اساليب الزراعـــة في الأندلس :
اهتم العرب المسلمون باستخدام الوسائل الزراعية التي لا تزال معروفة حتى
يومنا هذا من حيث اعداد الارض للزراعة واستعمال ادوات الزراعة التي تتلاءم وطبيعة
الارض وزراعتها بما يتناسب وخصائصها من محاصيل وريها بما تحتاج اليه من متطلبات
مائية وتسميدها بما تحتاج اليه من مخصبات وتبويرها بما تحتاج اليه من راحة ،
واتباع انماط زراعية وفق دورات زراعية تتلاءم والظروف الطبيعية السائدة ([1]).ويتضمن العمل الزراعي مراحل عدة متسلسلة تكمل احداها الاخرى ومن هذه المراحل
:-
1 - اختيار الارض :
وهو من الامور المهمة بالنسبة
للفلاح قبل البدء بالعمل الزراعي فهي كالاصل والموضوع من اجل تربية النبات كله
صغيره وكبيره لأنه قايم في الارض وهي منه وبالارض ينشأ ومنها يأخذ غذاءه وماءه
وقوامه لذلك فالارض اعظم اجزاء النبات([2]). وتقسم الاراضي الى عدة انواع منها :
- الارض
اللينة : وهي من احسن انواع الاراضي
لاعتدال الرطوبة والبرودة فيها وهي تتقبل كل انواع المياه سواء الجارية ام الجوفية
وهي موافقة لكل هواء وتكون مساماتها مفتوحة فالماء يدخلها والهواء يتخللها ويصل
الى اصول الثمار المغروسة فيها([3]).
- الارض الغليظة : وتتميز هذه الارض بأنها قوية وتوجد في داخل هذه
الارض حرارة وتتولد حينها رطوبة فيها ولا تحتاج هذه الارض الى الاسمدة الكثيرة
وانما يناسبها اليسير منها لشدة حرارتها([4]) .
- الارض الجبلية : وهي ارض تتميز بالبرودة واليبوسة ، وإنها شديدة قوية وتحتاج
للتسميد في كل وقت وبشكل مستمر واذ لم تسمد هذه الارض فالثمار المزروعة بها تموت
ولا تستطيع النهوض بسهولة ، لأنها تمتص الاسمدة بسرعة. وتجود بها زراعة اللوز والتين
والفستق والقسطل والصنوبر([5]).
- الارض الرملية : وتتميز هذه الارض بكونها مسامية لذلك يدخل الماء
الى داخل اعماقها بسهولة ، وينبغي ان لا يكثر من سقيها لأن الماء يدخل الى اعماقها
فيظن الناظر انها لم تسقَ وهي قد اخذت من الماء اكثر من حقها لذلك يراعى في سقيها
ان تعطش ثم تسقى([6]). وتجود فيها زراعة التين والرمان والتوت والصنوبر والسفرجل والخوخ والبرقوق
والورد ويجود فيها الكتان ([7]).
- الارض
المدمنة السوداء : ومن مميزاتها انها تحمل الامطار اكثر من غيرها([8]) ، ويجود فيها من الثمار ما كان مائلاً
الى الحرارة والرطوبة او الى البرودة واليبوسة او كان فيه لين مثل التوت
وشجر الزيتون والرمان وكذلك الفول والخردل والكزبر وما أشبه ذلك([9]) .
- الارض البيضاء : من مميزاتها انها لا تحتاج الى الماء الكثير لبرودتها لكنها تحتاج الى
العناية الكثيرة، ويصلح فيها من النباتات التين والزيتون واللوز والكروم([10]) .
- الارض الحرشا المتضرسة المحببة : من مميزاتها
انها تمتزج مع السماد المضاف اليها بسهولة وتتقبل الماء ومن الثمار التي يجود فيها
الفستق والجوز واللوز وشجر التين ويجود فيها ايضاً الورد والاجاص ويصلح الكرم فيها
جداً والقرع والباذنجان ([11]) .
- الارض المدكنة المائلة الى
الحمرة : تتميز هذه الارض بالبرودة
واليبوسة وهذه الارض هي ادنى من الارض المتضرسة وهي وتحتاج الى الحراثة والعناية
الجيدتين ويلائمها السماد ([13]).
اما تقسيم الاراضي حسب جودتها وصلاحيتها للزراعة فهي الارض البور والارض
المعمور والقليب ، والارض البور هي ارذلها للزرع فهي لا تصلح للزراعة حتى يضاف لها
السماد وتحرث بالمحراث لأن هذه الارض راقدة هامدة واما النوع الثاني فهي الارض
التي حصد ما عليها وبقيت فيها بقايات ذلك وهي افضل من الارض البور على كل حال
لكنها لاتصل الى درجة القليب . اما القليب فهي الارض المحروثة خاصة اذا حرثت اكثر
من مرة افضل وتعتبر اجود الاراضي ولاتحتاج الى الزبل لأن الحراثة الكثيرة تجعلنا
نستغني عن الزبل وغيره ([14]).
وعلى العموم فإن الأرض السوداء من أجود وأصلح
الأراضي لأنها تصبر على كثرة الماء والأمطار والحر، غير أنها لا تصلح للكروم ،
وأجود الأراضي ما لا يكثر تشققها عند اشتدد الحر وإذا كثرت الأمطار لم يكن فيها
زلق وتمليس ولا يطول مثل الماء على وجهها(3)
.
لقد طبق الأندلسيون نظام الدورات الزراعية ، فقد شجع الخليفة عبد الرحمن
الناصر على
تطبيقه بالأندلس ، إذ يتم استغلال الأرض استغلالاً أمثل لزراعتها بأكثر
من محصول من
جهة ، وإعادة الخصوبة إليها من جهة أخرى ، وبموجبه أصبحت الأندلس تنتج
ثلاثة أو أربعة مواس
كل عام(4) ،
الأمر الذي جعل بوسع أهل الأندلس تناول الخضر والبقول الطرية على مدار
فصول السنة
، فالغلات الصيفية كالباذنجان والبطيخ بنوعيه الأصفر والأحمر والفاصوليا
الخضراء
والخيار والثوم يتناولها الأندلسيين مع غلات الشتاء كالجزر والكراث واللفت
والسكر
والكرنب والسبانخ الأمر الذي أغنى نظام التغذية للسكان بدرجة كبيرة على العكس
من
بساتين المنطقة النصرانية(5) .
ومع أن هذه الأنواع من الأراضي التي ذكرت لم نجد ما يشير إلى وجودها في
الأندلس ، لكننا
وجدنا من المفيد الإشارة إليها في هذا المجال لوجود محاصيل زراعية
في الأندلس تتناسب
مع هذه الأنواع من الأراضي ، مما يشير إلى احتمال وجودها في
الأندلس .
–2 حراثـة الأرض :
وهي عملية قلب التربة ، ومعنى القلب
هو حرثها وجعل اعلاها اسفلها مرة بعد مرة([15])، وينبغي ان تحرث الارض اكثر من مرة وثانية وثالثة ورابعة ([16])، والغرض من حراثة التربة :
هو معادلة اسفل الارض واعلاها
فالتراب الذي في اسفل الارض يكون ندياً وبارداً ورطباً اما في اعلاها فيكون حاراً
ويابساً نتيجة لتعرضها لأشعة الشمس فقلب الارض من اعلى الى اسفل يعمل على معادلتها
واصلاحها للزرع ([17]).
كما ان الحراثة تعمل على فتح
مسامات التربة ونفوذ الهواء الحار في داخلها ويعم جميع اجزاءها فتتنفس التربة ([18]).
ولقطع العشب في الارض الذي يزاحم النباتات ويأخذ من غذائها([19]) . وتكون الحراثة اما على شكل الواح طويلة مقابلة للريح من
كل جهة او على شكل مربعات تتخللها السواقي والقنوات ([20]) ،
ويجب ان لا يكون الحرث بخطوط متباعدة لان ذلك يكون قليل المنفعة ([21]).
(3) ابن حجاج الاشبيلي ، المقنع في الفلاحة ، ص6 .
(4) هونكة ، زيغريد ، شمس العرب تسطع على الغرب
(أثر الحضارة العربية في أوربا) ، ترجمة فاروق سعيد بيضون وآخرون ، دار الآفاق
الجديد ، بيروت – 1980 ، ص497 ؛ شلبي ، أحمد ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، ج4 ، ط7
، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة – 1984 ، ص91 .
(5) سانشيز
، الزراعة في إسبانيا المسلمة ، ص1337 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق