسبيل في هذه الحالة في الأحواض مباشرة، وربما كان مرجع ذلك إلى صغر حجم هذه الأسبلة. أما في الأسبلة الكبيرة فيوجد في صدرها سلسبيل في الغالب.
ولفظ سلسبيل العربي هو نفسه لفظ شاذروان باللغة الفارسية. وللكلمة أكثر من معنى لعل أهمها السطح البارز، وهو لوح من الرخام المموج أو المنقوش دالات أو مروق(69)، وتكون هذه النقوش بارزة و مموجة(70)، ويسمى الجزء السفلي من السبيل باسم صدر سفلي يعلوه صدر علوي أو قبة الشاذروان. و تكون هذه القبة من الخشب أو الحجر المقرنص(71)، ويعلو هذه القبة طاقية مجوفة ومخوصة، وكان الصدران العلوي والسفلي يوضعان في تجويف مستطيل بصدر حجرة السبيل. ويوجد في أسفل السلسبيل عادة صحن أو حوض من رخام ملون أو فسقية من رخام الخردة.

طريقة تشغيل السبيل :
يوجد بمعظم الأسبلة ذات السلسبيلات في خلف الصدر العلوي حوض كبير ترفع إليه المياه عن طريق صهريج السبيل، ثم ينزل الماء عن طريق أقصاب مغيبة في الجدران حتى يصل إلى حوض آخر في واجهة السبيل يسمى قرقر أو قرقار،  ويكون موضعه بأعلى السطح المائل مباشرة. وهذا الحوض يكون منقوشاً، وأحياناً أخرى يكون ملمعاً بالتذهيب. وتتجمع المياه في هذا القرقر، ثم تنساب على السطح البارز المائل ببط ء متخللة التعاريج الموجودة على السطح، فتتعرض للهواء أكبر وقت ممكن حتى تبرد، ثم تجمع مرة أخرى في حوض أسفل اللوح البارز مباشرة. ويصرف الماء المتجمع في هذا الحوض عن طريق أقصاب مغيبة في باطن الأرض موجهة إلى الشبابيك المطلة على الطريق، حيث توجد أحواض الشرب داخل أرضية الشبابيك، فيأخذ الناس من هذه الأحواض مياهاً عذبة بعد أن يضيف إليها "المزملاتي" ماء ورد لتعطيرها. ويكون الشرب بواسطة كيذان أو أكواب من النحاس مربوطة في سلاسل بشباك السبيل.
وعرفت المدن العربية طراز السبيل العثماني، فالواجهة قد استدارت بعد أن كانت مربعة أو مستطيلة، حيث تعددت شبابيكها(72) التي تغشيها شبكات من النحاس أو الحديد على هيئة قشور السمك. وفي أسفل الشباك، توجد فتحات للشرب على هيئة عقود صغيرة. ومن أمثلة هذا النوع من الأسبلة، سبيل السلطان محمود بشارع درب الجماميز (1164هـ/1750م)، وكذلك سبيل السلطان مصطفى بميدان السيدة زينب (1173هـ/1759م) بالقاهرة.
وكانت المياه في الأسبلة العثمانية تسبل بطريقتين، الأولى وهي الطريقة التقليدية عن طريق كيزان الشرب المربوطة بسلاسل في الشبابيك. أما الطريقة الثانية الجديدة، فكانت عملية الشرب فيهما تتم عن طريق بزبوز من النحاس يخرج من لوح رخامي، وهو موصول بماسورة على هيئة ملتوية تتصل بحوض الماء في الداخل. وتتم عملية الشرب عن طريق السحب بالفم من هذا البزبوز.
 وفي الواقع فإن معظم أسبلة العصر العثماني توجد بها هاتان الطريقتان. كما يمكن القول إن العناية بزخرفة الأسبلة زادت ببلاطات القيشاني ذات النماذج المزهرة أو منظر عام لمدينة مكة المكرمة والكعبة المشرفة.

الطابق الثالث من السبيل :
ويكون في الغالب الأعم من الأسبلة ما هو عبارة عن قاعة الكُتَّاب، وهو مكان لتعليم أبناء المسلمين. وعلى الرغم من ذلك، فقد وجدت بعض الأسبلة التي لا تتوفر في الطابق الثالث على قاعة للدرس، بل قاعات للسكنى، و منها سبيل ملحق بمدرسة قجماس الإسحاقي بالدرب الأحمر (885هـ/1481م). وكان البناء في بعض الأحيان ينتهي عند سقف الطابق الثاني حيث يوجد السطح.
وعلى أية حال، فإن الكتاب يأخذ شكل المسقط الأفقي لحجرة السبيل الموجودة أسفله. فإذا كانت حجرة السبيل مربعة أو مستطيلة، فإن الكتاب يكون على شاكلتها، وكذلك من حيث كونها بشباك أو شباكين أو ثلاثة شبابيك حسب طراز السبيل.
و كانت تقام على واجهات الكتاب عقود مدببة أو نصف دائرية، ويغطي جوانبه السفلية المطلة على الطريق حجاب من الخشب الخرط. كما يعلو العقود ظُلة مائلة من الخشب لها شرافات (رفرف) تلتف حول واجهات كتاب السبيل. وقد يكون للكتاب باب خاص به، مثل سبيل السلطان قايتباي الملحق بوكالته بالأزهر (881هـ/1477م)، أو يصعد إليه بدرج من داخل السبيل، مثل سبيل أزبك اليوسفي     (900هـ/1495م).

العاملون في السبيل :
يوجد بكل مبنى من هذه المباني الخيرية عدد من العاملين يقومون على خدمته، والسهر على حسن سير المنشأة، وإظهارها في أحسن صورها حتى يكون نفعه أعم. ومن أهم العاملين في الأسبلة "المزملاتي"، وهو الموظف المختص بالعمل في السبيل، والذي عليه أن يقوم بتسبيل الماء للناس، وملء الصهريج الخاص بالسبيل، ووضع ماء الورد في أحواض الشرب، وتنظيف المبنى، كما يقوم بحراسة أواني الشرب. وإلى جانب هذه الوظائف المتعددة "للمزملاتي"، فإنه كان عليه أن يقوم بتنظيف الكتاب الملحق بالسبيل، وكان يتولى إنارة السبيل من الداخل  والخارج. وقد اشترطت بعض الوقفيات أن يكون "المزملاتي" مقيماً هو وأسرته في سكن خاص ملحق بالسبيل. وفي كثير من الأحيان، كان يقيم خارج السبيل، إلا أنه كانت له حجرة خاصة به لإحراز أواني الشرب ومتعلقات السبيل.
وقد وضع الواقفون على الأسبلة اشتراطات كثيرة أخذوها على "المزملاتي" لشغل هذه الوظيفة، كأن يكون سالماً من العاهات والأمراض، خاصة الجذام، وأن يكون عفيفاً ديِّناً خيِّراً، وأن يسهل الشرب على الناس، ويعاملهم بالحسنى والرفق حتى يكون أبلغ في إدخال الراحة على الواردين.
وكـان "المـزملاتي" يأخذ جـامكية مـن النقـود شـهرية وكـمية مـن القـمح إلـى جـانب أرطـال مـن الخـبز يومـياً. وإلى جـانب "المزملاتي" كان يوجد بالسبيل عدد من العاملين، نذكر منهم الفراش الذي كان عليه أن يقوم بتنظيف السبيل من الخارج، وإن كان هناك أيضاً من ضمن الوظائف الكناس الذي يتولى الكنس، والسباك الذي كان عليه أن يتولى عمل ما يحتاج إليه السبيل من ترميم الأقصاب و الميازيب والمجاري، والمرخم الذي كان يتولى ما يحتاج إليه السبيل من ترميم ألحقت ببعض السبل ساقية يعين عليها سواق يتولى إدارتها و سوق الماء من بئرها إلى حاصل مائلها، ويقوم بتركيب القواديس للساقية، إلى جانب تقديم العلف للماشية.
ولقد وضع الإسلام مبدأ الرفق بالحيوان خلافاً لما يظنه البعض من أنه مبدأ أوروبي النشأة حديث الظهور، فقد بنى المسلمون لذلك عمائر لرعاية الحيوان، وقد وصلنا على سبيل المثال من العصرين المملوكي والعثماني نوعان من العمائر تهتم بشؤون الحيوانات، من حيث سقيها وإيوائها وطعامها، وهي أحواض سقي الدواب والإسطبلات.

أحواض سقي الدواب(73) 
انتشرت أحواض سقي الدواب في مصر و بلاد الشام في العصر المملوكي (923-648هـ/1517-1250م) والعثماني (1213-924هـ/1798-1517م) انتشاراً كبيراً، إلا أن المصادر التاريخية ذكرت العديد من أحواض سقي الدواب بالقاهرة منذ العصر الفاطمي (567-358هـ/1171-969م).
وانتشرت هذه الأحواض في الطرق الرئيسة للمدن، كقصبة القاهرة وامتدادها ما بين ميدان الحسينية حتى ميدان السيدة نفيسة، مروراً ببابي الفتوح وزويلة، كما انتشرت في الطريق المؤدية إلى القلعة عن طريق الدرب الأحمر وباب الوزير.وقد أنشئت الأحواض في أسواق القاهرة المزدحمة كسوق السلاح وطرق الحج وطرق القوافل إلى الشام والمغرب، إما منفردة أو ملحقة بالخانات.
وداخل القاهرة وجدت الأحواض، إما منفردة أو ملحقة بالعمائر الدينية والمدنية و التجارية والحربية، حيث اتخذت الأحواض موضعاً متميزاً في العمائر بالواجهات الرئيسة لها ليسهل شرب الدواب منها. ويمكن تشبيه أحواض إرواء الدواب اليوم، بمحطات الوقود التي تزود السيارات بالوقود وانتشارها في المدن وعلى الطرق، مما يبين مدى أهميتها.

مادة بناء الأحواض :
تكاد تكون أحواض سقي الدواب المملوكية والعثمانية مبنية كلها بالحجر الفص النحيت الأبيض والأصفر والأحمر. ويبلغ حجم متوسط الحجر الفص النحيت من 30 سم إلى 33 سم في الارتفاع، ومن 15 سم إلى 25 سم في العرض، ومن 55 سم إلى 80 سم في الطول، وهو منحوت نحتاً منتظماً أملس مصقولاً، وهو حجر جيري مستخرج من محاجر القاهرة في المقطم والبساتين وطرة والقرافة.
 وكان متوسط عرض الجدار حوالي المتر، بحيث تبنى الأحجار منتظمة الأبعاد من الجانبين، مع حشو داخله بالدبش والأحجار الصغيرة. وقد اتبع المعماري في بناء كثير من الأحواض النظام المشهر، أي يبني صفاً من المداميك بالحجر الأبيض والصف الذي يعلوه بالحجر الأصفر والأحمر، وهكذا يتوالى الجدار. وكمثال للنظام المشهر هذا، ذاك النظام الذي اتبع في حوض قجماس الإسحاقي الملحق بمجموعته بشارع الدرب الأحمر (886-885هـ/1481-1480م)، وحوض السلطان قايتباي بقرافة صحراء المماليك (879هـ/1474م). وكانت تغطى الجدران من الداخل أحياناً بطبقة من الملاط والجير وجبس وحمرة ورمل.
ويوجد حوضان من العصر العثماني بنيا بالأحجار الرملية، هما حوض إبراهيم آغا مستحفظان بباب الوزير (1659هـ/1070م)، وحوض عبد الرحمن كتخدا بالحطابة قبل (1161هـ/1774م). وكانت مادة لحام الأحجار (المونة) تتكون من مزيج الجير والحمرة والجبص والرمل، وأحياناً يضاف إليها القصر وميل والطين.

تخطيط الأحواض ومكوناتها :
يتضح لنا من الأحواض القائمة الآن في القاهرة، ومن الوصف الوثائقي للأحواض المندرسة، أن التكوين المعماري للأحواض لا يخرج عن مساحة مستطيلة أو مربعة الشكل، وهي عبارة عن حجرة إيوان أو دخلة ذات ثلاثة جدران (صدر وجانبان) والجانب الرابع مفتوح على الطريق، بأشكال وطرز مختلفة لتسهيل دخول الدواب للشرب من الأحواض، وتصل الطرز إلى عشرة أشكال.
كان صدر الحوض والضلعان الجانبيان يحتويان في أحيان كثيرة على عدد من الدخلات، ويختلف عدد هذه الدخلات من حوض إلى آخر حسب مساحته. فهي على سبيل المثال، خمس دخلات بصدر حوض قايتباي بالأزهر (882هـ/1477م)، وهي أربع دخلات بحوض عبد الرحمن كتخدا بالحطابة قبل (1174هـ/1761م)، وهي ثلاث في حوض قجماس (885هـ/1480م). وكانت الأحواض تحتوي في الغالب على دخلة واحدة في الضلعين الجانبيين. وكانت الدخلات تتوج من أعلاها، إما بعقود منكسرة ذات زخارف مشعة، وتنتهي بصف من العقود المنكسرة الصغيرة تشكل في النهاية الهيئة الكلية للعقد المنكسر الكبير في حوض قجماس وأزبك اليوسفي (900هـ/1495م)، أو يتوج الدخلة شكل ورقة نباتية خماسية الفصوص، مثل الدخلة الجانبية لحوض قجماس، أو يتوج الدخلة عقد محاري كما في حوض عبد الرحمن كتخدا بالحطابة، أو المقرنصات ذات الدلايات كما في حوض قايتباي في الصحراء (789هـ/1474م)، وأحياناً تنتهي الدخلة بهيئة مسطحة أو بحافة مائلة كما في حوض قايتباي في الأزهر (882هـ/1477م). وكان يوجد على جانبي هذه الدخلات أعمدة بنيت من نوع أحجار بناء الدخلات. وكان يوجد في الجزء السفلي من هذه الدخلات ميازيب (بروازات) حجرية كانت تسمى في الوثائق (مجاري حجرا)، وكانت تتصل بأقصاب (أنابيب) الرصاص أو الفخار التي تنقل الماء لقصبة في الأحواض الحجرية أو الرخامية التي تقع تحتها، ومنها أمثلة باقية في حوض قايتباي في الأزهر.
وأحياناً كان يعلو الحوض سواء بالصدر أو الضلعين الجانبيين طراز (شريط) كتابي بخط الثلث المملوكي، تتخلله أحياناً رنوك تحوي نصوصاً إنشائية ودعائية، مثل حوض أم السلطان شعبان (770هـ/1368م). وقد نص كتاب وقف الأمير عبد الرحمن كتخدا رقم 940 المحفوظ في وزارة الأوقاف المصرية رقم 940، على أن حوضه في الأزبكية كان بصدره أربعة ألواح من الرخام مكتوب عليها تاريخ محلى بالذهب.
وأهم ما يحويه الحوض ويؤدي الوظيفة الرئيسة له، هي الأحواض الحجرية في غالبيتها والقليل منها كان رخامياً، التي تستخدم لسقي الدواب، ومعظمها مستطيلة الشكل والقليل منها بيضاوي أو دائري. وتقام هذه الأحواض بجانب الجدران وخصوصاً الجدار المواجه لمدخل الحوض. ويختلف عدد هذه الأحواض من حوض لآخر، فعلى سبيل المثال يوجد حوض واحد في حوض شرف الدين يحيي (875هـ/1470م)، وحوضان اثنان في حوض خجا بردي في ميدان الرميلة (877هـ/1473م)، وثلاثة في حوض دولات باي (881هـ/1476م)، وأربعة في حوض الوزير مصطفى في سوق السلاح (969هـ/1061م)، وخمسة في حوض الأمير رجب ببركة الحاج (1071هـ/1660م).
وكان أحياناً يتقدم الأحواض التي في صدر الحوض حاجز على هيئة سور، مثل الحاجز المرمم حديثاً في حوض قايتباي بالأزهر. 

سبيل المصاصة (الششمة) بالأحواض :
كان يلحق أحياناً بواجهة الحوض أو بداخله سبيل مصاصة، المعروف باسم ششمة، وهو عبارة عن لوح رخامي صدر حوض، ويعلوه صنبور (حنفي) أو أكثر ليتزود الناس منه، وهذا التكوين مماثل لما هو ملحق ببعض الأسبلة العثمانية، ومثال ذلك اللوح الرخامي ذو الثلاثة صنابير بواجهة حوض عبد الرحمن كتخدا في الحطابة، وكذلك بواجهة حوض حسن أوده باشي بخط سويقة العزي. أما حوض عبد الرحمن كتخدا في الأزبكية، فقد وضع اللوح داخل الحوض، وكذلك وضع لوح رخامي ذو أربعة صنابير في داخل حوض علي كتخدا في الرميلة.

أرضية الحوض :
بعض أرضية هذه الأحواض ترابية و بعضها مبلطة، وقد نصت كثير من وثائق الوقف الخاصة بالأحواض أن أرضيتها كانت تغطيها تبليطة من الحجر الكدان، مثل حوض السيفي برقوق بالرميلة (875هـ/1470م)، أو تبليطة من الحجر، مثل حوض شرف الدين يحيى في الجودرية (875هـ/1470م)، أو تبليطة مفروشة أرضيتها بالحجر الفص النحيت، مثل حوض الطحاوي بالإمام الشافعي (1099هـ/1688م)، أو تبليطة من الحجر الكدان كما في حوض مصطفى شاهين في سوق السلاح (969هـ/1561م) أو يتقدمها زلاقة من الحجر. وهذه الزلاقة تعني التبليط ببلاطات ناعمة الملمس مصقولة بها ميل بسيط، بحيث ينزلق الماء الزائد عليها ليصب في بالوعة، مثل حوض جمال الدين الإستادار بخط فم الخور (812هـ/1409م)، وأحياناً تكون الزلاقة حجراً أحمر كداناً أوعادياً كما في حوض خجا بردي في الرميلة (877هـ/1473م)، وحوض سليمان آغا الكوجكلي (1078هـ/1667م).

سقف الأحواض :
مـعظم أحـواض الـدواب كانت مغطاة بأسقف خشبية والقليل بقباب وأقبية، ولا يوجـد في الـوثائق ما يشـير بوضـوح إلى أن بعـض الأحـواض كانت بلا سقـف، بـل أحيـاناً لا يـذكر فـي الوثيـقة نـوع التـغطية. وكانت هـذه الأسـقف الخشبية تعتمد على براطيم (عروق) كبيرة من أفلاق النخيل مغشاة بالأخشاب الرقيقة، وفوق تلك البراطيم ألواح خشبية مربعة ومستطيلة. وكانت بعض الأسقف ترتكز على إزار. وقد زينت بعض الأسقف بنقوش ذات ألوان زيتية مختلفة، وذهبت وحليت باللازورد، مثل أسقف الإيوانات في المدارس، وغيرها، وبعضها مغشاة من باطنها بحشوات خشبية مجمعة على هيئة أشكال هندسية ونباتية رائعة التكوين، مثل أشكال الأطباق النجمية وأجزائها، كما في سقف حوض أم سلطان شعبان (770هـ/1368م). وكمثال للأحواض المذهبة والملونة، أحواض السلطان قايتباي وأزبك اليوسفي.
ونجد كثيراً من المصطلحات الوثائقية لأَسقُف بعض الأحواض هي نفسها مصطلحات أَسقف المدارس، مثل (مسقف نقيا)، حيث نراه في حوض علي كتخدا في الرميلة (1178هـ/1764م) وأبو الذهب (1788هـ/1744م). ومن الأحواض التي لها رفرف مائل يقي من المطر والشمس، حوض أزبك، وقايتباي بالأزهر، وقايتباي في الصحراء.
أما تسقيف الأحواض بالقباب الضحلة والأقبية، فأمثلتها قليلة، وتتمثل في حوض السلطان حسن، حيث غطي بقبو مدبب، وحوض السلطان الغوري بمصلى المؤمني بخط الميدان السلطاني الذي غطي بقبو كذلك، حيث نصت وثيقة وقفه أنه (مسقف عقداً)، وذلك لأن المصلى كان مغطى بالقباب والأقبية كذلك.
ومن العصر العثماني لا نجد إلا بعض أحواض عبد الرحمن كتخدا التي غطيت بأقبية وقباب عرفت في كتاب وقفه ووثائقه باسم (قبب معقودة)، وهي حوض بالحطابة، وحوض بالقرافة الصغرى، وحوض بالسيدة نفيسة، وحوض بعرب آل يسار، وهذه القباب مقامة على مثلثات كروية من الآجر، وقد بنيت القباب والأقبية كذلك من الآجر.

تزويد الأحواض بالماء :
كل أحواض إرواء الدواب كانت تستمد ماءها عن طريق السواقي الموضوعة على الآبار. وكانت الساقية ترفع الماء إلى حامل في مستوى علوي وتتفرع منه مجاري مائية، سواء أكانت حجراً أو أقصاباً فخارية أو رصاصاًً، تنقل الماء إلى أحواض سقي الدواب وإلى الميضأة. ومن أمثلتها الباقية، ساقية السلطان قايتباي بالصحراء و مجاريها المائية المتفرعة منها، ومنها مجرى يصل إلى الحوض.

الطرز العشرة لأحواض سقي الدواب :
صنفت أشكال أحواض سقي الدواب إلى عشرة أشكال من خلال الأحواض القائمة منها، ومن خلال الوصف الوثائقي للمدروس منها. وتتمثل هذه الطرز فيما يلي :
ــ الطراز الأول : يتميز بفتحه على الطريق بواجهة مفتوحة كلها، مثال ذلك حوض أم السلطان شعبان، وحوض قجماس الإسحاقي، وحوض أزبك اليوسفي.
ــ الطراز الثاني : يتميز بأنه مفتوح على الطريق بواجهة مفتوحة على جانبيها كتفان، مثال ذلك حوض السيفي برقوق، وحوض سليمان باشا.
ــ الطراز الثالث : يتميز بأنه مفتوح على الطريق بعقد مدبب، مثل حوض جوهر اللالا، وحوض شرف الدين يحيى، وحوض إبراهيم آغا مستحفظان.
ــ الطراز الرابع : يتميز بأنه مفتوح على الطريق بعقدين يرتكزان على عمود أوسط، ومثال ذلك حوض أينبك أسفل الربع، وحوض جمال الدين الإستادار بفم الخور، وحوض أبو الذهب بالأزهر.
ــ الطراز الخامس : يتميز بفتحه على الطريق بمدخلين بينهما كتف يحمل السقف، وأحياناً عمود يحمل السقف بدل الكتف، ومثال ذلك حوض قايتباي بالأزهر وحوض السلطان مصطفى في خط قناطر السباع.
ــ الطراز السادس : يتميز بأنه يفتح على الطريق ببائكة من ثلاثة عقود ترتكز على عمودين، ومن ذلك حوض دولات باي، وحوض طوغان الدمرداش، وحوض كتخدا بالرميلة.
ــ الطراز السابع : يتميز بأنه مفتوح على الطريق بثلاثة مداخل، بينها كتفان يحملان السقف، ومثال ذلك حوض مصطفى باشا شاهين بسوق السلاح.
ــ الطراز الثامن : يتميز بأنه مفتوح على الطريق ببائكة من أربعة عقود ترتكز على ثلاثة أعمدة، ومثال ذلك حوض مصطفى باشا شاهين في سوق السلاح.
ــ الطراز التاسع : يتميز بأنه مفتوح على الطريق بأربعة مداخل ترتكز في الوسط على ثلاث دعامات حجرية، وعلى الكتفين الجانبيين لحمل السقف مباشرة دون عقود، ومثال ذلك حوض قايتباي بالصحراء.
ــ الطراز العاشر : يتميز بأنه مفتوح على الطريق ببائكة من خمسة عقود، ومثال حوض الأمير رجب ببركة الحاج، وحوض الأمير حسن بيك بقصر العيني.
إذا كانت هذه طرز أحواض سقي الدواب في مصر وبلاد الشام، فإن أحواض سقي الدواب عرفت أيضاً في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، إلا أنها لم تصل في الفخامة إلى مستوى أحواض القاهرة. وتحتفظ بعض المدن الأناضولية (تركيا اليوم) بنماذج من أحواض سقي الدواب السلجوقية، ومن أمثلتها الحوض الملحق بمدرسة شلبي سلطان في ميدان ميرزافون(74).
وفي المغرب كانت الأحواض تلحق بالمساجد و تكون منفصلة عنها، وكان يصل إليها الماء الذي يفور من أحواض الأسبلة أو السقايات عن طريق أقصاب من الفخار، حيث يصب في أحواض سقاية الدواب التي شكلت معمارياً من دخلات عميقة صغيرة تقع في أسفل صدر حائط السقاية. وفي أسفل تلك الدخلات تقع أحواض عميقة في أرضية السقاية ليسهل الشرب منها(75).

الخدمة بالأحواض :
بالرغم من أن أحواض سقي الدواب بنيت ووقفت أساساً لسقي الدواب، إلا أنها حبست أيضاً لينتفع الناس بمائها في غسل أثوابهم وأوانيهم وملئها ولوضوئهم واغتسالهم وللتزود منها بالماء للاستعمالات المنزلية، وغير ذلك من المنافع. وقد عمل الواقفون على تعيين خادم للحوض أو قيم أو فراش لتمكين الدواب من الشرب بسهولة، ومساعدة الناس للاستفادة من ماء الحوض، كما أوكل إليه تنظيف الحوض وكنسه وغسله، وتجفيف أرضيته، والرش أمامه، والعمل على ملء الحوض بالماء بصفة دائمة. وكان العمل يبدأ من مشرق الشمس إلى آخر النهار أو أذان العشاء(76).

تزويد المنشآت بالمياه
تجدر الإشارة هنا إلى أن ضخامة العمائر الدينية الإسلامية و استمرار الحياة في بعضها ليلاً ونهاراً، وحاجة القاطنين فيها إلى المياه، جعلت موارد المياه في معظمها تنحصر في مصدرين : أولهما، خصصت مياهه للشرب و لإعداد الأطعمة في بعض تلك المنشآت ؛ ففي مصر كانت المياه تجلب من نهرالنيل لملء الصهاريج. وثانيهما الآبار التي كانت ترفع منها المياه عن طريق السواقي أو الدلاء، وكانت تخصص للاستعمال اليومي في الوضوء والاغتسال وقضاء الحاجات، سواء بالنسبة للقاطنين في المنشأة، أو المترددين عليها على حد سواء(77). وقد بقيت لنا كتلة مباني البئر والساقية الخاصة بمدرسة السلطان حسن، بما فيها من أحواض وقنوات لنقل المياه إلى أجزاء المدرسة المختلفة(78). وكانت المياه المستخرجة من الآبار عن طريق السواقي تجمع في أحواض وتوزع عن طريق مقاسم المياه على أجزاء المنشأة المختلفة بواسطة أنابيب فخارية، مثل الأنابيب التي كشفت عنها حفائر هيئة الآثار المصرية بمجموعة المنصور قلاوون، والأنابيب الفخارية المحمولة على الكوابيل الحجرية خارج مدرسة السلطان حسن. ومن الوسائل الأخرى لتوزيع المياه، قنوات منحوتة في الحجر بشكل حرف "V"، التي تمتد على طول الحائط لإيصال الماء إلى المطبخ والمطهرة وبيوت الخلاء والقاعات والفسقية بالصحن(79). وقد حرص عدد كبير من أصحاب المنشآت الدينية في العصر المملوكي على وجود "مزملة" بالقرب من الصهاريج، لتوفير مياه الشرب داخل المنشأة، وهي عبارة عن دخلة يوجد بها زير فخاري يوجد أعلاه ملقف هواء لتوفير تيار هوائي مستمر يبرد المياه(80).
ولا نستطيع أن ننهي هذا الفصل دون أن نذكر ذلك الإنسان الذي تحمل الكثير من الصعاب من أجل توفير الماء للمدن، وكانت الأخلاق والأمانة هما رأس ماله، ألا وهو :

السقاء :
والمقصود هنا، الرجل الذي يتولى نقل الماء من النهر إلى صهاريج الأسبلة والمنشآت لملئها بالروايا والقِرَب المحمولة على ظهور الجمال أو الحمير. وكان عمله موسمياً أو سنوياً، وغالباً أثناء موسم الفيضان، كما كان الحال في مدينة القاهرة.
كانت هذه الفئة تتبع شيخ طائفتها، وقد أمدتنا كتب الفقه والحسبة بالشروط العديدة التي يجب أن تتوافر فيهم، حيث كان يحددها المحتسب ويطالبهم بها ويحاسبهم عليها، ومنها ملء الروايا والقِرَب من وسط النهر حتى يبتعد عن مواضع الأوساخ، وأن يكون السقاء رجلاً أميناً لا يخلط ماء البحر بغيره من المياه المالحة، ولا يتخذ راوية أو قربة جديدة حتى لا يتغير طعم الماء أو لونه أو رائحته من أثر الدباغة، وأن يكون لها غطاء ظاهر كثيف وساتر لها حتى يسلم الناس من تلويث ثيابهم. كذلك يجب أن تكون القربة خالية من الخرق، لأن الماء ينقص وهذا غش. ولا يملأ الماء بالليل لتعذر الاحتراز فيه، وإن فعل فعليه أن يزيد في الاحتياط، هذا إضافة إلى شروط عديدة في آداب السير في الطريق ودخول البيوت وفي الملبس أيضاً.
كان تطبيق شروط الحسبة صارماً في الأندلس ؛ ففي مدريد كان السقاؤون ينقلون الماء من القنوات إلى المنازل وسط دهشة زائري المدينة من الأجانب. وكان عمل السقائين يخضع لرقابة محتسب المدينة، حيث خصصت لهم أرصفة في المناطق التي يقل فيها اندفاع تيار الماء. وكان يحظر على أصحاب المراكب أو أي إنسان آخر، منازعتهم في هذا الحق. وكانت مخالفة هذه الأمور تؤدي إلى السجن أو التعرض للعقاب الجسدي حسب ما يقرره المحتسب الذي كان عليه أيضاً مراقبة السقائين ونقاء الماء الذي يجلبونه و نظافته. وفي رسالة "ابن عبدون" أخبار حول المعاملات الخاصة بالماء في إشبيلية الأندلسية، نذكر منها أنه كان يحظر على النساء غسل ملابسهن في مكان استخراج السقائين للماء، وكان يخصص لهن مكان أكثر ستراً، وكان يمنع إلقاء القاذورات والبقايا في مياه الوادي الكبير.
وفي مدينة فاس بالمغرب انتشر سقاة يحملون الماء إلى البيوت التي لا تصلها القني، كما كانوا يقدمون الماء إلى المارة في الأماكن العامة لإرواء عطشهم. وكانوا يكثرون التنقل في الأسواق والمزارات، حيث يجلس القصاصون وينشر التجار بضائعهم. وكانوا يحملون الماء على ظهورهم في قربة مصنوعة من جلد الماعز مخيطة خياطة جيدة، وقد احتفظ بالشعر على الجلد. وكان السقاة يصبون الماء للزبائن في أكواب معدنية يحملونها في أحزمتهم. وكان الجرس الذي يقرعونه، للفت النظر إلى وجودهم، تتمة لعدتهم. وفي حالة تزويد المساكن بالمياه، فقد كانوا يحملونها في براميل على ظهور الحمير.
 وكانوا يحصلون على أجرهم من الزبائن، بينما كان على المحتسب أن يتأكد من أمانتهم ونظافتهم. وكان هؤلاء السقاة يهرعون إلى إخماد نيران الحرائق، فإذا شب حريق في مكان ما، أسرع السقاة بقربهم وبراميلهم، وأعانهم في ذلك كل من كان عنده وعاء يستحق الذكر(81).


(1) ابن منظور، لسان العرب، مادة (سدد).
(2) الموسوعة العربية الميسرة : (سد).
(3) محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، تفسير سورة الكهف.
(4) د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 2، ص 281-280.
(5) د. رمضان عبده علي، الشرق الأدنى القديم وحضاراته، ج 3، ص 239، دار نهضة الشرق، بيروت، 2001م.
(6) د. جواد علي، مرجع سابق.
(7) حماد السالمي، الظاهرة السدودية في وادي عرضة، ص 87-83، مجلة الفيصل، العدد (176)، الرياض، أغسطس 1991م .
(8) المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، المواعظ والاعتبار بذكر  الخطط والآثار، ج 2، ص 450-419، دار الثقافة الدينية، القاهرة.
(9) ابن مماتي، أبو المكارم أسعد، قوانين الدواوين، ص 232، تحقيق عزيز سوريال، مطبعة مصر، 1943م.
(10) ابن مماتي، قوانين الدواوين، ص 233.
(11) محمد حمدي المناوي، نهر النيل في المكتبة العربية، ص 138، الدار القومية للطباعة، القاهرة، 1966م.
(12) جمال حمدان، شخصية مصر، ج 1، ص 165، القاهرة، 1980م.
(13) سورة يوسف، الآيات 49-47.
(14) المقريزي، مصدر سابق، ج 1، ص 75.
(15) ذكر ابن دقماق في كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار، ج 5، ص 17، أن بقايا مقياس أنصنا كانت موجودة في عصره.
(16) ابن عبد الحكم، فتوح مصر، ص 16.
(17) المصدر السابق، ص 16، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج 2، ص 310.
(18) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج 2، ص 298.
(19) ابن تغري بردي، مصدر سابق، ص 311.
(20) ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 1، ص 341-229، بولاق، 1299هـ.
(21) المقريزي، الخطط، طبعة دار الشعب بالقاهرة مصورة عن طبعة بولاق، 1853،ج 1، ص 112-104.
ــ عــاصم رزق، المنــشآت المــائية فــي مــصر الإســلامـية مــن الفــتح العـربي حتـى نهـاية العـصر الأيـوبـي، ص 280-274، بحث في كتاب النقائش والرسوم الصخرية في الوطن العربي، تونس، 1997م.
ــ محمود أحمد، دليل موجز لأشهر الآثار العربية بالقاهرة، طبعة بولاق، 1938، ص 31.
(22) محمود أحمد، المرجع نفسه، ص 36-31.
(23) المرجع نفسه، ص 31.
(24) المرجع نفسه، ص35، وانظر أيضاً : كراسات لجنة حفظ الآثار العربية : من الكراسة (11) عن سنة 1894م، تـ 163، ص 33-32 و ما بعدها، إلى الكراسة (40)، (1935-46) تـ 856، ص 2 وما بعدها.
(25) الإصطخري : مسالك الممالك، طبعة ليدن، 1927، ص 49.
(26) الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، طبعة ليدن، 1866م، ص 144.
(27) المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة ليدن، 1909م، ص 408 ، انظر أيضاً : آدم متز : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة د. محمد عبد الهادى أبوريدة، بيروت، بدون تاريخ الطبع، ج 2، ص 364-362.
(28) كمال الدين سامح : العمارة الإسلامية في مصر، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983م، ص 18-17.
(29) المقريزي : المصدر السابق، ج 1، ص 105.
(30) د. عبد الرحمن زكي : القاهرة، تاريخها وآثارها من جوهر القائد إلى الجبرتي المؤرخ، القاهرة، 1966م، ص 86.
ــ حسن عبد الوهاب : بين الآثار الإسلامية، القاهرة ، 1947م، ص 4.
ــ عاصم رزق، مرجع سابق، ص 279.
(31) فــريد شــافعـي : العـمارة العـربـية الإسـلامية، ماضـيها وحاضـرها ومستقبلها، طبــع جامـعة الـرياض، 1982م، ص 34-33.
(32) راجع : كريزويل وترجمة عبد الهادي عبلة : الآثار الإسلامية الأولى، دمشق، 1984م، ص 358.
(33) كمال الدين سامح : المرجع السابق، ص 17. ولمعلومات أخرى عن المقياس ومنشئه وعمارته انظر : ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة دار الكتب المصرية، 1931م، ج 2، ص 326-324.
ــ السيوطي : حسن المحاضرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة بولاق، 1980م، ج 2، ص 201.
ــ أمين سامي باشا : تقويم النيل، المطبعة الأميرية، 1916، ص 92-56.
ــ أحمد بن عبد الغني الحنفي : أوضح الإشارات في من تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات، الملقب بالتاريخ العيني، القاهرة، 1978م، ص 256.
ــ حسن الباشا : مدخل إلى الآثار الإسلامية، القاهرة، 1979م، ص 218-216.
ــ انظر أيضاً المراجع الأجنبية عنه :
1. Creswell, K. A. C.
The Muslim Architecture of Egypt, Oxford, 1952-9, vol. l , p. 163.
Early Muslim Architecture, London, 1958, p, 296.
2. RivoiraG. T. : Muslim Architecture, Oxford, 1918, p. 148.
3. Sauvaget et Comb : Répèrtoire Chronologique dصEpigraphie Arabe , Le Caire, 1937, T. 2, p. 53, texte 472.
4. Van Berchem, M. : Coups Inscription Arabicarwn, Paris, 1903, T. XIX, pp. 18-19.
(34) ميخائيل عواد : صور مشرقة من حضارة بغدد في العصر العباسي، ص 122-121، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986م.
(35) محمد فؤاد مرابط : الفنون القديمة عند القدماء، ص 208-207، 1935م.
(36) هو الأمير أبو العباس أحمد بن طولون ولد ببغداد (220هـ/835م) لأب مملوكي تركي من منغوليا، تولى حكم مصر نيابة عن الأمير باكباك سنة 254هـ/868م، استقل بمصر عن الدولة العباسية، وتوفي سنة 280هـ/884م، وظلت مصر مستقلة حتى أخضعها العباسيون لحكمهم. ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ج 1، ص 69-68، ص 173، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت، بدون تاريخ.
ــ ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ج 1، ص 40-37، ص 162-161، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982م.
(37) د. فريد شافعي، العمارة العربية الإسلامية في مصر الإسلامية، المجلد الأول، ص 501، الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1994م.
(38) فريد الشافعي : العمارة الإسلامية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ص 111، جامعة الملك سعود، الرياض، 1982م.
(39) المقريزي : المصدر السابق، ج 2، ص 230-229.
(40) المقريزي : المصدر السابق، ج 2، ص 230-229.
ــ د. عاصم رزق : "المنشآت المائية في مصر الإسلامية من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي"، ص 293-291، بحث في كتاب النقائش والرسوم الصخرية في الوطن العربي، تونس، 1997م.
(41) المقريزي : المصدر السابق، ج2 ، ص 244.
(42) لمزيد من المعلومات عن قناطر مياه القلعة بالقاهرة، انظر :
ــ د. عـبد الـرحـمن زكـي : القاهرة، تـاريخهــا وآثـارها مـن جـوهــر القائد إلى الجبرتي المؤرخ، القاهرة، 1966م، ص 111-108.
ــ كراسات لجنة حفظ الآثار العربية : الكراسة (5) عن سنة (87/1888م) وما بعدها.
ــ د.عاصم رزق : مرجع سابق، ص 294.
ــ د.سامي نوار : المنشآت المائية بمصر، ص 83 100-، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، 1999م.
Creswell, K. A. C. : The Muslim Architecture of Egypt, Oxford, 1952-9 , part  l , p. 250-264.
(43) د. عبد العزيز الدولاتلي : مدينة تونس في العهد الحفصي، ص 131-128، دار سراس للنشر، تونس، 1981م.
(44) محمد العبدري : الرحلة المغربية، ص 40، تحقيق محمد الفاسي، الرباط، 1968م.
(45) القاضي حسين السياغي : معالم الآثار اليمنية، ص 11، مركز الدراسات والبحوث اليمنية، صنعاء، 1990م.
(46) ابن عبد الظاهر، محي الدين أبو الفضل عبد الله بن عبد الظاهر : الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة، القاهرة، ص 19، تحقيق د. أيمن فؤاد سيد، الدار العربية للكتاب، 1996م.
(47) بول كازانوفا : تاريخ ووصف قلعة القاهرة، ص 87-83، ترجمة أحمد دراج ومراجعة د. جمال محرز، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974م.
ــ ناصر الرباط :  تاريخ قلعة القاهرة، ص 6-5، مؤسسة آغا خان، 1989م.
(48) المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة، تحقيق حمد الجاسر، ص 310، ط 2، دار اليمامة، الرياض، 1983م.
(49) رحلة ابن جبير، ص 185.
(50) رحلة ابن بطوطة، ص 175.
(51) د. كـمال الدين ســامح : العـمارة فـي صـدر الإسـلام، ص  157-154، الهـيئة المصـرية الـعامة للكتاب، 1982م.
(52) ابن فضل الله العمرى، شهاب الدين أحمد بن يحيى : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ص 146، تحقيق د. أيمن فؤاد سيد، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، القاهرة، 1986م.
ــ د. خالد عزب : فوه مدينة المساجد، ص 16، الأهرام، 1989م.
(53) محمود باشا الفلكي : الإسكندرية القديمة، ص 89-54، دار نشر الثقافة بالإسكندرية، 1967م.
(54) هـيرتس باشا : "صـهاريج الإسكـندرية"، ملـحق التقـرير 238، كراسـة لجـنة حفظ الآثار العربية لسنة 1898م.
(55) قاموس المصباح المنير : ج 1، ص 121.
(56) النويري : نهاية الأرب في فنون الأدب، ج 26، ص 30. محفوظ بدار الكتب تحت رقم 549، معارف عامة.
ــ علي مبارك : الخطط التوفيقية، ج 6، ص 62.
(57) Creswell : Muslim Architecture of Egypt, vol. 2, p. 275.
(58) يكون تحت حجرة السبيل دائماً صهريج للماء في باطن الأرض يُحفظ فيه الماء سنوياً. د. حسني نويصر : مجموعة سبل السلطان قايتباي بالقاهرة، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، 1970م.
(59) د. زكي محمد حسن : فنون الإسلام، ص 28.
(60) أحمد عطية : دائرة المعارف الحديثة، ص 277.
(61) الشاذروان : كلمة فارسية، وهي تدل في الأسبلة على لوح رخامي تجرى عليه المياه لتبريدها ثم تجمع في فسقية أسفله من الرخام.
(62) أوقطاي آصلان آبا : فنون الترك وعمائرهم، ص 235، ترجمة أحمد عيسى، إرسيكا، إستنبول، 1987م.
(63) د. محمود الحسيني : الأسبلة العثمانية، ص 36-35، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1988م.
(64) علي مبارك : الخطط التوفيقية، ج 1، ص 97.
(65) عبد اللطيف إبراهيم : وثيقة وقف قراقجا الجسني، ص 234.
(66) وثيقة قايتباي : أوقاف رقم 886، ص 197، سطر 12.
والسلم الطرابلسى : مصطلح عند رجال المعمار في العصر المملوكي، وهو نوع من السلالم تتكون من قلبة واحدة محصورة بين حائطي المبنى، وكان يغلف بالبلاط الكدان. انظر عبد اللطيف إبراهيم : دراسات تاريخية وأثرية، تحقيق 294، ص 18.
(67) المصنع : حاصل أو صهريج مبني تحت الأرض لخزن الماء.
انظر علي مبارك، الخطط، ج 6، ص 58.
(68) وثيقة وقف قايتباي، ص 39، سطر 6.
(69) عبد اللطيف إبراهيم : دراسات تاريخية، تحقيق 129، ص 14.
(70) محمد عبد العزيز مرزوق : الفن المصري الإسلامي، ص118 .
(71) من أحسن الأمثلة الحجرية الصدر المقرنص بسبيل ملحق بمدرسة خاير بك بشارع باب الوزير. أما الصدر الخشبي فيوجد بسبيل السلطان قايتباي بالصليبة. د. حسني نويصر، مرجع سابق.
(72) د. عبد الرحمن زكي : القاهرة، تاريخها وآثارها، ج 2، ص 84-83.
(73) د. محمد الشيشتاوي : منشآت الرفق بالحيوان في مدينة القاهرة في العصرين المملوكي والعثماني، رسالة دكتوراه، كلية الآثار، جامعة القاهرة، 2001م.
(74) د. طـلال شعـبان : الـمدارس الـباقية في قونية والقاهرة خـلال عـصري سـلاجقة الـروم والمماليك البحرية، ص 315، رسالة دكتوراه، كلية الآثار، جامعة القاهرة.
(75) د. محمد الكحلاوي : "القيم الدينية وآثارها في تخطيط عمارة المساجد"، بحث في كتاب بحوث الآثار الإسلامية في المغرب والأندلس، ج 1، ص 97-96، القاهرة، 1999م.
(76) د. محمد الششتاوي : مرجع سابق، ص 220-219.
(77) د. آمال العمـري : "مـوارد المـياه وتوزيعـها فـي بـعض المنشـآت الدينـية السـلطانية بـمدينة القـاهرة"، ص 282، مجلة كلية الآداب بسوهاج (مصر)، العدد السابع، 1988م.
(78) المرجع السابق، ص 287.
(79) Saleh La mei, Madrasa , Hanqahund Mausoleum des Barquq in Kairo, p. 125.
Saleh La Mei, Kloster and Masoleumdes .
Farg Ibn Baraquq in Kairo, cgluckstadt, 1968 , p. 136.
(80) المزملة : هي القدر من الفخار تكسى أو تزمل بالقماش المبلول لحفظ الماء دون عفن. د. حسن الباشا : الفنون والوظائف، ج 3، ص 1081-1080.
ــ د. محمد مصطفى نجيب : "المزملة كمورد لمياه الشرب بمنشآت القاهرة في العصر المملوكي"، مجلة كلية الآثار (جامعة القاهرة)، ص 152، العدد 2، 1977م.
(81) روجيه لوتورنو : فاس في عصر بني مرين، ص 74-73، ترجمة الدكتور نقولا زيادة.
http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/Mochkil%20Miyah/P5.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق