القانون والتشريع عند العرب قبل الإسلام
لوئ العرايشي
مفهوم القانون والدولة
عند العرب قبل الإسلام
اختلف الكتاب في تحديد أصل لفظ القانون ،
فذهب بعضهم إلى القول أنه ليس عربي الأصل وانه دخيل على لغتنا ( وهو الرأي الغالب
) ، وذهب آخرون إلى القول أنه عربي الأصل مادة وشكلاً ، بدليل عدم ادراج هذا
المصطلح فيما وضعه الكتاب العرب في مجموعات الألفاظ المستعربة على الرغم من شيوع
استعماله وقتئذ ، أما من حيث مادته فأصله
لفظ ( قن ) ويعني تتبع أخبار الشيء للإمعان في معرفته ، وأما من حيث وزنه فهو من صيغة ( فاعول )
العربية التي تدل على الكمال وبذل الجهد ، وذهب القائلون بالأصل الأعجمي إلى أنه
مشتق من كلمة ( Kanon ) التي تعني
القاعدة أو التنظيم ، وهي كلمة لاتينية اقتبس منها الفرنسيون كلمة ( Canon ) قاصدين فيها قرارات المجامع الكنسية وأخذ
ها الانجليز فأطلقوها على القانون الكنسي
( Canon Law ) ، وحدد غيرهم
من الكتاب أصلاً آخر له ، فقيل أنه أصل رومي ، وقيل أنه فارسي الأصل ، ونسبة فريق
إلى اللغة السريانية ، كما نسبة فريق آخر إلى اللغة العربية ، ولكل فريق حججه في
دعم وجهة نظره ، والخلاف في الأصل اللفظ لا ينطوي على فائدة علمية ، ولذلك لن
نتصدى له بالتفصيل أو المناقشة ، وإن كنا نميل إلى القول أنه عربي الأصل ([1])
.
أما بالنسبة إلى تعريف القانون اصطلاحاً
فيراد به أحد معنيين عام أو خاص ، فالعام هو مجموعة القواعد التي تنظم سلوك
الأفراد في الجماعة تنظيماً عادلاً يكفل حريات الأفراد ويحقق الخير العام ، وتتضمن
جزاء يجبر على اتباعها عند الاقتضاء ، أما التعريف الخاص فيقصد به تلك القواعد
القانونية الصادرة من السلطة التشريعة بقصد تنظيم أمر معين ([2])
.
وكان للعرب شيء من القوانين تحكم حياتهم
ومعاملاتهم ، وهي قوانين لم تصدر عن سلطة تشريعية كما أصبح عليه الحال بعد مجيء
الإسلام ، ولكنها كانت أوضاعاً وتقاليد وأعرافاً ([3])
.
ولم يكن القانون عند العرب قبل الإسلام
بما تضمنه من أعراف وعادات وتقاليد منظم بقانون مكتوب ، ففي مكة وعلى الرغم من أن
مجلس الملأ كان وسيلة الحكم فيها وينظم شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعبة ،
فانه لم يخضع لقانون مكتوب وإنما كان ينظر في هذه الشؤون حسب العرف والعادة ، ولم
يقضِ على حرية الأفراد فكل فرد كان متمتعاً بحريته مع شعوره بحقوق الجماعة أو حقوق
القبيلة ، وهذا هو النظام نفسه الذي كان سائداً في القبيلة العربية في أنحاء شبه
الجزيرة كافة فللفرد حريته وللجماعة حقوقها التي لا تتناقض مع هذه الحرية ، وعلى
ذلك كانت القرارات الحاسمة في الملأ هي القرارات الجماعية ([4])
.
ولم يكن للبدو قانون منظم مكتوب ،بل كانت
لهم تقاليد يسيرة واضحة يتمسكون بها أشد التمسك ، ومفعولها يقتصر على العشيرة ولا
يتعداه إلى العشائر الأخرى ، وهي تقاليد على سهولتها صلبة جامدة ، مألوفة ويصعب
تغييرها ، ولم تكن هناك سلطة تنفيذية تقتص للفرد أو تنزل العقاب بالجاني ، وإذ كان
يترك للمجني عليه أن يقتص لنفسه ، وقد تعاونه العشيرة في ذلك ، إلا أن عقاب الجرم
كان يعُدّ دائماً حقاً خاصاً وليس هناك حق عام، فإذا أعفى المجني عليه لم يكن على
الجاني أي عقاب ([5]).
من خلال ما تقدم نجد أن العرب قبل
الإسلام لم يعرفوا القانون بالمفهوم المعاصر ، ولكنهم عرفوا العرف ، وهو ما اعتاده
جمهور الناس وألفوه من قول أو فعل تكرر مرة بعد مرة ، حتى تمكن أثره في نفوسهم
وتلقته عقولهم بالقبول ، وهو معنى العـادة عند بعض العلماء ولكن العادة أعم من
العرف ([6])
. ويقصد بالعرف أيضاً أنه
ما استقر بالنفوس وتلقته الطباع السليمة بالقبول فعلاً كان أو قولاً دون معارضة لنص أو اجماع سابق وقد يكون العرف عاماً أو قد يكون خاصاً ([7]) .
ما استقر بالنفوس وتلقته الطباع السليمة بالقبول فعلاً كان أو قولاً دون معارضة لنص أو اجماع سابق وقد يكون العرف عاماً أو قد يكون خاصاً ([7]) .
من خلال دراسة مفهوم الدولة في معجمات
العربية نجد أن هذه المعاجم لم تعرف المدلول القانوني والسياسي للدولة ([8])
. فقد اقصرت في تعريفها للدولة على معنيين هما تداول المال وتداول الغلبة في الحرب
([9])
. يقول الجوهري : ان الدولة في الحرب ان تدال احدى الفئتين على الأخرى ، يقال كانت
لنا عليهم الدولة ، والجمع الدول ، والدولة (بالضم) في المال،يقال صار الفي دولة
بينهم يتداولونه ، يكون مرة لهذا ومرة لهذا ([10])
.
وأستعمل القرآن الكريم مصطلح الدولة
المعنيين المتقدمين أنفسهما إذ ورد في وصفه للصراع بين المسلمين والمشركين مصطلح
دولة بمعنى تداول الغلبة في الحرب ] إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ
الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ[ ([11]) ، كما ذكر مصطلح دولة في مجال حديثه عن توزيع فيء بني النضير
فقال ] مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ [ ([12]) .
والدولة هي
مؤسسة لتنظيم الحياة الجماعية لمجتمع ما ، وتتميز الدولة عن كل الأشكال الأخرى
للجماعات الانسانية بإستوحاذها على السيادة ، فالمقاطعة هي مجمع اقليمي مقسم إلى
حكومة ورعايا ، كما أن النقابة أو الكنيسة يمكن ان تكون كذلك ، ولكن أياً من هذه
لا تملك سلطة قسرية عليا ([13]). وقد أصبح الآن من
البديهيات الأساسية في علم السياسة وجوب التمييز بدقة بين الدولة والحكومة
فالحكومة ليس سوى وكيلة الدولة ، وهي توجد لتنفيذ أهداف الدولة وهي ذاتها ليست
السلطة القسرية العليا ، بل هي مجرد الجهاز الاداري الذي يضع أهداف تلك السلطة
موضع التنفيذ وهي ليست ذات سيادة بالمعنى الذي تكون عليه الدولة ذات سيادة ،
فاختصاصها يتحدد بالسلطة التي ترى الدولة منحها لها ، وإذا تخطت تلك السلطة فإنها
تصبح موضع المحاسبة ([14])
.
أذن الدولة هي مجتمع متكامل وأصبحت له سلطة قسرية تعلو بشكل شرعي على أي
فرد أو جماعة يعيشون في هذا المجتمع ([15])
.
ويرى محمد حميد الله ان العرب كانوا يتكلمون لغة مشتركة ، ويشتركون في
الأسواق العامة ، ويستشيرون الكهان أنفسهم ، ويعبدون آلهة مشتركة ، وإلى حد كبير
يراعون العادات نفسها ويعيشون في دويلات مستقلة تقوم على المدن ، قد جعل في
الإمكان أن يتطور قانون يحكم العلاقات بينهم في حدود ما لديهم من امكانيات لممارسة
سلطات السيادة ، ولا يمكن القول باختلاف وضع هذه الجماعات التي تتمتع بالحكم
الذاتي ، أي اختلاف أساسي عن الدول الأخرى من حيث القابلية لتطبيق القانون الدولي
وفاعليته ، والحق أن الرابطة الداخلية للقرابة الجامعة بين العرب كانت تجعل لهم
طابع الأمة الواحدة من الناحية العلمية على الرغم من توزعها بين مدن صغيرة متباينة
([16])
.
ولم تكن دويلات المدن في بلاد العرب وحدها على هذه الظاهرة ، ولكن عدد كبير
من القبائل الرحل كانت لها شخصية سياسية على وفق الطبيعة نفسها ، ولم يكونوا دون
غيرهم من حيث الحكم الذاتي في معناه السياسي ، فقد كان لهم " أقليم "
وإن كانوا يعيشون في اجزائه المختلفة وفقاً للفصول المختلفة على مدار العام ، وكان
لهم أيضاً تنظيم سياسي ، فكانوا يقيمون العدالة ويشنون الحرب ويعقدون المعاهدات
كأي دولة من الدول ([17])
.
والعرب قبل الإسلام عرفوا الدولة ولكن ليس بالمفهوم المعاصر ([18])
. حيث كانت الرابطة التي تربطهم تقوم على أساس القرابة الحقيقية أو المصطنعة
(الولاء) ([19]) .
ويلاحظ أن دولة المدينة قد سبقت في
الظهور الأنواع الأخرى من الدول ، وكانت النواة الأولى التي تشكلت فيها الدولة
القومية ، ثم الدولة الامبراطورية بعد ذلك ، فمن اتحاد مجموعة دويلات المدينة نشأت
الدولة القومية ، ومن توسع الدولة القومية على حساب جيرانها من دول المدن أو الدول
القومية تكونت الامبراطوريات الواسعة([20]).
وعلى الرغم من هذا فان المفهوم القانوني
للدول بوصفها جماعة من الأفراد تقطن على وجه الدوام والاستقرار أقليماً جغرافياً
معيناً ، وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية مستقلة عن أشخاص الحكام الذين
يمارسونها لم يعرف إلا في العصور الحديثة ([21])
.
(3) للمزيد عن الولاء ، أنظر : الشاهين محمد عمر
" الحياة الاقتصادية للموالي في الدولة الأموية " اطروحة ماجستير غير
منشورة ، الموصل 1996 ، ص13 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق