منهجية تحليل النص التاريخي
منهجية تحليل النص التاريخي
تقديم النص:
يشمل التقديم أربع عناصر أساسية تتأتى من خلالها القراءة الخارجية للنص.
العنصر الأول:
1. نوعية النص:
ليس
الوقوف عند نوعية النص كأول عنصر من عناصر التقديم أمرا اعتباطيا بل هو
أساسي لاستخلاص وبكل دقة باقي عناصر التقديم. فمن خلال تحديد نوعية النص
يتحدد صاحب النص وتتم الإجابة عن إشكالية العلاقة بين صاحب المصدر الذي أخذ
منه النص. فما هي الطريقة التي نحدد بها نوعية النص؟
لا
يمكننا البدء في تطبيق منهجية التحليل ما لم نقرأ النص قراءة متأنية لا
نبغي من ورائها تحديد المضامين، فهذا أمر نؤجله للتحليل،وإنما الوقوف
عند العناصر المحددة لنوعية النص.
ـ تحديد الصيغة التي قدم بها النص: فقد
يأتي النص مسترسلا أو عبارة عن استشهاد أو حوار ثنائي أو متعدد الأطراف.
فنجمل نحن هذه الصيغ كلها في حقل جامع هو حقل الأدب، فنقول: هذا نص أدبي
ويشمل هذا القول النصوص النثرية والشعرية معا على أن هذا التحديد لا يغوص
بنا في أعماق النص وإنما يجعلنا نقر أننا أمام نصوص ، سواء كانت مكتوبة أو
شفاهية، خاضعة لشروط أدبية متعارف عليها، ويعني هذا أن هناك نصوص أخرى غير
أدبية :"كالآثار والصور والنقود" ليس هذا مجال التعريف بطرق التعامل معها
وتحليل معطياتها.
ومن هنا
فتحديد الصيغة التي قدم بها النص تمكننا من تحديد نوعيته. والنصوص
التاريخية أنواع متعددة لا يمكن حصرها وإنما سنعطي بعض الأمثلة عنها:
أـ النصوص المقتطفة من كتب: وهي النصوص التي تعبر عن رأي أ, معاينة أ,
معايشة أ, استنتاج خاص بصاحب الكتاب.ونعبر عن هذا بالقول: هذا نص أدبي
ذو صبغة تاريخية مقتطف من كتاب كذا....
ب ـ النصوص المقتطفة من كتب والتي لا تعبر لا عن رأي الكاتب ولا عن خلاصات
خاصة به وإنما هي استشهادات وضفها الكاتب لتدعيم أطروحته أو أخبار وصلته
عبر روايات مروية أو مكتوبة أو منقولة عن كتابات سابقة. وكل هذه المستويات
تعبر عن تداخل بين نصوص متعددة لا يقع الفصل بينها إلا من خلال قراءة
متأنية .إذ عادة ما يورد صاحب المصدر اسم الجهة التي نقل عنها الخبر ومن
ثمة يسهل على القارئ تحديد نوعية النص، وكذا صاحبه.أما في الحالة التي لا
يعتني فيها صاحب المصدر بذكر الجهة أو الشخص الذي يروي عنه الأحداث أو
يستشهد بأقواله فإن القارئ مطالب ببذل مجهود أكبر في التقصي والبحث عن
الجهة أو الشخص ، ويصبح بذلك هم القارئ منصبا هذه المرة ليس على تحديد
نوعية النص وإنما تحقيقه أيضا. وإذا كانت المراجع الحديثة تركز على وضع
الإحالات وضبط الاستشهادات فإن بعض الكتابات التقليدية:" المصادر" لا تعير
هذه المسألة كبير الاهتمام رغم أن المدرسة التاريخية في بداياتها كانت تسير
على نهج الحديث في إعتماد السند في تناقل الأحداث بغية ضبط مصدرها والتحقق
من صحتها.
ج ـ الوثائق
يأتي
بعض هذه الوثائق مستقلا ويأتي بعضها الآخر متضمنا ضمن كتب التاريخ على
أ، ورودها ضمن هذه الكتب لا يؤثر على تحديد نوعيتها، ومثل ذلك:
· الرسائل:
تفترض الرسالة وجود محاور ومحاور أو مرسل ومرسل إليه، وعادة ما يكون
المرسل فردا والمتلقي فردا أ, جماعة. وتختلف الرسائل من حيث تسمياتها
باختلاف الجهة التي صدرت عنها وكذا اعتبارا لمضامينها.فهناك الرسائل
الشخصية المتداولة بين شخصين والتي لا يتوخى من خلالها لا التأريخ لحدث
معين ولا إثارة ظاهرة معينة وإنما تهم شخصيين عاديين وإن كانت لا تخلو من
إشارات أو تلميحات تفيد المؤرخ.وهناك الرسائل الرسمية ،وتشمل الرسائل
السلطانية وتسمى الظهائر كما تشمل الرسائل المتداولة بين الباشاوات والقياد
وممثلي السلطة،ولكل من هذه الرسائل خصوصيات لا يتأتى الوقوف عليها إلا من
خلال قراءة مضامينها. ثم هناك الرسائل الفقهية والتي تحمل
بدورها تسميات منها: الفتاوى والنوازل، وهي جمع لمختلف الأسئلة الشفاهية
والمكتوبة التي ترد على الفقيه من أجل تحديد رأي الشرع فيها.وتحمل اسم
النوازل نسبة إلى السؤال المطروح أ, الفتاوى نسبة إلى الجواب المقدم من طرف
الفقيه أو المفتي. وتشمل هذه الرسائل الفقهية العديد من القضايا التي لا
تنحصر في الشرع وطرق تطبيقه وإنما تشمل أمور المجتمع والسياسة والاقتصاد .وتشكل مصدرا مهما من مصادر تاريخ المغرب.
العنصر الثاني
2. صاحب النص :
قلنا
سابقا أن تحديد نوعية النص تساهم إلى حد بعيد في التعرف على صاحب النص،
ولا يبقى أمامنا إلا التعريف به. وللتعريف بصاحب النص لا نستحضر إلا
المعطيات الدقيقة التي تهم صاحب النص وتفيد في فهم النص وفك رموزه.وإن أول
ما نركز عليه من خلال الوقوف على صاحب النص هو تحديد الفترة الزمنية التي
عاش فيها إذ أن لذلك ارتباط وثيق بباقي عناصر التحليل، سواء تعلق الأمر بالإطار لا التاريخي للنص أو تعلق بتحديد صحة أحداث النص وصحة نسبة النص لصاحبه.
إذا
لم نتمكن من تحديد زمن ولادة صاحب النص فإننا نكتفي بتحديد زمن الوفاة أو
تقديره اعتمادا على حدث تاريخي ما قد يكون صاحب النص عاصره أو كان قريبا
منه.وبعد تحديد الفترة التي عاش فيها صاحب النص ، نحدد بعض الأحداث الكبرى
الموجهة لحياته، كانتمائه الأسري وثقافته وعلاقته بمحيطه
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وإن كان ذلك ضروريا لفهم محتوى النص. ونلجأ
في البحث عن هذه المعلومات إلى كتب الأعلام والموسوعات البشرية وكتب
التراجم والسيرة الذاتية، على أننا نتوخى الإيجاز والتركيز والانتقاء
الممنهج للمعلومات المتعلقة بصاحب النص.
العنصر الثالث
3. ظروف النص: أو تاريخ أحداث النص أو السياق التاريخي للنص:
والمطلوب هنا هو التدقيق في أمرين أساسيين والتمييز بينهما:
أـ تاريخ كتابة النص ب ـ تاريخ أحداث النص.
وقد يقع التداخل بينهما بحيث يصبح تاريخ كتابة النص هو نفسه تاريخ أحداث
النص، ونلحظ ذلك من خلال قراءتنا في الظهائر السلطانية والمراسلات المخزنية
حول مشكلة ما أو قضية ما .
وقد
يقع تباعد بين تاريخ الكتابة وتاريخ الأحداث على أن هذا التباعد يكون
أحادي الاتجاه إذ يكون تاريخ الأحداث سابقا عن تاريخ الكتابة والعكس
غير صحيح.
ويمكن التأكيد على أن
تاريخ أحداث النص مرتبط ارتباطا وثيقا بمضمون النص، وبمعنى آخر حينما نقرأ
النص جيدا ، بحيث نتمكن من تمييز أفكاره الأساسية فإن تاريخ الأحداث أو
السياق التاريخي للنص هو عينه تاريخ الأفكار الأساسية في النص.و هنا نعتمد أسئلة منهجية ك: متى؟ وكيف؟ ولماذا؟
وتختلف أهمية وأسبقية كل سؤال حسب محتوى النص والمنحى الذي يتخذه .وبذلك
يكون السياق التاريخي للنص هو الرضية والتمهيد الضروري لفهم النص فهما
صحيحا وتاريخيا.
العنصر الرابع
4. مصدر النص:
هنا أيضا قد نقف أمام حالتين متمايزتين لكن الفصل فيهما يكون قد تم خلال تحديد نوعية النص.وهاتان الحالتان هما :
أـ
الحالة التي يكون فيها المصدر الذي ورد فيه النص هو نفسه المصدر الأصلي
للنص.أي أن صاحب النص هو نفسه صاحب المصدر. ونقوم هنا بالتعريف بالمصدر
تعريفا مستفيضا لأن التعريف به والتعرف على محتوياته ومنهجه ومنطقه سيفيد
لا محالة في فهم هذا الجزء الذي هو النص.
ب ـ الحالة الثانية التي يكون فيها المصدر المشار إليه لمؤلف آخر غير صاحب
النص الذي تم التعرف عليه قبلا. وهنا نعود إلى نوعية النص، فإذا كان النص
كلا مستقلا فإن التعريف بالمصدر الذي ورد فيه وبصاحبه أمر ثانوي ، أما إذا
ما أدرج النص ضمن المصدر كاستشهاد موضوع بين قوسين أو مرسل
فإنه لا يعبر عن رأي صاحبه فحسب بل وعن رأي الذي استشهد به أيضا وبالتالي
وجب الوقوف عند صاحب المصدر والمصدر، إذا ما رأينا أن الأمر سيفيد في
فهم النص عينه.
II ـ التحليل :
ويرمي إلى إدراك معنى النص، وتفسيره، وللوصول إلى ذلك نبدأ بالنقطة التالية :
1 شرح المفردات الواردة في النص
نفصل فيه الحديث عن كل من الأعلام والتواريخ والمواقع الجغرافية والعبارات والإشارات الواردة في النص، لأن تدقيق هذه المرحلة يمكن من فهم أفكار النص والانتقال لباقي مراحل التحليل.
2 ـ الفكرة العامة للنص: يعتمد استخراج الفكرة الرئيسية على استقراء جميع الفقرات.
تقدم الفكرة الرئيسية في جملة دالة على محتوى النص وشروط الفكرة الرئيسية ثلاث هي:
الوضوح والشمولية و الاختصار.
III ـ التعليق على النص:
والمطلوب
فيه، تقييم المحتوى، وتقديم رأي صريح فيه انطلاقا من عدة تساؤلات.
ينبني التعليق على مبدء الشك بالمعطيات التي أوردها النص، وذلك انطلاقا من
نقطتين أساسيتين:
1) صحة نسبة النص إلى صاحبه
ـأي البحث في مدى معاصرة الكاتب للأحداث
ـ مدى مطابقة الأفكار والاديولوجية الواردة في النص مع أفكار وإيديولوجية الكاتب
2) صحة المحتوى:
نقوم فيه بالتأكد من محتوى النص، فنناقشه فكرة فكرة، ونطرح تساؤلات
حول ما ورد فيه من معلومات، و نقارن مضمون النص مع ما نعرفه من خلال
قراءاتنا.
3 أهمية النص التاريخية
*تسليط الضوء على كمية المعلومات التي يقدمها النص، و دقتها، وتنوعها..
*الجدة والتميز والسبق والانفراد.
المصدر: مدونة الأستاذة الراجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق