الأربعاء، 21 مارس 2012
قراءة في الإطار التاريخي و الإيديولوجي للحركة النسائية
خالد
- تمهيد
لا أحد يشك في أن تفاعل الحضارات يعتبر خاصية أساسية من خواص الحضارة الإنسانية،و يعبر عن الطبيعة التلقائية للحركة و العلاقات الاجتماعية بين مختلف المجتمعات البشرية .و للتفاعل الحضاري أسباب و عوامل شتى أهمها الغزوات و الفتوحات و العلاقات التجارية و تبادل الخبرات المادية و المعنوية .ثم إن الأشياء المادية و الوسائل التقنية غالبا ما تكون أسرع انتقالا من الأفكار و العقائد و الملل.و يلاحظ دارسو الحضارات أن نوع تأثر حضارة بحضارة ما يتعلق بموقف إحداهما من الأخرى .فإذا كان الموقف يعبر عن نوع من الندية كان التأثير المتبادل قائما على التوازن السليم، في حين إذا كان الموقف موقف إعجاب و انبهار من قبيل إزاء قبيل آخر ،كان التأثر سريعا و عميقا من قبل القبيل الأول قد يصل أحيانا إلى حد الذوبان .
و لعل العلاقة بين الحضارتين الغربية الإسلامية خلال القرنين التاسع عشر و العشرين الميلاديين خير دليل مجسد لموقف الإعجاب و الانبهار.و لقد تدرجت الشعوب الإسلامية –على طول هذه الفترة – في الانغماس في الحضارة الغربية و التأثر بقيمها و عاداتها ،كما سعت طبقة المترفين و أنصاف المثقفين من المعجبين بأوربا،جيلا بعد جيل ،إلى تحويل مجتمعها إلى مجتمع غربي ،و لم تأل جهدا في الدعوة إلى التغريب.
وكان الاستعمار السياسي و العسكري للبلاد الإسلامية عاملا في تحريك عجلة الاستغراب، و الدفع بها إلى الأمام.فما أن انتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى غدت معظم الأمم المسلمة عبيدا للغرب الأوربي و خولا له .فلما استيقظ المسلمون على إثر ضربات العدو المتوالية و صحوا من سكرتهم شرعوا في البحث عن الأسباب التي مكنت الأوربيين من رقابهم و غلبتهم عليهم.غير أن ميزان الفكر كان مختلا كأشد ما يكون الاختلال،و قد تجلى هذا الاختلال في كون شعورهم و إحساسهم بالذلة و الهوان، كان يحثهم على تغيير حالتهم المزرية ،لكن رغبتهم في الراحة و إيثارهم الدعة و الارتخاء، من جانب آخر، حملهم على التماس أقرب الطرق والوسائل، و أسهلها لتغيير تلك الوضعية. وهكذا مال أولو الأمر و من في حاشيتهم و على شاكلتهم, و كذا كثير مما حمل راية الإصلاح من المفكرين و المثقفين، إلى محاكاة الغربيين في مظاهر تمدنهم و حضارتهم .و من ثم لم تكن المحاكاة إلا الوسيلة الوحيدة التي تستطيع أن ترقى إلى استعمالها كعقلية سقيمة و مختلة .
إن هؤلاء الذين رفعوا لواء المحاكاة و من تبعهم إلى الآن، يشكلون الجبهة الرابعة في الجبهات الأربع التي أنزلت الهزيمة بثقافتنا و بأصالتنا، و أصلت ظاهرة الاستغراب .و أولى تلك الجبهات تتمثل في المنصرين الذين عملوا على غزونا بواسطة المدارس و المؤسسات التعليمية و الخيرية و شتى الإعلانات. ثم جبهة المستشرقين طلائع الاستعمار ،و ذلك بما يبثونه في كتبهم ونشراتهم من سموم تستهدف الأمة الإسلامية و تراثها ،بالإضافة إلى خدماتهم الخطيرة للمستعمر .و ثالثا جبهة المستعمرين المكشوفة خلال الاستعمار و المتسترة،أو غير المباشرة بعد مجيء الاستقلال .
والجبهة الرابعة هي الجبهة الداخلية ،جبهة منا و إلينا ،عملت من حيث تدري أو لا تدري، على تسهيل مهمة الغزو الاستعماري،بل منها ما شارك المستعمر القديم، وسيشارك الغزاة المعاصرين في صرفنا عن أصولنا و جذورنا ،بل وفي غسل أدمغتنا من كل ما له علاقة بماضينا، و توجيه قبلتنا نحو الغرب .لقد سعت هذه الجبهة المستغربة – بكل ما أوتيت من وسائل – إلى استيراد مظاهر الثقافة الغربية في ثقافتنا المعاصرة ،ظاهرة تدعو للانتباه و غدا العالم هو الذي له دراية بالتراث الغربي "و أصبح العلم نقلا و العالم مترجما و المفكر عارضا لبضاعة الغير".
2- الإطار التاريخي و الإيديولوجي للحركة النسائية
مما لا شك فيه في أن التغيرات الكبرى التي طرأت على المجتمعات الأوربية في مجالات السياسة، و الاجتماع، و الاقتصاد، و ذلك من خلال القرنين التاسع عشر و العشرين ،كان لها أثر عميق في بنية الأسرة الأوربية .ذلك أن الحياة الصناعية الجديدة أحدثت اضطرابا في دائرة النشاط التقليدي للبيت، الذي سرعان ما فقد جل وظائفه الاقتصادية و الاجتماعية .و هكذا شيئا فشيئا انتقلت مسؤولية المسكن و العلاج و تربية الأطفال و تعليمهم – إلى غير ذلك من المهام –من عاتق أولياء الأمور، إلى عاتق الدولة .و على إثر ذلك تغيرت الوضعية الاجتماعية للمرأة، بعد أن أعفتها الدولة من كثير من الأشغال المنزلية، و قلصت دورها التربوي ،و زجت بها في المعامل و الشركات و المؤسسات العمومية .
و من ناحية أخرى ،فإن حرمان الأوربيين –إلى حدود التاسع عشر- من أبسط الحقوق الإنسانية – كان عاملا أساسيا من عوامل ثورتها و المطالبة بحقوقها .«إن النساء المتزوجات –في إطار القانون العرفي الانجلوساكسوني – لم يكن يتمتعن بأي حق قانوني، سواء تعلق الأمر بالملكية أو بالوصاية أو بالتصرف في الأرباح، أو المتاع الخاص أو في اختيار المسكن .أما المرأة المتزوجة فلا يمكنها أن ترافع أو تدافع عن نفسها أمام القضاء، و لا أن تؤسس مشروعا، و لا توقع عقدة دون إذن من زوجها ،بينما في الدولة الشرقية نجد القوانين المتعلقة بالنساء أقل ضررا مما هي عليه في الغرب .و هكذا حسب الشريعة الإسلامية، فإن النساء يتمتعن بالحقوق الشخصية المتعلقة بالتملك و الوصاية و بالشخصية الأخلاقية ».1
«و انطلاقا من القرن التاسع عشر ،شرع النساء في تأسيس المنظمات للدفاع عن حقوقهن .و كان ولوج الجامعات من بين الأهداف التي وضعنها نصب أعينهن ... ذلك أن أول امرأة هولندية استطاعت أن تتخطى عتبة الجامعة لم تحقق ذلك إلا برخصة من الوزير سنة 1870 .و ابتداء من سنة 1925 شرعت جامعات أوربا و أمريكا في قبول البنات و النساء.(....) بيد أن الأمر كان خلاف ذلك في الدول غير الغربية، و التي لم تظهر فيها الحركات النسوية إلا بعد الحرب العالمية الثانية ذلك أن التحاق النساء و البنات بالجامعات كان أمرا طبيعيا »2.
إن المرأة الأوربية ، فيما يثبت المؤرخون الغربيون ،عانت صنوفا من الرق و العبودية طوال تاريخ الإمبراطورية الرومانية ،ثم بعد ذلك على امتداد العصور الوسطى النصرانية.و لما بدأت الشعوب الأوربية تتحسس طريق النهضة في فجر القرن الخامس عشر، توالت الحركات الأدبية و الفلسفية في كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا ،ثم بزغت الثورة العلمية في انجلترا.و على المستوى الاقتصادي حل النظام التجاري البرجوازي- الذي سيتحول إلى النظام الرأسمالي فيما بعد – محل النظام الاقتصادي العبودي ،مما يؤثر على وضعية الكنيسة حليفة الإقطاعية.
و مع تطور البروتستانية و مجيء الثورة الفرنسية بشعارات الإخاء و الحرية و المساواة،حينذاك بدأت الأنثى تتنفس الصعداء ، وتتطلع إلى مستقبل خال من القيود و العبودية.و مع كل هذه الثورات الفكرية والسياسية والاجتماعية، التي استمرت على مسيرة أربعة قرون ،لم ينظر الرجل الأوروبي في موضوع المرأة نظرة تأمل و استبصار، إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
و يذهب كولان سميت في كتابه عن ستيوارت ميل الفيلسوف الإنجليزي و رجل السياسة و القانون ،إلى أن هذا الأخير كان أول أوروبي استطاع أن يخرق الصمت المحيط بالمرأة، و يدافع عنها في البرلمان الإنجليزي، و ذلك سنة 1867 بعد أن ألف كتابه " استعباد النساء ". بل طلب من النواب إبدال لفظ الإنسان homme بلفظ الشخص personneلأن كلمة الإنسان homme كما هو معلوم، يطلقها الغربيون على الإنسان و الرجل على حد سواء ،مما جعل الرجل يتفرد بمعنى الإنسانية إلى حد ما .
يستفاد مما سبق أن حركة تحرير المرأة في أوروبا كانت نتيجة مناخ اجتماعي و سياسي و ديني معين ،إلا أن هذه الظاهرة النسوية تولدت من جراء عوامل و ضغوط تخص المجتمعات الأوروبية .و من هنا فإن افتعال نفس الحركة في المغرب و في العالم الإسلامي، يكون من قبيل تبني النتائج أو الحديث عن المسبب مع غياب أو انعدام السبب .
وإذا ما أردنا – معشر المثقفين و الكتاب المغاربة – أن ندافع عن قضية المرأة، فليس من الضروري، بل و لا من المنطقي أن نتقمص شخصيات ستيوارت ميل أو سيمون دو فوار، أو نستنبت أفكار تجربة تعتبر بالنسبة لنا نشازا تلفظه أصالتنا و هويتنا، كي نقوم بهذ ا العمل .فالمرأة المغربية – و المسلمة عموما –كما شهد بذلك الغربيون-، ظلت تمتلك كل حقوقها حتى في أزمان الانحطاط و التقهقر، لأنها حقوق منحها إياها الخالق سبحانه و شرعها لها المشرع الحكيم ،و ليس في وسع أحد أن يسلبها ذلك .نعم لقد عرفت المرأة المغربية و كذا مثيلاتها في العالم الإسلامي خلال عصور التردي الحضاري نوعا من الظلم و الاستبداد من قبل الزوج و المجتمع عموما .و مع ذلك بقيت محتفظة بحقوقها الشرعية ،و كانت تسعى إلى طلب العلم عندما تكون الظروف ملائمة في ظلام هاتك العصور و خلال فترة الاستعمار .فلم يخل عقد من ظهور أدبيات أو عالمات أو فقيهات .أما المرأة الأوروبية فلم يكن لها قانون يحميها و لا شريعة تكرمها ،و إنما كانت وضعيتها شبيهة بوضعية الأيتام في مأدبة اللئام.
أما المرأة المسلمة، فكانت و لا تزال مخلوقا مكرما تستند إلى قانون رباني يحميها من أي بطش،و بالتالي فإن المناداة بتحريرها على الطريقة الغربية وهي لم تعرف الرق و العبودية – يكون دنسا لشرفها و كرامتها و طهارتها .
و من ناحية أخرى ينبغي التنبيه إلى الخلط الكبير الذي وقع فيه كثير من الناس حين اعتبروا تحرير المرأة و الحركة النسوية، إسمين لمسمى واحد. صحيح أن حركة تحرير المرأة كانت السلف المباشر للحركة النسوية العلمانية، وأن هناك جذروا و أصولا مشتركة بينهما ،و صحيح أيضا أن كلا منهما كان يعبر عن رفضه للأوضاع الاجتماعية و الثقافية القائمة ، و المطالبة بحقوق معينة للمرأة مع الدعوة إلى تحقيق وضع مختلف لها تماما داخل المجتمع ،بل العمل على تغيير هذا المجتمع و جعله متلائما مع الوضع المرتجى و المطلوب للمرأة. كما أنهما اشتراكا في الثورة على أنظمة الزواج و الأسرة و القيم و التعاليم و التقاليد التي تحكمها. كل هذا صحيح، غير أن هناك اختلافا جوهريا بين التيارين ،ذلك أن التيار الثاني ينطلق من فلسفة معينة كونها و بلورها خلال مسيرته التاريخية، أو بعبارة أخرى فإن حركة تحرير المرأة أصبحت تعبر عن مرحلة كلاسيكية متجاوزة .
إن هذه الحركة كانت- على الأقل في الظاهر – تدعى في العالم الإسلامي أنها تعمل في إطار لا يتعارض مع القيم و التقاليد الاجتماعية القائمة، هادفة إلى إعادة الاعتبار للمرأة المسلمة و تمكينها من كل حقوقها و امتيازاتها التي خولها إياها الإسلام ،تلك الحقوق التي فقدت بعضها أو أصابها العبث بسبب الظلم و الانحطاط الذين خيما على المجتمعات الإسلامية، خاصة خلال القرنين الأخيرين .
أما في العالم الغربي فإن رواد حركة تحرير المرأة طالبوا – في النصف الثاني من القرن الماضي – السلطات السياسية، بتخويل المرأة حقوقا أساسية و ضرورية لم تكن تتمتع بها ،و ظلت محرومة منها طوال قرون عديدة.ثم تطورت هذه الحركات فيما بعد لتطالب بحقوق مزعومة ليس لها أي أساس في تراث مجتمعاتها ،أو أنها اتخذت أشكالا ثورية و فوضوية في التعبير و العمل مما نتج عنه ظهور "الحركة النسوية ".
و في هذا الصدد يقول محمد يحيى :« إن جوهر (الفمنزم) يكمن في الظاهرة العامة التي عرفها تاريخ الفكر و الممارسة الغربية على مدى القرنين؛ ألا و هي : وضع أديان و عقائد بشرية وضعية لتجنب الدين الموحى به ، وسواء اعتقدنا أن هناك مؤامرة يهودية ماسونية علمانية وراء هذه الظاهرة ،أم لا، فإننا لا نملك إلا أن نرصدها ،بدءا من العوالم و المدن المثالية التي حفل بها تاريخ الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر و ما بعده ،إلى عقيدة التنوير في القرن الثامن عشر ، و عقيدة أو دين (عبادة العقل ) في آخر هذا القرن ،و دين( عبادة المرأة) الذي ألفه العالم العلماني " أو جست كونت" في أوائل القرن التاسع عشر.
ثم هناك الأديان العلمانية المشهورة :كنظام "هيجل" الفلسفي ،ثم نظريات " ماركس "التي أنجبت الشيوعية و الاشتراكية المختلفة من مثالية إلى عملية، وأخيرا : فلسفات الغرب الكبرى في القرنين التاسع عشر و العشرين، من الوضعية ، إلى الليبرالية ،إلى النزعة العلمية و فلسفة العلوم ،و النفعية (البرجماتية )،إلى الوجودية ،و الظواهرية .و الدين الوضعي العلماني هو مذهب فكري يدعي أنه يحل محل الأديان الغابرة في الغرب (كالنصرانية و اليهودية ) ,و يفسر كل جوانب الحياة بفعل مبادئ عامة، كما يوجه بفعل نفس المبادئ إلى سبل الحياة السعيدة .و هذه العقائد العلمانية تشترك في رفض وجود الإله ذاته ،و تجعل من الإنسان – أو من المبادئ التي تبتدعها – و حيا منزلا لا يناقش و لا يرد » .(...)
«و أصبحت هذه المهمة ملحة بعد جلاء فشل الماركسية و الليبرالية ( و هي آخر الأديان الوضعية الكبرى ) و سيادة أفكار الشك و الريبة و النسبية المطلقة و رفض الثوابت ،في فترة ما أصبح يعرف بعهد ما بعد الحداثة .
و في هذا السياق العام الضبط تأتي حركة (الفمنزم) النسوية العلمانية كدين جديد ». (....)
« إنها ليست مجرد المطالبة بحقوق للمرأة أيا كانت ،و أيا بلغت درجتها من المعقولية ،أو الشطط ،بل هي الدعوة إلى تغيير شامل و جذري،و قلب لكل المفاهيم التي ظلت البشرية تنظر بها إلى المرأة ،و بخاصة المفاهيم الدينية. فبالاستناد إلى شذرات مختلفة مقتطفة من الماركسية و الليبرالية و علوم الانثروبولوجيا ،تعمد (الفمنزم) إلى تصوير التاريخ البشري و كأنه دراما كبرى قام الرجل – منذ عهد مبكر – بقلب الأوضاع التي كانت المرأة فيها صاحبة السيادة و الطول (المجتمع النسوي) ليقيموا محلها المجتمع" الرجالي" الذي تبشر (الفمنزم) بسقوطه ،لكن المستهدف ليس مجرد عكس الأوضاع بشكل مبسط ليعود للنساء الحكم و السيطرة ،و يرجع الرجال إلى عهد العبودية القديمة المزعوم .
إن المطلوب عبر سلسلة طويلة من المخطط و الإجراءات :هو إلغاء الجنس ذاته؛ جنس الرجال و النساء معا، بكل ما ينطوي عليه من مفاهيم وأدوار ثابتة تكرسها الأديان المنزلة ,و إحلال الجنس بمفهوم " النوع" ،الذي يعني:أن يكون المخلوق من الملامح و القسمات التي درجت البشرية عن التمييز من خلالها بين النساء و الرجال كجنسين مختلفين لكل منهما أوضاع و أدوار محددة ».
«هذا هو الهدف العام وراء غاية النشاطات و المؤتمرات التي تخلقها الحركة النسوية العلمانية من خلال مؤسساتها الدولية و المحلية ،إنه الغاية الكبرى وراء كل الشعارات التي يجري عليها الإلحاح بشكل محموم حول "تمكين المرأة "،و إكسابها النفوذ الاقتصادي و السياسي ،"و إلغاء التقاليد " الجنسية ،و إدماج كل أشكال الانحراف (من الزنا إلى الشذوذ) لتصبح أوضاعا طبيعية .نحن –إذن- أمام حركة تسعى إلى إلغاء جنس المرأة نفسه ،و كل ذلك تحت شعار الدفاع عن المرأة و ضمان تقدمها ،لكنه التقدم الذي يؤدي إلى إلغاء الجنس ذاته مع جنس الرجال،و لكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا أصبحت هذه الحركة عالمية الطابع؟ و لماذا أصبح لمؤتمر بكين كل المدافعين و الأنصار في عالمنا الإسلامي ؟» 4
و لا يستبعد المرء رؤية أفكار و مبادىء مؤتمر بكين تطبق في الدول الإسلامية، بواسطة المنظمات النسوية و التي لا تخلو من علاقات وطيدة مع منظمات مماثلة في الغرب 5.
و خلاصة القول إن الاستغراب الليبرالي في المجتمع المغربي، كان له تأثير عميق في بنية الأسرة المغربية، التي عانت و ما تزال من جرائه مشاكل متعددة كانت لها مضاعفات خطيرة سواء على مستوى تربية الأبناء ،أم على مستوى العلاقات الروحية و العائلية .و لعله لم يكن من المنطقي أن تظل الأسرة المغربية في منأى عن التيارات الهدامة الوافدة من الغرب، مادام الاستغراب قد شمل كل الجوانب الثقافية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
د. عبد الله الشارف
قراءة في الإطار التاريخي والإيديولوجي للحركة النسائية
صحيفة "النور"، تطوان المغرب، ربيع الآخر 1421.
الهوامش:
L’Unesco : histoire de -1humanité Ed. Robert Laffont, paris 1977, T.VI.P. 1105 -1
L’Unesco p .نفس المرجع، 1111-1112 -2
Colin Smith ; Stuart Mille Ed .Seghers, paris 1973, p.71 -3
4- محمد يحيى : تدشين الأممية النسوية العلمانية " مجلة البيان " عدد 93 أكتوبر 1995 ،المنتدى الإسلامي ،لندن ص .95-97-98-99 .
5- و كمثال على ذلك، جاء في تقديم كتاب الأسرة المغربية بين الخطاب الشرعي و الخطاب الشعبي "للكاتبة المغربية معالي زينب: "تم نشر هذا الكتاب تحت إشراف المركز الوطني لتنسيق و تخطيط البحث العلمي و التقني في إطار برنامج الدعم للبحث الاقتصادي و الاجتماعي .إن هذا البرنامج أتاح إمكانية تقديم أربعين مشروعا ،و انتهى أجله في نهاية دجنبر 1986. هذا البرنامج الذي حظي بالدعم الاقتصادي من طرف الوكالة الأمريكية للتنمية العلمية ".
و مما ورد في هذا الكتاب : - الخطاب الشرعي كمادة لتأمل سوسيولوجي .- نحو نزع الغلاف اللاهوتي عن النص القانوني المنظم للأسرة .1) نزع الغلاف اللاهوتي عن الخطاب الشرعي يتطلب تحويل الخطاب الشرعي إلى موضوع دراسة سوسيولوجي،إعادة بنائه ليصبح في الإمكان إخضاعه لدراسة علمية ،و ذلك عن طريق تجاوز الموقف اللاهوتي (.....) النظر إليه بانتزاعه من القداسة التي تغلفه ، و تحوله من حيث هو " معطى" إلى موضوع يمكن تفكيكه،و إعادة بنائه" (ص.39 - 40) صدر الكتاب عن مطبعة الرسالة سنة 1988
الثلاثاء، 20 مارس 2012
الإنتربولوجيا:طريق للتواصل الإنساني الحضاري
مقدّمة:
تعدّدت المجتمعات وتكثرت على امتداد الكرة الأرضية، رغم أنّ أصل الإنسان واحد، ومع ذلك فإن الثقافات والمعتقدات والعادات والتقاليد متعدّدة، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر، بل أكثر من ذلك فإن هذه الثقافات والمعتقدات تتعدّد وتختلف ضمن المجتمع الواحد.
وأصبح من المعلوم أنَّ المجتمعات لم تعد منعزلة بعضها عن البعض إنّما أصبح معظمها منفتحاً على بعضه بالرغم من انفراد كل مجتمع بثقافته وديانته؛ والتي يصعب أن يُتخلى عنها بأي شكلٍ من الأشكال.
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف تمكنت القوى الاستعمارية والقوى العظمى من الدخول إلى البلاد التي استعمرتها... فهل تمّ ذلك عن طريق القوة العسكرية فقط؟ أم أن هذه القوى عمدت إلى فهم واستيعاب المجتمعات التي تنوي السيطرة عليها، فتعرّفت إلى طبيعة ثقافتها وتفكيرها، وعلاقات أفرادها فيما بينهم، بحيث تمكّنت من معرفة نقطة الضعف عندهم، حتى توصّلت إلى النقطة التي يمكن من خلالها أن تخترق هذا المجتمع أو الشعب فتدخل إلى أعماقه؛ لتصبح جزءاً منه دون أن يشعر.
والذي يجيب على السؤال الأول، هو علم ابتكرته هذه القوى، علم الإنتربولوجيا بحيث وظفوه لتحقيق السيطرة على العالم.
ولكن الجوانب النفعية لهذا العلم، لم تنحصر بالأهداف الاستعمارية فقط. حيث شكَّل هذا العلم قاعدة مهمة لفهم الآخر، وطريقة عيشه وفكره وثقافته. مما يمكن الاستفادة منه في جميع أنواع التواصل الثقافي بين الشعوب.
وعليه سنطل على ماهية هذا العلم، وأهدافه، ونشأته، وفروعه، وتقنياته، وميادينه في هذه الصفحات.
تعريف الإنتربولوجيا:
ـ علم الإنتربولوجيا هو أحد فروع العلوم الإنسانية. والإنتربولوجيا أو الإتنولوجيا كما عرّفت قديماً "هي عبارة عن دراسة المجتمعات البدائية، التي كان يقال عنها أنها لم تعرف الكتابة، ولم يتم فيها استعمال الآلة"(1).
لكن ما لبث هذا العلم أن تحوّل من علم يدرُس المجتمعات البدائيّة إلى علم يدرس المجتمعات على اختلاف مستوياتها البدائيّة والمتقدّمة والمعاصرة، ذلك لما تحمله كلمة (بدائيّة) من تجريح للشعوب الفقيرة. خاصّة أن هذه الشعوب صارت إلى الزوال.
فأصبحت الإتنولوجيا، كما يراها عالم الاجتماع الفرنسي (كلود ليفي ـ ستروس) بأنّها تدرُس الظاهرات البشريّة الحاليّة والماضية، والمجتمعات المصنّعة والمتخلّفة تقنياً. فهي تدرس الثقافات التي تعتبر أجنبيّة بالنسبة لثقافة المعاين(2). وبالتالي يمكن للإنتربولوجيّ الذي لديه ثقافة مدينية، أن يدرس مجتمعاً ذا ثقافة ريفيّة فلاحيّة، وأن يدرس تقاليده الشعبيّة.
ويمكن لهذا العلم أن يظهر لنا بشكل أوضح، إذا ما فَصَلْناه وميّزناه عن علم الاجتماع. فقد اعتُبرت الإنتربولوجيا جزءاً من العلوم الاجتماعيّة، رغم الاختلاف بينهما من ناحية الموضوع والمنهج، حيث تدرس الانتربولوجيا البيئة، الاقتصاد، البنى العائلية، النظم القرابيّة، والدين. بينما تدرُس الاجتماعيّات الظواهر المعزولة، كالطلاق، والجريمة مثلاً.
أما من ناحية المنهج، يعمد الإنتربولوجيّ في دراسته إلى أن يقيم في المجتمع ـ موضوع الدراسة ـ مدّة من الزمن، قد تكون أشهر، أو سنوات، بينما يعتمد عالم الاجتماع في دراسته على الوثائق والإحصائيّات.
بالإضافة إلى تمييز المجتمع الذي يدرسُه الإنتربولوجيّ في صغره ومحدوديته، على خلاف المجتمع الذي يدرسه عالم الاجتماع.
أهداف الإنتربولوجيا:
أولاً: تهدف الدراسات الإنتربولوجيّة عادة إلى ترقّب السلوكات المقبلة للمجتمعات موضوع البحث، بغية تحديد العلاقات، التي يفترض إنشاؤها مع هذا المجتمع.
ثانياً: تفيد الإنتربولوجيا في حل النزاعات بين الشعوب.
ثالثاً: يتم من خلال الإنتربولوجيا تشخيص ردود الأفعال الممكنة، التي قد يتخذها مجتمع معين حيال خطة تنمويّة معينة.
كما تبيّن هذه الدراسات مدى إمكانية تقبّل مجتمع معيّن لثقافة معيّنة، من خلال معرفة كيفيّة عيشها وطرقه، وكيفيّة تفكيرها(3).
تاريخ الإنتربولوجيا:
يمكن دراسة تاريخ الإنتربولوجيا ونشأتها من خلال المدارس التي نشأت في إطار هذا الميدان من العلوم الإنسانية عبر التاريخ، إذ ظهرت بوادر هذا العلم منذ القرن السابع عشر، لكنّها لم تنمُ وتتبلور على شكل علم مستقل إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر. من هذه المدارس: المدرسة التطورية، المدرسة الثقافية، والمدرسة الوظيفية. الآن، نطرح هذه المدارس بشكل مختصر، بحيث نولي بعض الاهتمام في طرح المدرسة التطورية، باعتبارها الأقدم والأهم.
1ـ المدرسة التطورية(4): هي أُولى مدارس الإنتربولوجيا وأشهرها. من روّادها الباحث الإنكليزي (سبنسر)، الذي طرح فكرة التطوّر، وانتقال المادة من مرحلة إلى أخرى. تقوم المدرسة التطوريّة على عدّة مرتكزات أساسيّة هي:
أ ـ إنَّ الاجتماع البشري له أصل ونواة أولية.
ب ـ هذه النواة الأوليّة تتطوّر، وتنتقل من الطور المتوحّش إلى الطور البربري، إلى الطور الحضاري، وداخل كل طور يوجد عدّة مراحل تطوّرية فرعيّة.
ج ـ إن تاريخ البشريّة هو تاريخ واحد، من خلال انتقال المجتمع من طور إلى طور آخر من أطوار المجتمع.
د ـ كل طور يمهّد للطور الذي يليه، بالتالي تصبح بعض المجتمعات ماضية للمجتمعات الأخرى، وتصبح في مرحلة متقدّمة مستقبلاً لهذه المجتمعات.
انطلاقاً من هذا المنظور بُرِّرت الحركة الاستعمارية من خلال دورها في تسريع عمليّة التقدم للمجتمعات المتخلفة.
هـ ـ الانتقال من طورٍ إلى آخر لا يتمّ دفعة واحدة، إنّما تبقى رواسب في كل طور من سابقه.
2ـ المدرسة الثقافية: من روّادها، الألماني (فرانز بواس) و (ألفرد لوي كزوبر) أحد تلامذة (بواس). اتخذت هذه المدرسة من الثقافات –ككل- وتاريخها موضوعاً للدراسة، بحيث حدّدت هذه المدرسة العناصر المكوّنة للثقافة بأنّها: اللغة، الدين، والجغرافيا، كما ركّزت على دراسة الثقافة من حيث علاقتها بالشخصيّة(5).
3ـ المدرسة الوظيفية: من روّادها، البولوني (مالنيوفسكي) والانكليزي (ردكليف- براون). تقوم هذه المدرسة على دراسة وظيفة أي نشاط، أو أي ظاهرة، باعتبار الدور الذي يقوم به هذا النشاط، أو تقوم به هذه الظاهرة، في الحياة المجتمعيّة ككل، والمساهمة التي تقدّمها من أجل الحفاظ على الديمومة البنيويّة. يتمثل دور الإنتربولوجيّ حسب هذه المدرسة، في السعي إلى إقامة الصلة بين ظاهرات معيّنة، ودراسة فعلها المتبادل فيما بينها عندما تكون عرضة للتبادل. فتعتمد هذه المدرسة المنهج الاستقرائي في دراستها(6).
تقنيات الإنتربولوجيا:
هي المعاينة بالمشاركة إلى جانب الاستمارة والمقابلة. هذه المعاينة بالمشاركة، أو الملاحظة بالمشاركة(7)، تستلزم تحضيراً نفسياً للباحث، كما تستلزم حالة ذهنية من شأنها أن تمكّن المعاين من تناسي ثقافته الخاصّة، ومراجعه، وتجعله يتماشى مع أي شكل من أشكال التعصّب القومي، الذي يدفعه إلى الحكم على هذه المجتمعات الأجنبية عنه بناءً على معاييره، وقيمه الخاصة.
كما تتطلّب هذه التقنيّة من الباحث أن يعيش مدّة معيّنة بين القوم الذين يدرس علاقاتهم. فمن شروط هذا العمل أن يتولى الباحث بنفسه معاينة كلّ شيء، بحيث لا يعتمد على الأخبار والأوصاف التي يحدّثه عنها أحد المعرّفين وحسب، فتبقى النتائج التي يتوصّل إليها موضوعيّة قدر الإمكان.
وهذه التقنيّة تفرض على الباحث أن يشاطر الأهالي حياتهم، وأن يتعلّم لغتهم المحليّة، ويسجّل كل ما يلاحظه ويعاينه• فلا يكتفي بالتحقيق المبني على الإستمارة، أو بالمقابلة القائمة على ما يقوله المعرّف(8).
فروع الإنتربولوجيا:
وهي عديدة، نذكر أهمّها:
1ـ الإنتربولوجيا الثقافية: تدرس كل ما يسمّى بالعادات والأعراف والتقاليد. (طقوس، فلكلور، غناء...) إضافة إلى التقنيّات التي تستطيع الجماعة بواسطتها أن تحصِّل عيشها.
2ـ إنتربولوجيا التكنولوجيا: يقوم هذا الفرع على دراسة الأدوات التي يستخدمها الإنسان في تحصيل عيشه. وتشمل الأدوات الزراعية، الصناعيّة، المطبخيّة وغيرها. كما تدرس علاقة الإنسان بهذه الأدوات.
3ـ الإنتربولوجيا الاجتماعية: تدرس العلاقات الاجتماعيّة بين الجماعات وبين الأفراد(9).
ميادين الإنتربولوجيا:
تقوم الإنتربولوجيا الاجتماعيّة بدراسة العديد من العلاقات الاجتماعيّة، منها:
1ـ الإنتربولوجيا السياسية: تدرس مختلف أنماط السلطة، كالسلطة النابعة من الدولة، والسلطة النابعة من الأعراف والتقاليد، كالسلطات العشائرية والقبليّة، والعصبيّة العائليّة، وغيرها من الأشكال السياسيّة.
2ـ الإنتربولوجيا الاقتصادية: المقاربة الاقتصاديّة في مجال الإنتربولوجيا اعتنت بدراسة كيفيّة تحصيل المجتمعات المسمّات بدائيّة لطريقة عيشها، التي كانت تتمثّل سابقاً بثلاثة أمور، هي: القنص والصيد وجني الثمار. ثم تطوّرت هذه الكيفية لاحقاً من خلال تقسيم العمل بين المرأة والرجل ضمن نظام اقتصادي لا يعرف الإنتاج(10).
3ـ إنتربولوجيا المكان: تدرس ما يسمّى المجال الخصوصي، وهو البيت، فتعنى بدراسة تقسيمات البيت وملامحه ودلالاته(11).
4ـ الأنظمة القرابيّة: كل نظام قرابي له عدة مستويات هي(12):
أ ـ شكل النسب.
ب ـ شكل الزواج.
ج ـ شكل الإقامة.
د ـ مصطلحات القرابة.
هـ ـ الألفة والكلفة.
و ـ المخاطبة.
زـ انتقال اسم العَلَم من جيل إلى جيل آخر.
ح ـ الإرث.
سنتناول كل من هذه المستويات بشيء من الشرح والإيضاح المقتضب:
أ ـ شكل النسب: لكل نظام قرابي شكل خاص من النسب، فهناك أشكال من النسب أبويّة ينسب الولد فيها إلى أبيه، كالنظام السائد في البلدان العربيّة. وهناك نظم قرابيّة أموميّة، ينسب الولد فيها إلى أمه كبعض النظم الغربيّة، كأن ينادى الولد مثلاً بـ (ابن فلانة) نسبة إلى الأم بدل أن ينادى بـ (ابن فلان) نسبة إلى الأب.
ب ـ شكل الزواج: يدرس الإنتربولوجيّ المجتمعات التي يكون فيها الزواج من أحد الأقرباء، بحيث يكون هذا الزواج اختياراً إجبارياً أو اختياراً مفصّلاً. وقد تمّ ضبط عدّة أشكال للزواج، منها شكل التبادل الضيّق بين مجموعتين، وشكل آخر يفترض وجود أكثر من ثلاث مجموعات، فتعطي المجموعة الأولى نساء للمجموعة الثانية، والثانية تعطي نساءها للمجموعة الثالثة، وذلك ضمن حلقة مقفلة. وهناك شكل ثالث يفترض وجود ثلاث مجموعات وما فوق، بحيث يلزم الابن والحفيد بأن يأخذ من نفس المجموعة التي أخذ منها الجَدّ.
ج ـ شكل الإقامة: صنّف الإنتربولوجيون ثلاثة أشكال للإقامة، هي:
1- الإقامة الأبويّة: تقضي بأن يسكن الابن بعد الزواج في بيت أبيه.
2- السكن الأمومي: حيث يسكن الابن بعد الزواج في مكان إقامة أمّه.
3- السكن المستقل: بحيث يستقل الابن باختيار مكان الإقامة بعد الزواج عن مكان إقامة الوالدين.
د ـ مصطلحات القرابة: لكل نظام قرابيّ مصطلحات خاصّة به، يختلف عددها بين الأنظمة المختلفة. ففي أوروبا مصطلحات القرابة أقل عدداً منها في نظامنا العربي. من هذه المصطلحات عندنا: خالة- خال- عم- عمّة- جد- جدّة- أخ- أخت- زوج- زوجة- صهر- عديل- حمو- حمى- سلفة...
وقد اصطلح الإنتربولوجيون عدّة رموز، لتسهيل دراسة هذه المصطلحات. وهذه الرموز هي: المثلث () يرمز إلى الرجل، الدائرة () ترمز إلى المرأة، الخط العامودي ( ) يرمز إلى النسب، الخط الأفقي (-) يرمز إلى الأخوّة، خطان أفقيان (=) يرمزان إلى الزواج. ويحدّد الأنا والمرجع بملئ الدائرة () إذا كانت أنثى أو بملى المثلث () إذا كان ذَكر.
هـ ـ الألفة والكلفة: هي عبارة عن مجمل الآداب المتبّعة في العلاقات بين الأقرباء، فهناك علاقات تسودها الألفة، كالعلاقة بين شخصين من جيل واحد. أمّا استخدام اسم القرابة في المخاطبة فيشير إلى نوع من الكلفة بين أشخاص من جيلين مختلفين، حيث لا تسمح هذه العلاقات إلاّ بالانضباط الكامل غالباً.
و ـ المخاطبة: هذا الجزء يتناول المصطلحات التي يستعملها الأقرباء في مخاطبتهم بعضهم البعض الآخر. فالجيل الأصغر سناً يستخدم مصطلحات القرابة (جد ـ جدّة ـ خال ـ عمّة...) في مخاطبتهم الجيل الأكبر.
والجيل الأكبر يخاطب الجيل الأصغر باسم العلم، أو بالمصطلح القرابي الذي ينتمي إليه. مثلاً، يخاطب الأبُ ابنه فيقول (يا بَيِّي). أمّا المخاطبة ضمن الجيل الواحد، فتتم باستخدام اسم العَلَم أو الكنية (أبو فلان) مثلاً.
والزوج يخاطب زوجته -في بعض المجتمعات- بأصوات مثل: ها، يا، وَيْنك...
ز ـ انتقال اسم العلم من جيل إلى جيل: خلال هذه العمليّة يتم إعادة إنتاج اسم الجيل الأول. وتناط هذه المسألة بالابن البكر، أو الذي ينجب أولاً، إذ عليه أن يسمّي ابنه باسم أبيه أو أمه.
ح ـ الإرث: يلاحظ الإنتربولوجيون أن عمليّة التوارث تختلف باختلاف المجتمعات، فعند المسلمين مثلاً يتم التوارث عبر الشرع. وعند المسيحيين (في لبنان) يتم التوارث عبر القانون المدني منذ عام 1952، حيث وضع القانون المدنيّ.
إن هذه المستويات ضمن الأنظمة القرابية، تساهم بشكل أو بآخر في تحديد نمط عيش مجتمع معين، كما تساعد على فهم واستيعاب سلوكات الأفراد وعلاقاتهم فيما بينهم.
ومن الضروري، الإلفات إلى أن الإنتربولوجيا عالجت أيضاً الجانب والإطار الدينيّ للمجتمعات الغابرة، والتي كان يتمثل الدين عندهم بما يسمّى بالطوطمية.
الخاتمة:
بعد هذه الإطلالة على علم الإنتربولوجيا، يتبيّن أنّ الدراسات الإنتربولوجية لم تعد تقتصر على الشعوب البدائيّة، التي لا تعرف الكتابة، ولا وجود فيها للدولة، إنما أصبحت تشمل دراسة المجتمعات المعقّدة، والحضارية المعاصرة، وبالتالي أصبح بالإمكان الإحاطة بواقع وثقافة أي مجتمع مهما اختلفت عاداته وتقاليده وأنماط عيشه، علّ ذلك يساعد في نشر الثقافة الإسلامية وعلومها ومبادئها.
الهوامش:
* * * *
(1) لومبار، جاك: مدخل إلى الإثنولوجيا. ط1، ترجمة:حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1997م، ص9.
(2) المعاين: من عاين- يعاين معاينة ومعاين، عاين: رأى بالعين المجردة، أبصر وتحقق بنفسه. والمعاين: من يعاين ويكشف. المنجد في اللغة العربية المعاصرة، ط2، ص1041.
(3) لومبار، م.س، ص44.
(4) م.ن، ص64.
(5) م.ن، ص132.
(6) م.ن، ص160.
(7) مراد، إبراهيم: محاضرات في "مراحل البحث الاجتماعي" الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، قسم المطبوعات، 2001-2002م، ص67-68.
(8) لومبار، م.س، ص172.
(9) يراجع: الدويهي، شوقي: محاضرات في "مدخل إلى الإنتربولوجيا" الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، قسم المطبوعات، 2001-2002م، ص5.
(10) الإنتاج: يعني إجراء عملية تحول المادة الأولية إلى شيء آخر.
(11) الدويهي، م.س، ص24.
(12) الدويهي، م.ن، ص6.
تعدّدت المجتمعات وتكثرت على امتداد الكرة الأرضية، رغم أنّ أصل الإنسان واحد، ومع ذلك فإن الثقافات والمعتقدات والعادات والتقاليد متعدّدة، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر، بل أكثر من ذلك فإن هذه الثقافات والمعتقدات تتعدّد وتختلف ضمن المجتمع الواحد.
وأصبح من المعلوم أنَّ المجتمعات لم تعد منعزلة بعضها عن البعض إنّما أصبح معظمها منفتحاً على بعضه بالرغم من انفراد كل مجتمع بثقافته وديانته؛ والتي يصعب أن يُتخلى عنها بأي شكلٍ من الأشكال.
فإذا كان الأمر كذلك، فكيف تمكنت القوى الاستعمارية والقوى العظمى من الدخول إلى البلاد التي استعمرتها... فهل تمّ ذلك عن طريق القوة العسكرية فقط؟ أم أن هذه القوى عمدت إلى فهم واستيعاب المجتمعات التي تنوي السيطرة عليها، فتعرّفت إلى طبيعة ثقافتها وتفكيرها، وعلاقات أفرادها فيما بينهم، بحيث تمكّنت من معرفة نقطة الضعف عندهم، حتى توصّلت إلى النقطة التي يمكن من خلالها أن تخترق هذا المجتمع أو الشعب فتدخل إلى أعماقه؛ لتصبح جزءاً منه دون أن يشعر.
والذي يجيب على السؤال الأول، هو علم ابتكرته هذه القوى، علم الإنتربولوجيا بحيث وظفوه لتحقيق السيطرة على العالم.
ولكن الجوانب النفعية لهذا العلم، لم تنحصر بالأهداف الاستعمارية فقط. حيث شكَّل هذا العلم قاعدة مهمة لفهم الآخر، وطريقة عيشه وفكره وثقافته. مما يمكن الاستفادة منه في جميع أنواع التواصل الثقافي بين الشعوب.
وعليه سنطل على ماهية هذا العلم، وأهدافه، ونشأته، وفروعه، وتقنياته، وميادينه في هذه الصفحات.
تعريف الإنتربولوجيا:
ـ علم الإنتربولوجيا هو أحد فروع العلوم الإنسانية. والإنتربولوجيا أو الإتنولوجيا كما عرّفت قديماً "هي عبارة عن دراسة المجتمعات البدائية، التي كان يقال عنها أنها لم تعرف الكتابة، ولم يتم فيها استعمال الآلة"(1).
لكن ما لبث هذا العلم أن تحوّل من علم يدرُس المجتمعات البدائيّة إلى علم يدرس المجتمعات على اختلاف مستوياتها البدائيّة والمتقدّمة والمعاصرة، ذلك لما تحمله كلمة (بدائيّة) من تجريح للشعوب الفقيرة. خاصّة أن هذه الشعوب صارت إلى الزوال.
فأصبحت الإتنولوجيا، كما يراها عالم الاجتماع الفرنسي (كلود ليفي ـ ستروس) بأنّها تدرُس الظاهرات البشريّة الحاليّة والماضية، والمجتمعات المصنّعة والمتخلّفة تقنياً. فهي تدرس الثقافات التي تعتبر أجنبيّة بالنسبة لثقافة المعاين(2). وبالتالي يمكن للإنتربولوجيّ الذي لديه ثقافة مدينية، أن يدرس مجتمعاً ذا ثقافة ريفيّة فلاحيّة، وأن يدرس تقاليده الشعبيّة.
ويمكن لهذا العلم أن يظهر لنا بشكل أوضح، إذا ما فَصَلْناه وميّزناه عن علم الاجتماع. فقد اعتُبرت الإنتربولوجيا جزءاً من العلوم الاجتماعيّة، رغم الاختلاف بينهما من ناحية الموضوع والمنهج، حيث تدرس الانتربولوجيا البيئة، الاقتصاد، البنى العائلية، النظم القرابيّة، والدين. بينما تدرُس الاجتماعيّات الظواهر المعزولة، كالطلاق، والجريمة مثلاً.
أما من ناحية المنهج، يعمد الإنتربولوجيّ في دراسته إلى أن يقيم في المجتمع ـ موضوع الدراسة ـ مدّة من الزمن، قد تكون أشهر، أو سنوات، بينما يعتمد عالم الاجتماع في دراسته على الوثائق والإحصائيّات.
بالإضافة إلى تمييز المجتمع الذي يدرسُه الإنتربولوجيّ في صغره ومحدوديته، على خلاف المجتمع الذي يدرسه عالم الاجتماع.
أهداف الإنتربولوجيا:
أولاً: تهدف الدراسات الإنتربولوجيّة عادة إلى ترقّب السلوكات المقبلة للمجتمعات موضوع البحث، بغية تحديد العلاقات، التي يفترض إنشاؤها مع هذا المجتمع.
ثانياً: تفيد الإنتربولوجيا في حل النزاعات بين الشعوب.
ثالثاً: يتم من خلال الإنتربولوجيا تشخيص ردود الأفعال الممكنة، التي قد يتخذها مجتمع معين حيال خطة تنمويّة معينة.
كما تبيّن هذه الدراسات مدى إمكانية تقبّل مجتمع معيّن لثقافة معيّنة، من خلال معرفة كيفيّة عيشها وطرقه، وكيفيّة تفكيرها(3).
تاريخ الإنتربولوجيا:
يمكن دراسة تاريخ الإنتربولوجيا ونشأتها من خلال المدارس التي نشأت في إطار هذا الميدان من العلوم الإنسانية عبر التاريخ، إذ ظهرت بوادر هذا العلم منذ القرن السابع عشر، لكنّها لم تنمُ وتتبلور على شكل علم مستقل إلاّ في أواخر القرن التاسع عشر. من هذه المدارس: المدرسة التطورية، المدرسة الثقافية، والمدرسة الوظيفية. الآن، نطرح هذه المدارس بشكل مختصر، بحيث نولي بعض الاهتمام في طرح المدرسة التطورية، باعتبارها الأقدم والأهم.
1ـ المدرسة التطورية(4): هي أُولى مدارس الإنتربولوجيا وأشهرها. من روّادها الباحث الإنكليزي (سبنسر)، الذي طرح فكرة التطوّر، وانتقال المادة من مرحلة إلى أخرى. تقوم المدرسة التطوريّة على عدّة مرتكزات أساسيّة هي:
أ ـ إنَّ الاجتماع البشري له أصل ونواة أولية.
ب ـ هذه النواة الأوليّة تتطوّر، وتنتقل من الطور المتوحّش إلى الطور البربري، إلى الطور الحضاري، وداخل كل طور يوجد عدّة مراحل تطوّرية فرعيّة.
ج ـ إن تاريخ البشريّة هو تاريخ واحد، من خلال انتقال المجتمع من طور إلى طور آخر من أطوار المجتمع.
د ـ كل طور يمهّد للطور الذي يليه، بالتالي تصبح بعض المجتمعات ماضية للمجتمعات الأخرى، وتصبح في مرحلة متقدّمة مستقبلاً لهذه المجتمعات.
انطلاقاً من هذا المنظور بُرِّرت الحركة الاستعمارية من خلال دورها في تسريع عمليّة التقدم للمجتمعات المتخلفة.
هـ ـ الانتقال من طورٍ إلى آخر لا يتمّ دفعة واحدة، إنّما تبقى رواسب في كل طور من سابقه.
2ـ المدرسة الثقافية: من روّادها، الألماني (فرانز بواس) و (ألفرد لوي كزوبر) أحد تلامذة (بواس). اتخذت هذه المدرسة من الثقافات –ككل- وتاريخها موضوعاً للدراسة، بحيث حدّدت هذه المدرسة العناصر المكوّنة للثقافة بأنّها: اللغة، الدين، والجغرافيا، كما ركّزت على دراسة الثقافة من حيث علاقتها بالشخصيّة(5).
3ـ المدرسة الوظيفية: من روّادها، البولوني (مالنيوفسكي) والانكليزي (ردكليف- براون). تقوم هذه المدرسة على دراسة وظيفة أي نشاط، أو أي ظاهرة، باعتبار الدور الذي يقوم به هذا النشاط، أو تقوم به هذه الظاهرة، في الحياة المجتمعيّة ككل، والمساهمة التي تقدّمها من أجل الحفاظ على الديمومة البنيويّة. يتمثل دور الإنتربولوجيّ حسب هذه المدرسة، في السعي إلى إقامة الصلة بين ظاهرات معيّنة، ودراسة فعلها المتبادل فيما بينها عندما تكون عرضة للتبادل. فتعتمد هذه المدرسة المنهج الاستقرائي في دراستها(6).
تقنيات الإنتربولوجيا:
هي المعاينة بالمشاركة إلى جانب الاستمارة والمقابلة. هذه المعاينة بالمشاركة، أو الملاحظة بالمشاركة(7)، تستلزم تحضيراً نفسياً للباحث، كما تستلزم حالة ذهنية من شأنها أن تمكّن المعاين من تناسي ثقافته الخاصّة، ومراجعه، وتجعله يتماشى مع أي شكل من أشكال التعصّب القومي، الذي يدفعه إلى الحكم على هذه المجتمعات الأجنبية عنه بناءً على معاييره، وقيمه الخاصة.
كما تتطلّب هذه التقنيّة من الباحث أن يعيش مدّة معيّنة بين القوم الذين يدرس علاقاتهم. فمن شروط هذا العمل أن يتولى الباحث بنفسه معاينة كلّ شيء، بحيث لا يعتمد على الأخبار والأوصاف التي يحدّثه عنها أحد المعرّفين وحسب، فتبقى النتائج التي يتوصّل إليها موضوعيّة قدر الإمكان.
وهذه التقنيّة تفرض على الباحث أن يشاطر الأهالي حياتهم، وأن يتعلّم لغتهم المحليّة، ويسجّل كل ما يلاحظه ويعاينه• فلا يكتفي بالتحقيق المبني على الإستمارة، أو بالمقابلة القائمة على ما يقوله المعرّف(8).
فروع الإنتربولوجيا:
وهي عديدة، نذكر أهمّها:
1ـ الإنتربولوجيا الثقافية: تدرس كل ما يسمّى بالعادات والأعراف والتقاليد. (طقوس، فلكلور، غناء...) إضافة إلى التقنيّات التي تستطيع الجماعة بواسطتها أن تحصِّل عيشها.
2ـ إنتربولوجيا التكنولوجيا: يقوم هذا الفرع على دراسة الأدوات التي يستخدمها الإنسان في تحصيل عيشه. وتشمل الأدوات الزراعية، الصناعيّة، المطبخيّة وغيرها. كما تدرس علاقة الإنسان بهذه الأدوات.
3ـ الإنتربولوجيا الاجتماعية: تدرس العلاقات الاجتماعيّة بين الجماعات وبين الأفراد(9).
ميادين الإنتربولوجيا:
تقوم الإنتربولوجيا الاجتماعيّة بدراسة العديد من العلاقات الاجتماعيّة، منها:
1ـ الإنتربولوجيا السياسية: تدرس مختلف أنماط السلطة، كالسلطة النابعة من الدولة، والسلطة النابعة من الأعراف والتقاليد، كالسلطات العشائرية والقبليّة، والعصبيّة العائليّة، وغيرها من الأشكال السياسيّة.
2ـ الإنتربولوجيا الاقتصادية: المقاربة الاقتصاديّة في مجال الإنتربولوجيا اعتنت بدراسة كيفيّة تحصيل المجتمعات المسمّات بدائيّة لطريقة عيشها، التي كانت تتمثّل سابقاً بثلاثة أمور، هي: القنص والصيد وجني الثمار. ثم تطوّرت هذه الكيفية لاحقاً من خلال تقسيم العمل بين المرأة والرجل ضمن نظام اقتصادي لا يعرف الإنتاج(10).
3ـ إنتربولوجيا المكان: تدرس ما يسمّى المجال الخصوصي، وهو البيت، فتعنى بدراسة تقسيمات البيت وملامحه ودلالاته(11).
4ـ الأنظمة القرابيّة: كل نظام قرابي له عدة مستويات هي(12):
أ ـ شكل النسب.
ب ـ شكل الزواج.
ج ـ شكل الإقامة.
د ـ مصطلحات القرابة.
هـ ـ الألفة والكلفة.
و ـ المخاطبة.
زـ انتقال اسم العَلَم من جيل إلى جيل آخر.
ح ـ الإرث.
سنتناول كل من هذه المستويات بشيء من الشرح والإيضاح المقتضب:
أ ـ شكل النسب: لكل نظام قرابي شكل خاص من النسب، فهناك أشكال من النسب أبويّة ينسب الولد فيها إلى أبيه، كالنظام السائد في البلدان العربيّة. وهناك نظم قرابيّة أموميّة، ينسب الولد فيها إلى أمه كبعض النظم الغربيّة، كأن ينادى الولد مثلاً بـ (ابن فلانة) نسبة إلى الأم بدل أن ينادى بـ (ابن فلان) نسبة إلى الأب.
ب ـ شكل الزواج: يدرس الإنتربولوجيّ المجتمعات التي يكون فيها الزواج من أحد الأقرباء، بحيث يكون هذا الزواج اختياراً إجبارياً أو اختياراً مفصّلاً. وقد تمّ ضبط عدّة أشكال للزواج، منها شكل التبادل الضيّق بين مجموعتين، وشكل آخر يفترض وجود أكثر من ثلاث مجموعات، فتعطي المجموعة الأولى نساء للمجموعة الثانية، والثانية تعطي نساءها للمجموعة الثالثة، وذلك ضمن حلقة مقفلة. وهناك شكل ثالث يفترض وجود ثلاث مجموعات وما فوق، بحيث يلزم الابن والحفيد بأن يأخذ من نفس المجموعة التي أخذ منها الجَدّ.
ج ـ شكل الإقامة: صنّف الإنتربولوجيون ثلاثة أشكال للإقامة، هي:
1- الإقامة الأبويّة: تقضي بأن يسكن الابن بعد الزواج في بيت أبيه.
2- السكن الأمومي: حيث يسكن الابن بعد الزواج في مكان إقامة أمّه.
3- السكن المستقل: بحيث يستقل الابن باختيار مكان الإقامة بعد الزواج عن مكان إقامة الوالدين.
د ـ مصطلحات القرابة: لكل نظام قرابيّ مصطلحات خاصّة به، يختلف عددها بين الأنظمة المختلفة. ففي أوروبا مصطلحات القرابة أقل عدداً منها في نظامنا العربي. من هذه المصطلحات عندنا: خالة- خال- عم- عمّة- جد- جدّة- أخ- أخت- زوج- زوجة- صهر- عديل- حمو- حمى- سلفة...
وقد اصطلح الإنتربولوجيون عدّة رموز، لتسهيل دراسة هذه المصطلحات. وهذه الرموز هي: المثلث () يرمز إلى الرجل، الدائرة () ترمز إلى المرأة، الخط العامودي ( ) يرمز إلى النسب، الخط الأفقي (-) يرمز إلى الأخوّة، خطان أفقيان (=) يرمزان إلى الزواج. ويحدّد الأنا والمرجع بملئ الدائرة () إذا كانت أنثى أو بملى المثلث () إذا كان ذَكر.
هـ ـ الألفة والكلفة: هي عبارة عن مجمل الآداب المتبّعة في العلاقات بين الأقرباء، فهناك علاقات تسودها الألفة، كالعلاقة بين شخصين من جيل واحد. أمّا استخدام اسم القرابة في المخاطبة فيشير إلى نوع من الكلفة بين أشخاص من جيلين مختلفين، حيث لا تسمح هذه العلاقات إلاّ بالانضباط الكامل غالباً.
و ـ المخاطبة: هذا الجزء يتناول المصطلحات التي يستعملها الأقرباء في مخاطبتهم بعضهم البعض الآخر. فالجيل الأصغر سناً يستخدم مصطلحات القرابة (جد ـ جدّة ـ خال ـ عمّة...) في مخاطبتهم الجيل الأكبر.
والجيل الأكبر يخاطب الجيل الأصغر باسم العلم، أو بالمصطلح القرابي الذي ينتمي إليه. مثلاً، يخاطب الأبُ ابنه فيقول (يا بَيِّي). أمّا المخاطبة ضمن الجيل الواحد، فتتم باستخدام اسم العَلَم أو الكنية (أبو فلان) مثلاً.
والزوج يخاطب زوجته -في بعض المجتمعات- بأصوات مثل: ها، يا، وَيْنك...
ز ـ انتقال اسم العلم من جيل إلى جيل: خلال هذه العمليّة يتم إعادة إنتاج اسم الجيل الأول. وتناط هذه المسألة بالابن البكر، أو الذي ينجب أولاً، إذ عليه أن يسمّي ابنه باسم أبيه أو أمه.
ح ـ الإرث: يلاحظ الإنتربولوجيون أن عمليّة التوارث تختلف باختلاف المجتمعات، فعند المسلمين مثلاً يتم التوارث عبر الشرع. وعند المسيحيين (في لبنان) يتم التوارث عبر القانون المدني منذ عام 1952، حيث وضع القانون المدنيّ.
إن هذه المستويات ضمن الأنظمة القرابية، تساهم بشكل أو بآخر في تحديد نمط عيش مجتمع معين، كما تساعد على فهم واستيعاب سلوكات الأفراد وعلاقاتهم فيما بينهم.
ومن الضروري، الإلفات إلى أن الإنتربولوجيا عالجت أيضاً الجانب والإطار الدينيّ للمجتمعات الغابرة، والتي كان يتمثل الدين عندهم بما يسمّى بالطوطمية.
الخاتمة:
بعد هذه الإطلالة على علم الإنتربولوجيا، يتبيّن أنّ الدراسات الإنتربولوجية لم تعد تقتصر على الشعوب البدائيّة، التي لا تعرف الكتابة، ولا وجود فيها للدولة، إنما أصبحت تشمل دراسة المجتمعات المعقّدة، والحضارية المعاصرة، وبالتالي أصبح بالإمكان الإحاطة بواقع وثقافة أي مجتمع مهما اختلفت عاداته وتقاليده وأنماط عيشه، علّ ذلك يساعد في نشر الثقافة الإسلامية وعلومها ومبادئها.
الهوامش:
* * * *
(1) لومبار، جاك: مدخل إلى الإثنولوجيا. ط1، ترجمة:حسن قبيسي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1997م، ص9.
(2) المعاين: من عاين- يعاين معاينة ومعاين، عاين: رأى بالعين المجردة، أبصر وتحقق بنفسه. والمعاين: من يعاين ويكشف. المنجد في اللغة العربية المعاصرة، ط2، ص1041.
(3) لومبار، م.س، ص44.
(4) م.ن، ص64.
(5) م.ن، ص132.
(6) م.ن، ص160.
(7) مراد، إبراهيم: محاضرات في "مراحل البحث الاجتماعي" الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، قسم المطبوعات، 2001-2002م، ص67-68.
(8) لومبار، م.س، ص172.
(9) يراجع: الدويهي، شوقي: محاضرات في "مدخل إلى الإنتربولوجيا" الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، قسم المطبوعات، 2001-2002م، ص5.
(10) الإنتاج: يعني إجراء عملية تحول المادة الأولية إلى شيء آخر.
(11) الدويهي، م.س، ص24.
(12) الدويهي، م.ن، ص6.
الجمعة، 16 مارس 2012
"اليمين واليسار في الفكر الديني"
حسن حنفي, دار علاء الدين, دمشق, 1996, 64 ص.
1- ولد الدكتور حسن حنفي بالقاهرة عام 1935 وفيها نشأ وتعلم. تخرج من جامعة القاهرة حيث حصل بها على الليسانس سنة 1956. ثم سافر إلى فرنسا ليحصل بها على درجة الدكتوراه, من جامعة باريس- السربون في العام 1966, ليعود مدرسا بقسم الفلسفة بآداب القاهرة سنة 1967, ثم أستاذا مساعدا بالعام 1973, ثم أستاذا سنة 1980, فرئيسا لقسم بها سنة 1988. من تاريخه, وهو أستاذ متفرغ بقسم الفلسفة بآداب القاهرة.
وبفضل إتقانه للفرنسية والألمانية والإنجليزية, فقد عمل أستاذا زائرا بالعديد من جامعات العالم, بألمانيا والمغرب واليابان وغيرها.
وقد اهتم حسن حنفي كثيرا بالتراث, وعكف على قراءة العربي والإسلامي منه, وأصدر حوله العديد من المؤلفات من بينها "التراث والتجديد" (القاهرة 1980), "من العقيدة إلى الثورة" (خمسة أجزاء, القاهرة 1988), و"الدين والثورة فى مصر" (ثمانية أجزاء, 1989), و"من النقل إلى الإبداع" (تسعة أجزاء, 1999), و"الدين والثقافة والسياسة فى الوطن العربى" (القاهرة, 1998)
كما صدرت له بالإنجليزية, "الحوار الدينى والثورة" (القاهرة, 1977), و"الإسلام فى العصر الحديث" (القاهرة 1995). وبالفرنسية, "مناهج التأويل" (باريس- القاهرة, 1965), و"تأويل الظاهريات (باريس- القاهرة 1966) وغيرها.
2- ينقسم كتاب "اليمين واليسار في الفكر الديني", إلى فصلين اثنين, أفردهما الكاتب لمناقشة العديد من القضايا التي ميزت اليمين عن اليسار في الفكر الإسلامي, وايضا لإشكالية المال في الإسلام, كحالة تطبيقية لهذه النظرة:
بالفصل الأول ("اليمين واليسار في الفكر الديني"), يقول الكاتب: "ليس اليمين واليسار مقولتين في السياسة وحدها, بل هما موقفان في المعرفة الإنسانية والعلوم الاجتماعية بوجه عام, وفي المواقف العملية والحياة اليومية بوجه خاص", من الأهمية بمكان الوقوف عندهما للتساؤل "حول ارتباط الفكر الديني بالواقع الاجتماعي والأثر المتبادل بينهما, حتى لا نظن أن الفكر الديني شيء مقدس, بل هو نتاج إنساني مثل الإيديولوجيات التي تنبع من واقع اجتماعي, ثم تعود لتؤثر فيه من جديد".
ويعتبر المؤلف أن "اليمين واليسار ليسا موقفين فكريين متمايزين, بل هما أيضا اتجاهان في التفسير. فاليسار في الفكر قد يستغله اليمين لصالحه, واليمين في الفكر قد يعيد تفسيره اليسار لصالح أيضا. فاليمين واليسار موقفان فكريان متمايزان من الأساس, وأيضا منهجان في التفسير".
ثم, يتابع بالقول, "إن اليمين واليسار في الفكر الديني أساسا, هما وضعان اجتماعيان يدلان على وجود طبقتين اجتماعيتين, تحاول كل طبقة أن تدافع عن حقوقها بالأبنية النظرية المتاحة في المجتمعات التقليدية, وهي العقائد الدينية...فهي قضية عملية وليست قضية نظرية, وبناء اجتماعي أكثر منها حقيقة فكرية...".
بمعنى أن الطبقة المسيطرة على الثروة والسلطة تستوظف الفكر الديني وتفسره لصالحها... والأغلبية المستغلة توظف بدورها تفسير الدين, للقضاء على الأقلية المسيطرة بنفس السلاح...وهكذا.
يتعرض كتاب حسن حنفي (وهو كتاب في أصول علم الدين, الذي يحتوي على نموذج الفكر الديني) إلى عدة مواضيع وثنائيات, يتناولها الكاتب الواحدة تلو الأخرى:
+ الأول ويتعلق بنظرية المعرفة. ويلاحظ الكاتب هنا أن ثمة موقفان: موقف يجعل الإيمان وسيلة المعرفة... على اعتبار أن الإيمان هنا هو فعل أولي يقبل ويسلم, ولا يرفض أو يعترض, وكل النظر المتاح هو بجانب "تبرير الإيمان وفهمه, دون نقده أو تمحيصه".
هذا هو موقف اليمين, يقول الكاتب, لأن القبول بالإيمان كنظرية للمعرفة "يكون أقرب إلى الطاعة للأمراء, وإلى الانصياع للحكام. والشعب الذي يبدأ بالتسليم بالحقائق دون مناقشتها يكون أقرب إلى الاستكانة". بالتالي, يعمد الحكام, بالبناء على ذلك, إلى الإكثار من المساجد والموالد, وتدعيم الطرق الصوفية, ودعم البرامج الدينية بالإعلام, وتحديدا تلك التي تغطي "وتتستر على النظم الاجتماعية القائمة".
ويستدل الكاتب هنا بمسألة ضبط النفس, التي جعل منها الإسلام "جهادا", وكذا البر بالوالدين وما سواهما, وقصر القتال على الذين "يقاتلوننا في الدين", بفتننا عن عقيدتنا...فتنحصر الحرب على "الحرب الدينية", لدرجة, يقول المؤلف, إنكار هؤلاء للحروب الوطنية أو الاجتماعية أو غيرها.
بالمقابل, يتميز اليسار بإعمال النظر لا الطاعة, فيعمل على تجنيد الطبقات المستضعفة وتحزيبها, وتسييسها, لتنتقل من الدوغمائية إلى الاستنارة, ونقلها "من الإيمان إلى النظر".
+ الموضوع الثاني ويرتبط بنظرية الوجود, ومفادها القول بأن "الله هو الباقي, والعالم هو الفاني, الله هو الغني والعالم هو الفقير المحتاج. ويستطيع الغني أن يفعل بالفقير ما يشاء, فلا قانون يحفظ للفقير حقوقه إلا رحمة الغني, ولا إرادة تقف في مواجهة الغني إلا فضله وإرادته".
وهذا هو فكر اليمين في الفكر الديني, يقول الكاتب, "الذي تبشر به النظم اليمينية الرجعية, التي يهمها سلب عالم الجماهير المستغلة, والإيحاء إليها بأنه عالم فان لا قيمة له, وأن القيمة كل القيمة, فيما وراء هذا العالم".
في مقابل هذا الموقف, هناك اتجاه آخر (تجاه اليسار في الفكر الديني) الذي "يجعل هذا العالم باقيا مستقرا, ويجعل جهد الإنسان فيه منتجا ومؤثرا... فالعلم ليس وسيلة لشيء آخر, بل هو غاية في حد ذاته, وهو ليس فانيا, بل باق, ووجود الإنسان فيه ليس عارضا, بل جوهري". من ثمة, فإن للجماهير كلمتها, وقدرتها على الفعل, والتأثير في الطبيعة والحكم, ولا تدين لسلطة تركز السلطة بين يديها".
قد يوظف اليمين هذا الطرح, يلاحظ المؤلف, باعتبار أن صلة رأس المال بالعمل مثلا هي صلة رئيس ومرؤوس. بالتالي, فالعالم هذه النقطة, هو ميدان اشتغال رأس المال...كما أن اليسار قد يسلم بذلك, لكنه لا يعتبره أبديا, إذ بالإمكان تغيير النظام الرأسمالي ومنظومة الأجور وما سواها.
+ الموضوع الثالث, ويرتبط بموضوع الذات الإلهية. ويميز المؤلف هنا بين اتجاهين: الأول يثبت هذه الذات بأوصاف ستة (الوجود, والقدم, والبقاء, والمخالفة للحوادث, وعدم وجودها في محل, والوحدانية) تعطي الذات الإلهية وجودا مطلقا, مستقلا عن الوجود الإنساني.
ويرى الكاتب أن هذا الاتجاه هو اتجاه اليمين, الذي يثبت عبره تمثله للنظام الاجتماعي المركز في سلطة واحدة بالقمة, والسيطرة الاقتصادية على رأس المال, واللتان (السلطة الواحدة والسيطرة الاقتصادية) يمثلان مصدر النشاط, والحركة, والقيمة, على حساب القاعدة المتلقية.
الاتجاه الثاني (اتجاه اليسار الديني), وهو الذي يجعل الإنسان مركز الوجود, وحركيته تأتي من ذاتيته, وخصوصيته تأتي من حيث كونه موجودا بكل مكان.
هو اتجاه مبني على نظرة أكثر إنسانية, تعترف بالإنسان كقيمة لا تمايز له عن غيره من بني البشر. لا تأليه هنا, ولا تمييز بالسلطة أو بالثروة الاقتصادية. هو اتجاه يتبنى الحرية. إلا أن هذا الجانب قد يستغله اليمين لصالحه, عندما يؤكد على حرية الأقلية ضد الأغلبية, وحرية ارتكاب الجريمة...الخ.
+ الموضوع الرابع ويتعلق بمسألة العقل والسلطة, أو العقل والنقل. هنا نجد أيضا موقفان, يقول المؤلف: الأول "يجعل السلطة سابقة على العقل, والعقل سابق للسلطة". والثاني "يجعل النقل أساسا للعقل, والعقل تابعا للنقل".
ويقيس المؤلف على هذين الموقفين كيفية تفسير النصوص, ليس فقط لأن كل نص هو مادة للاختلاف (حتى وإن كان صريحا), بل لأن التغير ذاته يخضع لسياق المحيط, والموقف الاجتماعي, ووضع المفسر وأهدافه.
بالتالي, فتعارض النصوص هو بالحقيقة, اختلاف في المواقف, التي تستعمل هذه النصوص, وليس شيئا آخر.
موقف النقل كأساس للعقل, هو موقف اليمين الذي يسوغ للتبعية, سواء للسلطان السياسي أو لصاحب رأس المال الاقتصادي. أما موقف اليسار فهو موقف العقل, الذي يقدم على النقل, بحكم براهينه, وأولوياته, واستقراءاته. يقول المؤلف هنا: "فكل من بدأ يقول: قال الله وقال الرسول, فإنه لا يبغي مصلحة الناس, في حين أن كل من تحدث حديث العقل, وأعطى إحصاء للواقع, فإنه يدافع عن مصلحة الناس, ومستعد لمقارعة الحجة بالحجة, والبرهان بالبرهان".
قد يستغل اليمين هذا الموقف, فيعتمد على العقل لتسويغ وترشيد مصالح الأقلية, وتبرير الأمر الواقع. واليسار قد يوظف النقل أيضا, "خاصة في مجتمع مؤمن بالنصوص, ويعتمد على العقل".
هذه الموضوعات الأربعة يصنفها الكاتب ضمن العقليات, على اعتبار أنه بالإمكان إدراكها بيقين عقلي. أما الموضوعات الأربعة الأخرى (النبوة, والمعاد, والأسماء والأحكام, والإمامية) فتدخل, بتصور الكاتب, في نطاق السمعيات, التي لا يمكن الوصول فيها إلى يقين عقلي, والتي لا تعتمد إلا على النقل وحده.
هنا أيضا, هناك موقفان, يوضح المؤلف: موقف اليمين الديني, الذي يحاول الجمع بين المجموعتين, فيرجع العقليات إلى السمعيات ويرجع اليقين إلى الظن, ثم يجعل السمعيات يقينيات, يكفر من تنكر لها أو اختلف في تفسيرها". وموقف اليسار الذي يحاول توسيع نطاق العقليات "وحدها, حتى يشمل اليقين الظن":
+ الموضوع الخامس مرتبط بالنبوة والوحي. النبوة هنا معجزة وإعجاز. ولما كانت كذلك, فإن اليمين الديني يوظفها بجهة القول, بأن الإنسان قاصر عن إدراك مصالحه...بالتالي, فهو بحاجة إلى حاكم, أو مدير أو شيخ أو ما سواهم.
وهناك اتجاه آخر, يرفض كل أشكال الوصاية على الإنسان, ويعتبره مستقلا. ليس بحاجة لعون خارجي أو عملي, على اعتبار أن الأنبياء أتوا (كل في قومه) لتحقيق استقلال الإنسان, وعندما تم ذلك من الناحية النظرية والعملية, وأصبح الإنسان "قادرا على إدراك الأمور بعقله, وتحقيقها بعمله, توقف ظهور الأنبياء, وأصبحت النبوة غير ضرورية".
اليمين يؤمن بذلك, لكنه يوظفه لفائدة الحاكم أو صاحب رأس المال, على حساب الغوغاء التي من "المهم فرض الوصايا عليها باسم الدين".
+ الموضوع السادس, موضوع المعاد, بجهة تناول الأخرويات أو "ماذا يحدث للإنسان بعد الموت". هنا أيضا موقفان: الأول يجعل الموت بيد الله وحده, لا بيد سواه. الموت هنا يفترض قسمان في الإنسان: بدن فان, يتحلل, لا قيمة له, ونفس باقية, خالدة, تنتظر الحساب... فتبدو وقائع الحساب التي يتكفل بها قاض ليس بناء على قانون, بل على رحمته وعفوه.
وهذا موقف اليمين, الذي يرغب الناس في مستقبل لهم خير من الحاضر, ويعدهم بعالم من الرفاهية حرموا منها في الحياة...فيهنأ الحاكم وصاحب رأس المال. وهناك موقف اليسار, الذي يرى بأن الموت قد يأتي من عوامل طبيعية, وبالإمكان تخفيض نسبته بين الناس بالقضاء على الأسباب (مجاعات, حوادث, حروب...الخ).
ولما كان البدن يموت بسبب ضعف أو هوان, فإنه يقتل النفس, بالتالي "فكيف يكون البدن فانيا, وتثبت أن النفس لا تفنى؟". هذا هو موقف اليسار, يقول المؤلف, كون خلود المرء يتأتى بما قام به على الأرض, وما تركه بنفوس الناس, وليس سوى ذلك.
+ الموضوع السابع, ويتعلق بالصلة بين العمل والإيمان. وبه موقفان أيضا: موقف اليمين, الذي يدافع عن الإيمان الباطني للناس دون البوح به, فيضمن صمتهم بالتالي, بمن فيهم المثقفون الحمالون للإيمان العقلي...وموقف ثان لا يفصل العمل عن الإيمان...إذ "الإيمان بلا عمل لا وجود له, والإيمان بلا شعور داخلي أو تصديق عقلي أيضا, مجرد عاطفة هوجاء, والإيمان بلا قول يجهر بالحق, إيمان ذليل مهن". وهو موقف اليسار الذي يعطي الأولوية للعمل على النظر, وينتقد المثقفين المكتفين بالتصديق العقلي, دون ممارسة فعلية, أو تجنيد للناس لإدراك حقوقها.
+ الموضوع الثامن, هو موضوع السياسة, "كآخر موضوع تقليدي في علم أصول الدين القديم". هنا أيضا موقفان: موقف اليمين "الذي يجعل السياسة ملحقا لعلم أصول الدين, وليست أصلا من أصوله, كالتوحيد والعدل". السياسة هنا فرع وليست أصلا, والدين هو العقائد, والعقائد لا شأن لها بحياة الناس...هو موقف يجمد الدين و"يستل السياسة من الممارسة اليومية للمؤمنين".
معنى ذلك, أن السياسة تتركز بيد الإمام أو الزعيم, تماما كما تنحصر العبادة في ذات الله, وكما ينحصر الدين في الإيمان بالله...دونما تساؤل في المؤسسات, أو سبل رقابة ومراقبة الحاكم...وهو حال النظم الملكية الوراثية بالغالب الأعم.
وهناك موقف آخر, يجعل السياسة أصلا لا فرعا, بل ويرى فيها المحقق لأصول الدين...والفكر السياسي هنا إنما يدور حول بناء المؤسسات الدستورية. الحاكم مطالب بالالتزام بالمبادئ وبالدستور, بصرف النظر عن نسبه أو طبقته, بل يوضع بمحك الانتخاب, وقد يعزل.
+ الموضوع التاسع, موضوع "وجود الجماعة في التارخ". وهنا موقفان أيضا: موقف اليمين, الذي يسقط التاريخ من حسبانه في استقرائه للجماعة, فيمجد الماضي, ويجعل "تاريخ الأمة تاريخا واحدا, تاريخ الملكية, أو تاريخ الأسرة الحاكمة, وليس تاريخ الشعوب".
وهناك موقف اليسار "الذي يجعل التاريخ جزءا لا يتجزأ من كيان الفرد والجماعة. وبذلك كان لليسار نظرة تاريخية للسياسة, أو تحليلا تاريخيا للاجتماع, أو جدلا تاريخيا للصراع".
التاريخ هنا لا يسير إلى الوراء, يقول الكاتب, بل هو حركة تقدم نحو المستقبل.
+ الموضوع العاشر: هل انتهت موضوعات علم أصول الدين, أم بالإمكان إضافة أشياء جديدة مستقاة من أحوال العصر؟ هنا موقفان أيضا, برأي الكاتب: الأول يرى أن القدماء الأوائل أوفوا كل شيء, ولم يتركوا صغيرة أو كبيرة إلا وتناولوها". وهو موقف اليمين, الذي يخص العقائد بالحياة الدينية, والنظام الرأسمالي بالحياة الدنيوية.
بالمقابل, هناك موقف يجعل علم أصول الدين متطورا, ويمنح العقائد مضمونا اجتماعيا من وحي العصر...وهو موقف اليسار, الذي مثله الإصلاحيون من أمثال الأفغاني وإقبال والكواكبي وغيرهم...والذين ربطوا الدين بالدنيا. بالتالي, يرى الكاتب, أنه بالإمكان "إضافة مادة جديدة لتعلم أصول الدين, تشمل لاهوت الأرض, ولاهوت الثورة, ولاهوت التقدم, ولاهوت التنمية, ولاهوت التغيير الاجتماعي, ولاهوت الثورة, ولاهوت التقدم, أي لاهوت السياسة الذي يمحي الفرقة التقليدية بين العقيدة والشريعة, أو بين أصول الدين وأصول الفقه.
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى مقاربة العلاقة بين الرأسمالية والدين, ويرى أن النظام الرأسمالي غالبا ما يوظف الدين لمصالحه, فيفصل بين مكان العمل ومكان العبادة, بل ويشجع الثانية لبناء المساجد, وتقوية الطرق الصوفية وما سوى ذلك...في حين أن العمل عبادة, وهذه الأخيرة ليست "ماذا يفعل الإنسان في نصف ساعة يوميا خمس مرات, بل ماذا يفعل الإنسان في يومه على مدى أربع وعشرين ساعة".
بالتالي, يقر المؤلف, فالعلم عبادة, والقضاء على الظلم عبادة, وحصر العبادة في إقامة الشعائر, هو من الاستعمار الثقافي, ومن التصور الرأسمالي للدين.
وعلى هذا الأساس, فالكاتب لا يميز بين البعد الروحي والبعد المادي, بل يعتبر أن "العالم كله روح وكله مادة, لا انفصام بينهما".
3- بالفصل الثاني (" المال في القرآن") يحاول المؤلف إعادة "بناء تراثنا الديني القديم, ممثلا في مصدره الأساسي وهو القرآن, طبقا لحاجات العصر, وعلى رأسها التنمية بالطريق الرأسمالي".
ويؤكد الكاتب أن لفظ المال ذكر 86 مرة, بما معناه أنه "موضوع مهم, تناوله الوحي بالبيان والتفصيل, وليس موضوعا عارضا" (ذكر لفظ النبي مثلا 80 مرة, ولفظ الوحي بصوره المختلفة, 78 مرة).
والذي يهم الكاتب هنا ليس المال المجرد الموجود بالطبيعة, أو المال المستقل, بل المال المستغل والمستثمر, بعدما يكون قد دخل في علاقة مع الإنسان, باعتباره عنصر حركة واستثمار, وليس اكتنازا وسكونا.
ولما كان المال لا يولد المال تلقائيا, بل الجهد هو الذي يوسع المال ويكثره, فقد جاء تحريم الربا تحريما قاطعا, على اعتبار أن المال لا يولد المال.
والمال مال الله وليس ملكا لأحد, ولم يظهر في القرآن ولو مرة واحدة أن المال هو مال الأغنياء أو المترفين. والمال لا يأتي بالقرآن مرفوعا إلا نادرا, "أي أن المال لا يمكن أن يكون فاعلا أو مبتدأ أو خبرا, لأن المال لا يفعل من تلقاء ذاته, بل يفعل من خلال الجهد الإنساني".
ويجزم المؤلف أن المال مال الله, "يورثه لمن يشاء من عباده الصالحين". والله هو الذي وضعه بين أيدينا, كوديعة لصرفه فيما أمر به الله. هو ليس إرثا, أو ملكا, أو حكرا على سلطة, دينية كانت أو سياسية. والذي يريد التشبه بالنبي, فعليه بالجهاد بالنفس والمال, وليس فقط بإقامة الشعائر وإطالة اللحي.
والمال ليس قيمة في حد ذاته, بل تأتي قيمته من المجهود المبذول لاستثماره. وكثرة المال فتنة, وقلته ابتلاء.
ويزعم المؤلف أن تصور الإسلام للمال, يميزه عن التصور الرأسمالي, القائم على الملكية الفردية, والربح, والاقتصاد الحر, والكسب غير المشروع, ومجتمع الاستهلاك وحياة الرفاهية, وما سوى ذلك.
ويخلص إلى أنه على الرغم من ميزات الرأسمالية, فإنه "في تراث البلاد النامية ما يساعدها على شق طريق لارأسمالي للتنمية" خاص بها.
دراسه نقديه في كتاب اليمين واليسار في الاسلام
ان الاستاذ احمد عباس صالح مؤلف كتاب اليمين واليسار في الاسلام هو من كبار الصحفين المصرين ومن الادباء المعروفين في الوطن العربي وهو من الكتاب القلائل الذين كشفوا الغطاء عن حقائق اخفاها المؤرخون او حرفوها عن مواضعها ،تبعا لاهواء السياسة ومصالح الحكام هذه الحقائق التي تجاهلها المتأخرون من حملة الاقلام وقادة الفكر . ان تاريخنا يحتاج الى الكثير من التصحيح الذي يترفع عن شوائب التظليل والتقليد والجهل .لقد مارس رجال الازهر الحراسة الصارمة على البحث في الاصول الاولى للاسلام وان الكتاب المحدثين تحرجوا عن النظر فيها،لان الذين حاولو من الكتاب اشتبكوا في معارك دامية مع الازهر ، تركت الاثر الكبير في نفوسهم ونفوس الاجيال التى تلتهم ،وكان هذا من الاسباب المهمة لسكوت كبار المفكرين والكتاب المصرين عن ذكر الحقائق في مؤلفاتهم
من امثال عباس محمود العقاد في كتابه( ابو الشهداء) او طه حسين في كتابه(الفتنة الكبرى) كان هذايحدث في زمن الصحف الورقية اما اليوم فلا احد يستطيع ان يمنع كاتب او مفكر من ان يعبر عن رايه او يصحح مانقله التاريخ من الافتراءات والاكاذيب مادمنا نعيش في عصر ثورة المعلومات التي جعلت من العالم اشبه بالقرية الصغيرة ، فعن طريق الانترنيت نستطيع ان نكتب مانشاء من اجل نصرة الحق والبحث عن الحقيقة ولا نخشى بالله لومة لائم، لهذه السبب كتبت هذه المقاله لكي اصحح ماورد في كتاب الاستاذ احمد عباس صالح من هفوات غير مقصودة او بسبب عدم حصوله على المصادر المهمة . يقول المؤلف ان اذاعة صوت العرب بالقاهرة كلفته بكتابة برنامج تمثيلي عن الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري وانه لم يكن يعرف عنه الا انه كان صحابي يحض المسلمين على عدم كنز الما ل .ان التاريخ العربي انما كتب في عهد الدولة الاموية والعهود التي تلتها وان المحاولات التي بذلت لدفع التيار الذي يقوده اليسار الى الانحراف عن الاسلام كانت من المهارة التي نفّرت المسلمين منه وهذه من النقاط التي اصبحت لها قدسية مطلقه لايسمح لاحد بالخوض فيها ، لان الخوض فيها يعني ادانة انظمة لم تاخذ من الاسلام الا العبادات ولاتنظر الى العدالة الاجتماعية التي تتعارض مع مصالحها الخاصة. ان البسطاء من المسلمين صدقوا تلك الافتراءات والاكاذيب وان المؤرخين في العهد الاموي والعباسي نسبوها الى الشيعة حتى اصبحت هذه الاكاذيب والافتراءات مصدقة عند هؤلاء البسطاء .... مهمة الكاتب والمثقف والباحث هو كشف زيف تلك الادعاءات التي ثبتها تاريخ المتزلفين والمنتفعين ووعاظ السلاطين وان الكشف عنها سيؤدي حتما الى ادانة انظمة تتظاهر بالاسلام لالشئ الا لتحتفظ بالسلطة والعبث بدماء الناس ومقدراتهم .
يقول المؤلف في كتابه : ان اليسار كان دائما يفتقد الى المبادرة لانه كان يؤمن بالمثل العليا ويميل الى المهادنة خاصة اذا تعرضت الثورة للهزات ، واليسار هنا يمثله علي(ع) ولم يكن علي مهادنا في دينه كما هو معروف من سيرته طوال حياته وكلمته اشهر من نار على علم بحق معاوية عندما طلب منه احد الناصحين بان يبقيه في ولاية الشام حينها قال الامام: ( لن اهادنن معاوية في ديني يومان) اما ماذكره المؤلف من ان عليا وصحبه قد خاضوا حرب الردة بكل قواهم ووقفوا بجانب ابي بكر فان الصحيح ان علي لم يقف بجانب ابي بكر فحسب انما وقف بجانب الحق بمحاربة المرتدين . يفكر بعض المؤلفين بان الامام يرى ان تكون الخلافة وراثية باعتباره اقرب الناس الى رسول الله لكنهم لم يهاجموا حق الوراثة هذا ولمدى قرون في ظل الحكم الاموي وبعده الحكم العباسي، بل وبعض المؤلفين من الشيعه كانت اكثر كتاباتهم تدور حول احقية على بالخلافة من حيث قرابته للنبي لا من حيث مايمثله من العدل والاسلام الحقيقي، فعندما اختلف المهاجرون والانصار فيمن احق منهم بالخلافة قال الامام (ابالقرابة او الصحابة تكون الخلافة) .
يذكر المؤلف ان اختيار ابو بكر لعمر ابن الخطاب ليس معناه ان يحارب اليسار ويرمي الى ابعاده عن الحكم لكنه يرى في اليسار تطرفا لايحتمله التجار والكبار من الذين كان لابي بكر فضل دخولهم في الاسلام . وكانما جاء الاسلام ليرضي التجار وكبار القوم . ينقل لنا المؤلف وحسب مايقول عن مصادر غامضة، ان سلمان الفارسي كان عاملا على الكوفة في عهد عمر، واراد ان يسير في العراق سيرة تتفق واتجاهه الفكري اليساري ، فكون نقابات الصناع تحولت بعد ذلك في عهد الشيعة المتاخرين الى ماسونية سرية والظاهر ان المؤلف أخذ هذه المعلومة من كتابات الدكتور علي الوردي الذي ذكر فيما ذكره عن الفرقة الاسماعيلية حينما تعرضت الى الابادة في زمن الحنابلةاضطر الاسماعيليون الى العمل السري الذي يشبه الى حد كبير عمل الماسونية الحديثة حسب تعبير الدكتور الوردي اذا ماعلمنا ان الفرقة الاسماعيلية هي من الفرق الشيعية والتي تمخضت عنها حركة القرامطة وجماعة اخوان الصفا والدولة الفاطمية في مصر .
وهنا نتسائل عن عهد الشيعة المتاخرين متى عرف وكيف تحول الى ماسونية سرية اذا كانت المصادر التى يعتمد عليها الكاتب كما يقول مصادر غامضة . ثم يسترسل المؤلف فيقول ا ن الذي حدث ان التجار والاغنياء حاولوا استمالة سلمان اليهم فلم يوفقوا، ثم بدأو يحاربونه حربا صريحة ، الا انهم ذهبوا وفدا الى مقر الخلافة في المدينة فقابلوا عمر ورفعوا شكوى اليه التى فيها اضرار بمصالحهم وعلى الفور عزل عمر بن الخطاب سلمان الفارسي من الكوفة ولم يوله منصبا رسميا بعد ذلك . هنا نقول هل يتصور عاقل ان عمر بن الخطاب يقدم على عزل عامل من عماله بمجرد تقديم شكوى ضده دون ان يرسل في طلبه ويستمع الى رده وعمر هو القائل البينه على من ادعى واليمين على من انكر وهل لاحد غير عمر ان يحكم بين الناس من طرف واحد دون ان يحضر المتخاصمان والسماع الى مايدعون ، فكيف اذا يتصرف عمر هذا التصرف وهو الذي يقول عنه المؤلف كان حاكما مثاليا يملأ نفسه الاحساس بالعدل حتى ان العدل يكاد ان يكون غريزة فيه. ثم يعرج المؤلف الى مقتل عمر وكيف ان نقاشا حادا ثار في الايام الاولى لمبايعة عثمان بين الامام علي والخليفة الجديد وكان هدف علي من النقاش هو التحقيق في قتل عبيدالله ابن عمر لابي لؤلؤة وزميله في الجريمة كما يقول الكاتب ، فهل كان يهدف علي من اثارته لهذه القضية واثارتها بالحاح مثير للدهشة الى ماهو ابعد من مجرد الرغبة في اقامة حد القتل على ابن الخليفة المقتول! نحن لانعلم حتى الان عن تفاصيل هذه القضية شيئا ثم يقول الكاتب من الذي دل عبيد الله ابن عمر على القتلة ! لاحد يعلم أي تفصيلات من الناحية الاخرى وهذا كلام المؤلف فان عثمان ومستشاريه قد قرروا فض القضيه فورا وغلق التحقيق فيها ، ولم يفلح علي ان يضعها تحت البحث والتحقيق واستندوا في هذا المجال الى مبررات لايملك احد ان يعارضها ويقصد هنا عثمان ومستشاريه كما يقول الكاتب ليس من المعقول ان يقتل الخليفة اليوم ثم يقتل ولده قصاصا في الغد. هنا نقول ان هذا الكلام ملئ يالتناقضات فهو من جانب يعتبر اقامة الحد على قاتل اثنين من البشر احدهما مجرم والاخر برئ فمن خول لعبيدالله ان يقتص من هؤلاء دون محاكمة او حتى استجواب القاتل ومعرفة الجهة الذي تقف وراء هذه الجريمة النكراء ، ثم يرجع المؤلف ليجاوب على هذا التساؤل : لا احد يعلم أي تفاصيل . فكيف للكاتب ان يعطي رايه في قضية لايعر ف تفاصيلها . ثم يتحول الكاتب الى ان حول قضية القتل الى قضية سباق صراعي بين علي وعثمان وجعل الغلبة بجانب الخليفة الجديد ومستشاريه الافذاذ وان علي قد خسر الجولة كما يقول المؤلف بعد ان اغلق عثمان التحقيق وقفل القضية . وان المبررات التى جاء بها عثمان وهذا الكلام للمؤلف لايحق لاحد ان يعارضها، فكيف يقتل رجل قد قتل اباه وكانما يحق لكل من يقتل والده ان يقتل مايشاء دون ان يكون لاحد الحق بمحاسبته. كان المسلمون جميعا وهذا كلام المؤلف ايضا يؤمنون بان علي اهم رجل في عصره وبين اقرانه من قادة المسلمين ومع ذلك تجاوزوه دون اسف يذكر حين اسندوا الخلافة الى عثمان وهذا الكلام غير صحيح على الاطلاق لان المسلمين لم يختاروا عثمان ولم يرفضو علي بل الذي اختار عثمان هو عمر عندما جعل الامر شورى في ستة اشخاص لم يكن لعلي منهم الا صوت واحد هو الزبير . ان الذي اختار عثمان هو حزب اليمين وليس المسلمون كما يدعي الكاتب، وقصة الشورى معروفة فلما بقي عبدالرحمن بن عوف وعلي وعثمان قال عبدالرحمن بن عوف انا اخرج منها على ان اختار عندها التفت الى علي بن ابي طالب ومد يده ليسلم عليه بالخلافة فقال عبدالرحمن لعلي: السلام عليك ياامير المؤمنين على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخان عندها لم يمد الامام يده الى عبدالرحمن وقال: بل على كتاب الله وسنة نبيه وهنا نقطة مهمة جدا يجب ان نقف عندها وهي اذا كان الشيخان يسيران على كتاب الله وسنة نبيه فلا وجوب لذكرهما هنا وهذا يعني ان علي رفض البيعة او الخلافة وفق هذا الشرط الا لشئ واحد لاغيره هو ان سيرة الشيخان لم توافق كتاب الله وسنة نبيه ولو كانت توافق الكتاب والسنة لما رفضها علي .يقول المؤلف وماقيل ان علي امتنع عن قبول البيعة بعد مقتل عثمان التي عرضها الثوار قد يكون تخريجا مبالغا فيه وهنا نقول ان علي رفض الخلافة لانها ليست الخلافة التي ذكرها النبي في خطبة الوداع لان الامام يعتبرها قد سرقت منه وهذا ماذكره في خطبته المسماة بالشقشقية وهي الخطبة الخامسة في نهج البلاغة والتي تبدأ بـ ( اما والله لقد تقمصها ابن ابي قحافة.........) لكن الامام رفض الخلافة بعد مقتل عثمان لانها وصلت اليه ممزقة وبالية ولايمكن اصلاحها. وليس امتناعه عن قبولها تخريجا مبالغا فيه.. كما يقول المؤلف ..
ان معاوية شخصية فريدة وشاذة جمعت فيه كل خصائص الرجل الذي لاتشل حركته أي قيمة من القيم لان الفرق بين علي ومعاوية هو كالفرق بين السلب المطلق والايجاب المطلق ، فقد تربى معاوية في حجر ابو سفيان راس الكفر والطغيان والرجعية وتربى علي في حجر النبي وماتحمله النبوة من ايجابية وخير مطلق ان علي اول من رفع المصاحف ولكنه قبل القتال ولم يرفعها بعد الهزيمة كما فعل معاوية ان الامام علي هو اول من وضع اسس الديمقراطية فبعد ان بذل الجهد ليوحد الصفوف ومواصلة القتال ان يقر الغالبية على رايه وان يقف القتال فقد علم الناس كيف ان راي الغالبية يجب ان يسود حتى لو كان على خطا. لقد وقع الامام بين فريقين من اصحابه فريق يريد مواصلة القتال وهم قلة وفريق يريد الاحتكام الى كتاب الله وهم كثرة وكان عليه ان يختار راي الغالبية بعد ان عجز عن الاقناع وهكذا تحت العوبة التحكيم التى اتت بنتائجها المثيرة للسخرية يقول المؤلف سُأل على في من يخلفه فقال ( اترككم كما ترككم رسول الله ) فطلب منه ان يستخلف الحسن فقال : ( لاامركم ولاانهاكم ) هنا يقول المؤلف لو ان علي كان يرى خلافة المسلمين في بيت رسول الله لكان استخلف الحسن حين طلب اليه المسلمون وذلك فرأي علي في الخلافة اكثر مايكون وضوحا هنا وهو وضوح قاطع في ان الشورى للمسلمين وانها حقهم الذي لاينازع فيه احد ، فهم وحدهم الذين يختارون اميرهم دون قيد او شرط . ثم يقول : وهذا الموقف ينفي كل ماقيل عن علي حول سعيه للخلافة لانتسابه الى بيت النبوة . ولا ينفرد الا الشيعه بالقول بانه استخلف الحسن وكان عليهم ان يفعلوا هذا حتى يبرروا فكرة الامامية اما بالنسبة لشروط الصلح مع معاوية يذكر المؤلف : ليس مهما ان ندخل في تفاصيل هذه الشروط لكنه يرجع مرة ثانية ويجملها في النقاط التالية اولا: تكون الخلافة للحسن بعد معاوية ثانيا : ان يعطي معاوية للحسن مليون درهم من بيت المال ثالثا: ان يكون له فوق ذلك خراج كورتين من كور فارس في كل عام رابعا: تامين انصار علي على انفسهم واموالهم . ونقول هنا ان هذه الشروط غير صحيحة لان الشرط الوحيد هو ان تكون الخلافة بعد معاوية الى الحسن ومن بعده الى اخيه الحسين لانه اولى بحفظ امانة الدين...
من امثال عباس محمود العقاد في كتابه( ابو الشهداء) او طه حسين في كتابه(الفتنة الكبرى) كان هذايحدث في زمن الصحف الورقية اما اليوم فلا احد يستطيع ان يمنع كاتب او مفكر من ان يعبر عن رايه او يصحح مانقله التاريخ من الافتراءات والاكاذيب مادمنا نعيش في عصر ثورة المعلومات التي جعلت من العالم اشبه بالقرية الصغيرة ، فعن طريق الانترنيت نستطيع ان نكتب مانشاء من اجل نصرة الحق والبحث عن الحقيقة ولا نخشى بالله لومة لائم، لهذه السبب كتبت هذه المقاله لكي اصحح ماورد في كتاب الاستاذ احمد عباس صالح من هفوات غير مقصودة او بسبب عدم حصوله على المصادر المهمة . يقول المؤلف ان اذاعة صوت العرب بالقاهرة كلفته بكتابة برنامج تمثيلي عن الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري وانه لم يكن يعرف عنه الا انه كان صحابي يحض المسلمين على عدم كنز الما ل .ان التاريخ العربي انما كتب في عهد الدولة الاموية والعهود التي تلتها وان المحاولات التي بذلت لدفع التيار الذي يقوده اليسار الى الانحراف عن الاسلام كانت من المهارة التي نفّرت المسلمين منه وهذه من النقاط التي اصبحت لها قدسية مطلقه لايسمح لاحد بالخوض فيها ، لان الخوض فيها يعني ادانة انظمة لم تاخذ من الاسلام الا العبادات ولاتنظر الى العدالة الاجتماعية التي تتعارض مع مصالحها الخاصة. ان البسطاء من المسلمين صدقوا تلك الافتراءات والاكاذيب وان المؤرخين في العهد الاموي والعباسي نسبوها الى الشيعة حتى اصبحت هذه الاكاذيب والافتراءات مصدقة عند هؤلاء البسطاء .... مهمة الكاتب والمثقف والباحث هو كشف زيف تلك الادعاءات التي ثبتها تاريخ المتزلفين والمنتفعين ووعاظ السلاطين وان الكشف عنها سيؤدي حتما الى ادانة انظمة تتظاهر بالاسلام لالشئ الا لتحتفظ بالسلطة والعبث بدماء الناس ومقدراتهم .
يقول المؤلف في كتابه : ان اليسار كان دائما يفتقد الى المبادرة لانه كان يؤمن بالمثل العليا ويميل الى المهادنة خاصة اذا تعرضت الثورة للهزات ، واليسار هنا يمثله علي(ع) ولم يكن علي مهادنا في دينه كما هو معروف من سيرته طوال حياته وكلمته اشهر من نار على علم بحق معاوية عندما طلب منه احد الناصحين بان يبقيه في ولاية الشام حينها قال الامام: ( لن اهادنن معاوية في ديني يومان) اما ماذكره المؤلف من ان عليا وصحبه قد خاضوا حرب الردة بكل قواهم ووقفوا بجانب ابي بكر فان الصحيح ان علي لم يقف بجانب ابي بكر فحسب انما وقف بجانب الحق بمحاربة المرتدين . يفكر بعض المؤلفين بان الامام يرى ان تكون الخلافة وراثية باعتباره اقرب الناس الى رسول الله لكنهم لم يهاجموا حق الوراثة هذا ولمدى قرون في ظل الحكم الاموي وبعده الحكم العباسي، بل وبعض المؤلفين من الشيعه كانت اكثر كتاباتهم تدور حول احقية على بالخلافة من حيث قرابته للنبي لا من حيث مايمثله من العدل والاسلام الحقيقي، فعندما اختلف المهاجرون والانصار فيمن احق منهم بالخلافة قال الامام (ابالقرابة او الصحابة تكون الخلافة) .
يذكر المؤلف ان اختيار ابو بكر لعمر ابن الخطاب ليس معناه ان يحارب اليسار ويرمي الى ابعاده عن الحكم لكنه يرى في اليسار تطرفا لايحتمله التجار والكبار من الذين كان لابي بكر فضل دخولهم في الاسلام . وكانما جاء الاسلام ليرضي التجار وكبار القوم . ينقل لنا المؤلف وحسب مايقول عن مصادر غامضة، ان سلمان الفارسي كان عاملا على الكوفة في عهد عمر، واراد ان يسير في العراق سيرة تتفق واتجاهه الفكري اليساري ، فكون نقابات الصناع تحولت بعد ذلك في عهد الشيعة المتاخرين الى ماسونية سرية والظاهر ان المؤلف أخذ هذه المعلومة من كتابات الدكتور علي الوردي الذي ذكر فيما ذكره عن الفرقة الاسماعيلية حينما تعرضت الى الابادة في زمن الحنابلةاضطر الاسماعيليون الى العمل السري الذي يشبه الى حد كبير عمل الماسونية الحديثة حسب تعبير الدكتور الوردي اذا ماعلمنا ان الفرقة الاسماعيلية هي من الفرق الشيعية والتي تمخضت عنها حركة القرامطة وجماعة اخوان الصفا والدولة الفاطمية في مصر .
وهنا نتسائل عن عهد الشيعة المتاخرين متى عرف وكيف تحول الى ماسونية سرية اذا كانت المصادر التى يعتمد عليها الكاتب كما يقول مصادر غامضة . ثم يسترسل المؤلف فيقول ا ن الذي حدث ان التجار والاغنياء حاولوا استمالة سلمان اليهم فلم يوفقوا، ثم بدأو يحاربونه حربا صريحة ، الا انهم ذهبوا وفدا الى مقر الخلافة في المدينة فقابلوا عمر ورفعوا شكوى اليه التى فيها اضرار بمصالحهم وعلى الفور عزل عمر بن الخطاب سلمان الفارسي من الكوفة ولم يوله منصبا رسميا بعد ذلك . هنا نقول هل يتصور عاقل ان عمر بن الخطاب يقدم على عزل عامل من عماله بمجرد تقديم شكوى ضده دون ان يرسل في طلبه ويستمع الى رده وعمر هو القائل البينه على من ادعى واليمين على من انكر وهل لاحد غير عمر ان يحكم بين الناس من طرف واحد دون ان يحضر المتخاصمان والسماع الى مايدعون ، فكيف اذا يتصرف عمر هذا التصرف وهو الذي يقول عنه المؤلف كان حاكما مثاليا يملأ نفسه الاحساس بالعدل حتى ان العدل يكاد ان يكون غريزة فيه. ثم يعرج المؤلف الى مقتل عمر وكيف ان نقاشا حادا ثار في الايام الاولى لمبايعة عثمان بين الامام علي والخليفة الجديد وكان هدف علي من النقاش هو التحقيق في قتل عبيدالله ابن عمر لابي لؤلؤة وزميله في الجريمة كما يقول الكاتب ، فهل كان يهدف علي من اثارته لهذه القضية واثارتها بالحاح مثير للدهشة الى ماهو ابعد من مجرد الرغبة في اقامة حد القتل على ابن الخليفة المقتول! نحن لانعلم حتى الان عن تفاصيل هذه القضية شيئا ثم يقول الكاتب من الذي دل عبيد الله ابن عمر على القتلة ! لاحد يعلم أي تفصيلات من الناحية الاخرى وهذا كلام المؤلف فان عثمان ومستشاريه قد قرروا فض القضيه فورا وغلق التحقيق فيها ، ولم يفلح علي ان يضعها تحت البحث والتحقيق واستندوا في هذا المجال الى مبررات لايملك احد ان يعارضها ويقصد هنا عثمان ومستشاريه كما يقول الكاتب ليس من المعقول ان يقتل الخليفة اليوم ثم يقتل ولده قصاصا في الغد. هنا نقول ان هذا الكلام ملئ يالتناقضات فهو من جانب يعتبر اقامة الحد على قاتل اثنين من البشر احدهما مجرم والاخر برئ فمن خول لعبيدالله ان يقتص من هؤلاء دون محاكمة او حتى استجواب القاتل ومعرفة الجهة الذي تقف وراء هذه الجريمة النكراء ، ثم يرجع المؤلف ليجاوب على هذا التساؤل : لا احد يعلم أي تفاصيل . فكيف للكاتب ان يعطي رايه في قضية لايعر ف تفاصيلها . ثم يتحول الكاتب الى ان حول قضية القتل الى قضية سباق صراعي بين علي وعثمان وجعل الغلبة بجانب الخليفة الجديد ومستشاريه الافذاذ وان علي قد خسر الجولة كما يقول المؤلف بعد ان اغلق عثمان التحقيق وقفل القضية . وان المبررات التى جاء بها عثمان وهذا الكلام للمؤلف لايحق لاحد ان يعارضها، فكيف يقتل رجل قد قتل اباه وكانما يحق لكل من يقتل والده ان يقتل مايشاء دون ان يكون لاحد الحق بمحاسبته. كان المسلمون جميعا وهذا كلام المؤلف ايضا يؤمنون بان علي اهم رجل في عصره وبين اقرانه من قادة المسلمين ومع ذلك تجاوزوه دون اسف يذكر حين اسندوا الخلافة الى عثمان وهذا الكلام غير صحيح على الاطلاق لان المسلمين لم يختاروا عثمان ولم يرفضو علي بل الذي اختار عثمان هو عمر عندما جعل الامر شورى في ستة اشخاص لم يكن لعلي منهم الا صوت واحد هو الزبير . ان الذي اختار عثمان هو حزب اليمين وليس المسلمون كما يدعي الكاتب، وقصة الشورى معروفة فلما بقي عبدالرحمن بن عوف وعلي وعثمان قال عبدالرحمن بن عوف انا اخرج منها على ان اختار عندها التفت الى علي بن ابي طالب ومد يده ليسلم عليه بالخلافة فقال عبدالرحمن لعلي: السلام عليك ياامير المؤمنين على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخان عندها لم يمد الامام يده الى عبدالرحمن وقال: بل على كتاب الله وسنة نبيه وهنا نقطة مهمة جدا يجب ان نقف عندها وهي اذا كان الشيخان يسيران على كتاب الله وسنة نبيه فلا وجوب لذكرهما هنا وهذا يعني ان علي رفض البيعة او الخلافة وفق هذا الشرط الا لشئ واحد لاغيره هو ان سيرة الشيخان لم توافق كتاب الله وسنة نبيه ولو كانت توافق الكتاب والسنة لما رفضها علي .يقول المؤلف وماقيل ان علي امتنع عن قبول البيعة بعد مقتل عثمان التي عرضها الثوار قد يكون تخريجا مبالغا فيه وهنا نقول ان علي رفض الخلافة لانها ليست الخلافة التي ذكرها النبي في خطبة الوداع لان الامام يعتبرها قد سرقت منه وهذا ماذكره في خطبته المسماة بالشقشقية وهي الخطبة الخامسة في نهج البلاغة والتي تبدأ بـ ( اما والله لقد تقمصها ابن ابي قحافة.........) لكن الامام رفض الخلافة بعد مقتل عثمان لانها وصلت اليه ممزقة وبالية ولايمكن اصلاحها. وليس امتناعه عن قبولها تخريجا مبالغا فيه.. كما يقول المؤلف ..
ان معاوية شخصية فريدة وشاذة جمعت فيه كل خصائص الرجل الذي لاتشل حركته أي قيمة من القيم لان الفرق بين علي ومعاوية هو كالفرق بين السلب المطلق والايجاب المطلق ، فقد تربى معاوية في حجر ابو سفيان راس الكفر والطغيان والرجعية وتربى علي في حجر النبي وماتحمله النبوة من ايجابية وخير مطلق ان علي اول من رفع المصاحف ولكنه قبل القتال ولم يرفعها بعد الهزيمة كما فعل معاوية ان الامام علي هو اول من وضع اسس الديمقراطية فبعد ان بذل الجهد ليوحد الصفوف ومواصلة القتال ان يقر الغالبية على رايه وان يقف القتال فقد علم الناس كيف ان راي الغالبية يجب ان يسود حتى لو كان على خطا. لقد وقع الامام بين فريقين من اصحابه فريق يريد مواصلة القتال وهم قلة وفريق يريد الاحتكام الى كتاب الله وهم كثرة وكان عليه ان يختار راي الغالبية بعد ان عجز عن الاقناع وهكذا تحت العوبة التحكيم التى اتت بنتائجها المثيرة للسخرية يقول المؤلف سُأل على في من يخلفه فقال ( اترككم كما ترككم رسول الله ) فطلب منه ان يستخلف الحسن فقال : ( لاامركم ولاانهاكم ) هنا يقول المؤلف لو ان علي كان يرى خلافة المسلمين في بيت رسول الله لكان استخلف الحسن حين طلب اليه المسلمون وذلك فرأي علي في الخلافة اكثر مايكون وضوحا هنا وهو وضوح قاطع في ان الشورى للمسلمين وانها حقهم الذي لاينازع فيه احد ، فهم وحدهم الذين يختارون اميرهم دون قيد او شرط . ثم يقول : وهذا الموقف ينفي كل ماقيل عن علي حول سعيه للخلافة لانتسابه الى بيت النبوة . ولا ينفرد الا الشيعه بالقول بانه استخلف الحسن وكان عليهم ان يفعلوا هذا حتى يبرروا فكرة الامامية اما بالنسبة لشروط الصلح مع معاوية يذكر المؤلف : ليس مهما ان ندخل في تفاصيل هذه الشروط لكنه يرجع مرة ثانية ويجملها في النقاط التالية اولا: تكون الخلافة للحسن بعد معاوية ثانيا : ان يعطي معاوية للحسن مليون درهم من بيت المال ثالثا: ان يكون له فوق ذلك خراج كورتين من كور فارس في كل عام رابعا: تامين انصار علي على انفسهم واموالهم . ونقول هنا ان هذه الشروط غير صحيحة لان الشرط الوحيد هو ان تكون الخلافة بعد معاوية الى الحسن ومن بعده الى اخيه الحسين لانه اولى بحفظ امانة الدين...