الاثنين، 13 أغسطس 2012

قراءة في كتاب :المجتمع والسلطة عند المرابطين في الصحراء


نقدم في هذه العجالة قراءة في البحث المنشور للسياسي و الباحث الموريتاني صالح ولد محمدو ولد حننا تحت عنوان "المجتمع و السلطة عند المرابطين في الصحراء" والذي نشرته مؤخرا دار نقوش عربية للنشر وهو عبارة عن رسالة تخرج تقدم بها المؤلف لنيل شهادة الإجازة "المتريز" في التاريخ من جامعة نواكشوط في العام الدراسي 1998 تحت إشراف الدكتور الناني ولد الحسين وتولى نشره السفير التونسي في موريتانيا عبد الرحمن بلحاج علي .

وقد احتوى هذا البحث كما يقول بلحاج الذي تولى نشر الكتاب والتقديم له على (الكثير من المعلومات و الإفادة و الإضاءات الغزيرة عن البيئة التي أفضت إلى قيام دولة المرابطين مع دراسة البنية الاجتماعية والسلطة السياسية عند الملثمين قبل وبعد قيام دولتهم).

يعلل صالح ولد حننا اختياره لهذا الموضوع بالقول:(إن ما أنجزته الدعوة التي حمل لواءها عبد الله بن ياسين من تغيير في نمط حياة وتفكير ووعي هؤلاء القوم كان ظاهرة فريدة في ظرف تاريخي تميز أساسا بتراجع دور الخلافة الإسلامية وتقلص نفوذها وتنامي النزاعات الانفصالية في أرجائها على أسس طائفية ومذهبية ضيقة.

وقد مكنت هذه الحركة الدينية السياسية من نشر وتثبيت المذهب السني المالكي في عموم المنطقة وإقصاء ما سواه مما منح المغرب العربي الكبير وحدة مذهبية مازال ينعم بها حتى اليوم. فكانت هذه الحقبة التاريخية فصلا مشرقا من تاريخ هذا المجتمع الذي يقف اليوم مترددا وحائرا على حافة منعطف تاريخي خطير وحاسم ويعتبر الاختيار فيه أصعب القرارات إذا لم يكن مبنيا على تراث هذه الأمة بمختلف فصوله ومكوناته. إن هذا التراث يحتاج في التمحيص و إعادة البناء إلى جهود الجميع).

ولا يخفي ولد حننا الصعوبات التي واجهته في هذا البحث والتي من أهمها (ندرة المصادر المعاصرة للحدث فما كتب الرحالة العرب كان بعد الأحداث بفترة طويلة باستثناء البكري الذي عاصر قيام دولة المرابطين ولكنه لم يصل إلى المنطقة وبذلك يكونون جميعا نقلوا عن مصادر أخرى.. أما الكتاب الأوربيون الذين كتبوا حول الموضوع فلا يمكن الاعتماد على ما كتبوه لما يحتويه من قراءات واستنتاجات بسبب انتماءاتهم الإيديولوجية وتأثرهم بالنزاعات الصليبية و الاستشراقية و روح الانحياز لاستعادة الأندلس).
مدخل تاريخي

يقدم الكتاب في الفصول الأولى لبحثه إطلالة تاريخية مهمة للتطورات التاريخية في الصحراء وبلاد الملثمين التي سبقت قيام دولة المرابطين.

فقد (استطاعت قبائل صنهاجة أن تضع أسس دولة قوية انطلقت من الصحراء القاحلة لتبسط سلطانها على إقليم واسع امتد من بلاد السودان في حوضي نهر النيجر والسنغال وحتى الأندلس مرورا بالمغرب الأقصى وجزء من الأوسط خلال النصف الثاني من القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجريين11-12م).

وقد تعرض المؤلف في الفصل الأول للمجال الجغرافي لصنهاجة مبينا طبيعته من حيث التضاريس والمناخ لما لذلك من تأثير مباشر على نمط الحياة في المنطقة بالإضافة إلى مجتمع الملثمين باعتباره العنصر البشري الذي أقام هذه الدولة و تأثر بكل المعطيات مبرزا أهم النشاطات الاقتصادية التي كان يمارسها سكان الصحراء في فترة ما قبل قيام الدولة وفي الفصل الثاني تناول مختلف المراحل التي أفضت إلى قيام الدولة، بدء بالدعوة وانتهاء بالفتوحات في جميع الاتجاهات.
السلطة والمجتمع
صالح ولد محمدو ولد حننا
مولود بمدينة لعيون بموريتانيا سنة 1965
تحصل على شهادة الباكلوريا سنة 1982 بنواكشوط وشهادة الباكلوريوس في العلوم العسكرية من كلية الملك عبد العزيز الحربية بالسعودية سنة 1987 و الإجازة في التاريخ من جامعة نواكشوط سنة 1998 .

قاد محاولة انقلابية ضد نظام ولد الطايع في العام 2003

فاز في الانتخابات النيابية لسنة 2006 بعضوية مجلس النواب عن حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني الذي يرأسه وترشح لرئاسيات 2007 بموريتانيا.


أما الفصل الثالث فيخصصه المؤلف لصلب موضوع البحث فيقدم تصورا للسلطة والمجتمع عند المرابطين الذين أقاموا ( دولة منظمة ومنسجمة مع الأطروحات العقائدية في المذهب المالكي في نسقها العام، كما كانت بالدرجة الأولى نتاج تفاعلات العوامل المحلية مع السيرة الذاتية لمؤسس الدعوة. و لئن كان النظام الدقيق في الرباط إبان فترة حياته قد زاد من نفوذها في توجيه الدولة فإن السلطة السياسية سرعان ما استأثرت بالحل والربط بعد وفاة ابن ياسين451هـ).

لكن بعد وفاة ابن ياسين وتولى أبي بكر بن عمر بدأت السلطة السياسية تطغى على السلطة الدينية لأن الأمير لم يكن فقيها و لأن الدولة دخلت مرحلة من تاريخها التدبير السياسي المنبعث من سعة الأفق والحزم و العزم .

وكن لانسجام الجنس البشري في قبائل الصحراء والتمسك بالعصبية القبلية دور كبير في زيادة التماسك في مجتمع الدولة ( فقد كان مجتمع الملثمين نتاجا طبيعيا للبيئة التي نشا فيها وتعاقب المجموعات البشرية التي عمرتها قبل قيام دولة المرابطين فهذا المجتمع لم يكن مقتصرا على الملثمين رغم هيمنته العددية والسياسية وهيمنة قيمهم على مختلف مكوناته بل تجاوز ذلك التكوين ليشمل مجموعات بشرية ذات أصول مختلفة توافدت على الصحراء قي فترات مختلفة وامتزجت بهم حتى بات تمييزها عنهم أمرا مستحيلا).

وقد عرف هذا المجتمع بنى تراتبية تتميز بوجود طبقة الأسياد التي تحتكر القيادة و السلاح والثروة وطبقة من الأتباع تؤدي مختلف الأعمال اليدوية( وقد عرفت هذه البنية تطورا عميقا لتتلاءم بالضرورة مع الأهداف السياسية والدينية للحركة المرابطية دون أن تقوضها بحيث أضافت مهاما جديدة إلى بعض الفئات ورفعت بعض الأعباء عن فئات أخرى . كما استحدثت فئة جديدة سيكون لها دور كبير و أساسي في عموم المنطقة هي فئة المتعلمين).

خاتمة
وعموما فقد استطاع صالح ولد حننا من خلال هذا البحث أن يقدم سردا تاريخيا تسلسليا لمختلف الأحداث التاريخية للمنطقة في صحراء الملثمين كما قدم توصيفا دقيقا للأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية للمنطقة قبل وبعد قيام دولة المرابطين كما قدم قراءات واستنتاجات و نقاشات علمية في صفحات هذا البحث الذي يعد نموذجا للأبحاث التاريخية التي تناولت تاريخ المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق