قراءة في كتاب
الجيش المغربي عبر التاريخ
للأستاذ عبد الحق المريني
في اطار اغناء الركن الخاص بالتاريخ يسعدني أن أقدم قراءة في كتاب للمرة الثانية قام الاستاذ منير البصكري ،والكتاب هذه المرة كتاب مغربي مئة بالمئة ،إنه كتاب الجيش المغربي عبر التاريخ، لكاتبه الأستاذ عبد الحق المريني ،صدرعن دار النشر المعرفة بالرباط .
وبالنظر الى أهمية وقيمته، فقد تمت طباعته عدة مرات بشكل منقح ومراجعة دقيقة، وقد زادت هذه الاهمية عندما ترجم الى اللغة الفرنسية على يد الأستاذ أحمد بن جلون، وقد جاءت هذه الترجمة وافية ودقيقة ومستوعبة للموضوع بأسلوب بسيط ومؤد الى المعنى.
إن ترجمة رجمة كتاب الجيش المغربي عبر العصور الى الفرنسية سيكشف لأولئك الذين يجهلون قيمة الجيش المغربي ماضيا وحاضرا، أن قوة المغرب تتمثل في موارده البشرية ،إضافة الى ذلك سيتحققون من أن الجيش المغربي لم يكن في مجمل تاريخه جيش عدوان ،بل جيش جهاد وخدمة للأمن والسلام.كما سيكشف لهم وبالملموس أن هذا الجيش –منذ أن كان-إستطاع أن يحقق انتصارات باهرة عبر العصور، ومن تمة فأنه مدعاة للفخر للمغرب وللمغاربة .
تتبع الأستاذ عبد الحق المريني في كتابه هذا، مختلف الجوانب التاريخية التي رافقت الجيش المغربي منذ فجر التاريخ الى المرحلة الراهنة، مبينا أهم الخصائص والمقومات التي يتمتع بها ولا يزال،مستندا الى وثائق هامة مغربية وأخرى أجنبية،لم بتم الكشف عنها في الدراسات الأخرى ،إضافة الى مجموعة من الصور والرسومات البيانية
وعلى إمتداد صفحات الكتاب، يتدرج الؤلف بالحديث عن الجيش المغربي، منذ العهد الروماني ،إذ لم يستطع الرومان احتلال الشواطئ المغربية الا بعد مقاومة شديدة من قبل الجيش المغربي، استمرت عدة سنوات .كما أن هذه المقاومة استمرت أيضا إبان الفتوحات الإسلامية، إذ لولا تلك العاطف الدينية العميقة التي تميز بها المغاربة إذ ذاك لما تسنى للفاتحين اقتلاع جذور المسيحية من أوساط المغرب.
وفي عهد الدولة الإدريسية، تم تنظيم الجيش المغربي ،فكان يحمي البلاد ويتعقب المجرمين وقطاع الطرق، ويقوم ببناء الحصون والقلاع ذاخل البلاد وعلى الحدود.
أما بالنسبة للعهد المرابطي، فقد تم تحصين المغرب ،علاوة على الدور الذي قام به الجيش المرابطي من خلال الدفاع عن الأندلس، ومجابهة النصارى في حروب الإسترداد المسيحي. لذلك،كان المرابطون محاربين من الطراز الأول، وامتازوا بالشجاعة الفائقة، والجرأة والإقدام والصبرعلى تحمل مشاق الحرب وتضحياتها.
وعن وضع الجيش المغربي هي العهد الوحدي، أبرز المؤلف النظام الهائل الذي كان عليه الجيش، مما ساعده على تفوقه وتحقيقه العديد من الإنتصاراتن على حدما حققته "وقعة الأرك"التي واجه فيها الجيش المغربي الإسبانين القشتالينن المعززين بالبرتغالين، مما كان له اثر كبير في المشرق.
وفي العهد المريني، استمر الجيش المغربي في الجهاد ضد الإسبانين، ومساعدة دولة بني الأحمر للوقوف في وجه الغزو المسيحي، وكذا من قمع بعض الثوار حتى تم القضاء عليهم. ناهيك عن اتصاراته في الأندلس .بل إن الدولة المرينية كانت تحاول توحيد أقطار المغرب (الكبير ) تحت رايتها إحياء لمجد المغرب وقوته وعظمته.
كما تحدث الكاتب عن مقاومة الجيش الوطاسي للبرتغالين، فقد تم طردهم واسترداد أزمور وأكادير وأسفي منهم ،وذلك على يد محمد البرتغالي الذي خلف والده محمد الشيخ الوطاسي نكما كبد البرتغالين خسارت فادحة ،بقيادة أخيه ووزيره الناصر.
وعن الجيش المغربي في العهد السعدي، يشير الكاتب الى ما توفر للقوات العسكرية من وسائل الحرب والسلاح الثقيل، علاوة على ما كان لها من تنظيم محكم ودقيق .فقد اهتم السعديون بصناعة المدافع، وبناء الأبراج غاية الإهتمام ،كما اهتموا أيضا بصناعة البارود ،وكانت "هولاندا" تستورده من المغرب إبان حربها مع إسبانيا سنة1628.ولا يخفي ما للأسطول البحري في العهد السعدي من أهمية .ففي عهد عبد الله الغالب باللهن كان الأسطول البحري يتوفر على سبعين مركبان كما شارك هذا الأسطول في حملة السودان، وقد برز عدد هائل من قادة الجيش السعدي من بينهم :محمد الحراث بن محمد المهدي الشيخ وعلي بن مسعود بن سقرة وسعيد بن فرج الدغالي وغيرهم.
وعن المؤسسات العسكرية السعدية ،يذكر الكاتب أنها تتوفرة في غير قليل من المناطق، تخزن العدة والسلاح والبارود والرصاص وما شابه ذلك،كما أن الدولة السعدية ركزت كثيرا من جهودها الحربية على المناطق الصحراوية، دفاعا عن الوحدة الوطنية .وحتى يبرز الكاتب قوة الجيش السعدي تناول مقاومته للبرتغال مركزا على معركة "وادي المخازن" التي انتصر فيها السعديون.وقد جاء حديثه عن هذه المعركة، معززا بالرسوم البيانية لمواقع القوات المتحاربة يوم المعركة .علاوة على كيفية تركيب الجيوش المتحاربة، وخط سير حملة "سيباستيان" نحو موقع المعركة،مختتما حديثه عن هذه المعركة بقصيدة شعرية للأستاذ علال الفاسي .
وبدقة متناهية، تعتمد ذكر التواريخ ،وأعداد الجيوش، والمدافع، تناول صاحب الكتاب معركة الدلائين ضد الإسبان ،وتعزيز المورسكين لصفوف اللجيش المغربي في عهد "قراصنة سلا" ،إضافة اللى حديثه عن الحركة العياشية، إذ تعددت الاشتباكات بين العياشي والإسبانين والبريغالين في "البريجة"و"المعمورة".
وفي العهد العلوي ،كان الجيش المغربي يتألف من عشرات الآلاف من جمبع نواحي المغرب(جيش الودايا-جيش النار-جيش البواخر-جيش الشراردة...)وكان جيشا منظما وقويا ،قمع به المولى الرشيد المؤسس الحقيقي للدولة العلوية "الثورات الذاخلية وأخضع به العصاة المتمريدين ،كابن محرز بناحية مراكش، والخضر غيلان حليف الإنجليز، والأتراك من ناحية الهبط".ولم بفت المؤلف الحديث عن وحدات الجيش في ظل حكم المولى إسماعيل ،وكان يتألف من المشاة(25.000جندي) الخيالة(10.000) الرماة الطبجية(3000الى 4000رجل) المخازنية(4000من العبيد و30من الفرسان).وكل هذه الفرق كانت تخضع لتكوين عسكري جيد، ونظام حربي متميز ،قائدها الأعلى هو المولى إسماعيل .
ومثل هذا الأمر درج عليه مختلف الملوك المغرب، الذين جعلوا من البلاد قطرا عزيز الجانب، زاخرا بالبروج الحصينة ،والقلاع المشيدة، وبذلك أعادوا الى المغرب القوة والبأس، وهكذا فصل الكاتب الحديث عن موقع الجيش المغربي في عهد سيدي محمد بن عبد الله ،ذاكرا أعماله الحربية واهتمامه بالأساطيل البحرية ،إذ بلغ عدد مراكب هذا الأسطول في عهده الى خمسين قطعة بحرية.
وفي عهد مولاي سليمانن تم الوقوف في وجه الزاحفين على شواطئ المغرب وثغوره ،وإغاثة أهل وهران وتلمسان لما فتك بهم الأتراك سنة 1203ه .كماأن المولى عبد الرحمان بن هشام إستطاع القضاء على أهل الفتن وأعداء الدولة اعتمادا على جيشه المنظم والقوي
في عسكر ملأ القلوب مهابة
والأرض خيلا بالعوارق ينهق
للفتح والتمكين فيه دلائل
وعليه ألوية السعادة تخفق
ولم يغب عن الجيش المغربي بلاؤه في معركتي "وادي إسلي"(1844)ضد القوات الفرنسية مساندة من المغرب للجزائر ولا في معركة الهجوم ضد القوات الإسبانية التي كانت تطمع في احتلال الشمال المغربي أو في رد الهجوم الفرنسي (حملة بونابرت)على مصر.
ولعل المتتبع لمختلف المراحل التي حكم فيها الملوك العلويون المغرب سيلاحظ مدى إهتمامهم الكبير وعنايتهم القصوى بالجيش المغربي وفي كل هذه المراحل كان الجيش يكسب خبرات ونجارب لمواجهة الأسلوب الأوروبي الجديد والمنظم الذي يقوم على التمارن العسكرية الكثفة والتدرب على مختلف أنواع القتال مع إستخدام الأسلحة الجديدة التي أصبحت تعتمد الدقة والحركية إضافة الى هذا الإهتمام المتزايد عرف الجيش المغربي إصلاحات عسكرية مهمة خاصة في عهد المولى الحسن الأول تمثلت في خلق معامل لصنع "القرطوس"وإرسال البعثات طلابية عسكرية الى الخارج إضافة الى خلق نظام التعبئة العامة وهكذا حظي المغرب في عهد المولى الحسن الأول بجيش عتيد ومسلح بأحدث الأسلحة ونفس الأمر في العهد العزيزي إذ صبح للجيش المغربي نظام خاص وفق جدول ليبان الأعمال التي يطلب من العسكلر القيام بها .
ويتوالى هذا الإهتمام أيضا في العهد الحفيظي إذ على الرغم من التذخل الفرنسي فقد حاول الجيش المكغربي –قبل إعلان الحماية –أن يحمي وحدة التراب الوطني ويدافع عن كيانه.
بعد ذلك ينتقل المؤلف للحديث عن جيش التحرير ومقاومنه للاحتلال الفرنسي مع التركيز على أبطال التحرير الذين امتازوا بدفاعهم عن حوزة الوطن وقد عزز المؤلف هذا العمل بالحديث عن المقاومة الجيش المغربي للتدخل الأجنبي في الصحراء وعلى الرغم من نظام الحماية على المغرب فإن الجيش المغربي عرف إعادة تنظيمه بشكل يتناسب مع الظروف الجديدة التي أصبحت عليها البلاد.
وفي هذه الأثتاء كانت الحلرب العالمية الأولى قد اتقدت شرارتها فشارك الجيش فيها الجيش المغربي الى جانب فرنسا مشاركة قوية وفعالة حيث أبلى الجنود المغاربة البلاء الحسن من خلال ما حققوا من انتصارات باهرة يعود الفضل فيهم الفضل في الإحراز عليها.
والى ما سبق اهتم الكاتب بالحديث عن الجيوش الريفية المغربية بقيادة عبد الكريم الخطابي في حوربه الطاحنة ضد الجيوش الإسبانية بعد معارك متفرقة امتدت من 1913الى سنة1915وفي هذه الفترة عمل محمد بن عبد الكريم الخطابي على متابعة رسالة والده للاستمرار في الحرب التحريرة معانا الحرب على الإسبان مماى دفع الجيشان الفرنسي والإسباني الى التحالف ضد الجيش الريف المغربي .
وقد نبه المولف الى ما كابديه الجيوش الإأجنبية من خساءر في هذه الحروب التي كان فيها للمغرب صدى قوي عكسته العديد من الأشعار المغربية والمشرقية على حد سواء.
إشارة أخرى تثبت قوة الجيش المغربي وحضوره المتميز ويتعلق الأمر بخوض معارك الحرب العالمية الثانية تلبه لنداء السلطان محمد بن يوسف لاأجل محاربة الفاشية والنازية إزاء فرنسا وحلفائها وفي أثناء حديث المؤلف عن هذه الحرب الكونية سيجد القارئ الكثير من المعلومات التي تظهر الصدى الكبير الذي تركه الجيش المعرب في الأوساط الدولية مما حدى بكثير من الشخصيات العلمية لتقدم شهدات تاريخية عن أبطال الجيش المغربي العتيد.
وإضافة الى ماسبق تحث الكاتب عنالجيش المغربي ومشاركته في الحرب الهند الصينية (1948-1954)كما تحدث عن تكوين جيش التحرير ومقاومته لكل أشكال الاحتلال شمال وجنوبا.
وفي عهد الإستقلال كان لابد من الاستمرار في تطوير وتجديد هياكل الجيش المغربي فتقرر في عهد محمد الخامس أن تحمل القوات المسلحة المغربية اسم "القوات المسلحة الملكية" أسندت رئاستها العامة لولي العهد آنذاك الحسن الثني بمفتضى ظهير شريف.
ةلم يدخر هذا الجيش جهدا لتحقيق جلاء القوات الأجنبية عن الأراضي المغربية إضافة اللى انضمام جيش التحرير الى صفوف القوات المسلحة الملكية ثم تكوين الأطر في المدارس والمراكز العسكرية وأصبحت لهذه القوات مدارس خاصة للنكوين والتأطير بغية أن بصبح الجيش المغربي في مصاف الجيوش الراقية.
وحتى تكون الصورة متكاملة لما يقوم يه الجيش المغربي من أدوار مهمة سجل الكاتب أبضا دفاع هذا الجيش عن القضايا العادلة في الشرق الاوسط وفي افريقيا استجابة لنداء الواجب الإسلامي والدولي ومن تمة استعرض الكاتب مختلف بطولات القوات المسلحة الملكية في الكونغو(1960)والجولان وسيناء(1973)والزايير (1977/1987)وحرب الخليج(1991)والصومال(1992) والبوسنة والهرسك(1996)
ونظرا لما يتمتع به المؤلف من حس أدبي متميز فقد جاء في ثنايا الفصول والمباحث عدد هائل من القصاءد الشعرية التي نظمها الشعراء المغاربة عبر مختلف مراحل التاريخ المغربي يتغنون فيها ببطولات الجيش المغربي استنهاضا للهم ودعوة الى الجهاد حتى يبقى المغرب صامدا أمام كل الصعوبات والتحديات
وهكذا سيلاحظ القارئ أن هذا الكتاب يتميز بحضور شخصيتين شخصية المؤرخ وشخصية الأديب وهذا ويجمع الكتاب بين الصورة والوثيقة والسروحات المستفيضة والمتعة الأدبية يطبعه صدق الشعور الصادر عن انفعال عميق يميز الكاتب وهو يتحدث عن الجيش المغربي عبر مختلف مراحاه التاريخية
ولعل إخراج هذا الكتاب في الصورة التي انتهى إليها من خلال ترجمته الى الفرنسية سيكون ربحا كبيرا للتعريف بالجيش المغربي خاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يعلمون شيئا عن المغرب أو يتجاهلون معرفة أي شيئ عن ا البلد الطيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق