حسن حنفي, دار علاء الدين, دمشق, 1996, 64 ص.
1- ولد الدكتور حسن حنفي بالقاهرة عام 1935 وفيها نشأ وتعلم. تخرج من جامعة القاهرة حيث حصل بها على الليسانس سنة 1956. ثم سافر إلى فرنسا ليحصل بها على درجة الدكتوراه, من جامعة باريس- السربون في العام 1966, ليعود مدرسا بقسم الفلسفة بآداب القاهرة سنة 1967, ثم أستاذا مساعدا بالعام 1973, ثم أستاذا سنة 1980, فرئيسا لقسم بها سنة 1988. من تاريخه, وهو أستاذ متفرغ بقسم الفلسفة بآداب القاهرة.
وبفضل إتقانه للفرنسية والألمانية والإنجليزية, فقد عمل أستاذا زائرا بالعديد من جامعات العالم, بألمانيا والمغرب واليابان وغيرها.
وقد اهتم حسن حنفي كثيرا بالتراث, وعكف على قراءة العربي والإسلامي منه, وأصدر حوله العديد من المؤلفات من بينها "التراث والتجديد" (القاهرة 1980), "من العقيدة إلى الثورة" (خمسة أجزاء, القاهرة 1988), و"الدين والثورة فى مصر" (ثمانية أجزاء, 1989), و"من النقل إلى الإبداع" (تسعة أجزاء, 1999), و"الدين والثقافة والسياسة فى الوطن العربى" (القاهرة, 1998)
كما صدرت له بالإنجليزية, "الحوار الدينى والثورة" (القاهرة, 1977), و"الإسلام فى العصر الحديث" (القاهرة 1995). وبالفرنسية, "مناهج التأويل" (باريس- القاهرة, 1965), و"تأويل الظاهريات (باريس- القاهرة 1966) وغيرها.
2- ينقسم كتاب "اليمين واليسار في الفكر الديني", إلى فصلين اثنين, أفردهما الكاتب لمناقشة العديد من القضايا التي ميزت اليمين عن اليسار في الفكر الإسلامي, وايضا لإشكالية المال في الإسلام, كحالة تطبيقية لهذه النظرة:
بالفصل الأول ("اليمين واليسار في الفكر الديني"), يقول الكاتب: "ليس اليمين واليسار مقولتين في السياسة وحدها, بل هما موقفان في المعرفة الإنسانية والعلوم الاجتماعية بوجه عام, وفي المواقف العملية والحياة اليومية بوجه خاص", من الأهمية بمكان الوقوف عندهما للتساؤل "حول ارتباط الفكر الديني بالواقع الاجتماعي والأثر المتبادل بينهما, حتى لا نظن أن الفكر الديني شيء مقدس, بل هو نتاج إنساني مثل الإيديولوجيات التي تنبع من واقع اجتماعي, ثم تعود لتؤثر فيه من جديد".
ويعتبر المؤلف أن "اليمين واليسار ليسا موقفين فكريين متمايزين, بل هما أيضا اتجاهان في التفسير. فاليسار في الفكر قد يستغله اليمين لصالحه, واليمين في الفكر قد يعيد تفسيره اليسار لصالح أيضا. فاليمين واليسار موقفان فكريان متمايزان من الأساس, وأيضا منهجان في التفسير".
ثم, يتابع بالقول, "إن اليمين واليسار في الفكر الديني أساسا, هما وضعان اجتماعيان يدلان على وجود طبقتين اجتماعيتين, تحاول كل طبقة أن تدافع عن حقوقها بالأبنية النظرية المتاحة في المجتمعات التقليدية, وهي العقائد الدينية...فهي قضية عملية وليست قضية نظرية, وبناء اجتماعي أكثر منها حقيقة فكرية...".
بمعنى أن الطبقة المسيطرة على الثروة والسلطة تستوظف الفكر الديني وتفسره لصالحها... والأغلبية المستغلة توظف بدورها تفسير الدين, للقضاء على الأقلية المسيطرة بنفس السلاح...وهكذا.
يتعرض كتاب حسن حنفي (وهو كتاب في أصول علم الدين, الذي يحتوي على نموذج الفكر الديني) إلى عدة مواضيع وثنائيات, يتناولها الكاتب الواحدة تلو الأخرى:
+ الأول ويتعلق بنظرية المعرفة. ويلاحظ الكاتب هنا أن ثمة موقفان: موقف يجعل الإيمان وسيلة المعرفة... على اعتبار أن الإيمان هنا هو فعل أولي يقبل ويسلم, ولا يرفض أو يعترض, وكل النظر المتاح هو بجانب "تبرير الإيمان وفهمه, دون نقده أو تمحيصه".
هذا هو موقف اليمين, يقول الكاتب, لأن القبول بالإيمان كنظرية للمعرفة "يكون أقرب إلى الطاعة للأمراء, وإلى الانصياع للحكام. والشعب الذي يبدأ بالتسليم بالحقائق دون مناقشتها يكون أقرب إلى الاستكانة". بالتالي, يعمد الحكام, بالبناء على ذلك, إلى الإكثار من المساجد والموالد, وتدعيم الطرق الصوفية, ودعم البرامج الدينية بالإعلام, وتحديدا تلك التي تغطي "وتتستر على النظم الاجتماعية القائمة".
ويستدل الكاتب هنا بمسألة ضبط النفس, التي جعل منها الإسلام "جهادا", وكذا البر بالوالدين وما سواهما, وقصر القتال على الذين "يقاتلوننا في الدين", بفتننا عن عقيدتنا...فتنحصر الحرب على "الحرب الدينية", لدرجة, يقول المؤلف, إنكار هؤلاء للحروب الوطنية أو الاجتماعية أو غيرها.
بالمقابل, يتميز اليسار بإعمال النظر لا الطاعة, فيعمل على تجنيد الطبقات المستضعفة وتحزيبها, وتسييسها, لتنتقل من الدوغمائية إلى الاستنارة, ونقلها "من الإيمان إلى النظر".
+ الموضوع الثاني ويرتبط بنظرية الوجود, ومفادها القول بأن "الله هو الباقي, والعالم هو الفاني, الله هو الغني والعالم هو الفقير المحتاج. ويستطيع الغني أن يفعل بالفقير ما يشاء, فلا قانون يحفظ للفقير حقوقه إلا رحمة الغني, ولا إرادة تقف في مواجهة الغني إلا فضله وإرادته".
وهذا هو فكر اليمين في الفكر الديني, يقول الكاتب, "الذي تبشر به النظم اليمينية الرجعية, التي يهمها سلب عالم الجماهير المستغلة, والإيحاء إليها بأنه عالم فان لا قيمة له, وأن القيمة كل القيمة, فيما وراء هذا العالم".
في مقابل هذا الموقف, هناك اتجاه آخر (تجاه اليسار في الفكر الديني) الذي "يجعل هذا العالم باقيا مستقرا, ويجعل جهد الإنسان فيه منتجا ومؤثرا... فالعلم ليس وسيلة لشيء آخر, بل هو غاية في حد ذاته, وهو ليس فانيا, بل باق, ووجود الإنسان فيه ليس عارضا, بل جوهري". من ثمة, فإن للجماهير كلمتها, وقدرتها على الفعل, والتأثير في الطبيعة والحكم, ولا تدين لسلطة تركز السلطة بين يديها".
قد يوظف اليمين هذا الطرح, يلاحظ المؤلف, باعتبار أن صلة رأس المال بالعمل مثلا هي صلة رئيس ومرؤوس. بالتالي, فالعالم هذه النقطة, هو ميدان اشتغال رأس المال...كما أن اليسار قد يسلم بذلك, لكنه لا يعتبره أبديا, إذ بالإمكان تغيير النظام الرأسمالي ومنظومة الأجور وما سواها.
+ الموضوع الثالث, ويرتبط بموضوع الذات الإلهية. ويميز المؤلف هنا بين اتجاهين: الأول يثبت هذه الذات بأوصاف ستة (الوجود, والقدم, والبقاء, والمخالفة للحوادث, وعدم وجودها في محل, والوحدانية) تعطي الذات الإلهية وجودا مطلقا, مستقلا عن الوجود الإنساني.
ويرى الكاتب أن هذا الاتجاه هو اتجاه اليمين, الذي يثبت عبره تمثله للنظام الاجتماعي المركز في سلطة واحدة بالقمة, والسيطرة الاقتصادية على رأس المال, واللتان (السلطة الواحدة والسيطرة الاقتصادية) يمثلان مصدر النشاط, والحركة, والقيمة, على حساب القاعدة المتلقية.
الاتجاه الثاني (اتجاه اليسار الديني), وهو الذي يجعل الإنسان مركز الوجود, وحركيته تأتي من ذاتيته, وخصوصيته تأتي من حيث كونه موجودا بكل مكان.
هو اتجاه مبني على نظرة أكثر إنسانية, تعترف بالإنسان كقيمة لا تمايز له عن غيره من بني البشر. لا تأليه هنا, ولا تمييز بالسلطة أو بالثروة الاقتصادية. هو اتجاه يتبنى الحرية. إلا أن هذا الجانب قد يستغله اليمين لصالحه, عندما يؤكد على حرية الأقلية ضد الأغلبية, وحرية ارتكاب الجريمة...الخ.
+ الموضوع الرابع ويتعلق بمسألة العقل والسلطة, أو العقل والنقل. هنا نجد أيضا موقفان, يقول المؤلف: الأول "يجعل السلطة سابقة على العقل, والعقل سابق للسلطة". والثاني "يجعل النقل أساسا للعقل, والعقل تابعا للنقل".
ويقيس المؤلف على هذين الموقفين كيفية تفسير النصوص, ليس فقط لأن كل نص هو مادة للاختلاف (حتى وإن كان صريحا), بل لأن التغير ذاته يخضع لسياق المحيط, والموقف الاجتماعي, ووضع المفسر وأهدافه.
بالتالي, فتعارض النصوص هو بالحقيقة, اختلاف في المواقف, التي تستعمل هذه النصوص, وليس شيئا آخر.
موقف النقل كأساس للعقل, هو موقف اليمين الذي يسوغ للتبعية, سواء للسلطان السياسي أو لصاحب رأس المال الاقتصادي. أما موقف اليسار فهو موقف العقل, الذي يقدم على النقل, بحكم براهينه, وأولوياته, واستقراءاته. يقول المؤلف هنا: "فكل من بدأ يقول: قال الله وقال الرسول, فإنه لا يبغي مصلحة الناس, في حين أن كل من تحدث حديث العقل, وأعطى إحصاء للواقع, فإنه يدافع عن مصلحة الناس, ومستعد لمقارعة الحجة بالحجة, والبرهان بالبرهان".
قد يستغل اليمين هذا الموقف, فيعتمد على العقل لتسويغ وترشيد مصالح الأقلية, وتبرير الأمر الواقع. واليسار قد يوظف النقل أيضا, "خاصة في مجتمع مؤمن بالنصوص, ويعتمد على العقل".
هذه الموضوعات الأربعة يصنفها الكاتب ضمن العقليات, على اعتبار أنه بالإمكان إدراكها بيقين عقلي. أما الموضوعات الأربعة الأخرى (النبوة, والمعاد, والأسماء والأحكام, والإمامية) فتدخل, بتصور الكاتب, في نطاق السمعيات, التي لا يمكن الوصول فيها إلى يقين عقلي, والتي لا تعتمد إلا على النقل وحده.
هنا أيضا, هناك موقفان, يوضح المؤلف: موقف اليمين الديني, الذي يحاول الجمع بين المجموعتين, فيرجع العقليات إلى السمعيات ويرجع اليقين إلى الظن, ثم يجعل السمعيات يقينيات, يكفر من تنكر لها أو اختلف في تفسيرها". وموقف اليسار الذي يحاول توسيع نطاق العقليات "وحدها, حتى يشمل اليقين الظن":
+ الموضوع الخامس مرتبط بالنبوة والوحي. النبوة هنا معجزة وإعجاز. ولما كانت كذلك, فإن اليمين الديني يوظفها بجهة القول, بأن الإنسان قاصر عن إدراك مصالحه...بالتالي, فهو بحاجة إلى حاكم, أو مدير أو شيخ أو ما سواهم.
وهناك اتجاه آخر, يرفض كل أشكال الوصاية على الإنسان, ويعتبره مستقلا. ليس بحاجة لعون خارجي أو عملي, على اعتبار أن الأنبياء أتوا (كل في قومه) لتحقيق استقلال الإنسان, وعندما تم ذلك من الناحية النظرية والعملية, وأصبح الإنسان "قادرا على إدراك الأمور بعقله, وتحقيقها بعمله, توقف ظهور الأنبياء, وأصبحت النبوة غير ضرورية".
اليمين يؤمن بذلك, لكنه يوظفه لفائدة الحاكم أو صاحب رأس المال, على حساب الغوغاء التي من "المهم فرض الوصايا عليها باسم الدين".
+ الموضوع السادس, موضوع المعاد, بجهة تناول الأخرويات أو "ماذا يحدث للإنسان بعد الموت". هنا أيضا موقفان: الأول يجعل الموت بيد الله وحده, لا بيد سواه. الموت هنا يفترض قسمان في الإنسان: بدن فان, يتحلل, لا قيمة له, ونفس باقية, خالدة, تنتظر الحساب... فتبدو وقائع الحساب التي يتكفل بها قاض ليس بناء على قانون, بل على رحمته وعفوه.
وهذا موقف اليمين, الذي يرغب الناس في مستقبل لهم خير من الحاضر, ويعدهم بعالم من الرفاهية حرموا منها في الحياة...فيهنأ الحاكم وصاحب رأس المال. وهناك موقف اليسار, الذي يرى بأن الموت قد يأتي من عوامل طبيعية, وبالإمكان تخفيض نسبته بين الناس بالقضاء على الأسباب (مجاعات, حوادث, حروب...الخ).
ولما كان البدن يموت بسبب ضعف أو هوان, فإنه يقتل النفس, بالتالي "فكيف يكون البدن فانيا, وتثبت أن النفس لا تفنى؟". هذا هو موقف اليسار, يقول المؤلف, كون خلود المرء يتأتى بما قام به على الأرض, وما تركه بنفوس الناس, وليس سوى ذلك.
+ الموضوع السابع, ويتعلق بالصلة بين العمل والإيمان. وبه موقفان أيضا: موقف اليمين, الذي يدافع عن الإيمان الباطني للناس دون البوح به, فيضمن صمتهم بالتالي, بمن فيهم المثقفون الحمالون للإيمان العقلي...وموقف ثان لا يفصل العمل عن الإيمان...إذ "الإيمان بلا عمل لا وجود له, والإيمان بلا شعور داخلي أو تصديق عقلي أيضا, مجرد عاطفة هوجاء, والإيمان بلا قول يجهر بالحق, إيمان ذليل مهن". وهو موقف اليسار الذي يعطي الأولوية للعمل على النظر, وينتقد المثقفين المكتفين بالتصديق العقلي, دون ممارسة فعلية, أو تجنيد للناس لإدراك حقوقها.
+ الموضوع الثامن, هو موضوع السياسة, "كآخر موضوع تقليدي في علم أصول الدين القديم". هنا أيضا موقفان: موقف اليمين "الذي يجعل السياسة ملحقا لعلم أصول الدين, وليست أصلا من أصوله, كالتوحيد والعدل". السياسة هنا فرع وليست أصلا, والدين هو العقائد, والعقائد لا شأن لها بحياة الناس...هو موقف يجمد الدين و"يستل السياسة من الممارسة اليومية للمؤمنين".
معنى ذلك, أن السياسة تتركز بيد الإمام أو الزعيم, تماما كما تنحصر العبادة في ذات الله, وكما ينحصر الدين في الإيمان بالله...دونما تساؤل في المؤسسات, أو سبل رقابة ومراقبة الحاكم...وهو حال النظم الملكية الوراثية بالغالب الأعم.
وهناك موقف آخر, يجعل السياسة أصلا لا فرعا, بل ويرى فيها المحقق لأصول الدين...والفكر السياسي هنا إنما يدور حول بناء المؤسسات الدستورية. الحاكم مطالب بالالتزام بالمبادئ وبالدستور, بصرف النظر عن نسبه أو طبقته, بل يوضع بمحك الانتخاب, وقد يعزل.
+ الموضوع التاسع, موضوع "وجود الجماعة في التارخ". وهنا موقفان أيضا: موقف اليمين, الذي يسقط التاريخ من حسبانه في استقرائه للجماعة, فيمجد الماضي, ويجعل "تاريخ الأمة تاريخا واحدا, تاريخ الملكية, أو تاريخ الأسرة الحاكمة, وليس تاريخ الشعوب".
وهناك موقف اليسار "الذي يجعل التاريخ جزءا لا يتجزأ من كيان الفرد والجماعة. وبذلك كان لليسار نظرة تاريخية للسياسة, أو تحليلا تاريخيا للاجتماع, أو جدلا تاريخيا للصراع".
التاريخ هنا لا يسير إلى الوراء, يقول الكاتب, بل هو حركة تقدم نحو المستقبل.
+ الموضوع العاشر: هل انتهت موضوعات علم أصول الدين, أم بالإمكان إضافة أشياء جديدة مستقاة من أحوال العصر؟ هنا موقفان أيضا, برأي الكاتب: الأول يرى أن القدماء الأوائل أوفوا كل شيء, ولم يتركوا صغيرة أو كبيرة إلا وتناولوها". وهو موقف اليمين, الذي يخص العقائد بالحياة الدينية, والنظام الرأسمالي بالحياة الدنيوية.
بالمقابل, هناك موقف يجعل علم أصول الدين متطورا, ويمنح العقائد مضمونا اجتماعيا من وحي العصر...وهو موقف اليسار, الذي مثله الإصلاحيون من أمثال الأفغاني وإقبال والكواكبي وغيرهم...والذين ربطوا الدين بالدنيا. بالتالي, يرى الكاتب, أنه بالإمكان "إضافة مادة جديدة لتعلم أصول الدين, تشمل لاهوت الأرض, ولاهوت الثورة, ولاهوت التقدم, ولاهوت التنمية, ولاهوت التغيير الاجتماعي, ولاهوت الثورة, ولاهوت التقدم, أي لاهوت السياسة الذي يمحي الفرقة التقليدية بين العقيدة والشريعة, أو بين أصول الدين وأصول الفقه.
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى مقاربة العلاقة بين الرأسمالية والدين, ويرى أن النظام الرأسمالي غالبا ما يوظف الدين لمصالحه, فيفصل بين مكان العمل ومكان العبادة, بل ويشجع الثانية لبناء المساجد, وتقوية الطرق الصوفية وما سوى ذلك...في حين أن العمل عبادة, وهذه الأخيرة ليست "ماذا يفعل الإنسان في نصف ساعة يوميا خمس مرات, بل ماذا يفعل الإنسان في يومه على مدى أربع وعشرين ساعة".
بالتالي, يقر المؤلف, فالعلم عبادة, والقضاء على الظلم عبادة, وحصر العبادة في إقامة الشعائر, هو من الاستعمار الثقافي, ومن التصور الرأسمالي للدين.
وعلى هذا الأساس, فالكاتب لا يميز بين البعد الروحي والبعد المادي, بل يعتبر أن "العالم كله روح وكله مادة, لا انفصام بينهما".
3- بالفصل الثاني (" المال في القرآن") يحاول المؤلف إعادة "بناء تراثنا الديني القديم, ممثلا في مصدره الأساسي وهو القرآن, طبقا لحاجات العصر, وعلى رأسها التنمية بالطريق الرأسمالي".
ويؤكد الكاتب أن لفظ المال ذكر 86 مرة, بما معناه أنه "موضوع مهم, تناوله الوحي بالبيان والتفصيل, وليس موضوعا عارضا" (ذكر لفظ النبي مثلا 80 مرة, ولفظ الوحي بصوره المختلفة, 78 مرة).
والذي يهم الكاتب هنا ليس المال المجرد الموجود بالطبيعة, أو المال المستقل, بل المال المستغل والمستثمر, بعدما يكون قد دخل في علاقة مع الإنسان, باعتباره عنصر حركة واستثمار, وليس اكتنازا وسكونا.
ولما كان المال لا يولد المال تلقائيا, بل الجهد هو الذي يوسع المال ويكثره, فقد جاء تحريم الربا تحريما قاطعا, على اعتبار أن المال لا يولد المال.
والمال مال الله وليس ملكا لأحد, ولم يظهر في القرآن ولو مرة واحدة أن المال هو مال الأغنياء أو المترفين. والمال لا يأتي بالقرآن مرفوعا إلا نادرا, "أي أن المال لا يمكن أن يكون فاعلا أو مبتدأ أو خبرا, لأن المال لا يفعل من تلقاء ذاته, بل يفعل من خلال الجهد الإنساني".
ويجزم المؤلف أن المال مال الله, "يورثه لمن يشاء من عباده الصالحين". والله هو الذي وضعه بين أيدينا, كوديعة لصرفه فيما أمر به الله. هو ليس إرثا, أو ملكا, أو حكرا على سلطة, دينية كانت أو سياسية. والذي يريد التشبه بالنبي, فعليه بالجهاد بالنفس والمال, وليس فقط بإقامة الشعائر وإطالة اللحي.
والمال ليس قيمة في حد ذاته, بل تأتي قيمته من المجهود المبذول لاستثماره. وكثرة المال فتنة, وقلته ابتلاء.
ويزعم المؤلف أن تصور الإسلام للمال, يميزه عن التصور الرأسمالي, القائم على الملكية الفردية, والربح, والاقتصاد الحر, والكسب غير المشروع, ومجتمع الاستهلاك وحياة الرفاهية, وما سوى ذلك.
ويخلص إلى أنه على الرغم من ميزات الرأسمالية, فإنه "في تراث البلاد النامية ما يساعدها على شق طريق لارأسمالي للتنمية" خاص بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق